الفصل الثاني عشر

914 32 0
                                    

*************

على الرغم من مرارة بعض الذكريات فإنك تجد نفسك عاجزا عن محوها من عقلك، يوما بعد يوم يزداد يقينك أنها مجرد نسخ مكررة من بعضها البعض فقط لتوجعك أكثر، وكل يوم تُلقَى في وجهك بعنف لتخبرك أنك أبدا لن تنسى مهما حاولت، ومهما سامحت أو غفرت، خيبات أمل متتابعة تتم إعادتها بالتصوير البطيء أمام عينيك لتؤكد لقلبك المتوجع أن النسيان شيء ما وراء المستحيل، بعد موت والدك "وليد" وفقدانك لبصرك لم تعد أنت، مررت بفترة من السكون والصمت جدا أليمة، ومهما بذلتُ أنا من جهد لإخراجك منها، انكمشت على نفسك أكثر ودفعتني لمسافة أبعد، ووالدي، يراك فيتألم لخنوعك، يتساءل: أين "وليد" القوي ؟ صاحب الإصرار والعزيمة ؟ العصبي المجنون ؟ الذي كاد يختطف مني ابنتي عنوة ؟ وأنت لا رد منك، فقط تحتفظ بهدوئك وتدير وجهك بعيدا عنا، حتى كانت تلك اللحظة التي كسرتَ فيها قلبي بسبب عشقي لك ولأول مرة، وقتها بالفعل اعتقدت أن قلبي توقف عن النبض، أو أنني أصبت بالشلل، يومها أعطيتك دواؤك فجروح جسدك لازالت تحتاج لبعض العلاجات، ابتسمت واقتربت منك، مددت يدا مترددة وجلة لأمسك بكفك، فسحبتها بسرعة كأن أصابعي هي إليك حية تسعى، تخشى سمها أو تتوجس لدغتها، أوجعني قلبي، لكنني أقدر ما بك، جلست إلى جوارك في صمت للحظات وقبل أن أنطق سمعت صوتك المنكسر يقول في حزم شعرت به مصطنعا :
" شهد، لا تغضبي مني، أنا فقط ... لن يمكننا الاستمرار "

واتسعت عيناي ذعرا، ربما فهمتك خطأً، كنت تقول أنا ثم عدت تخرف بحروف لم أفهمها، بقلبي المرتعب وصوتي اللاهث قلقا سألتك :
" ماذا تعني وليد، عن أي استمرار تتحدث ؟ "

بلهجة جافة أجبت، و يا ليتك ما نطقت :
" زواجنا شهد، لم أعد أصلح زوجا لك، أو حتى لغيرك، لقد انتهيت "

ولأنني كنت حتى اللحظة الأخيرة أحاول أن أقنع نفسي بالفهم الخاطئ فقد زلزلت كلماتك كياني وهزتني بعنف، انتفض قلبي شاعرا بالطعنة المفاجئة، لقد نطقتها، وبكل وضوح، كأنني لم أعن لك يوما شيئا، طال صمتي، لمحت القلق على ملامحك ليعود الأمل ساريا ببطء إلى روحي، حاولت النطق فكانت دموعي هي السباقة ونشيجي يعلو معها لتهتف أنت بي :
" صغيرتي لا تبكي، أنا بالفعل لم أعد أصلح، شهد، حياتي أصبحت ظلاما، لن أسحبك داخله معي، أنت صغيرة، ورائعة، تستحقين الأفضل، ربما كنته يوما، لكنني الآن لم أعد، ولن أتمتع بأنانيتي وأحتفظ بك إلى جواري، حاولي أن تتفهمي "

ونشيجي يعلو أكثر، دموعي شلال هادر على وجنتي، آهة حارقة غادرت صدري مندفعة عبر شفتي بخفوت، لتبدأ بعدها مرحلة النكران والغضب المفاجئ :
" لا تتحجج وليد، ربما أنت لم تحبني يوما، ربما شعرت أنك مجبر على امرأة لا تريدها لأنها فقط ابنة العم، و ليس لها غيرك، عن أي أنانية تتحدث وأنت الآن تجسد أقوى صورها، أنت تفكر بنفسك، بوجعك، بوحدتك، برغبتك في العزلة عن العالم أجمع، مخلفا وراءك طفلة أصبحت أنثى فقط لأجلك، لتعيدها أنت كسيرة القلب محطمة ومشلولة الفكر، رثاءً لنفسك وحبا فيها، تدعي ترك الأنانية ! أنت الآن أكثر أناني عرفته "

|| إيـجّـن || عندما يتلبس العشق شبح الانتقام.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن