في أيام شراد كهذه، تختفي معالم الموجودات وتخرج الأطياف من جحورها..
كانت زهراء تعرف هذه الأطياف أكثر من غيرها، لكنها لم تقو يوما على مواجهتها..
ودائما ينتهي بها الحال إلى الركض بعيدا بقدميها العاثرتين، لعلها تصل إلى مأمن ما..
تعيش زهراء حياة متواضعة، هل هي قنوعة؟ ربما، لا شيء أكيد عن فتاتنا، تذكروا ذلك جيدا..
لا شيء حتى وجودها التي نكتب له هاته السطور، قد ينعدم في لحظة ما وتتوقف قصتنا كآلة نفد منها البنزين لتموت بالصدأ..
وزهراء تشعر أنها قد بدأت تصدأ بالفعل..
وأن كل شيء في حياتها لم يعد يغذيه بنزين، هل تشتري تلك الدريهمات التي ترن في جيب معطفها الأزرق بعض البنزين؟ من يدري!
ربما تضطر لبيع معطفها ذاك.. ألن تموت بردا؟
ربما، وربما الدراهم التي سيدرها عليها معطفها الرث لن تشتري لها علاجا للصدأ، وهكذا ستموت بردا بينما يلتهم الصدأ ما بقي من لمعان في عينيها، وتموت زهراء..
تقف الصغيرة حائرة أمام هذه المشكلة العجيبة: "ما الحل إذن؟" تساءلت، أجابها الصدأ بأنه التهم دماغها، ولم يعد لها طاقة للتفكير ولا حافز للخروج..
إذن تمكث هنا حتى الجنون أو الموت؟
لم لا؟ ليس لها -على أي حال- دافع للخروج..
تجلس القرفصاء في زنزانتها المظلمة، وتسند رأسها إلى الجدار وتنظر بخواء إلى الباب المفتوح القابع قبالتها..
وتغمض زهراء عينيها، ويلتهمهما الصدأ..