حياة

56 9 5
                                    


مَاذا يعني لَك أن تكون في مأمنٍ وسط أهلك.. أسرتك، وفي بلدك؟
أهي نعمة قدرتها حق قدرها؟
أم لم تنتبه لها من الأساس؟

__________

{تميمة}

_في الرابع من أغسطس عام 1984

كنا خمسة.. أنا -تميمة- وابنة عمي أبرار، وصديقتي في الصف -الإنجليزية الأصل- سارة.
اِنضم إلينا أحمد ورعد فيما بعد.

في العطلة الصيفية كنا نجتمع عند بيت العمة "نوف" والدة أبرار، نلعب في حديقة المنزل الخلفية حالَمَا تُعد لنا العمة حلوى البرازق التي حَفظت وصفتها عن ظهر قلب مِن أُمها السورية الأصل.
في الحديقة الصغيرة كانت الأعشاب الغير مشذبة تنتشر لتجعل من الأرض التي نخطاها ناعمة وباردة قليلاً عندما تشتد حرارة الشمس.
كنا كالأخوة، نلهو سويًا بغير إكتراثٍ بأحوال البلاد.. والاحتباس الحراري مثلاً،
في ذلك اليوم كان الجو قائظًا كما هي الأحوال في طقس أغسطس.
لذا قررنا الذهاب إلى منزل الجدة ريتا حيث البحيرة الصغيرة المحاطة بالبراعم والنباتات المستنقعية.
كانت أم سارة لا تسمح لها بالابتعاد كثيرًا لأنها كما تقول "قشة في بغداد"، لذا أبت أن تذهب معنا.
حينما وصلنا إلى بيت "ريتا" استقبلتنا الهررة بحفاوة مما جعل أبرار تهرول هربًا محتمية بكرسي ريتا الهزّاز.. كانت مصابة بـ فوبيا القطط.
على النقيض، كنت مغرمة بهم.

لم تكن أبرار من الأصدقاء المفضلين لدي، لم نكن لنتشابه في أي شيء قد يجمعنا -سوى كوننا نتفق في العمر- على عكس صديقتي سارة التي لم تأتِ، لذا قضيت اليوم كله في الهرولة وراء الهررة والبكاء -أحيانًا- من الخدوش المتكررة التي أصابتني بها.

"اِنظِرِي.. كم ألوانها جميلة! أعتقد سأسميها نوارة."

قالها رعد، مشيرًا إلى قطة قد اضطجعت بين يديه.
كانت مرقطة بالألوان الأبيض والبنّي.

"أعتقد قد أسمتها ريتا من قبل."

"نوارة رائعة على كل حال."

لم يكن رعد صديقي، لكنه كان صديق أحمد، تبادلت معه القليل من الكلمات السطحية في خلال الأعوام السابقة التي كنت أراه فيها.
على كلٍ، لم يكن رعد ليسمح لأي أحدٍ منا - سوى أحمد لكونه الصديق الأقرب له - أن يعرف عن حياته الكثير من التفاصيل، كان رعد.. رعد وحسب من دون معرفة أسماء اخوته إن كان يملك أصلاً، أو هواياته.
لكنه كان لطيفًا.

-----------

_الحادي عشر من يناير 1987

أنا الآن في الصف الثامن، قد تغير الكثير منذ تخطينا الإبتدائية.
سَافر عمي "فطين" إلى "صقلية" في إيطاليا، لَم نكن نعلم متى سيعود.. لكنه أخذ معه أبرار وأختها شمس لتكمل شمس تعليمها الجامعي هناك... لذا على أقل تقدير، ربما يعاود إلى العراق بعد أربعة سنوات.
فارق أحمد صديقه رعد، ربما كانا يتواصلان عبر الإنترنت، لكنه لم يعد يراه إلا في العطلات؛ فلم يلتحق أحمد بالمدرسة الإعدادية لظروفٍ عائلية أرغمته على العملِ في ورشة حدادة والده المريض.
ربما اِقتربنا أنا ورعد قليلاً في تلك الفترة، لكنَّ أفضل ما قد حدث لي في ظل تلك التغيرات هو وجود سارة معي في نفس المدرسة.

اضطرابحيث تعيش القصص. اكتشف الآن