لـم يُخلَق الحُّب لِيُميتَ العـاشق بَل لِيُحييه
_____•°•°•_____
_" آنِسة كـولين هُناك من يطلبُ مُقابلتك "
كَان هذا مَا أشارَ بهِ أحد العامِلين في المعـرض صباحَ يومِ الرابِع عشر من الشهْر قبل افتتاحِ المعرضِ أثناءَ تجهيزاتِ حفل الذكرى السنـوية و الذي كَانت كـولين تتفقدُ كيفيةَ سيرِ الأمـور بذاتهَا .
لم تَشأ الاستفسارَ عن شخصِه بل تَوجهت مُباشرةً لمكتبهَا أين يبقَى أي من يطلبُ مقابلتَها ...و ربمَا كَانت أم لم تَكن بداخلهَا مترجـية أن يكونَ هُوَ لا غيره ، فحَديثها معه يثيرُ فضولهَا و هي ليست بِصبورة !
عندَ فتحهَا الباب أفرجَت عن ظهرِ شخصٍ يتخذُ مقعَد مكتبهَا مجلسًا له بينمَا يعبث بالكرسيّ و بما وُضع خلفهُ أو أمامهُ و قد أثَار الأمرُ حـنقها منذ الصَّبيحة لذا لم تَقم بشيءٍ بل تقدمت من مَكتبها تطرقُ بخواتمهَا العديدةِ على سطحِه تُخرج المُقتحم من سهوتِه و عبثٓه بأغراضها و ملفاتها ، لذا مَا لبثَ أن استدَار يواجِهها و إن قَالت أنّ الصدمَة لم تتخِذ مكانًا على عينَيها فهِي تكـذب حتمًا ... فالشعيراتُ الدموِية التِي ظهرت بٓعيونِها تُطابق بلونها الفستَان الحَريرِي الذي ترتدِيه كانت كـل ما يلزم لتاكِيد أنها غير مرحِبة تمَامًا بذلك الزائر !
_" كـولين دِي بيانشي ...مَرّ زمنٌ طَويل !"
كَلمـات الرّجُل انبثقت تخـرجُ من ثغـره بِما يشبـه الاستخـفاف و اللامُبالاة لما يخرج منه و هذا ما زَاد من حِدة نظراتِ آلهة الأحمَر تستصعِب التقاط ما قالهُ من أحرف غَير اسمها لعدم تركيزها في تلك اللحـظة و قد جعله هذا يستقيم من مجلسه يستعمل لغة الإشارة مُضيفًا لمَا قاله :
_" الخطَأ يقع عليَّ ... نَسيتُ أنكِ صمَاء !"
الان حقًا الدّماء قد احتقنَت بوجهِ كولين تجعلها تبدُو بمظهرِ شخص يختنق و قد كانت تختنق ...لكن بكلمـات من يقابلهَا و هذا كان اختناق أكثر إيلامًا ... لم تَشأ السؤَال عن سَبب وجوده حَتى لذا لم تخـسر كلمات أكثَر عليه تقول و بنبرتها شيء من البرود يطغَى على ألمٍ خفّ و مضى :
_" كـلاين ، غَادرْ حالًا "
تقدمت من مكانِ وقوفه تدفَعُه بعيدًا بِسبابتِها تجلـس بوقارٍ فِي كرسِيها بينما هو قد اتخذَ المقعد مقابلها مجلِسه و للمرة الثانِية لازَال يلقٓي عليها باشاراتِ كلماتٍ لم و لن يتحملّ ثمنها بحياته :
_" أختِي العزيزة ... فلتُرحبي بأخَاك الأكبر و توقفـي عن تجاهُلنا لمَا بقِي من حياتك "
بسمةٌ ساخرة هِي ما رضت كُولين منحَه لِلملقب بأخيها تتجُاهل كليا ما يُحاول جعلها تفهمه بلغة إشارته الضعيفة ... أخ أكبر قَال .. تكَاد تتخلّى عن هيبتها و تشتمُه بأفضَع الشتائم لكنها أعقل مِن هذا و لذلك حاولت جَعله يفهَم ما هُو حقًا موجـود ...لا ما يتخيلُه هو و ذوِيه أنه كَائن :
_" نتَشارك نفسَ اللّقب بِبلدٍ كبير كإيطَاليا ، هذا لا يَضعك بالضرورةِ في مَقام الاخّ كلاين دي بيانشي"
حركةٌ وحيدة من يدهَا تطلب منه بذلك الخروج لكن برأسه و ما برأسه من عنادٍ قد تجاهل طلبها يأخذ ورقةً و قلم من مكتبها...أعيدُ ..ورقة و قلم من مكتبها ...أشياءها الخَاصة ، يكتب بهم فقرةً قبل أن يسلمها لهَا لتقرأها و قد فعلت :
_" نَحتاج حـضورك ... أمُنا مريضة و العَون هو كل ما بإمكانك تقدِيمه لعائلتك بهذه اللحـظة كُولين "
_" لا تَلمـس أشيائي الخاصة مرةً أخرى ...و اخرج "
مع إتمامها لجملتها فُتح البَاب يدخـل منه جَايكوب و قد كَانت فرصة مثـالية لِكولِين كي تطـرد كلاين دون حاجة لاستدعاء حُراس المعهد و عملِ جلبةٍ صباحِبة هي بغنًى عنها ... أي صباحٍ هذا و هي لَم تنم و قد عُكر صباحها و السَبب قطعةٌ من المَاضي حرصت هي على دفنها مع رُكامِ نفسها السابقة ... لكن على ما يبدو لم تدفنها عميقًا فقد ظهرت على سطحِ الحاضِر مرة أخرى
_" لدينَا عملٌ كلايـن ، غادر أنتَ و تفاهاتك من فضلك دون حاجة لِطردك "
ما قَاله جايكوب قد حَازَ على انتباه كلاين حَسب ما يبدُو ، فالاخِير قد استقـام يضع يدًا على كتف جايكـوب ينطقُ بكلماته بنبرته المعتادة التي تجلـب السخطَ صباح يومِ اثنَين كئيب:
_" جَايكوب الفتَى الذهَبي ... لاَزالت مجموعة الثَّانوية نفسها ... تحفظُون الوِرثَ حقًا ... هذا مُبهـر "
_" مَا هو مُبهر حقًا أيها الوغد هو صَلابة وجهكَ الذي لا ينكَسر رغم الذل... اغرب و أكَرر من فضلك لمرةٍ لا يوجد بعدها أخرَى بَل لكـمة تفسد الصخرة الملقبة بوجهك "
تابعَ جايكوب بحدة كلامه يَقف بين كولِين و كلاين كحاجزٍ يمنعهما من رؤية بعضِهما و قد كان هَذا خيرُ عونٍ لها بينمَا حاولت الحفاظ على هدوءِ أنفاسها و إعادة ترتيب أفكارها بينما يديها تعبثُ بأربطة مَشدّ خصرها الأسود ، أمَّا الضيف غيرُ المرغوبِ به تمَامًا فقد أذعَن لمَا طُلب مِنه يلتفُ ليغَادر لكـن ليس قَبل أن يحـيز شرفِ نيل الكَلمة الأخِيرة بِلغة إشارته السيئة :
_" تَوقفِي عن طمس مَلامح الظَّالم في هاته القِصة ... فإنك تلقِين بنظراتٍ على المَرايَا دون أي شك "
و هُنا حلّ صمتٌ على الرئيسة و نائبها لم يكـسره سوَى صوت البَاب المُوصد !
____________
دَخلت بينيلُوبي مَكتب كـولين و الكَعب يتركُ صدًى وراءه بينمَا ترتدِي لليومِ فستانًا بلونِ الزّمُرد ، أول ما لاحَظته هُو جـلوس كولين و جايكوب بنفس الاريكَة السودَاء بالغرفة و كِلاهُما يشردُ بالحائط المقابل الذي يحمل عدَة صورٍ لِثلاثتهم منذ أيامِ الصّغر .
_" هل هُناك خطبٌ ما .. جَاي ... لِين ، ما الأمر"
قالت تتساءل عن ما يحدُث منادية إياهـم بالألقابِ الشائعة بينهم فقط بينما تقدمت لتجلس بجانبهم و على عكس كولين و جايكُوب كان نظرهَا عليهم لا على الحائط ... كلامُ جاي جعلها ترفعُ أنظارها من علَى كولين تُركز فيما يقوله بنبرةٍ خافتة:
_" كـلاين قَام بزيارةٍ كَكل سنة لعينةٍ تمرّ في حياته البائسة ... الوغد ذو وجهٍ حديدي حقًا ... أتساءلُ مما قد صُنع !"
جملتَين فقط ... أردت بِالشقراء العَصبية قتيلةً في معركَة الغرق في أفكار الماضي مع الرئيسة و مع زوجِها كَذلك .
لم تَستغرب مِن حضوره غير المُبهِج ... بل استغرابها كان من شيء مختلف تمَاما ... فَفي كل سنةٍ يحضُر كلاين تُصبح كولِين ثورًا هائجا بعد أن تطردَه ..أو لِنقل تَركله خارجَ المعرض بِكعبها ، لكن ما المختلف في قدومه هاته المَرة كَي تُصبح كُولين دي بيانشي بهَذا الهُدوء ... الهدوء الذي تُظهره أمام العَالم كَقناعٍ لا شقوق بٓه ، لكن أمَام بينيلوبي و جايكـوب .. يتخَلل الضوء و الظلام من تحـت القناع و تظهـر كولين حقًا ... و هذَا أمر ثمِين و لا يُعوّض لِثنائي " بلاَ عقل ".
_" مَا الذي حدث ... لِما هي صامِتة !"
_" هِي صامِتة كل الوقت لُو ... و أيضا لم تلاحِظك بعد "
ما إن يفتح جايكوب فَمه حتى يسقطَ وابلٌ من صفعات الحقّ على وجه بينيلوبي ... و قد تقتُله بسبب هذا يومًا ما و تُصبح أرملةً لعينة !
بينَما يتسَامرُ جايكُوب و زَوجته فيِما بَينهما كَانت كُولـين تفَكر لِما يُقارب النّصف سَاعة هِي و فقط بِعالمِها الصّامت مُستغنِية عن ضَجيج ما حولِها حقًا و الذي لا يصِل لمَسامعها و ما تلتَقطه فقط اللاشَيء ، الساعَة تُعادِل العَاشرة صبَاحًا و بضعُ دقائق ، و هِي لـم تُكمل وَضع لوحَاتها بعد ... و قد بَدأ التعَب يَنال مِنها لِسهرها المُتواصل طوال الأسـبوع المَاضي كَي تكمل لوحَاتها، أو لِنقل اللوحة الاخيرة منهم ! ... لَكن ما احتَل فِكرهَا حاليًا هو مَا قد أخـبرها به كلاين قـبل أن يغادِر أنها تَلّف الذَنب تلقِيه على غَيرها .. و هَذا كـان أخطَأ شيءٍ التقطته من بين شِفاه شخص طوال حياتها ... إن كانت نَفسها و معتقداتها اختبَارًا لن تخطِئ به ... فما من أحد يعرف كُولين أكثر من كولِين نفسها ،حَتى لو بِمحاولة ضعيفة لِيزرعَ الشكَّ فيها لَن يفعـل فَعقلها ليس مزرعًا لبذور الشّك و الظّن فيمَا يتعلق بنفسها تحديدًا ...
دَمُّ ما حَدث منـذ ثَلاثة عَشرة سنـة لا يُلطخ يدَاها ، بَل هو دَمها و إن كان كل قَريب منها يعتقد أنها الأرملة السوداء ، يكتبون سطورًا عنها كَالشِرير في قِصتهم فلابُدّ أن يكون لِكل شِرير مرّ علينَا بِطفولتنا في قِصص الخَيال قِصته كَتبها بِدمهِ و دُموعه على جـروح مخفِية ... لِكل شِرير قـصة يراهَا الآخرون بِعين من زُجاج كَي يبقَى الخطأ بِسجله ، لكن عهدُ طمس الحقائق ولّى يـوم اكتمَل القمر بدرًا سماءَ يوم مـيلادها و يوم اكتسحَ القمـر دمًّا يومَ حَيتْ بعد موتها .
