كانت تركض بكامل قوتها ، وبين كل خطوة عرجاء واخرى تنظر الى ساعتها ثم تتذمر صارخة:
-لقد تأخرت...لقد تأخرت، تلك السيدة الثرثارة لم تدعني اذهب حتى تأكدت اني بخير تماماً، يا ليتني لم اذهب ابداً، مالنفع لي باهداءه كوب قهوة غير تعرضي للاحراج وللمواقف البلهاء، الم يكفي شكري البارحة ؟لاح امامها حرمٌ جامعي واكلمت طريقها جرياً -ايضاً-بداخله ، وصلت لمبنى معين فدخلت تصفع الابواب امامها صفعاً ، حتى وصلت لاحد المخازن، توقفت قليلا لتتنفس،لم تسعفها رئتاها فانحنت متكأة على ركبتيها، واخيرا جثت محاولةً تهدئة انفاسها التي ما انبرت تتقاتل بوحشية صعوداً وهبوطاً، نهضت رغم ان الارض تدور بها كأن الجاذبية انعدمت، ثم توجهت لاحدى الخزانات الحديدية، اخرجت لباساً ازرقاً ووشاحاً صغيراً، اسبلت نظراتها اليهم ،وتضاربت مشاعرها بافكارها، تداركت نفسها بتنهيدة فهي متأخرة سلفاً، لبست اللباس وعصبت الوشاح بمنتصف رأسها ، خرجت من الغرفة وتوجهت لغرفة اخرى، اخرجت منها عربة تحتوي على ادوات النظافة ثم ابتسمت:
-من الجيد ان السيدة سوزانا ليست هنا يجب ان اسرع في التنظيف قبل ان تمر...
لكن صوت مجلجل تفجر من ورائها:
نونيا قفِ مكانك !ارتجفت اوصالها وبلغت القلوب الحناجر، بالحرف الواحد (هذا ليس وقتها)، التفتت موقنة بمصيرها المحتوم، لترى السيدة سوزانا بهامتها العالية والتي تراءت لها بتلك اللحظة انها عشر اضعاف حقيقتها وجهها محمر واوداجها متنفخة حد الانفجار وتكاد تبزغ عروقها من مكامنها، لم تملك نفسها الا ان تتضرع:
-"الرحمة يا الهي"
-تعالي الى هنا
صرخت فخرج صوتها شاحباً متحشرجاً من جلل ما اصاب اعصابها، ثم اشارت بسبابتها لامامها بشدة لتؤكد امرها، احست بالبرودة تزحف على اطرافها زحفاً، واحتبس الدم عن الوصول لاقدامها ،لكنها امتثلت للامر منصاعة ومشت كما يساق الكبش لمقصلته، وبكل خطوة يخيِّل إليها رُعبها ان السيدة سوزانا تزداد علواً وتصبح كعملاق تستطيع بحركة من يدها ان تبطش بها
-اسرع
صرخت السيدة الغاضبة مرة اخرى باعينٍ تتلون وتقدح شرراً، تلكع نونيا يجر بالسيدة سوزانا لحافة الانهيار وهذا لا يصب بمصلحتها، فاسرعت بخطاها وصلت لتحت هذا العملاق الابطش وايقنت موتها:
-نعم سيدة سوزانا ؟
بخفوت حد اللاوجود سألت ، وكأنها فجرت سداً امام فيضان بسؤالها فانكب الماء كباً:
هل تظنين يا انسة انك ملكة تنازلت عن عرشها لتقدم خدماتها هنا؟، انظري الى الساعة، انظري الى الساعة لقد تجاوزت الثامنة والنصف، وهذا يدل على عدم احترامك للوقت وعدم تحملك مسؤولياتك الموكلة اليك، اسمعي نونيا الم تكوني انت التي قدمت سيرتها الذاتية ثلاث مرات وألح علي للعمل هنا!!، واعلمي اني لم اقبل بك -في هذه الوظيفة- الا بعد الاصرار الذي رأيته منك، وكذبتُ نظرتي الخاصة -في تصنيف الناس-التي لم تخطئ ابداً، وبنيت املاً بأن تكوني بالشكل المسؤول والمهتم الذي اظهرته لي، لكن! هذا التأخير الدائم ما افعل به ؟ وهو مجرد عمل جزئي !!!!....
أنت تقرأ
دفءٌ بعد سراب
Ficción Generalلولا السراب لما واصل السير بحثاً عن الماء هذا السحاب .. لولا السراب : لما كنت حياً. - {محمود درويش} -وصف مؤقت لا غير