-22- لعنات عابث

459 61 405
                                    


"شكراً على الوجبة."
تشكرت ريم على صينية الفواكه والخبز المدهون بالمربى لكنها أومات وحسب ثم تراجعت دون أن ترفع رأسها. بدت حزينة بوضوح، لم أعني أن أجرحها سابقاً بشكل خاص لكن قلبها قد يتفطر أكثر إن لم تسر الأمور بين النوكتوا وحراس التوازن بسلام.

"مينـ... مينرڤا. أنا..."
تلعثمت كما كانت تفعل عندما كانت أقصر مني، يبدو أن السنوات الماضية لم تغير سوى المظاهر التي بالكاد ألفها، بعض القلوب مازالت ذاتها.

"من كان يعمل هنا مؤخراً؟"
سألت من خلف مكتبي وأنا أتناول بضعة حبات عنب من الطبق أمامي، لاحظت أن بعض الكتب مرمية دون أن يتم إعادتها مكانها وكأن أحدهم كان يتصفحها ولايقرأها، دزينة كؤوس الشاي قد تغييرت فضلاً عن الطريقة التي اصطفت بها كنائب ساحة التدريس.

"إنها أنا!"
ريم أجابت على استعجال وأرجحت ساقها اليمنى بين الاقتراب والابتعاد.
"أقوم بالإشراف على ترتيب وتنظيف المكتبة بين الفنية والأخرى."
شرحت بنبرة أكثر هدوء عن تلك المتوترة سابقاً.

"الأرشيف...."
غمغمت وأنا أمضغ طعامي مطالعة بضعة أوراق.

"ماذا عنه؟"
ريم اقتربت بفضول فرفعت وجهي نحوها لتجفل.
"من كان يدخل الأرشيف مؤخراً؟"
سألت، أردت التأكد وحسب.

"لست واثقة، سمعت أن السيدة أويليف تقاعدت وستعود لتصبح المسؤولة عن التدريس والأرشيف بمساعدة زوجها لكنني لم أراها تدخل قط."
حركت بصرها الصافي بعيداً، رغم توترها إلا أن كلماتها كانت بوضوح صادقة.
"أيضاً لا أحد يدخل المكتبة بشكل عام إذ توقفت الدروس وتم تعليقها."
بسبب عدم وجود مدرس بلا شك.

"هذا كل شيء."
أعدت بصري لما أعمل عليه وريم استقامت سريعاً.

"أ...أجل."
غمغمت ثم تراجعت بذات الملامح الحزينة، لابد أنها لم تتوقع أن أصرفها بسرعة بعد أن كنت أنا من بدأ بالدردشة معها.
تلك المحادثات المليئة بالضحك والفكاهة بيننا لن تعود، لابد أن خيبتها كبيرة.

أغلقت ريم الأبواب خلفها ومع فعلتها أنا أخذت أركز أفكاري الأساسية وأبدأ بتنظيمها.
رغم أنهم سمحوا لي بالعود لاستعمال جناحي إلا أنني لم أبارح مكاني هنا في المكتبة منذ بضعة أيام بحثاً عن الكتاب الضائع علي أجده في الأنحاء فلا اضطر لتصديق أسوأ سيناريو رسمه عقلي، لكن للأسف لا أثر له وهذا فقط يجعلني أشعر بأرق أكبر.

"أحتاج للاستحمام."
تمتمت وأنا أهرش خصلاتي بعنف، أعتقد بأنني أستطيع الحصول على بعض الوقت لنفسي بما أن فرويد لم يعد بخبر بعد عن المريض أو أرى مايبل في الأنحاء منذ البارحة.

دردشت كل ليلة لبضعة دقائق مع آيجل من نافذة جناحي بعد أن علّمت غلاكوس كيف يقوم بمناداته. غلاكوس أذكى من ذلك لكنني لا أبدو قادرة على التواصل معه بطريقة مباشرة كالنوكتوا الباقين ولا أستطيع الانتظار لتحل معجزة علي. يجب أن نطور قدراتنا على التواصل بأنفسنا.

بـومـة مينـرڤاحيث تعيش القصص. اكتشف الآن