ما أخرجها من التفكير كانت يَد بينيلُوبي و هِي تُلوح أمام أعينهَا كي تجذب انتباهَها و قد فعلت جاعلةً منهَا تستقـيم بسرعة تتساءَل عن الوقت و كـم تبقَى لفتحِ المعرض :
_" بايّ وقت نـحن ...و هل تَمت التحضيراتُ خارجا "
إشارات أصابع كولين السريعة جعلَت من جايكوب يكاد يفقد وعيه أما بينيلوبـي فقد تابعت نمطَ الرئيسة السريع تُجيب أسئلتها :
_" تقـارب الحادِية عـشر ... و لم يتبقى شيء سِوى تاكيدك للأمُور كولِين "
إيماءة منهَا تتخذُ طريقهَا نحو الخارج جعلت بينيلوبي تتبعهـا بسرعةٍ كي يكمـلا ما تبقـى من الموافقات و تنظيم اللوحـات و تأشيرات المسابقة ...فما سيحدثُ هاته المرة أنّ كل لوحات المعرض دونَ أي عنوان فقط واحـدة و هي لوحة خَاصَةٌ غَيرتهَا آخر لَحظـة عندك ترتيبها لَوحاتها ، تعتقِد كولِين أن هاتِه اللوحَة هِيَ التي قد أشارَ لها كلاين عند قدومه و الآن رؤيتها عكرت مزاجَ مالكَة المعرض لكنها لم تتخلّ عنها فهِي الأهم بنظرها على عَكس لوحةِ الجَارح وَ المَجروح التي قَضت أكثَر و أطوَل وقتٍ تُنهيِ تفاصِيلها ، أمّا ملامح الأشخاص المطموسة هو التوقيع الرئيسي لها دومًا
تحت كل رسمةٍ تم وضعُ بطاقاتٍ ذهبـية عديدة و قلمٌ ثابتٌ أبيضُ و بجانبهما وعاءٌ زُجاجـي يتخِذ شكـل يدَين مضمومَتين لبعـض و هذا لوضع البطاقات التي ستحمل العنوان المقترَح و اسم المقترِح كـي تختار كولـين لكل لوحةٍ عنوان يجذبها و تضعه تحت اللوحة بعدَ هاته المناسبة ،المختلف هاته المرة أنها تركت كل أعمالها مجهولة العنوان غير واحدة ، على عكس كل مرة تتركُ واحدة مهمة دون عنوان و الباقيات مَعلومات ، القليل من التغـيير لا يَضر .
_" هل من أمورٍ تريدين تغييرها ؟!"
وقوف بينيلوبي أمامها تسألها تنتظر جوابا قد أدى بها إلى التوقف عن التفكير المُزعج و عن العبث برِباط مشدّ الخـصر ثُمّ ما لبثت أن نفَت برأسها ترفـض إجهاد نفسها بالحديث في أشياء كهذه ثمّ بحركتها المشهورة أعادت شعرهَا الأسود للخَلف برفرفة يدٍ بينما تشاهـد العُمال يغادرون و جايكوب الذي حضَر بعد أن أكمل العمل على ما يهمّ من ملفاتٍ لتنظيم الأمر ، يجرّ زوجته من خَدّها لجانبه و بسبب هذا قد صفعت يده تُشاجره شجـارًا صامتا بالنسبة لِكولين التي اتكَأت على الحائط تراقِب تصرفاتهم تتسَاءل إن حَدث و كَان لها رفيق الدرب توأم الروحِ هذا هل سيتقبَل من هي و ما حَقيقتـها ، أم الرفـض كان قدرها منذ أن حـيَت غير عالمـة أن في قانون الحـب الرفض قصيةٌ جنائِية بِحقّ المعتدَى عليه .
أنت تقرأ
دَقَّـات نُـوفَـمبَر || November Beats
Romanceيُقَـال أنّ الصَّـمت حِـكمة و رُجوح عَقل . لَكن مَاذا لَو لَم يـكن بِيدِها لِتتحَكم بهِ . بِأنَامِل رَاقـية تحـمل فُرشَاةً تُلَطخ بِها عالَمًا باهِتًا. بِيَدٍ واحِدة ..تتَحـكمُ بألـوانِ البَهجـة . لَكن مَاذا عـن بَهجَتِها هِي . بَهَتانُها هِي. كُولِ...