وتخرج الأطياف من جحورها، وتركض زهراء وتتعثر، ليمد الكابوس يديه القذرتين إلى رقبتها، وتستيقظ مذعورة..
لقد كان وهما من تلك الأوهام، كذلك الوهم الواقف أمامها، والذي تحت السرير، ومن يحدق من فوق الخزانة، أو القابع في الزاوية اليمنى..
والذي أتى في هذه اللحظة ليجلس أمامها، فيم يحدق؟ فكرت زهراء، ربما في الفراغ!
ربما يتوق ليلتهم روحها، أو يوقف قلبها الذي أصبح ينبض بصعوبة الآن..
لماذا يتبعها؟
لماذا هي؟
فكرت حزينة، وما لبث حزنها أن تحول إلى ذعر حين رأت بطرف عينها الوهم وهو يبتسم..
هل لأنه قرأ ما يعتمل في رأسها الصغير؟
أم لأنه يشعر بأنفاسها المضطربة، وأطرافها المتجمدة، ونابضها الذي يكاد يتوقف، وحبات العرق التي بدأت تلتمع على جبينها؟
لأنها خائفة؟
الخوف موت بطيء، الخوف شلل..
الخوف يجعلك تستشعر اسوداد الحياة..
وكم هي أليمة، مريرة، صعبة، وكم أن الناس بالكاد يخوضون غمارها ليموتو في أوج العمر بمأساوية..
كحفنة من الجرذان، خلقنا لنركض من دهس السيارات ونعيش على الفتات ونموت دون أن يشعر بموتنا أحد..
وأن نركض ونركض ونركض، ونخاف ونموت خوفا أو دهسا بواحدة من تلك السيارات..
ونخاف ونموت خوفا..
ونركض ونركض..
فكرت زهراء: أما لذلك نهاية؟
ماالذي ينتظرني في تلك المدينة يا ترى؟
إنني خائفة من أن أرى!
ألا يمكنك أن تستثنيني، أيها العالم الواسع؟
لتجيب الحياة بأخذها من ذراعها وضمها إليها ضمة خنقت أنفاسها، وتهمس في أذنها:
يجب أن تري يا زهراء، يجب أن تري بنفسك..
من يدري!