(٢)

33 7 0
                                    

كُنتُ سابدأ بسرد القصّة بقولٍ مشهور لكنَني ما إن تَذكرتُهَا أَبيتُ إلا أن أُغيرها فقلتُ «كانَ يا مَكانّ ليست من سوالَفِ العصّر والزمان، بلّ زمانُنَا وواقعِنا الآن وكلّ ما حدَث ليس خيَال، بلّ حقيقةٌ»

حقيقةٌ افقدُ نفسي حينَ أذكرُها،
وكيَف لا أَفقدُها وأنَا صانِعُها...

لنْ أطولُ على نفسَي بالحديث، فهذهِ قصّتي وخُذَ منَي عُذَرًا وأنَني أَدري بما يحدثُ للقَارىء من ملَلٍ وتشَتُت عند الحديث عن الشيء نفسه مرةً تلو الأُخرى.

في أَعوامٍ لا تُذكر ولا تُعَد، كُنَت في الأَيام الأولى من الثانِ والثلاثَون في سنينِ الدُنيَا التي أَعطتنَي إياها، أَدخل الكنيَسة، وأَخرجُ مِنها بدونِ أي هَدف بلّ تلبيَةُ لجارٍ عزيَز يتفقَدُني كلَ يومٍ ويحدثنَي عن الرَب، لم أَكنُ مؤمنًا يومًا، لا أَنتمي لأيِ دينٍ هِنَا، أَبحث عن ذاتٍ أو ذواتٍ سَكنت فيَّ، أَجوبُ القَصر القاتِم المليء بالزوايَا والأَشباح والمتاهات وكأنَني لا أعرفُ بعد أيُّ أرجاءٍ فيه، أَفقدُ نفسي كلّ يوم وأَعيش على ذكرى.

يومٌ من الأَيام
ذوُّ ملامحٍ خفيَة، ضبَابية
تميلُ إلى النَسيان، أو أميلُ لنسيانِها
أو لأَكونُ صّديقٌ لكَ، أُحاول نسيانِها.

كلمَا رأيَت أوراق الأَشجارِ تسقَط، تذكّرتَني
الأَيام تَتهاوى وأَفقدُ السنَون كُفقدانِ الورق للأَشجار
أَشتاقُ لهَا، كإشتيَاق الورق للأَشجار والأَشجار لِأوراقِها.

أُسهِبُ في الحديث،
أَفقدُ الشعور عندمَا ابدأ بِالكِتابة.

يومُهَا وصلتّني برقيَةٌ من صديَقٍ سابِق لإحدى النَدوات التي يتحدثُ فيها رجلٌ ثَري يُهَرطقُ بقواعدٍ لحُب الذات، حُبٍ للشريَك وكأن الحب محصورٌ على ما يُذكَر، وكأن جُلّ المعانِ فُقدت، هَوت في مهبٍ للريَح، ذهبَتُ لزيارة ذاكَ الصّديق ووجدتُ النَاس تبيَع الهواء الذي نتنَفس مُقابل حُفنةً من المال، والشيء الوحيَد الذي أحببتُ حينهَا هو عينّاها فقُمتُ مُتسلِلًا لأراهَا وكان الوقوعِ في الحُبْ كالغوصِ في عُمقِ البِحار الشيء الوحيَد الصّادق أنكَ تعودُ ميتٌ، وجدّتُ نَفسي أمامُهَا أَسألُها عن حَالها فتَقول:
أرقٌ وإن رقّ
وعينٌ تَرِقُ متَى ما رأتك.

---
هُنَا الوقُوعِ فيهَا معصيَةٌ تَلوذُ بِنا.

اليَومُ الأَول من السَقوط في اليمِّ،
٣ تموّز ١٨٠١
زُهور الربيَع بدّت أن تكتَسي...

أزميرالداحيث تعيش القصص. اكتشف الآن