الفصل الاول

730 13 8
                                    

الفصل الاول

( لارا البدينة .. لارا البدينة ....لارا دب الباندا ....لارا البشعة .......)

تلك الكلمات تتردد صداها داخل عقلها كل يوم .... تأبى الرحيل ... مهما حاولت النسيان لا تستطيع .... فتلك الذكريات تعود لتتزاحم بمخيلتها بمجرد أن تضع رأسها على الوسادة ...... ذكريات مؤلمة جداً جعلتها تكره جسدها وتكره منظره البشع .... تكره ضعفها وتكره دموعها التي تنهمر بالخفاء ... تكره توسلها واستجدائها للاهتمام والشفقة من صديقاتها وكل من حولها تنظر لفتيات الفريق الرياضي بنظرات حالمة تتمنى أن تمتلك جسد كجسدهن الرشيق ... تتمنى أن ينظر لها أحدهم لمرة واحدة فقط بنظرة حب خالصة وليست نظرات شهوانية مقززة .... طوال حياتها لم تكن لها علاقة مع أي رجل حتى ولو على سبيل الصداقة ! لكنها لم تكن خالية من التحرشات البذيئة .. فيكفي أن تنظر إلى عيونهم الذئبية لتعرف بشاعة ما يفكرون به .
جدتها تقول بأن الرب سيكافئها برجل يغدق عليها حبه وحنانه فقط عليها الصبر والانتظار .. فلا حاجة لتبحث عن الحب بل الحب هو من سيدق أبوابها ما إن يحين أوانه .. لكن متى ؟!.... متى ؟!...... يا إلهي .... متى تجد هذا الحب الحقيقي ؟!... متى تجد ذلك الشخص الذي سيتغاضى عن شكلها الخارجي لينظر إلى الطفلة القابعة داخل القضبان المظلمة في تلك الزاوية البعيدة ......طفلة تتوق للحب والاهتمام !!
مشت بتمهل في الطريق المثلج ... نظرت لمجموعة من المتسولين وهم يشعلون النيران في البراميل الفارغة ويقفون قربها مادين أياديهم ينشدون الدفء .. هذا المنظر جعلها تحمد الرب بسرها على عطاياه فمهما يكن فهي وجدتها يعيشون حياة جيدة نوعاً على الرغم من أنها لم تجد عملاً حتى الآن لكنها ستبحث علها تجد ما يناسبها ... القرية محدودة السكان لذلك فإن فرص العمل ضئيلة جداً ...
أفاقت من شرودها عندما وقع بصرها على منزله المنعزل الذي يبدو من بعيد كأنه بيت من البيوت التي تظهر في أفلام الرعب .... منزل كبير مظلم يتكون من طابقين.... وما زاد من رعب المكان هي تلك المزرعة الجرداء بأشجارها العارية و الهدوء المطبق حول المنزل فهو يقع بعيد نسبياً عن بقية المنازل ..... كانت المزرعة واسعة نوعا ماً ...... تحتوي على اسطبل للخيول وأخرى للماعز مع قن للدجاج .. بكل مرة يزداد فضولها لمعرفة سر ذلك الرجل ترى ما ورائه ؟! ولمَ تلك اللمحة من الحزن تظلل عينيه ؟!
لقد سمعت عنه أموراً غريبة منذ أن انتقلت إلى العيش في القرية مع جدتها وما زاد فضولها قول نساء القرية عندما كانت تتبضع حيث قالوا أنه يصطاد قطط الحي ويصنع منهم يخنة يتقاسمها مع كلبه الشرس ... بالإضافة إلى أنه يمارس طقوساً غريبة وعجيبة تثير الشك والريبة !!!
تراه من بعيد يسير بخطواته العرجاء في حديقة منزله مع كلبه الأسود وبعض الأحيان تشاهده في المتجر أو تلمحه يقود سيارته الجيب المهترئة لكنها ورغم كل تلك المصادفات إلا أنها أبداً لم تتبين ملامحه .....مرة واحدة شعرت به ينظر ناحيتها عندما كانت تحدق به ليتجمد الدم بعروقها وتدير وجهها إلى الجهة الأخرى وهي تتلو صلاتها بصمت ... تصرفاته غامضة لاتعلم لِمَ يتآكلها الفضول والشك ؟!خاصةً بعد الكلام الذي سمعته والذي غذى فضولها لاستكشاف سره وحل لغزه .... أجل فرغم رعبها منه إلا أن داخلها توق كبير لتكشف سر من أسراره .. تشعر أنهما يتقاسمان شيئاً مشتركاً ألا وهو الوحدة والحرمان .. ربما هي لا تعرف بما يشعر لكنها تعرف جيداً ماذا تفعل نظرات الشفقة أو التجاهل التي تلمحها بعيون الكثيرين ممن حولها أنها أبشع مئة مرة من أي كلام جارح ... تنهدت بعمق وهمست بشرود :
" ترى ماخلفك أيها الرجل الغريب !!!"
........................................

رواية رياح الذكريات لكاتبة رقية سعيد القيسىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن