ذلك من الماضي

26 3 0
                                    


تقرأ الكتاب بصمت في مكتبها بينما عقلها لا يستوعب كلماته .. حتما إنها تمرر عيناها فقط، عقلها قد زار عالم او مدينة ما. قاطع شرودها دخول امها قائلة: " ابنتي الغالية دعينا نتحرر من هذه الغرفة الباردة و لنخرج قليلا، سمعت أن هناك أداء لفرقة موسيقية".
وصلت الحسناء و والدتها إلى القاعة.. المكان كبير و ظلامه جميل إنه يعيد بها إلى ذكريات ثمينة، بدأ العرض و استمتعتا به حقا، كان خلابا و رائعا لكن العازف يبدو مألوفا لدى أنديريا.. إنه هو.. كاسِياكو هو العازف!
يبدو أنه حقق حلمه و أصبح عازفاً، تمكن من تعليم الموسيقى وهاهو بصحبة تلاميذه يقدمون عرضا و لا أروع، ولكن ماهذا بحق الله لما يضع شعرا مستعارا؟ إنه تافه، هو حتى ليس بجمال سواد شعره الحقيقي، إني أفضل أن أراه أصلع على أن أراه بهذا الشيء، فليخبره أحدكم أنه أجمل كائن بشري، لازال يملك وجنتين حمراوتين و مظهر أنيق، عيناه بلورية كأنها قطعة من الشاطئ، قلبه نقي وناعم جماله ينعكس عليه، أخبروه أنه جميل كما هو، أخبروه أني لازلت احبه، اخبروه اني احبه كما هو و سأظل احبه إلى آخر رمشة في حياتي.
الجميع منبهر و سعيد بهذا العرض بخلافها.. لقد كانت تذرف دموعاً.

أنديريا: "انا ذاهبة لاستنشاق بعض الهواء بمفردي يا امي، ساعود عما قريب".
تتمشى تحت أشجار الخريف البرتقالية و تنفرد بأحد مقاعد الحديقة، تستمر بالنظر الى السماء و تتذكر بعض من ذكريات الماضي، مر وقت طويل يا أنديريا إنكِ طالبة جامعية ناضجة، مالذي يؤخرك و يجعلك عالقة في ذلك اليوم يا فتاة.. لم تستطع تجاوز الأمر، الحب المتبادل من طرف واحد مستمر غذابه و آثاره.. نتيجة هذا الحب كان قد عاد بها إلى الضياع مرة اخرى. اظن انني كذبت على نفسي طوال تلك السنين بقولي انا لم اعد احبه، انها مشاعر المراهقة لا اكثر، انها اخطاء و سأتعلم منها لاحقا ولكن.. بمجرد رؤيتي له تزحزحت الأفكار و انسكبت دموعي، انني متعلقة به حقا! ولكن سيمر هذا أيضا لا بأس، سأنسى.. سأكون قوية مرة اخرى..

"أنديريا؟"

قاطع تفكيرها ذلك الصوت المألوف الذي يعيدها الى الحياة، التفتت بجهة المنادي فإذا بعيونها تلتقي مع ذلك الشخص الذي أسرها.. كاسياكو يناديني!
كاسياكو: "مر وقت طويل، ماذا تفعلين هنا؟". ظلت الفتاة تحدق فيه لبرهة ثم ازاحت عيناها و اردفت: "لا شيء محدد، إني أستنشق الهواء". ابتسم الآخر ثم قال: "اذن هل تسمحين لي بالجلوس؟"
كاسياكو: "لم اتوقع ان التقي بك هنا قط، كيف حالك؟". تبتسم الاخرى بخفة ثم تقول: "إنني في أفضل الأحوال، تمكنت من الالتحاق بجامعة حلمي و سأتخرج عما قريب، ماذا عنك؟ يبدو انك حصلت على وظيفتك بالفعل منذ زمن". ضحك الاخر قائلا: "هذا صحيح، لقد اصبحت معلم موسيقى، اتمنى لكِ التوفيق يا انديريا في دراستك و تحقيق حلمك". شكرته الاخرى ثم حل صمت طويل بينهما ليردف كاسياكو: "امازلت.. تريدين ان تصبحي راقصة بالية؟". أنديريا: "ذلك من الماضي". التفت اليها و قال: "اجيبي". انزعجت الاخرى قليلا ثم اردفت بغضب: "و بماذا يهمك هذا، انها حياتي لوحدي". كاسياكو: "اذن هل كنتِ ستجيبينني لو أنني كنت رفيق دربك؟". تفاجئت أنديريا من كلماته الأخيرة و توسعت عيناها ثم قالت: "اسفة، لم اقصد ذلك انني فقط اخشى ان لا يتحقق حلمي بقوله للناس". ابتسم لها بخفة يبدو انه الوحيد الذي يفهمها و يتفهم تقلبات مزاجها: "وهل أنا من الناس؟ اتخشي شيء كهذا مني أنا كاسياكو؟". شعرت الاخرى بحزن شديد فنهضت من المقعد ثم اردفت: "كاسياكو لاشيء يربطني بك، نحن كنا اصدقاء في الماضي اما الآن فنحن غرباء، ربما في المرة المقبلة التي اراك فيها ستكون صديق حديث التعارف"، ابتسمت ثم اضافت: "لقد غيرتنا الايام كثيرا منذ اخر مرة والان قد كبرنا و نضجنا، علي الانصراف الان امي في انتظاري، الى اللقاء".
ظل الولد يناظرها وهي ترحل كآخر مرة تماما، ظن انها ستكون ضعيفة اتجاه عواطفها ولكنها نضجت كما ارادها تماما. ابتسم ثم انصرف بدوره، هو يعلم تماما ان هذه الكلمات لا تعود لها.

ساعة الغروب (رواية الأمنية الأخيرة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن