شيء من الضياع

38 3 0
                                    

تلك كانت نبذة عن طفولتي.. تلك كانت بداية لمشوار مليئ بمختلف المشاعر و الأفكار غير المستكشفة. راقصة أم مغنية؟ ايهم الأنسب لأنمو عليه؟ لطالما كنت سيئة في اتخاذ القرارات بمفردي.. هل سأزيل الخوف من عيناي يوما و أتغلب على نقطة ضعفي هذه؟ اتمنى ذلك..

خطوات قليلة تفصل بينها وبين قاعة اختبارها، لم يتبقى الكثير على بداية المعركة. مضت نحو الداخل تستكشف المكان الهادئ.. عجبا! المقاعد شاغرة فأين هي الأصوات؟ "استعدي يا أنديريا ستبدأ الحرب" هذا ما كانت تهذي به لتهدئ نفسها. أغمضت عينيها وراحت تجول أجواء الحروب والمعارك، تمسكت ببنذقيتها الذهبية و أعلنت الولاء للحن قلبها.
"انسة مياكو أنديريا لما اخترتِ درب المغنية؟ ". خرقت تلك الكلمات مسامع الجميلة جاعلة منها تستفيق من شرودها: "أنا أنتمي إلى الألحان و النغمات، اريد أن أجهر بصوتي.. أريد أن ابهج العالم بصوتي كالمغنية تاندي إي..اريد تحقيق حلمي! " . عم الصمت في القاعة للحظة ولكنه لم يدم طويلا فقد قاطعه قهقهات الجمهور.
أنديريا لم تستوعب الأمر، هي تفوهت بنكتة أم أن الأمر عبارة عن سخرية؟ أخفضت رأسها تخفي خجلها و دموعها. وأخيرا تكلم أحد أفراد اللجنة جاعلا من الصمت يزور المكان مرة اخرى. " تفضلي ايتها المشتركة، قدمي ما لديك" .
أملئت رئتيها ببعض من الهواء النقي وراحت تخرج ألحان ونغمات لا مثيل لها، تارة الصوت عميق كعمق خيالها، وتارة رقيق كرقة قلبها. وضعت المغنية حدا لنغماتها بعد ان انتهت وفتحت عيونها جاعلة منها تجول سطح القاعة كأنها جزء من السماء. ألقت بنظرها نحو حكام اللجنة منتظرة من هذا الأخير النطق بالكلمة التي أرادت سماعها.. تلك الكلمة التي ستحدد أي درب عليها إكماله لتنجو من ضياعها. ابتسمت ابتسامة لطيفة و راحت تصغي بكل تمعن.
"صوتك ذهبي يا آنسة، إنه هادئ و عميق بنفس الوقت، صوت قادر على بعثرة المشاعر و وصفها بدقة في آن واحد، انتِ موهوبة بمثل جمال هذه الألحان ". لم تكتمل سعادة الاخرى لغايتها بعدما أضاف: " يؤسفني قول هذا ولكن نسبة نجاحك كمغنية منعدمة، أو اتعلمين أين الخطأ؟ كلمات الاغنية مملة و قديمة نوعا ما، كان يجب عليك اختيار كلمات اكثر حماسا و تثير القلب.. كيف أصف هذا.. ألم تحظي بحبيب من قبل؟ أسبق أن وقعت في الحب أصلا؟" اعتلت ضحكات هذا الأخير و الجمهور بعد نهاية كلامه
كل ما كان يدور برأسها أنه لاشيء منطقي من كلامه و لاشيء عادي ام عادل، استعدت لتجهر بما في قلبها و لكن يبدو أن هناك من سبقها. " تفضل أيها المشترك التالي، تستطيعين الإنصراف آنسة مياكو.. حظا موفقا في السنة القادمة ".
أجابت مباشرة من دون التفكير مليا في مجالات اخرى، أمام هذا العالم الذي يتربصها بعيون الحسد و الاستصغار: "هذا صحيح معك حق حضرة الحاكم، نسيت أننا في زمن الحب و العشق و أشياء من أخطاء المراهقة، ربما لم تستطع فهم كلماتي لأن حبيبي فريد من نوعه و حبي له أثمن من أن أكون في هذا المكان المليئ بالناس أمثالك" انهت كلامها و راحت تركض بغضب الى ان اختفت عن الأنظار ، خطت بخطوات بطيئة خارج القاعة بالكاد تجمدت مشاعرها و دموعها، أعادت القهقرى ولكن يبدو أن خطواتها البطيئة أبعدتها عن المكان ببطئ أيضا.. لقد اُغلقت أبواب النور من عينيها. أمسدت ركبتيها على الأرض بهدوء وراحت تبكي بحرقة تدفئ الأرض و تسقيها بكثرة دموعها، ارتفعت شهقاتها تزامنا مع إنحنائها أكثر..
لقد كانت تمزق قلوب الناظرين.

ساعة الغروب (رواية الأمنية الأخيرة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن