عن الذين لا يراهم أحد!.

10 7 3
                                    

عن الذين لا يراهم أحد! 🔖

كان سقراط يتمشى مع غلوكون شقيق أفلاطون ..
روی غلوكون لسقراط قصة راع من مملكة ليديا وجد ذات مرة خاتماً ،
وضعه في إصبعه ،
وسرعان ما انتبه إلى أن أحداً لا يراه ،
فذلك الخاتم السحري يجعله غير مرئي في أعين الآخرين

تفلسف سقراط وغلوكون مطولا حول التفرعات الأخلاقية لهذه القصة ،
ولكن أيا من الاثنين لم يتساءل عن السبب في أن النساء والعبيد ليسوا مرئيين في اليونان ،

بالرغم من أنهم لا يستخدمون خواتم سحرية!

مات سقراط وغلوكون ،
ودار الزمان ألفين وخمسمائة سنة تقريبا ،
تقدم العلم ،
واتسعت المعرفة ،
دُحضت الأساطير ،
تبين أن لا خواتم سحرية ،
أما الشيء الوحيد الذي لم يتغير ،
فهو أنه بقي بعض الناس لا يراهم أحد!

وهذه كلمات عن الذين لا يراهم أحد!

عن ربات البيوت اللائي لا تدرجهن وزارة العمل بين العاملين ،

ولا وزارة الدفاع بين الجنود ،
رغم أنه إن كان أحد يعمل في هذا العالم فهن ،

وإن كان أحد يقاتل بشراسة لأجل قضية شريفة فهن أيضاً!

عن العمال البسطاء الذين إن غابوا لم يُفتقدوا وإن حضروا لا يُأبه لهم ،
العتالين في المرافئ ،
صبيان الميكانيكيين ،
العجوز التي تفترش الطريق تبيع بضاعة مزجاة كي لا تمد يدها للناس، ،

الآباء الذين يفلقون صخر الحياة بحثا عن رغيف وكتاب ،

سائقي سيارات الأجرة ،
كانسي الطرقات ،
سائقي سيارات الإسعاف الذين يسابقون الموت ليصلوا بالمريض وبه رمق من حياة فلا يراهم أحد،

و لأن الجميع سمروا أعينهم تجاه الطبيب ،
هؤلاء هم طعم العالم ونكهته ،
هؤلاء البشر مع مرتبة الشرف!

عن اللواتي تأخر زواجهن ،
يمتن ألف مرة شوقا لطفل ،

حالت بينهن وبين أمانيهن عادات بالية نعلقها على مشجب النصيب ،

وكلنا نظن أنهن بخیر ،
تباً لنا ،
إنهن لسن بخير!

عن الشباب المكبلين بأصفاد المهور الغالية ،
والوظائف المفقودة ،
المحاصرين بعالم يراودهم عن أنفسهم كل يوم ،
هذا العالم الحقير بإعلامه الهابط ،
وسياسييه اللصوص ،
وفنه المثير للغرائز ، ولكنهم ما زالوا على الطريق ، يمشون إلى المساجد وفي أعماقهم ألف
حرب تدور ،
ويراقبون الله رغم أن الحرام يسير ،

والدنيا تصرخ فيهم صراخ زلخة ليوسف : هيت لك!

عن الكثيرين ممن لم أذكرهم في هذا المقال ، لأنني لم أرهم أنا أيضاً ، لا تبتئسوا ، يكفي أن الله يری!


-انتهى-


'حـديث الـمساء' ||evening talk حيث تعيش القصص. اكتشف الآن