الوعد
بعد الانتهاء من تلك الليلة الصعبة وفي الجناح الملكي القصر الحكم وضع عاصف ابنته فوق السرير وغطاها بلحاف ثقيل كي لا يتسلل البرد الشديد إليها...
أحد يتأملها لوقت طويل وكأنه أراد الاحتفاظ بصورة لها في الذاكرة
فيتحصن بها كلما كثرت له وحوش الحنين عن أنيابها.. إنه يحبها للحدالذي كان مستعداً معه أن يوقف تدفق الهواء من الأرض لو أنه شعر فقط بأن الهواء قد يؤذي عظامها..
احنى رأسه مقترباً منها وأخذ ينشق رائحة الياسمين العالقة فوق جلدها، كان يؤمن في أعماقه بأنه إذا ما مات يوماً فإن رائحة الياسمين تلك ستكون كفيلة بأن تبعثه للحياة مرة ثانية..
همس في أذنها- تذكري طوال عمرك يا ابنتي أن الرب أجيب دعوة الداعي إذا دعاء..
وصمت للحظات ينصت لهدير أنفاسها المنتظمة يخالها تسأله بصوتها الملائكي اللطيف: "أي دعوة يا أبي؟!".. طبع قبلة على جبينها الصغير وقال:- نعم أي دعوة..
حين انتهى من توديع ابنته التفت ينظر نحو زوجته التي كانت تقف بالقرب منه وترسل إليه نظرة تطالبه فيها بالبقاء وعدم الرحيل:
- لماذا لا ترسل الجيش وتبقى هنا معنا؟! قال لها بحنو :
- ليت هذا ممكناً ولكني لا أستطيع يا سرابي.. لا أستطيع أن أطلب من الجنود توديع عوائلهم وديارهم والزج بأنفسهم نحو الخطر بينما أبقى أنا هنا في انتظارهم حتى يعودوا..
- ولكني أخاف عليك من الأذى..
قال بلهجة مرحة كي يهون عليها الأمر ويطرد عنها مخاوفها:
- لا تقلقي فعندما يراني الأعداء سوف يستسلمون فوراً بدون قتال، يبدو أنك تنسين مدى قوتي..
- مهما كنت قويا لن يطمئن قلبي إلا إذا كنت معك - ثم أردفت قائلة كما لو أنها استحسنت فكرة ذهابها معه:
- لماذا لا تأخذني معك للمعركة، أنا قوية مثلك أيضا .. انظر ..
وبدأت أمامه تفتعل بعض الحركات القتالية الغريبة والتي لم تكن لتثير إلا رغبته في الضحك.. ثم ولتبرهن له أكثر على مدى قوتها فإنها تناولت من خزينة السلاح خاصته سيفا.. أمسكته بكلتا يديها وبدأت تتخيل أمامها خصوماً وهميين يهاجمونها فتقاتلهم وتنتصر عليهم..ولم تتوقف عن فعل ذلك إلا عندما فقدت توازنها فجأة فأفلت السيف من يديها وكاد أن يسقط عليها فيؤذيها لولا ان قام عاصف باجتذابها نحوه بسرعة وأنقذها..
تمتمت بحياء وهي تدس وجهها في صدره:
- لقد فقدت توازني ليس أكثر، أرجوك خذني معك..- أنا أستمد قوتي منك يا سرابي – قال ذلك وأضاف: بقاؤك هنا لا يقل أهمية عن المشاركة في المعركة، سأكون أكثر اطمئناناً لو أنك اهتممت يابنتنا جومانا.. اتفقنا؟!
هزت رأسها بحزن ورسمت على شفتيها كلمة اتفقنا..
لم يكن عاصف يملك الخبرة في التعامل مع الإناث فزوجته سرابي كانت أول فتاة يتعامل معها.. إنه يتمنى في تلك اللحظة لو أنه يستغرق في تقبيلها من شفتيها غير أنه يجهل فعل ذلك خارج حدود العلاقة الحميمية..
أنت تقرأ
الجساسة
Historical Fictionفي هذه الحياة ستواجه الكثير من المعارك اليومية ولكن معركتك الأهم ستكون تلك التي تخوضها مع ذاتك؛ لتبقى فيها قلبك سليمًا وسط كل الدمار الذي يحدث من حولك .