بَعدَ بِضعِ سِنِين كَبُرَ إِبرَاهِيم وأَصبَح شَاباً ذكِياً للغَيَة كَان الإِبن الأَوسَط لءازر وكان له شقيقين
"ناحور" وهو الأكبر و"هاران" أخوه الأصغر
فِي أحَد الأَيَام كَانَ ءازر يَعبُد الأَصنَام فأتاه إبراهيم وقال:
ياأبي لِم تعبد الأصنام وهِي كَمَا ترَى لا حَول ولا قُوةَ لَهَا
قَال ءازر بِستِغرَاب:
هِي تُمَثِل ألهتنا التِي فِي السَمَاء
قَال إبراهيم:
يَاأَبَتِ إِنَك تَعبُد مَا لا يَسمَع ولا يُبصِر ولا يُغنِي عَنكَ شَيءَ، يَأبَتِ لقَد جَاءنِي مِنَ العِلم مَالم يأتك فَتبِعني أَهدِيكَ سِرَاطاً سَويّاً، يا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمانِ عَصِيًّا
قال ءازر بغضب:
أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَإِبْرَاهِيمُ
قال إبراهيم:
يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمانِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا
فتوعد ءازر إبنه قائلا:
لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ ولأَشتُمَنَك وهجُرنِي مَلِيًّا لا أُُرِيدُ رُؤيَتَكَ
قال له إبراهيم:
سَلام عَلَيكَ يا أَبَتِ أَمَنةَ مِنِي لَكَ أَنْ أُِعَاوِدَكَ فِيمَا تَكرَه، وَلِدِعَائِكَ إِليّ مَا تَوَعدتَنِي عَلَيه
كَان إبراهيم يُنكِرُ عِبَادَة الأَصنَام عَلى أَهلِ بَلدَتِه وكَان يدعّوهم لعِبَادَة اللَّه وحدَهُ فستَنكَروا دَعوَتَه وكَان لإبراهيم الحِكَمَة والبَرَاعةُ فِي إِثبات الحجة وفي أحد الأيام كَان بَينَ قَومِه
فَلَمَا رَأى نَجمًا مِن هَذِهِ النُجُوم سَاطِعًا فِي السَمَاء قَال لهم:
أفتَرِضُ أَنَّ هَذَا رَبِي الذي خَلَقَنِي وَأَنَا أَعبُدُه ولَكِن بَعدَ قَلِيل أَفَل هَذا النَّجم أَي غَرب وغَاب عَن الأفُق، فَأَثبَتَ لَهُم بِذَلِك أَنه لا يُمكِن أَن يَكُون ربًا؛ قال تعال: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ}. ثُمَ لَمَا رأى إبراهيم القَمَر طَالِعًا فِي السَمَاء مُنِيرًا مُستَدِيرًا، إٍنتَهَز الفُرصَة
وَقَال لقومه: سَأَفتَرِض كَما تَزعَمُون أَنَّ هَذا هُوَ رَبِي.. وكالعَادَة إِختَفَى القَمَر.. فَأَخبَرهُم بِأَن اللّٰه هُو الرَّب الأَعلى وهُو الذي يَهدِي مَن يَشَاء ويُضِلُّ من يَشَاء، وَإِنَ لَم يَهْدِهِم اللّٰه إِلى الطَرِيق السَلِيم فَسَيَظَلُونَ فِي ضَلَّالِهم هَذا. قال تعالى: {فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ} . ثُم بَعدَ ذَلِك إِفتَرَضَ مَعَهُم أَنَّ الشَمس هِي رَب الكَون لأَنهَا نَجم كَبِير سَاطِع ولَكِن مَعَ ذَلِكَ جَاءَ المَسَاء وَغَرَبَت كَغَيرِهَا مِن النُجُوم، وَحِينَئذٍ أَثبَتَ لَهُم أَنَّ هَذِه النُجُوم كُلِهَا لا تَصلُح أَن تَكُونَ آلهة تُعبَد لأَن مَصِيرَهَا إِلى الزَوَال وَالأَفوَل، لَكِن اللّٰه سُبحَانَه هُو الحَي الذي لا يَمُوت وهُو الذي خَلَقَ كَل هَذِه النُجُوم والكَوَاكِب وهُو وحدُه المُتَصَرِف فِيهَا.. قال تعالى: {فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ . إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} . ولَكِن مَع كُل تِلكَ الآيات والبَرَاهِين الوَاضِحَة، ومَعَ كُل هَذِه الإِثبَاتَات العَقلِيَة الجَلِيَة، ظل قَومُه عَلى عِنَادِهِم وكَفَرَهُم، وحَاجُوه فِي دِينِه وجَادَلُوه وخَوَفُوه بِعِقَاب آلهتِهِم التِي كفر بِها.. فَمَا كَانَ مِنهُ إِلا أَنْ أَخبَرَهُم أَنهُ مُوَحِد للّٰه تعالى ولا يَخَاف مِن هَذِه الآلهة التي لا تَضُر ولا تَنفَع {وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ}
