٢ ° أنَـا الفَن !

51 5 0
                                    

شُعلَةٌ  أضرِمت فِي وجدانها
                      دَقت كَناقُوس خَطرٍ للعَجز !
                    _______________________

ذَاك أهـمُ سؤالٍ  تم تَداوله بـين صُفوفِ الطَلبة فِي تلك القـاعة ، و أيضًا شَاع بَين الفـنانِين هُم كَذلك ..مَا هُو الفن !
لَم تَشأ كُولِين إعطَاء معنًى آخر لِما هِي متعَلقة بـه حدّ النُخَاع ، فهِي و الفَّن لـم يفتَرقا منذُ دهرٍ وَلّى حَتى تكاد هِي تعتقـد أنهَا بدونـه لا شَيء قِط. ...نَكرة .
قطـعت الصمت الطوِيل الذِي قَضاهُ الجَمع الغَفير بانتِظارها بالوُقوف بِخفَة و صوتُ ذلك الكَعب الكُحلي هُو ما يُسمع بطرقاتِه المتزَامنة على أرضِية بيضاء ...  تَقدمـت لأوَل المـسرح و عَلى وجهها اللَّاشـيء ، و كُل شيءٍ انحَصر بِعينيها و هَذا ما لاحَظه سيَال بَينـما هُو فِي مقعَده جالسٌ بأريحـية تَامة  لا يَبدو عليه ذَاك التّعجُب المتوَلد مِن ما ظَنّ أنَه رآه بعينيها .
خَللت يدَيها بأطراف شعرهَا الأسود تحَاول إيجاد مَا تعطِيه لهـم كَمفهوم لما تَعتبره هي نَفسها لانعِدام وجودها ... و مَا ان انتَظمت الكَلمـات بِأرضِ عَقلـها نِسبـيا حَتى أفرجَت عن تِلك الخصـلات لتسقطَ مع أترابِها على ظهـرها مستَعدة لتُلقِي ما يُطالِبونَها بـه .
تَقدمَت بِينيلوبِي تَقف أمامَ رَئيستـها و صدِيقتها  باعتبارِ أنها مُساعدتها الخـاصة و من اللازم فعـل ذلك و قبل هذا ألقَت بنظَراتٍ متفَحصة عَلى المرأةِ مقابِلها تتأكَد من مَزاجـها مع عدم جَهلهـا  بمَا يخالِجها من أفكار و أحاسيس سيئة كُل مرةٍ تضطَر للقيامِ بأشياء ممَاثلة لهَذا .
أنـفاسٌ هادِئة أفرجَت عنها و إيمَاءةٌ قصِيرة وجَهتها لِرفيقَة الدَّرب لتبدأ بالتعبير عن ما تعتبره هي حقا فَن ..عن كَينونة الفـن و ما هو متعلق به ، عن أصلِ الفن و فَضله على كلِ امرئٍ ، أمامها يدها اليمنـى بينيلوبي تَبسط ظهرها باستقامةٍ مماثلة للرئيسة بفخـر شعّ من عينَيها سببه وصولـهنّ معا لِهاته اللحظَة بالذَات و كـل الفضل يعود لِلأخرَى التي لا تعرف أي كلمة تعني استسلامَ بقاموسِها و لا كيفية إعطاءٍ أي لعنةٍ لنظراتِ المجتمع .
حَمحـمة انطلقت منها تُمهد بها للكَلام الذي أطلقته بنَبرةٍ عمَليةٍ هادئة تنمُ عن مَكانتها و شخصِيتها :
_" قُلتم ..الفن حَاجة أم وسيلة أم غَاية ، الحَقيقة أنَّ الفنّ لا ينـحصِر فقط بين هذه الكَلمات الثلاث و من جهةٍ اخرى إنه ثلاثتُهم ، فكَما تعـرفون أن هَذا العـالم رَتـيب و يزدَاد بهَتانه بمرور السنـين ، هنـا تَكمن حَاجتُنا للـفن ، لإضـفَاء لونٍ على لون العالم الرمـادي ، لِخلقِ عالمٍ خياليٍ تتمَتع بـه أنت بمـا يريدُه عقـلك و يميلُ له قـلبك ..."
