الفصل الرابع

916 79 6
                                    

نظرت اليه بملامح شاحبة اصفرت بشرتها الحنطية و تيبست شفتيها الرفيعتين و رغم حالتها الكارثية لا زالت تحافظ على شراسة عينيها الناطقتين الرافضتين للخضوع : اذا استنجدوا بك يعني انني قاب قوسين او أدنى من الفوز بالمعركة
التوت شفتيه في شبه ابتسامة سائلاً : معركة !!!!! و هل تشنين حربا !! ضد من يا سيلا  انت لا تؤذين الا نفسك بهذه التصرفات الطفولية و ترعبين والدتك و شقيقاتك عليك 
لم تجب و لم تنظر إليه و هي تفكر بكل هذه التعقيدات ماذا لو سمحوا لها بانهاء سنتها الأخيرة و التخرج . ماذا لو اصبحت طبيبة و يفتخرون بها كما يفتخرون بمن تزوجت في سن صغيرة ، و من ولدت ذكرا في حملها الأول ، و بمن صبرت على خيانات زوجها حتى عاد إليها في آخر عمره . ما ذنبها ان حلمها تعدي افاق هذه القرية  و عاداتها و أعرافها، كلا ليست اعراف القرية من تمنع تعلم النساء ، فبعض العائلات نجحت في التحرر من الجهل المسيطر و سمحوا لبناتهم بارتياد الجامعات و شغلوا أعلى المناصب و ارمقها ، لماذا تحاسب هي على جرم ارتكبته عمتها قبل سنوات خلت  حين هربت ليلة زفافها
ربت على ركبتيها المضمومتين الى صدرها :  قبل أن تحاربي يا سيلا تأكدي أن ما تحاربين من أجله يستحق  .
انظري لي يا سيلا كم حاربت من أجل شيماء ، كم حاربت حين رفضت الزواج بابنة خالي التي خطبتها امي أثناء ولادتها و انا لم تتعدى عمري الثلاث سنوات ، كم حاربت  لاقنع والدي بخطبة فتاة غريبة عن القرية و ابنة المدينة . كم حاربت و انا اقنعهم بضرورة سكني بالمدينة من اجل عملها بالتعليم و ان مكوثنا سيصعب عليها التنقل الى عملها يوميا ، حين ربحت الحرب لم اكد احتفل بانتصاري حتى اردتني عائلتها قتيلا على قيد الخذلان .
رفضوني لأني فقط قروي  ، ستخجلهم لكنتي القروية أمام عائلتهم . و حطمت هي ما بقي بي متمسكة باستسلامها . لم تحارب مثلي بل انسحبت خانعة لجهوية والديها تركتني منهك الروح استنزفت كل طاقتي  في حبها كأنها لم يخلق غيرها من النساء
ماذنبي اني ولدت بقرية ، اليست القرى من تدفع عجلة اقتصاد البلدان من اراضيها الفلاحية، اليس ابناؤها من يخدمون هذه الاراضي لتذر الخيرات الوافرة ، الم يخرج من صلب القرى علماء رعوا الاغنام في طفولتهم .  هل نترك ارضنا و خيراتنا و نغزو جميعا المدن كي نليق بمن  نحب ، و لمن نتركها؟؟ للمدللين من ابناء المدن ،  رغم ذلك انا لم أكره المدينة يا سيلا ، و لم اغضب منها و لا من عائلتها فهم يريدون لابنتهم الافضل ، ناقم على نفسي اني سعيت من اجل هدف خاطئ و استهلكت نفسي في طريق كان علي أن افكر في عواقبه
ليس عليك أن تكرهي القرية و اهلها يا سيلا . و لا تستسلمي من اجل حلمك فقط اطلب منك التريث و الإمعان في طريقة وصولك الى حلمك  حتى تتبقى لديك طاقة لتسعدي بنجاحك

رفعت عينيها الغائرتين و همست بخفوت : أحسدها انها اامتلكت يوما شخصا مثلك يا بلال و اشفق عليها انها ضيعت كنزا ثمينا مثلك يا أخي
مسح وجهه بكفه و هو يقول : و انا احسدك على شجاعتك و تمنيت لو امتلكت ربعها لتقف امام اهلها من أجلي . دعينا منها فقد اقترب موعد عرسها و لا يصح ان نتحدث عن اعراض الناس . فقد أخبريني ما الذي حدث !
ما حدث اني لست مجرد امرأة خاضعة  ، فأنا امرأة في  أعين الناس و رجل في أعين نفسي ، انا تلك التي واجهت اقسى كلام و اقسى مجتمع ، حاربتُ من اجل حلمي ،من اجل كياني ، اخطأت ،ثم انكسرت ، ثم سقطت ، و كنت دائما الوحيدة السند لنفسي بعد ان فقدت والدي….أحاول  النهوض اقوى بما تبقى في داخلي من امل و طاقة ….اوحيدة احاول الاصلاح من ذاتي .كل الكلام الجارح عني ولم استمع ، كل التحقير و التحطيم و لم أبالي…اردتُ دائما  ان اكون قوية و ألا اسقط تحت رحمة احد ….دموعي انا مسحتها وحدي ، اعمق جراحاتي انا من ضمدتها وحدي ، في كل أشد لحظات انهزامي كنت دائما أمنع نفسي من البكاء
تمردت على كل شيء ، وتحديتُ كل من قالوا أني حالمة و متمردة و لن ينفعني عنادي …لم اخضع ابدا لأي كان ، لأن قلبي متمرد بالفطرة لا يروضه مجتمع أو سلطة رجل او تقاليد …فقلبي يشعر بغربة دائمة في هذه القرية ….تبعتُ رغباتي و أحلامي و تعبتُ  حتى أكون تلك المرأة العزيزة النفس التي تعيش  بشخصيتها القوية التي بنتها طوبة طوبة ، بدموعها ، و جراحتها و كل عثراتها…
بلال : اذا كنت تعرفين ذلك الشخص اخبريني فقط كي أساعدك و اعدك اني سنجد حلا معا
سيلا : اذا قصدت النذل فلا أستطيع اخبارك اما اذا قصدت المتهم الخطأ فكل ما أعرفه عنه أنه اصيل ابن أصيل حاول المساعدة فوقع في مصيبة و كي اريح ضميري انا من ساعدته على الهرب
حمل الصينية ووضعها على حجرها ثم قالث : اعدك اني رغم تعبي ساخوض حربا اخرى من أجلك يا سيلا و لو كان قلبي شاغرا لتزوجتك كي اخرجك من هنا لكني لن اظلم مجددا  قلبي الذي يحاول النهوض تحت الركام و هو يرفض امرأة غيرها و لن اظلمك فأنت بمثابة الأخت  و امانة عمي رحمه الله
خرج دون ان ينتظر جوابها و
ظل بصرها مشخصا الى الباب الذي إختفى خلفه تفكر لو كان احبها بدل عادل أكانت لتقبل به في هذه الظروف أكانت لتحبه مثل ما تحب هاجر أنور . باتت تحسد هاجر على تفكيرها المحدود و حبها الورع لزوجها
عند المُلّمات والمصائب تعلم المرأة بفطرتها أنها بحاجة إلى رجل تستظلّ في ظلّه .. وتحتمي به .. وستكفر بكلّ الشعارات التي تدعو إلى خلاف هذه الفطرة فالمرأة مهما كانت قوية ستكون أقوى برجل يحتوي تعبها عندما تكون على اعتاب الاستسلام . فلو كان والدها حيا لما عاشت كل هذا كم تمنت لو  تملك اخا يشد عضدها  و تستند على كتفه فالمرأة و رجل خلقا ليكملا بعضهما و ليس ليحاربا بعضهما و يزيح احدهما الآخر من الوجود . خلقا ليؤنسا بعضهما ليخففا عن بعضهما وحشة الأيام و شقاء الظروف خلقا بالفطرة  ليسعدا بعضهما و ليحبا بعضهما مهما إختلفت مسميات العلاقة بينهما
بمسجد القرية الذي يؤذن به عثمان و بعد ان أدى صلاة العصر جلس بجانبه شاب غريب قوي البنية يطلق لحية و يرتدي قميص صلاة أبيض ، توجس منه و لم يعرفه .تقدم و هو يلقي عليه تحية السلام طالبا منه الخروج من المسجد قاصدا الخير
حين خرجا و أمعن فيه النظر انقض عليه  من تلابيب قميصه لكن خليل همس بأذنه ان غضبه لن يضر سوى سمعته و بنات شقيقه  امام اهل القرية
حين راهما انور من بعيد يقتربان من المنزل ركض يلتقط بندقية الصيد لكن بلال منعه محاولا اعطاء المتهم فرصة في الاضطلاع على سبب عودته  مذكرا إياها انه من عادات القرى آكرام الضيف حتى لو لم يكن مرغوبا فيه 
وقفت جميلة بالمطبخ تحضر القهوة بتذمر بينما يقف خلفها عادل باوصال ترتعش خشية ان يفضح أمره فصرخت به والدته : اخرس و كف عن الارتعاش كالفتيات . ليتك تمتلك نصف شجاعة تلك الحرباء . رمت المنشفة من يدها بشيئ من العنف ثم رفعت سبابتها بوجهه محذرة : إياك ان تفكر مجرد التفكير في الزواج منها ثانية أقسم أنه لو لم يبقى فتاة غيرها على وجه الأرض سأخصيك لتبقى  اعزبا ، لن أقبل بكِنًة يشار إليها بالبنان يعدون فضائحها 
اردفت و هي ترص فناجين القهوة بالصينية: اغرب عن وجهي و اعرف لي ما الذي عاد بهذا الغريب  
جلس يبرم شاربيه و هو ينظر الى خليل الجالس بكل  تبجح فاردا كتفه يتحدث بكل ثقة و بملامح  هادئة بينما بقي  اولاده واقفون : لم آتي هنا لابرر موقفي فالله يعلم ماحدث و ما لم يحدث لكني جئتكم قاصدا بابكم اطلب يد ابنتكم  المصون  للزواج
عثمان : هكذا و بكل بساطة تداهم بيوت النساء تحاول هتك أعراضهم ثم تهرب كالجبناء  ثم تعود بكل وقاحة تطلب يدها
هدر خليل واقفا  : معاذ الله يا عم ان أفعل ما يغضب الله لكني اعترف اني أخطأت حين هربت لكن تركت خلفي عائلة كان يجب ان أطمئنها علي كي لا تقلق
وحتى إن أخطأ فكل البشر خطاؤون و خيرهم التوابين و قد جئت اصلح خطئي بطلبها  للزواج  . و اردف مصححا : خطئي في الهرب و ليس في هتك اعراض الناس طبعا
حين تحفزت ملامح كل من عثمان و أنور أردف خليل : و لا أظن أن وضعكم يسمح بالرفض اذا وافقت الفتاة فسمعتها متضررة بما فيه الكفاية و لا أظن أن احدا  سوف ي .....
حين وصلت الى باب مجلس الرجال بعد ان اوهمتها جميلة ان عمها اقتنع بعودتها للدراسة بفضل بلال ، و قد طلبها ليتحدث معها فحملت صينية القهوة و ركضت إليه لكنها رأت بندقية صيد مصوبة نحو صدر خليل من طرف أنور و بلال يحاول منعه
رمت الصينية و بلحظة خاطفة وجدت نفسها امام فوهة البندقية تحول بينها و بين خليل جعل أنور  يهدر غاضبا :  ابتعدي يا سيلا انت تلصقين التهمة بنفسك تصرفك الطائش هذا يؤكد انك تعرفينه ... صمت حين رأى يد والده ترتفع في السماء  لتسقط عليها ، لكن قبل أن تصل سبقتها يد خليل يمنعه
و  أبعدها  بساعده الآخر جانبا و هو لا يزال يحافظ على هدوئه التام دون أن ينظر الى عثمان هدر مخاطبا أنور: البلد يحكمها سلك عدالة بأكمله يسهر على حماية أمن المواطنين و لا أظن أن اعراف هذه القرية لا زالت تستطيع مجابهة قوة القوانين كي لا تطبق على اهلها ، رصاصة واحدة ستجعلك تقضي ما تبقى من حياتك خلف القضبان ، ليتك استغليت حميتك هذه و سلاحك ضد من حاول اذيتها حقا ، اذا أظن أنه من مصلحة الجميع الجلوس و مناقشة طلبي بكل احترام  فأنا بعدما سألت عن عائلتكم الموقرة عرفت ما رغبت بمعرفته  و ما جعلني أرغب في مصاهرتكم
ازدرد عثمان و أنور ريقهم و هم يتبادلون النظرات فاومأ لإبنه ان يخفض سلاحه فخليل ضربهم بمقتل بعلمه بماضيهم القريب و سيكون ممتنين اذا ستر سيلا بزواجه
حاول أنور سحب سيلا من ذراعها الى الخارج لكن خليل اوقفه قائلا :  أظنها صاحبة الشأن و من حقها ان تنظر بنفسها في طلبي و انا جئت  أعرفها بنفسي
كانت سيلا ستنسحب غاضبة و هي ترى نزالا عنيفا يخوضونه بنظراتهم المحدجة و انفاسهم اللاهثة  و تترك هذا المجنون الغريب يلقى حتفه فهي لم تعد مسؤولة عما سيحدث له و ما اقدم عليه من تصرف أرعن لا يحملها اي ذنب فكل ما يقع فوق رأسها لم يكن ينقصها الا هو لكنها تراجعت حين خرج صوت عادل ساخرا : و كأنكم لا تعرفون بعض
اشرأبت الرقاب نحوه و تحفزت ملامح الكل و تنفلت الأبصار بينه و بين خليل الذي رمقه بنظرة صقرية حادة و قد تذكره للتو فقد كان يرتدي نفس قميص برشلونة الرياضي حين رآه ينزل من السلالم  فهتف : يبدو انك تعرف الكثير عما حدث ذلك اليوم ما رأيك ان تخبرنا اذا ؟؟؟
ازدرد ريقه يلعن غباء ما تفوه به فقد كانت خطة والدته بأن يفعل ذلك و يوحي بوجود علاقة بينهما  للضغط على عثمان للموافقة حتى تتخلص من سيلا ،  فهذا الرجل رغم هدوئه قد نجح في ادارة النقاش الى صالحه من بضع كلمات . حضوره المهيب يصعب على شخص ضعيف مثل عادل ان يجاريه بالكلام . و اناقته الوقورة بقميص الصلاة و لحيته الطويلة التي تفوح منها راحة المسك الطيب لا يترك مجالا لتكذيبه ذلك كان رأي سيلا كذلك فرأت في الأمر تحد آخر  تمارس هوايتها المفضلة في التمرد مجددا امام عمها و ابنائه و زوجته التي تتنصت خارجا عليهم . نوع من التشدق أرضى غرورها و هي ترى رجلا غريبا يدافع عنها امامهم فتوجهت نحوه و جلست أمامه تضع قدما فوق الأخرى تكتف ذراعيها عند صدرها ترمقهم بنظرات شزرة و يبادلونها بنظرات توحي ان رغبتهم بنحر عنقها و الخلاص منها يفوق طاقتهم في الحفاظ على هدوئهم و هم يشعرون بالذل أمام الغريب . لم تستطع النظر إليه للحرج الذي اعتارها  امامه  أول مرة تشعر بنفسها مكشوفة لدى احدهم بهذا الشكل فأنزلت بصرها الى الأرض للحظات حتى شعرت بوشاح يرمى على رأسها حين نظرت للأعلى كان بلال هو من جلبه لها  و نظر داخل حدقتيها ان كانت متأكدة مما تفعل فأسبلت جفنيها تطمئنه كانت تفكر انها ستستمتع بالانصات له ثم ترفض بكل غرور و عنجهية  .لكن نبرته عادت دافئة مجددا حين خرج الكل من المجلس و لم يبقى سوى بلال معهما و هو يقول : اعتذر اني جئت بمفردي فقدت والدي قبل اشهر ووالدتي لم تنهي عدتها بعد ،
انتظر ردها لكنها لم تجب بل شردت تشعر بعطف ابوي غريب في صوته حضوره فيه شيء من والدها من عزيز انكسرت بعده و  هاجِمها الخُذلانُ من مَسافةٍ قَريبة، قَريبةٍ جدًّا. ذلك الخذلان الذي اتخذ بقلبها  زاويةٌ مُظلِمة... توسعت حتى ملأت روحها.
اردف بنفس نبرته : بأي تخصص طبي يا حضرة الدكتورة ؟؟
اتسعت حدقتاها بدهشة و حين نظرت إليه أطرق رأسه يخفي ابتسامته فقد نجح في  استغلال نقطة ضعفها و استرعاء انتباهها أخيرا . اضمحلت ملامح الاستمتاع من على محياها   فتطوع مجددا يحدثها ليفتح نقاشا : اذا قدر الله خيرا  و قبلت فعليك ان تجهزي نفسك الامتحانات الاستدراكية  بعد اسبوع لتلحقي بالعام الدراسي الأخير .
انعقد حاجبيها و هي تشرد بعيدا تفكر ان عليها التفكير جديا في الأمر  هل ترى بريق أمل يلوح في الافق هل بعثه القدر كبطل خارق ينقذها من الأشرار كروايات الأساطير أم أنه مجرد مستغل للفرصة .  اغشتها الأماني عن الأبصار و كل ما تراءى لذهنها العودة الى جو الامتحانات ، الدروس . الكلية ، الطب ، لكن بالمقابل ما الذي ستدفعه . فهي تؤمن الا شيءا سيكون بالمجان في هذه الحياة اذا لم تلقى الا الخذلان من القريب فهل  ستطمع أن يكون الغريب طوق نجاة . لا يمكنها ان تثق فهي تعاني أزمة ثقة جعل عيناها لا تبصر الا شرا . استقامت منسحبة بمشية آلية دون ان تهمس ببنت شفة تاركة إياه يحدث نفسه و قبل أن تخرج من الباب هتف بصوت جهوري : بالمناسبة اسمي خليل اذا كنت مهتمة
شيء ما بداخلها همس لروحها : أيا خليل الروح!!
لا تدري ان كانت كلمات أغنية أم مطلع قصيدة شعرية . و قد تكون تعويذة سحر لتتلبسه فتتعلق به و لا تتركه عل روحها تجد الألفة فيه و تتبدد تلك الوحشة بداخلها ، ظلت تهمس من بين شفتها دون صوت الى ان وصلت غرفتها : أيا خليل الروح . أيا خليل الروح
وجدت اسمهان تجلس على احد الصناديق بعيون أحمرت من البكاء و انف متورم و وجنتين ناصعة البياض حفرت عليها اخدود من الدموع : يبدو ان ابواب السماء كانت مفتوحة حين تمنيت رجل من المدينة ليتزوجك ، ستقبلين !! ستتركيننا هنا
تجاوزتها و هي تقول بنبرة ميتة : اخرجي الآن أريد أن أنام .فغرت اسمهان فاها مندهشة فاقتربت منها ترجها من كتفيها : افيقي يا سيلا لن تتزوجي من اجل حلمك انت لا تعرفينه لا يمكنك توقع ما قد يفعله بك . لن نرضى سنجد حلا معا تكلمي فقط و أخبريني انك لست موافقة على هذا الهراء
همست بخفوت خلقها : حلمي ،ما يفعله بي ،نجد حلا ، هراء
بضع كلمات تفوهت بها لعقل مغيب كأنها تبحث عن لغز ما وهي تفك طلاسمه من مفردات مفتاحية . المفترض ان تحلق في سماء السعادة و قد جاء خلاصها الى قدميها   فلماذا يستكثرون عليها الفرصة . جابت الغرفة الضيقة تفكر بلا شيء و كأن عقلها سبح فجأة في ملكوت الفراغ ، و كأنها لم تحمل هما أو ان احدهم حمله عنها ، شعرت برغبة شديدة في النوم و داهمها جوع عنيف لكنها بقيت بالغرفة تنظر الى قطعة جبس مرمية في احد الزوايا حملتها و راحت تخط على الجدار كلما تذكرته من دراستها متوقع ان يكون بالامتحان . كعالم رياضيات مجنونة ظلت تكتب و حين لم تكفها الجدران جثت على ركبتيها تكتب على الارض الاسمنتية 
و كأَنَّ الحياة تدعوني
أن أتحرر أخيرا من كل عبئ عن اثقالي..
و اضمد جراحي التي تضعفني
أَن اهرب  من جحيم الماضي
و أهجُر سعيره الذي يحرقني
أَن اتحرر من كل السواد
الذي ينثر رماده في عيوني
وأرى الحياة ربيعا زاهيا
احيا بين الوانها كفراشة ، ببراءتي وًجنوني
أَن  أَكسر كل قيودي
و أَترُك النور بداخلي يشع و هجا
فيعمي بريقه  كل من كسروني…
و كأن الكون يدعوني ..
أن أولد مجددا من رحم همومي
أن أخرج الى العالم بابتسامة انتصار  و قلب قوي
ولا أخشى جراحا جديدة ….
مر يومان و كل ما تفعله سيلا التحديق بسقف الغرفة المقشر و سيل من المصطلحات الطبية  ينهمر على عقلها . محاولات مستميتة من والدتها و شقيقتيها لثنيها عن قرارها لكنها لم تمنح الفرصة لأي منهم في التدخل بشأنها و هي تعتبر ان ما يحدث بسببهن و من اجلهن . هي لا تكرههم لكنها تكره الظروف التي اجبرت عليها بسببهن  و هي تراهن العقبة  امام حلمها لولاهن لتخرجت هذه السنة و أصبحت طبيبة كما حلمت تنطلق بكل حيوية تعالج المرضى بكل تفان و إخلاص .
فراغ غريب يحتويها تشعر بجوفها كجذع شجر خاو  لا حزن يكدر صفو اللحظة و لا سرور يزهر بفؤادها  لا رفض يحتج كعادة  . تمردها و لا موافقة حسمت  بها أمرها ، تخلت عن عجلة قيادة سفينتها لغريب فشلت في تذكر ملامحه سوى عينيه الفاتحتين و سمرته اللذيذة و لحيته  المشذبة بعناية ، و اسم . اسم همست به خلجاتها دون ان ينطقه لسانها اسمه كدفئ وشاح فرو طبيعي التف حول عنقها بينما اطراف جسدها عارية ترتعش بردا لا تدري اتكتفي بكمالية ذلك الدفء الثمين أعلاها ام ترفضه  حتى تموت  عارية حافية تحت برودة الخذلان
طرقات هادئة على الباب جعلتها تستقيم بتذمر بمكانها حيث قبلت ان تأتيها اسمهان بفراش لتنام عليه قائلة : يكفي يا اسمهان لقد اجبرتني على أكل ما يبقيني  حية لا أريد شيىئا منك دعوني و شأني
لكن الباب فتح و دخل بلال بظهره يحمل أغراضا كثيرة بكلتا ذراعيه قائلا بحماس : أظنك في حاجة لأكل المزيد كي تليق عليك هذه الأشياء
تقلصت ملامحها في محاولة منها لاستيعاب ماتحويه العلب الأنيقة باحجام مختلفة مرتبة من الأكبر الى الأصغر رفعت احد حاجبيها تتساءل : اذا فكرتم بإرضائي ببضع قطع من مال أبي فأنتم حقا أغبياء
أجاب بلال باقتضاب : هلا وضعتي اسلحتك و من بينها سلاطة لسانك قليلا في هدنة مؤقتة و اقتربت من فضلك 
وضعها جانبا ووقف يضع يديه على خصره يتأمل كتلة الغرور و العنهجية المتكورة في زاوية تغزوها الرطوبة بمنظر متشدق يظن  من يراها  انها مستلقية في احد شقق ناطحات السحاب  فاردف بنبرة قروية خشنة : الن تنزلي من برج غرورك قليلا لترضي فضولك الأنثوي فيما تحويه هذه العلب الوردية الأنيقة الملفوفة بالشرائط الحريرية  ردت باقتضاب تمنع طرف عينها من اختلاس النظر إليها : لا لن افعل انا في حاجة الى الصعود اكثر و ليس  النزول
جلس القرفصاء  امامها قائلا بنبرة أكثر خشونة يغلفها الهدوء الصارم : السهم يا عزيزتي سيلا  عليه ان يعود للخلف كي يصيب  مرامه بدقة  
أردت منعك من هذا الزواج لا أريد أن تتزوجي فقط لانك ترين الفرصة في تحقيق حلمك و الخلاص من وضعك . لكني جلست مع السيد خليل و انا أسال عنه منذ يومين و ساستمر بالسؤال عن كل ما يخصه و يخص عائلته أنه حقا فرصة لا تعوض سمعته مثل المسك و لكن القرار يعود لك لقد بعث لك هذه الأغراض و قال بالحرف : لديك أربعة أيام لتفكري بجدية في عرضه سيحظر معه شيخ عند انقضاء المهلة على ان يعقد القران في العاصمة لاحقا عند انتهائك من امتحاناتك
شعرت بحروف اسمه حين نطق بها بلال تتخلل شغاف قلبها و تلمسها بشيء من السحر . تقيض غضبها تلجمه 
همست بيأس : هل قررتم عني ؟؟ امستعجلون لهذه الدرجة للتخلص مني 
استقام واقفا يزفر اتفاسه بنفاذ صبر فقد كانت كالمجنونة تريد الابتعاد عن المكان و حين سنحت لها الفرصة ترى في تحريرها تخليا عنها . ماعاد بلال قادر على فك شيفرة ما تحمله بجمجتها الغليظة و هي تحبس نفسها بشرنقة من التبلد تشعر الآخر بعجز الوصول إلى ما ترنو عليه ، رغم أنه كان الألطف و الاكثر استيعابا من الجميع لها لكن في هذه اللحظة بالذات ما عاد قادرا على ذذلك.
بلال بنبرة مزاح ثقيلة على قلبه في محاولة لتلطيف الجو: بالگاد أستطيع كبح فضولي في رؤية ما بعثه لكن أخشى ان تكون هناك اشياء خاصة لا يحق لي رؤيتها و أردف دون ان يراعيها اي اهتمام : ان وافقت على هذا الزواج لن أسمح لك بالخروج من البيت الا بأفضل جهاز تحصل عليه العروس الجزائرية

المتهم الخطأ حيث تعيش القصص. اكتشف الآن