كَانت هَذِه أحَدُ مُنَاظَرَات إبراهيم لِقَومِه ولم تَكُن تأمل وتمعُن فِي الكَواكِب و النُجوم
فَهُو نَبِي طَاهِر صَاحِب فِطرَةٍ سَلِيمَة هَدَاهُ اللّٰه مُنذ صِغَرِه وزكَّاه اللّٰه سبحانه وقال: {وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ}
بَقِيَ القَوم عَلى شِركهم وأصروا عليه وكان لهم عِيد يُقِيمُونَه فِي كُلِ عَام يَقضُونَ فِيه أَيامً خَارِجَ المدينة بَعدَ أَن يَضَعُوا طَعامًا كَثِيرًا فِي بَيتِ العِبَادَة حَتَى إِذا مَا رَجَعُوا مِن عيدهم أَكلُوهُ فَرحِين وأَقبَلُوا إِليه فَرِحِين وقَد بَارَكَتهُ الآلهة وَأَضَفَت عَليهِ الخَير وعِندَمَا هَمُوا بِالذَهَابِ إلى عِيدَهُم طَلَبُوا أن يُرَافِقَهُم "إبراهيم" فأبى وإِمتَنَع، وَقَد عَقَدَ العزم عَلى أَن يَهدِمَ ويَكسّر مَعبُودَاتِهِم، وإدعى العِلَة وتَظاهَر بالمَرَض وَالسَقَم، كان سَقِيمَ النَّفس كَاسِف البَال، يَتَقَطعُ فُؤاده حَزنًا عَلى إِشراكِ قَومِه لأَنَهم لَم يَستَجِيبُوا لدعوته،كَان القَوم ذلِك الزَمَان يَخشون الدَاء ويَهابُون الوَبَاء فَتولوا عَنهُ ولَم يَستَمسِكُوا بِدَعوَتِه
بَل أظهَروا الرِضا عَن تَخَلُفِه والإقتناع بحجته، وخَرجُوا إلى عيدهم مَسرُورِين
ذَهَبَ الجَمِيع وبَقِي "إبراهيم" فَأقسَمَ لَيكِيدنَّ أصنَامهم فَخَرج وذهَبَ إِليهَا مُسرِعاً فوَجَدَهَا فِي بَهو عظيم وكَن القَوم قد وَضعوا الطَعَام أَمَام الأَصنَام لِتُبَارِكَه الألِهَة فقَال إبراهيم:
أَلا تَأْكُلُونَ مَا لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ؟ ثم إِنْهَالَ عَليهَا ضَرباً بقادوم كَان فِي يَده فَكَسرهَا جَمِيعاً إِلى كَبيرهُم وكَان أَكبَر صَنَم بذلِك البَهو ووضَع القَدوم فِي يد الصَنم كَأن الصَنم هُو الذي كَسر تِلكَ الأَصنام وعِندَمَا عَاد القَوم مِن عِيدهم وَجَدوا الأَصنام قَد كُسِرت إِلى واحداً الذي وضِع القَدوم فِي يده فقالو:
مَن فَعَل هذا بألهتنا إنه لمن الضالمين
قال نَفَرٌ مِمن سَمِعوا مايَقُول إبراهيم بِشَأنِ أصنامهم إنَّا سَمِعنَا فَتَى يَذكُرهُم يُقَالُ لَهُ إبرَاهِيمُ يَذكُرهُم بالعَيبِ والنَقص والإِزدرَاء بِهَا ،
قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَىٰ أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ
ويَسمَعون مَقَالته ويعاينون مَا يَحِل بِه مِن إقتِصَاص
![](https://img.wattpad.com/cover/314936542-288-k529646.jpg)
YOU ARE READING
حَامِلْ اَلْنُور {سِلسِلَةُ اَلْبِدَايَةُ و اَلْنِهَايَةُ ٣}
Historical Fictionدَعني أخبِرك بأشياء لا تعرفها ولم تسمع عنها من قبل، لاتستغرب وأصغي جيداً وغرق في تفاصيل حروفي فكلماتي قد نسجتها بمعرفةٍ يطُول البحث فِي تَفاصِيلِها إن تعمقت في أحد أجزائها، غرقت في هلاك أصاب من سبقوك وإن بقيت معي ستنجوا بخلاصة ماأريدك ان تعيه وتحف...