استَمرت كولـين بالحديث الصامتِ بالنسبة لها مُوجزةً الأمـر قدر استطاعتها ، كونَ الفن بحـر عميقٌ و الغرقُ به يحتاج أكـثر من نصفِ ساعةٍ ..الوقتُ الذي ستنتهِي به الجـلسة في هاته الجَامعة .
رَغم الانشغال بالاجابة عن أسئلتهم و محاولةِ إبقاءِ وقفتـها وقفَة امراةٍ شامخـة رغم تَعبها نتيجةَ قلةِ النوم و الوقوفِ لكعبٍ عالٍ لوقتٍ طويل ،  لم تَغفل صاحـبة الأعين الزرقـاء زرقَة البـحر بأعماقه عن المُقلتَين اللَّتين تتبِعانها منذ أن رست على أرض القاعَة الكبرى في الجامعة ، لم تهتم أن تلتَفت لترَى الفاعـل لكن انتَبهت للجَالسة أمامه ، و قد كـانت الفتاة التي اصطَدمت بها سابقا !
بِرفرفَةِ يدٍ أعادت خصلاتها السوداء لمُتمردة على أسوارِ كتفَيها خلفًا ، حركةٌ قد تبدو تكـبرًا لكنها لا تفعـلها لا تكبرًا و لا نفـخا لريشها أمام الناس ، بل عَادةٌ تعـبر عنها و أنه رَغم انشغال يديهـا محاولةً تِبيان نفسها للناس ، هِي لم و لن تغفل عن من هِي و ما هـي ، عن نفسها الحَقيقة ...لن تَغفل عن كـولين ...ليس عن كـولين دي بيانشي .
استمـرت بكلامها الذي اعتبره البعض من المشاهـدين فلسفيا و الاخر اعتبره فنَّا من نوعٍ آخر ،  تتمَشى بخفةٍ في مـسرح تلك القاعة ، الكَتِفـين للخلف و الظهـر مستقيم ، و بِنبرةٍ واثقة منها اكتمـلت الصورة :
_" هـنا ينقَـلبُ الفّن لِيغدو وَسيلة  للتعبير عن أنفسنا ، مشاعرنا و أفكارنا على وجه التحـديد ، قد تـرى لوحةَ رسامِ عادية ، كَزقاقٍ مهجورٍ ليلا ، أو امرأةً بقرطَي لؤلـؤ ، سماءٌ بنـجوم و هكذا توالَيه ، لـكن أتَرون حـقًا ما خلـف الصورة ..إنه الفَنان...الفن وسيلة الفنان للتعبير عن دواخـله ..و عن من هُو حـقًا ..."
تَمت مـقاطعتُها فَجأة بِيدٍ فتَى رفعت عاليًا كَطلبٍ لسؤال آخـر رغم أنها لم تكمل حقًا السؤال السابق لذا بينيلوبي و بمعرفتها الوثيقة برئيستها عرفت أنها ستتجاهله مع العلم أنها تكره جُل من يقاطعـها خصوصا أوقات العمل ، لذا و إنقاذًا للوضع سمـحت لَه بالتَكلم تتقدَم لتـمسح على ظـهر كولـين من الخلفِ بكفٍ حانية .
لم يتأخـر الفتى في طرحِ سؤاله ، بل بحماسٍ اشتعل بأعينه قَال بنبرةٍ دالةٍ على ذاك :
_" آنسة دي بيانشي و باعتبار أنكِ أشهـر فنانةٍ بضواحِي البُندقية ، مـا هو الفَن نسبة لَك .. حَاجتك أم وَسيلتك هُو ؟! "

دَقَّـات نُـوفَـمبَر || November Beats حيث تعيش القصص. اكتشف الآن