الفصل الثاني

795 133 24
                                    

كنتُ أقضي معظمَ يومي في الجلوسِ على السرير ممسكًا بهاتفي، أو مشاهدةِ المسلسلات في التلفزيون، أستيقظ صباحًا وأخرجُ لشراءِ بعضِ الأطعمة تكفي لباقي اليوم ثم أعودُ إلى المنزل، وأقضي باقي يومي مع هاتفي.

ما علمته حينها هو أن المنزل كان مسكونًا بالطبع ولكن لم أُبدِ أي اهتمامٍ لذلك الأمر، تأكدتُ من ذلك عندما كنتُ مستيقظًا بعد منتصفِ الليلِ في أحد الأيام، أُشاهد إعلانًا لأحد المسلسلات التي أُحبها، ثم سمعتُ أصواتًا خفيفةً بدت وكأنها صوتَ نباحٍ اختلطت مع أصوات صراخٍ لم أهتم بها، وبدأت بعض الأفاعي والعقارب بالظهور، وظلّت تسيرُ أعلى الحائط في اتجاهاتٍ متساوية حول الغرفة، لم أهتم بها أيضًا، أستطيعُ التخلصَ منها بسهولةٍ إن أردتُ ذلك، قبل أن يهتز سريري بشدة يمينًا و يسارًا حتى كدت أسقطُ من فوقه، هدأت أصوات الصراخِ بعضَ الشيء من حولي وتوقفت الأرضُ عن الاهتزاز.. ثم ظهرَ من تحت سريري كائنٌ آخر بدا على هيئتهِ أنه نصفُ بشري، له ذراعان وأقدام ولديه بشرةٌ قاتمة خضراء اللون، عيناه تشبه أعين الذئاب التي أرى مثلها في الأفلام، ولديه أنياب كبيرة بارزة من فمه، يرتدي بنطالًا قديمًا والجزء العلوي من جسده عارٍ تمامًا.. ثم جلس بجانبي وظل يُحدِّق بي لثوانٍ قليلة حتى قال:
- ماذا تفعل؟
التفتُّ إليه، وقلت:
= أنا؟
بتفرج على إعلان الجزء التاني من مسلسل '' Squid Game ''
قال:
- ألستَ خائفًا؟
قُلت:
= أخاف من إيه؟

حدّق بعينَي لبرهةٍ، ثم قال:
- ألا ترى أنك تجلسُ بجانبِ شبح!
قلت:
= حصلِّنا الرعب، قصدك يعني إني أخاف منك؟
قال:
- وهل يوجد ما يمنع ذلك؟

قلت:
= صدقني يا عم الشبح، أنتَ بعد ما تقعد معايا شوية هتتفاجئ إنك بقيت تخاف مني، أصل يعني أنا كل يوم في الليل تلاقيني بحس بملل رهيب فـ يإما بتمشى في المزرعة، أو أنام في المقابر أو ما إلى ذلك يعني، دا حتى البيت اللي أنا عايش فيه دا كفيل إنه يرد على سؤالك يا أخي، وفوق كل دا شايف إني هخاف من شبح؟
قال:
- ما إسمك؟
أجبت:
= شريف، وأنتَ؟
قال:
- اسمي راف!
قلت:
= عاشت الأسامي يا عم راف، قولتلي بقى إنت كنت عايز إيه؟
قال في تعجب:
- ما أثارَ دهشتي هو تلك الحالة التي رأيتها عليك، كيف لا تشعر بالخوف من المنازل المسكونة والأشباح يا شريف؟

أجبت:
= زي ما تقول كدا أنا إنسان بلا شعور، الشيء الوحيد اللي بشعر بيه هو الملل، بتعمل إيه إنت لما تحس بالملل؟
أجاب:
- أذهب إلى شخصٍ يجلسُ بمفردهِ، في وقتٍ متأخرٍ من اللّيلِ، وأراقبه ثم أخيفه، مثلما فعلتُ معك أنت
قلت:
= حيث كدا بقى يالا من هنا بدل ما أعمل منك ذكرى سعيدة وأصنع من جلدك الأخضر دا سجادة جديدة لقطتي.

اختفى راف فجأة ومعه ازدادت تلك الهمهمات والأصوات المرعبة التي اعتدتُّ سماعها، ثم خرجتُ من غرفتي لأتمشى قليلًا في المقابر القريبة من منزلي، لم أشعر بشيءٍ كعادتي سوى بالملل فقط.. لطالما سمعتُ عن وجودِ ما يسمى بالمستذئب ويوجد أحدهم في قريتنا، يقومُ بقتلِ البشر ومن ثم اختطافهم ليلًا!
اعتقدتُ أنها مُجرَّد قصصٍ وأساطيرٍ اعتدتُ سماعها طوال فترات ذهابي إلى المدرسة.

ذهبتُ إلى الغابة في تلك الليلة وتمشيتُ قليلًا في أحد الطرق، التي تكون خاوية ليلًا؛ علةَ أن أجد أي منهم كما تمنيت أو أراه وهو يأكل أحدهم.

لا شيء جديد، فضاءٌ من الظلامِ الدامسِ تحت ضوء القمر الخافت وأصوات الحيوانات المنتشرةِ على جانبيه، حتى قررتُ العودةَ للمنزل.

أُغلق البابُ سريعًا فور دخولي، وبدأتُ بسماعِ أصوات صراخٍ أُخرى ازدادت كلما تقدمت نحو غرفتي، ثم شعرتُ بيدِ شخصٍ وُضعت على كتفي قبل أن ألتفت ولم أجد أي أحد!

دخلتُ إلى غرفتي وجلستُ فوق سريري، ثم ظهر راف مجددًا ومعه كائنٌ آخر يكاد يطابقه في الشكل، غير أن بشرته زرقاء اللون ولديه وجهٌ أكثر بشاعةً منه.

كعادتي لم أخف ولم أهتم لوجودِ راف أو الكائن الآخر الذي يرافقه، وظل كلاهما يتساءلان عن سبب عدم خوفي منهم، وكانت إجابتي المعتادة هي أنني لا أخاف، أخبرني أن منزلي يقبعُ به الكثير من الأشباح ويخرجون في فتراتٍ مختلفة أثناءَ الليل وأنهم موجودون في كلِّ المنازل، يخرج أحدهم فقط عندما يجد شخصًا يجلس وحدهُ في وقتٍ متأخرٍ من الليل.

.. يتبع

رحلة تعافي -مُكتملة-حيث تعيش القصص. اكتشف الآن