حطام

23 3 0
                                    

أ قالت "صديقي" ؟

"لقد عدت.."
بخطوات خفيفة يمرر يده على الحائط ينير المصباح و يضيء المكان بجماله، يُعلق معطفه الداكن و يضع مفاتيحه فوق المنضدة و مع كل حركة كان يصدر ضجيجا، وهاهو يتجه إلى السلالم حيث غرفته.

"ما خطب أزرق العينين؟" أردف "أنتارك" مباشرة فور دخول صديقه ولكن هذا الأخير استلقى مباشرة و هاهو يستعد لينام بعمق. "أنا احدثك يا كاسِياكو، تقول "لقد عدت" و تصدر ضجيجا صاخبا عند وضع أشياءك.. ليس من عادتك". التفت كاسِياكو بانزعاج إلى المتحدث تنهد ثم قال: لم تسر الامور على مايرام، لقد فشلتُ". تعجب أنتارك من كلام هذا الأخير: فشلت؟ هذا يعني انهم لم يقبلوا بك كمغني، إن هذا مضحك نوعا ما يا صاح.. أنت حتى لا تهتم بهذا المجال ولا تملك أمل أو موهبة غناء، لماذا شاركت أصلا؟ ". صمت كاسِياكو قليلا ثم أردف: إن هذا لا يهم، أساسا لم يبقى من عمري الكثير و كل ما اريده الآن أن أشعر بالسلام، مهما حدث إياك أن تخبر والدي أني تقدمت إلى اللجنة ". أنتارك: "إنك مجرد طالب جامعي ستصبح رجل أعمال أليس كذلك؟ حسنا حسنا". أغمض كاسياكو عيناه ليعود إلى النوم ثم فتحها ببطئ بمجرد أن تذكر يومه الشاق فغاص في بحر الشرود. قاطعه صوت صديقه : أنا ذاهب يا أزرق العيون، أراك فيما بعد، و شكرا على الملاحظات سأعيدها بمجرد أن أنقلها". كاسِياكو: "حسنا فيما بعد".

حل الصمت بمجرد مغادرة هذا الأخير و عاد أسود الشعر إلى فراغه و وحدته، تحرك أخيرا من مكانه و هاهو ذا نازل يتمشى تحت القمر بعد كل ثقل أفكاره. قاطع هدوئه صوت أبيه بضحكته المتكبرة وهو يتقدم إليه: " انظروا انظروا من يقف تحت القمر بكل أناقة، ابن صاحب أعظم شركة و الطالب المتفوق في جامعات ويندسور، لا أستطيع الإنتظار حتى أراك ببدلة عمل فخمة كرجل أعمال، كم هذا عظيم، ثم انه عامك الأخير في الجامعة و ستتخرج عما قريب، سأفخر بك أخيرا أليس كذلك؟" كان سيستمر بالضحك لولا أنه لم يتلقى ردا من ابنه. تحولت نظراته إلى نظرات حدة و غضب: "أليس كذلك؟". لا زال هناك صمت.
ها قد بدأ الإزعاج.. إنه يصرخ الآن : "ألا تسمع ما اقوله ايها الولد عديم النفع؟ انظر الى ما تفعله بي !! تلتزم الصمت طوال حياتك و تتكبر أينما و طأت قدمك، أهكذا ترد الخير لمن قام بتربيتك و توفير كل شيء لك؟ قسما إني لكاسر كبريائك و تعجرفك... قسما إني لكاسر أنانيتك". لم يتحمل الصمت الوارد من الولد وهاهو قادم لصفعه لولا تلك الكلمات التي تلفظت من مخارجها أخيرا : "أني بالفعل حظيت بأب رائع و أم رائعة، انت توفر كل متطلبات نجاحي حتى انني الأول في كل المجالات، والله شكرا لك يا أبي شكرا لله على هذه النعمة.. لكن.. لم يسبق لك ان شاورتني او أخذت رأيي، ألن يأتي يوما نتحدث فيه عن أحلامي أنا؟". هدأ الأب قليلا بعد أن تكلم القابع أمامه أخيرا فأردف بتكبره الدائم : "هذه هي الروح.. أجل عليك ان تطيعني، لم اكن اعلم انك تستطيع الكلام يا بني ولكني انصحك ان تستخدم كلماتك بحذر و فيما ارضاه أنا فقط. أحلام ماذا يا بني؟ إنها شيء تافه بلا قيمة، إني هنا أدبر كل شيء لك و لصالحك حتى تنعم بحياة رائعة و هنيئة لذا فلتعد لصمتك و ليهب عليك النعيم". لم يستطع كاسياكو كبت المزيد من مشاعر الحزن و الغضب فقال بصوت حاد : "لقد طفح الكيل يا أبي، أنت تقيدني و تحطم أحلامي، رجل ماذا؟ لا تضحكني يا صاح أنا لم افكر بهذا اطلاقا و لم تنشأ فكرة كهذه في مخيخي
إطلاقا، لعلك تمزح..صالحي؟ أنت تحطم كل شيء بي لم يبقى شيء، والله إني محطم، انت حتى لا تسألني عن أحوالي او دراستي، اتظن أن نجاحي كطالب كان بفرض سيطرتي على الناس او بأموال أبي؟ ما هذا الهراء-...". لم يكمل كلامه بسبب الصفعة التي قاطعت حروفه المهشوشة المتعبة و التي أسقطته أرضا بلا قوة. نظر الأب الى الشاب بغضب و احتقار ثم اعتلت الضحكات القوية صوته الخشن : "لن تغدو رجلا...كيف لضربة ان توقعك أرضا و تُنزف دمائك، ما هشاشة العظام هذه يا رجل؟". ما إن رجع إلى نوبة الضحك حتى تلقى ضربة افقدته التوازن هو الاخر. كاسياكو : إني حتما صابر عليك يا أبي و حتما صابر على أفعالك و تعجرفك.. لكن إياك.. إياك أن تكرر ما فعلته اليوم، إني أحذرك ، و لا تربط عظامي بكوني رجلا ربما انت لا تجيد قراءة ما بين الأسطر، هه و ماذا أتوقع من رجل يستعمل العنف ضد اسرته؟ يا للمرجلة عندما تضرب امرأة و تظلمها، و تجعل من أولادك ضحايا، يا للمرجلة!! ".
إنصرف بعدما أنهى كلامه و لم يلقي بالا لكل عبارة اتته بعد ذلك، رجع إلى صمته المعتاد و هاهو لا يتوقف عن السعال مرة اخرى، ليلة اخرى.

ساعة الغروب (رواية الأمنية الأخيرة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن