العرافة سربيل
لقد كانت رائحة ذلك القادم غريبة وكان يملك هالة خطيرة شديد:
القوة؛ لهذا شعر الجميع أن ثمة خطراً ما يقترب منهم فتأهبوا للتصدي له إلا أن صديقي عاصف "الحكيم والشمالي" حين نظرا باتجاه طائر العنقاء ووجداه هادئا بينما كان يستريح فوق غصن الشجرة؛ عرفا أن القادم المجهول ذاك ليس عدواً وإنما جاء بناء على طلب الملك، وإلا لكان طائر العنقاء هو أول من توثب للهجوم عليه ..لحظات ثم تظهر لهم من بين الأشجار امرأة طاعنة في السن ذات قوام
نحيل ووجه لا يزال يحتفظ بملامح جمال غابر، تملك عينين زيتونيتين أشبه
بحقول أشجار زيتون مهجورة ولديها شامة تشبه القمر ترتسم على جبينها
الطويل إنها "سربيل" عرافة مملكة أبابيل..لم يخرج أحد منهم همساً ولكن وجوههم أفصحت عما يدور داخل نفوسهم، إنهم يتساءلون عن سر حضور العرافة لاجتماعهم السري ذاك تقدمت العرافة حتى وقفت مقابل الملك وسألته :
- أأنت متأكد مما تريد فعله؟!
- لو لم أكن متأكداً لما طلبت منك القدوم.. - حسنا، أحضرها لي إذا...حمل عاصف ابنته من فوق الصخرة ووضعها برفق بين يدي العرافة فما أن أحسّت الطفلة بأنها استقرت بين يدي شخص غير مألوف بالنسبة لها حتى تغضن وجهها وأوشكت على البكاء إلا أن والدها مسح بيده على رأسها وهمس يطمئنها:
- لا تخافي، أنا هنا معك يا صغيرتي..
وبالرغم من أنها كانت أصغر سنا من أن تفهم ما قيل لها للتو إلا أن صوت والدها الدافئ كان كفيلا بأن يهدئ من روعها، وينزل السكينة على قلبها..بدأت العرافة بفعل ما جاءت من أجله فقربت فمها من عند أذن الطفلة وجعلت تتمتم عليها بكلمات ذات نطق غريب وذات معنى غيرمفهوم..
فهمست الوزيرة خيزران التي فطنت لما كانت العرافة تقوم به:
- رباه، إنها تُلقي عليها تعويذة المروج!!سألها الشمالي:
- وماذا من شأنها أن تعمل تلك التعويذة؟! - يريد عاصف أن يتأكد مما إذا كانت ابنته هجينة مثله أم لا..
تدخل أيوب:
- ليس هذا بالتحديد ما جئناكِ من أجله يا سربيل..قالت وقد نفد صبرها:
- هلا توقفتما عن التحدث بالألغاز؟!
- إنه يريدكِ أن تنتزعي قوتها في حال تبين لكِ أنها هجينة ..
التفتت نحو عاصف وقد اعترتها الدهشة:
- ولماذا تريد انتزاع القوة من قلب ابنتك؟!
امتنع عن الإجابة؛ لقد كان يخاف أن يكون القدر قريبا منه تلك اللحظة فيختلس السمع الكلام الذي سيقوله لها ذلك أنه عاش من المصائب ما يكفي ليدرك أن الأقدار تحيك لنا كل المخاوف التي في لحظة ضعف نضطر للبوح بها..أطالت العرافة النظر لعينيه البندقيتي اللون واللتين كانتا تعكسان بوضوح إضاءة اللهب المتراقص في مدفأتها، تمتمت وهي تحاول أن تقرأ فيهما الإجابة:
- أنت تخاف أن تموت..رد عليها بنبرة صوت عاصية وكأنه يبعد عن نفسه تهمة خطيرة:
- نحن لا نخاف الموت، بل نخاف على الذين سوف يضيعون من بعدنا إن متنا..كان في عينيه الكثير من التوجس والقلق مما جعل قراءة العرافة لهما أمراً صعباً، ورغم هذا إلا أنها لم تستسلم وأعادت التفتيش فيهما عن الإجابة الصحيحة..
قالت بعد أن وجدت ما كانت تبحث عنه:
- أنت تخاف أن تموت فيقوم أحدهم باستغلال قوة ابنتك لتحقيق أطماعه الشخصية، تماما مثلما فعلت جدتك تاج معك واستغلت قوتك عندما كنت صغيراً ..لم يعلق على نبوءتها فكان صمته ذاك دليلاً كافياً يؤكد لها أن ما قرأته في عينيه كان صحيحاً.. قالت:
- لقد سمي الماضي بهذا الاسم يا ولدي؛ لأنه لا ينتهي عند الامس كما يعتقد البعض بل لأنه يمضي سائراً في يومنا الحاضر وفي مستقبلنا..
ثم سألت وهي تقلب بيدها الحطب في مدفأتها:
- وأين سيكون الاجتماع الذي سيعقد ليلة الغد؟!أجاب أيوب:
- سنقيمه داخل إحدى قاعات القصر..
- لا.. اجعلاه عند صخرة الميعاد المقدسة – وأضافت تبرر اقتراحها: فهكذا كان يفعل جبار مع كبراء العائلة، كلما أراد الاجتماع معهملأمر مهم:
تبادل أيوب مع عاصف نظرة قصيرة كما ليقيس بها مدى رضاه عن ذلك الاقتراح، وعندما لم يعلق عاصف بشيء اعتبرها أيوب إذنًا بالموافقة
فقال:- لا بأس.. سنقيم الاجتماع عند الصخرة.. أشارت العرافة لهما نحو الباب وهي تحرك يدها في علامة انصراف
وتقول:- تستطيعان العودة من حيث أتيتما، سأحضر اجتماع ليلة الغد..
بعد أن غادرها عاصف وأيوب بوقت ليس بطويل طرق أحدهم باب الكوخ.. وحين فتحت العرافة الباب وجدت شخصاً هزيلا كان يقف أمامها، يرتدي ثيابا مهلهلة ويخفي رأسه تحت قلنسوة قماشية ثقيلة الطبقة..
تعجبت العرافة من المنظر وسألت بحذر:
- من؟!
نزع ذلك الشخص القلنسوة القماشية عن رأسه فتحرر شعره الطويل وانساب كشلال ليل فوق كتفيه.. تفاجأت العرافة مما رأته أمامها فذلك الشخص لم يكن رجلا بل كانت فتاة..نظرت إليها مليا قبل أن تسألها:
- ما الذي جاء بك؟!..
أنت تقرأ
الجساسة
Historical Fictionفي هذه الحياة ستواجه الكثير من المعارك اليومية ولكن معركتك الأهم ستكون تلك التي تخوضها مع ذاتك؛ لتبقى فيها قلبك سليمًا وسط كل الدمار الذي يحدث من حولك .