لا تتنازل عن كرامتك!..

16 2 9
                                    

لا تتنازل عن كرامتك!

أيام الاستعمار البريطاني في الهند ،
صفع ضابطاً بريطاني رجلاً هنديا على وجهه ،
فما كان من الهندي إلا أن لكمه فأوقعه أرضاً!

عاد الضابط إلى الجنرال وقص عليه الخبر ،
ثم قال له : قم بإعدامه یا حضرة الجنرال ، لقد اعتدى على جيش صاحب الجلالة!

ولكن الجنرال قال له : خذ خمسين ألف روبيه وأعطها للهندي عربون اعتذار!
قبل الهندي الهدية التي شكلت له رأس مال ليبدأ بها تجارة طالما حلم بها، وعندما كثر ماله ، وأصبح يشار إليه بالبنان ،

قال الجنرال للضابط : الآن اذهب إلى بيته واصفعه أمام حرسه وخدمه!
امتثل الضابط لأمر الجنرال ، وذهب إلى بيت الهندي وصفعه أمام ، حرسه وخدمه ، فابتسم الهندي ولم يفعل شيئاً!
عاد الضابط وأخبر الجنرال ما كان من صاحبه الهندي!

عندها قال الجنرال للضابط : في المرة الأولى لم يكن الهندي يملك إلا كرامته فدافع عنها ، أما عندما باعنا كرامته ، أصبح لديه تجارته ومصالحة التي يدافع عنها، بعيدا عن حكايات العزة والكرامة !

شأن الحياة دوما أن تراود الإنسان عن كرامته ، وما أكثر بائعيها ، وما أقل ممسكيها بإحسان ، الذين يقولون لكل من ساوم وفاوض وزين وأغرى : « معاذ الله »!

نادراً ما يكون الأمر صارخاً مكشوفاً کحالة المحتل مع صاحب الدار ، رغم أني لا أصنف التنازل هنا في باب هدر الكرامة ، وإنما في باب الخيانة العظمی ، في الغالب تكون كرامتنا على المحك في أغلب ممارساتنا اليومية ، وأدق تفاصيلنا الحياتية!
باسم الحب ، تجد أحدهم قد ارتضى أن يكون مسحة ،

ثم يعزي نفسه قائلاً : لا كرامة بين المحبين! نسي مدعي الحب هذا أن الذين
يُخيرون بين قلوبهم وكراماتهم ، فيختارون قلوبهم لا يستحقون أن يكونوا عشاقا ، ونسي ما هو أهم من ذلك ، وهو أن الذين يحبوننا حقا لا يضعوننا أمام هذا الخيار أبداً ، لأن كرامتنا من كرامتهم!

باسم تحصيل الرزق ، تجد أحدهم يريق ماء وجهه ، ثم يعزي نفسه قائلا ، رغيف العيش صعب! تبا للخبز المعجون بالذل ، للرغيف الذي يحولنا إلى عبيد ، وكأن الرزق بيد الناس لا بيد الله!

باسم الترقي في الوظيفة يعمل أحدهم جاسوسا على زملائه عند رب العمل!
باسم معرفة عليَّة القوم يكثر المطبلون وماسحو الجوخ!
باسم فقه المصلحة تُباع اللحى والعمائم بدراهم معدودة ، يتعلمون كلام الله ويمشون به في طريق إبليس!

في بعض المواقف يكون التجاهل فضيلة ، والتغاضي قيمة أخلاقية عليا ، وغض الطرف خلقا نبيلاً يُندب إليه ، كل هذا محمود إن كان الهدف من ورائه محاولة الاحتفاظ بالآخرين حتی الرمق الأخير طلبا للأجر من الله ،

ولكن متى ما كان هذا طلباً للأجر من الناس فاعلم أن الكرامة قد تمرغت عند أقدامهم!
إن كرامتك أهم من حبيبك ،
وأهم من رغيف خبزك ، وأهم منك أنت ، إن الإنسان بلا كرامة لا شيء!

_انتهى_

'حـديث الـمساء' ||evening talk حيث تعيش القصص. اكتشف الآن