ما قبل الامنية الأخيرة

24 3 0
                                    

صاحبة البراءة و العفوية نشيطة هذا اليوم، أهو يوم مميز لكِ يا جميلتي؟ كم صغرت في العمر منذ اخر ضحكة ارتسمت على وجهك و أنارت بها عتمة الكون، هذه الفتاة مميزة إنها تعيد الحياة و تسقي الأرض أينما مرت.. إنها تزهر. يبدو أنها تخطت مأساة الحرب الماضية حتى تتوهج بهذا الضياء، إنها بداية النجاح الجديدة.

بينما كانت تتمشى نحو الحديقة لمحت الرجل الطويل صاحب بياض البشرة و الوجنتين الحمراوتين، أنحن في نوفمبر البارد حتى تكون ملامحه بهذا الفتون و الجمال ؟ عيناه متلألئتان كقطعة من الياقوت و شعره ليل دامس ظلامه ، من المؤكد أنه شخصية خيالية، أحقا هو من البشر مثلنا؟

"صباح الخير كاسِياكو"
"صباح الخير أنديريا"
-"أرأيتِ؟، وعدتك ان نلتقي مرة اخرى"
ضحكت المعنية ثم أردفت: "أجل فعلت". ابتسم الآخر لها و راحا يتبادلان أطراف الحديث في مكانهما المعتاد.

كاسياكو: "إذن ستكون هذه سنتك الأخيرة من مرحلتك الثانوية" . اومأت أنديريا : "أجل بالضبط، بينما أنت ستتخرج من الجامعة". تنهدا في نفس الوقت ثم ضحكا فقال لها: "أمامك مائة سنة ضوئية حتى تصلين بي". انزعجت الفتاة من كلامه فأردفت بضحكة خفيفة: "ما الذي تهذي به يا رجل، قلت أنني سأتخرج من الثانوية أي أنني سأكمل الدراسة في الجامعة بينما انت...". كاسياكو: "سأكون قد عثرت على وظيفة، أرأيتِ؟ هناك فارق بيننا". أنديريا : "على كل حال ماذا فعلت البارحة؟". نظر إليها بعمق لهنيهنة ثم أردف متهربا : " إنه سؤالي أنا، هل فكرت فيما قلته لك؟ بشأن هوايتك؟". ارتسمت البهجة على وجه الحسناء فأجابته بحماس: "أجل! تحدثت مع امي و تدربت معها البارحة أخبرتها بأنني سأرقص في المسرح بمجرد أن أتخرج، مجرد التفكير في الأمر يجعل قلبي يدق و يدق و يعيدني إلى الحياة". صمت المستمع قليلا ثم انفجر ضاحكا : " أهذه أنتِ يا صغيرتي؟ بين ليلة و ضحاها فقط، إنك شخص مختلف تماما، أستطيع رؤية نجاتك من الضياع و أستطيع رؤية الحياة في عينيك هذا يطمئنن القلب و يريح النفس حقا برؤيتك تنضجين في كل ثانية ". ابتسمت الفتاة للقابع أمامها و أضافت :" الفضل يعود لك يا كاسياكو إني حقا أشكرك من أعماق قلبي". ابتسم لها و ربت على رأسها قائلا: "لا شكر على واجب ثم إني سأشجعك إلى أن تتخرجي و تتمني اخر امنية قبل غروبها، إني سأشجعك إلى أن تنسي حزنك و تتجددي كل يوم بروحك المرحة و النقية هذه".

مر زمن منذ اخر مرة تلقيت فيها كلمات دافئة من رجل، مر زمن طويل منذ فقدت أبي و فقدت دفئه و حنانه، فقدت حبي الأول و رجلي الأول و كل شيء بالنسبة لي، سندي الأول و الشخص الأول الذي ظننته رائعا و أحببت رؤية السعادة و الحيوية فيه، اردت دائما أن أبقى بالقرب منه و من حضنه الذي ينسيني أحزاني و عتمات ظلامي، اردت ان تدوم ثقتنا و حبنا إلى الأبد، أبي كان الرجل المثالي في نظري، كان يحمل كلمة رجل بمعنى الكلمة إنني لا اجد الحزن في ظله عندما يكون رفقتي و لا اجد النقص و الضياع عندما اكون العب بجواره، أبي يعوضني بكل شيء و يهتم بي كجوهرته الثمينة.. لم يخطر في بالي قط أن يأتي يوما تموت فيه كل هذه الذكريات الجميلة و العميقة، ظننت أنني السبب في موتها و شعرت بالخوف و الحزن فظللت أصرخ "و لكنني احبك يا أبي". رحل أبي و انغلقت ابواب قلبي كلها، لم يعد يسعدني شيء و لا تهمني فرحة او بهجة، النقص الذي تركه أبي في قلبي لم يكن قادرا على التعويض او التغيير، لازلت أشعر بفراغ كبير.. بحجم الفضاء و المجرات، أشياء بداخلي ماتت و تحطمت منذ رحيل أبي و كأنها تعود له. أبي هو حبي الأول و ما الحب إلا للحبيب الأول.

ساعة الغروب (رواية الأمنية الأخيرة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن