صخرة الميعاد المقدسة
بعد منتصف الليل بقليل يفتح الباب الكبير للجناح الملكي، ويخرج منه رجل أسود ضخم الجثة حاد الملامح يحمل بيده سراجاً تنبعث منه إضاءة
خافتة لعينه على الرؤية:إنه أمين سر القصر "أيوب" وهو ذاهب الآن لتنفيذ المهمة السرية التي أوكلها إليه ملك مملكة أنابيل..
**
بخطواته المتمهلة الثابتة تجاوز أيوب البوابة الخارجية لباحة القصر وواصل سيره في الطرقات الضيقة المنظمة لجزيرة الأرباب حتى وصل ڪوخاً خشبياً عتيق وطرق بابه..
فتحت له الباب الجينية "الوزيرة خيزران" وما أن رأته أمامها حتى ارتسمت في عينيها نظرة قِلقة وأدركت أن هناك أمراً هاما دفع أمين السر للقدوم إليها في مثل ذلك الوقت المتأخر من الليل:
_ ماذا هناك؟!
_ الملك..
_ ما به؟!
_ يطلب رؤيتكِ..قال أمين السر ذلك بصوته الأبح والأشبه بهمهمة ذئب عجوز، ثم استدار وسار مبتعداً دون أن يخبرها عن السبب الذي تم استدعاؤها من أجله فسالت:
- ألم يخبرك عن السبب ؟!
أجاب دون أن يلتفت لها:
- اتجهي لباحة القصر، وهناك ستعرفين..هتفت:
- وانت این ستذهب؟!
قال وهو يغوص في عمق الظلام:
- لاستدعاء البقية ..
لم يكن الأمر يحتمل المماطلة أو التأخير؛ لذا فإنها اتجهت نحو باحة القصر وقد غاب عن بالها أن تبدل اللباس الشفاف القصير الغير اللائق الذي كانت ترتديه..
حين وصلت هناك وجدت أمامها رهطاً من كبيراً من ڪُبراء عائلة الأباطرة للملكية وقد استطاعت أن تلمح بينهم شخصا كان من أشد الأصدقاء قرباً للملك إنه "الحكيم" ومن المؤكد أنه كان يعرف شيئا بخصوص ذلك
الاجتماع..
دنت منه وسألته:
- ما الذي بظنّك يريده منا الملك الآن؟! متجاهلاً جدية الموقف علّق الحكيم بسخرية كعادته وهو يطيل النظر
بشهوة، التفاصيل جسدها الفاتن من خلال لباسها الشفاف القصيرة:
_ في الحقيقة لا أعلم..
ثم أضاف يمازحها بنبرة ماكرة وهو يعض شفته السفلى:
- ولكن إن أردتِ أستطيع أن أخبرك بما أريده أنا منك الآن ..
أحسست الوزيرة بالاستياء من ذلك التلميح الفاحشة؛ فسددت لوجهه لكمة خاطفة..
لكن وقبل أن تصل تلك اللكمة إليه كانت هناك يد سريعة قد امتدت في الهواء لتعترض طريقها..
التفتت الوزيرة نحو مصدر تلك اليد فوجدته "الشمالي" وقد أرسل إليها نظرة حادة مُهددة تعني:"أنا لا أسمح لأحد بأن يؤدي أصدقائي"
ثم أنزل لها يدها وقال بأدب:
- أعتذر لك بالنيابة عن صديقنا الحكيم أيتها الوزيرة؛ فأنتِ تعلمين بأن لسانه طويل جداً وهو بحاجة لأن يخرجه من فمه أحياناً دون أن يلقي اعتباراً للكلام الذي يصدر عنه..
أما الحكيم الذي ضمن أن الوزيرة لن تستطيع أذيته طالما أن صديقه معه، فإنه انفلت عليها يهاجمها ليسترد بعض كرامته:
- ليس لساني هو الطويل فقط، هناك أيضا آآ...
سارع الشمالي بإغلاق فمه؛ لأنه يعلم أن الأمور لن تسير على ما يرام لو أنه سمح له بإكمال تلك الجملة..
ثم وللتخفيض من حدة التوتر أكثر فإن الشمالي التفت نحو الوزيرة بلطف وأجابها عن سؤالها السابق قائلا:
- أما عن أمر استدعاء الملك لنا فلا أحد يعلم شيئا بشأنه؛ لقد طلب أيوب منا جميعاً الحضور إلى هنا دون يخبرنا عن السبب..
في تلك اللحظة فتحت البوابة المطلة على الباحة الأمامية للقصر،
فصمت الجميع ونظروا نحوها بترقب .. خرج أيوب لهم وقال:- اتبعوني، الملك سيلاقيڪم عند صخرة الميعاد المقدسة..
تضاعف الاهتمام لديهم أكثر؛ فهم يعلمون أن الملك لن يطلب منهم الحضور لصخرة الميعاد المقدسة إلا إن كان هناك أمر خطير جدا يستدعي ذلك..
سار أيوب باتجاه حديقة القصر الخلفية يتبعه الجميع..واصل الجميع سيرهم وسط الضباب الكثيف والأشجار الطويلة للحديقة يتبعون بقعة الضوء المنبعثة من السراج الذي يحمله أيوب وما أن وصلوا لهناك حتى شعروا بالدهشة مما شاهدوه أمامهم.. لقد شاهدوا طفلة صغيرة لم تتجاوز العام من عمرها وقد كانت تستلقي على ظهرها فوق منتصف صخرة الميعاد المقدسة، وتنظر ببراءة و السماء السوداء الشاسعة الممتلئة بنجوم متلألئة وهي لا تعلم شيئاً مما يحدث حولها..
ولكن دهشتهم تلك لم تطل كثيراً وذلك عندما سمعوا وقع خطوات أقدام تقترب منهم،
وحين التفتوا نحو مصدر الصوت شاهدوا الملك "عاصف" والملكة "سرابي" يسيران نحوهم، وفوقهما بعدة أمتار كان يطفو في الهواء بجناحيه الطويلين طائر العنقاء الأحمر "إكليل .. لقد حان الوقت ليعرف الجميع لماذا طلب منهم الحضور في ذلك الوقت المتأخر جدا من الليل وبكل ذلك القدر العالي من التكتم والسرية ..
أنت تقرأ
الجساسة
Historical Fictionفي هذه الحياة ستواجه الكثير من المعارك اليومية ولكن معركتك الأهم ستكون تلك التي تخوضها مع ذاتك؛ لتبقى فيها قلبك سليمًا وسط كل الدمار الذي يحدث من حولك .