.دروس في الوفاء!..

11 4 6
                                    


.


ملّ برأسك على كتفي سأعطيك أمانًا أفتقده .



.
    درس في الوفاء!

       تُعَيِّرُنا أَنّا قَلیلٌ عَديدُنا

                 فَقُلتُ لَها إنَّ الكِرامَ قَليلُ

وَما قَل مَن كانَت بَقاياهُ مِثلَنا

              شَباب تَسامى لِلعُلى وَكُهولُ

وَما ضَرنا أَنّا قَلیلٌ وَجارُنا

                عَزيزٌ وَجارُ الأَكثَرينَ ذَليلُ

اختلف دارسو الأدب الجاهلي في قائل هذه الأبيات فقد نسبت لأكثر من شاعر!
والغالبية العظمى من الدارسين ينسبها للسموأل
وأنا أميل لهذا الرأي ، فالقصيدة تشبهه مبنی ومعنى
واختلاف النسابة في القصيدة له أسباب لسنا معها هذا الصباح على موعد!

السموأل شاعر عربي كان وقومه يهوداً!  والسموأل اسم مُعرب من الاسم العبراني «شموئيل» وتعني الشخص الذي أسماء الله!
وهذا أحد الأدلة الكثيرة التي يُحتج بها أن العرب الأقحاح عرفوا التعريب في مرحلة مبكرة
وإن كان وقع في القرآن مُعرب على أرجح الأقوال فهو عربي خالص
لأن من عرّبه هم أهل الأحتاج في اللغة فصار من لغتهم يُصرّف ويُعرب ويجري عليه ما يجري على اللفظ العربي
فالقرآن إذا كله عربي وليس فيه أعجمي
والمعرب لفظ احتاجه العرب فجعلوه من لغتهم وتحدثوا به دهرا قبل نزول القرآن
فمن قال أعجمي باعتبار الأصل صدق
ومن قال عربي باعتبار ما صار إليه صدق
ومن قال أن القرأن أتي بألفاظ أعجمية وفرضها على العرب ثم صار بهذا من لغتهم فقد جهل وخالف صریح القرآن

لا أدري ما قصتي مع الاستطراد هذا الصباح
فهذا ليس موضوعنا أيضا ولكن الكلام جر بعضه بعضا!

وبالعودة إلى السموأل فإن امرؤ القيس الشاعر العربي الشهير أودع عند السموأل مالاً وسلاحاً ودروعاً
وقصد قيصر - برفقة صاحبه عمرو بن قميئة بن ذريح بن سعد بن مالك الثعلبي - ليساعده على استرداد مُلكِ أبيه
وأنشد في الدرب إلى قيصر :

بَکی صاحبي لما رأى الدرب دونه
                 وأيقن أنّا لاحِقانِ بقیصرا
فقلت له : لا تبكِ عينُك إنما
            نُحاول ملكا أو نَموت فنُعذرا

ثم إن امرؤ القيس بن حجر مات
فجاء ملكُ كِنده - الحارث بن شمر الغساني - يطالب السموأل بتركة امرئ القيس .
فأبى السموأل أن يدفعها إلا لمستحقيها ...
وتحصن السموأل لما رأى الشر في عيون ملك كِنده .
إلا أن الملك عثر على ولد للسموأل خارج الحصن
فقال له : إما أن تدفع إلى بالتركة أو ذبحته
فقال السموأل : إن ذبح ولدي أمام ناظري أهون عندي من أن تقول العرب لقد خان السموأل.
فذبحه ، ومضى في سبيله!
ثم إن العرب إذا أرادت أن تكرم أحداً على أمانته ، ووفائه ، قالت :
إن فلاناً أوفى من السموأل!

اليهود بالعموم أهل غدر وخيانة
قل أن يخرج منهم وفي
وفيهم قال الله {وينقضون عهدهم في كل مرة}
ولكنا قوم أُمرنا بالعدل
فلا يجوز أن ننكر لذي فضل فضله بغض النظر عن جنسه ولونه ودينه ومعتقده

{ولا يجرمنكم شنأن قوم على ألا تعدلوا}

إن كنا في غنى عن دین السموأل
فإننا فقراء لوفاء کوفائه
فقد تغير الناس كثيراً
يقول الحريري :
تعامل القرن الأول فيما بينهم بالدین زمانا طويلاً حتى رق الدين ، ثم تعامل القرن الثاني فيما بينهم بالوفاء حتى ذهب الوفاء ، ثم تعامل القرن الثالث فيما بينهم بالمروءة حتى ذهبت المروءة ، ثم تعامل القرن الرابع فيما بينهم بالحياء حتى ذهب الحياء ، ثم صار الناس يتعاملون بالرهبة والرغبة» تراه ما كان سيقول لو عاش بيننا
.
.
إذا وعدتَ فِ
فقد قالت العرب : وعد بلا وفاء عداوة بلا سبب
وقال عوف الكلبي : آفة المروءة خُلف الوعد
وإن لم يقل الناس عن اخلاف الوعد غير ما قاله النبي «آية المنافق ثلاث، وذكر منها «وإذا وعد أخلف» لكفى
لا تقطع وعدا لا تستطيع أن تفي به
وإن كنت قادراً على الوفاء ثم تغيرت حالك فلم تستطع أن تفي بوعدك فبين لمن وعدته عذرك
واستسمحه
فالاعتذار مجلاة القلوب
وإن كان حُبب للناس الوفاء والأوفياء
ومن طريف ما أنشد أبو فراس الحمداني في الوفاء :

ومالي لا أثني عليكَ وطالما
             وفيتَ بعهدي والوفاءُ قليلُ
وأوعدتني حتى إذا ما ملكتني
          صفحت وصفح المالكين جميلُ

-انتهى-

'حـديث الـمساء' ||evening talk حيث تعيش القصص. اكتشف الآن