الفصل الخامس
..........................هل كان ذلك بريق إعجاب واهتمام لمحتهما بعيني روسيندرو أم أنها بدأت تتوهم؟!
منذ أن أخبرها بجمال جسدها وهي أصبحت تتصرف كالبلهاء, ترتدي أجمل ما لديها وإن كان لا يزال واسعا تضع القليل من مستحضرات التجميل التي لم تكن
تعرف كيف تضعها إلا بمساعدة جيسي التي لم يعجبها ما كانت تقوم به!
لا زالت تذكر ذلك اليوم عندما تعثرت به أمام مدخل المطبخ حينها سارع إليها
لينحني على ركبته بصعوبه ثم أمسك يدها قائلا باهتمام:
"هل أنتِ بخير لارا؟!"
نسيت ألم ساقها وظلت تنظر لذلك الاهتمام الصادق الذي كان يتدفق من عينه ليسألها مرة أخرى:
"لارا أجيبي هل أنتِ بخير!هل أصبتِ بأّذى؟!"
هزت رأسها وهي مأخوذة بقربه ورائحته المسكية التي تدفقت إلى رئتيها كالمخدر
لتخدر حواسها..أمسك يدها ليساعدها على الوقوف بصعوبة:
"حاولي النهوض..تبا لارا لِمَ أنتِ صامتة هكذا؟!"
عندها فقط شعرت بالخجل ثم قالت بارتباك:
"أنا..أنا..بخير..لا تقلق"
أومأ وهو يتفحصها برقة أذابت عظامها ثم تركها لاهثة تطالع أثره بهيام.
.....................
تجري الأيام ببطء وهي تحاول أن تتقرب منه أكثر..تحاول سبر أغواره!
كانت يتصرف بغرابة تارة يقترب وتارة يبتعد كالمد والجزر..
لمحته يجلس على درجات المنزل يمسك بيده سكينا وقطعة من الخشب بدا وكأنه شارد يقطع أنحاء الخشبة بصمت..الشمس كانت تشرق على غير العادة تعكس أشعتها على بلورات الثلج..أنها فرصة ملائمة لتتحدث معه قليلا.. فتحت باب المطبخ واتجهت ناحيته لتجلس في الطرف الجانبي للسلم..لم يعرها أدنى انتباه.. سعلت بخفة لكنه أيضا بدا غير مهتم بوجودها..تنهدت بعمق وهي تنظر للثلج قائلة بحنين:
"آآآآه منظر الثلج يذكرني بطفولتي"
واصل عمله دون أن يهتم لما تتفوه به..أكملت بألم حقيقي وابتسامة حزينة تداعب شفتيها:
"كان أبي يصنع رجل الثلج بمهارة ويسمح لي بمشاركته في صنعه,كان يحملني لأضع الجزرة لرجل الثلج بينما أمي تصنع بسكويت القرفة,ترق العجين على المنضدة ثم تقطعها بأشكال مختلفة"
ثم أخذت تعدد بشرود:
"تصنع منه أجراس أو ولد صغير أو شجرة عيدة الميلاد..تراقبنا من شباك المطبخ بابتسامة ناعمة..عندما كنت أقبلها كنت أستنشق رائحة الفانيلا والقرفة تفوح منها.. أبي كان يضع شجرة الميلاد في وسط الصالة ونعلق الجوارب الملونة على المدفئة الحجرية"
ضحكت ببرائة وهي تهمس
"صديقاتي في المدرسة الأبتدائية كانو يحسدوني على عائلتي فأمي كانت رائعة الجمال ذات قلب عطوف وحنون جدا..أما أبي فقد كان أعظم أب في الدنيا كلها.. كنت..كنت..طفلتهم المدللة"
كان يستمع لها بصمت بينما كلامها وذكرياتها تتسلل داخله وكانها أشعه شمس دافئة تذيب الجليد المحيط بقلبه البارد..التفتت تنظر له وعيناها تلمعان بالدموع..نظراته تحمل لها الحنان,ملامحه مسترخية وعينيه براقتين..ابتلعت ريقها بضعف ثم قالت بأسف:
"أنا أسفه لقد أزعجتك بسخافاتي"
أجابها وياللعجب بلطف جعل نبضاتها تتسارع:
"ليست سخافات لارا..أجمل شيء في الكون والذي لا يقدر بثمن هو دفئ الأسرة وامتلاك ذكريات رائعة كالتي تختزنيها في صندوق ذكرياتك"
أكمل بشجن دون أن يشعر:
"الذكريات هي رياح تعصف بنا بين فترة وأخرى قد تكون سعيدة كالتي تمتلكيها عن عائلتك أو تكون تعيسة ومحزنة"
صمت فجأة وقد أدرك أنه تمادى بكلامه معها فعاود تقطيع أطراف الخشب وهو يتنفس بعمق..قالت لارا ببراءة:
ألا تمتلك ذكريات عن عائلتك؟!"
رفع حاجبه ونظر لها بغموض..تبا لقد عاد لبروده مرة أخرى!
قالت بابتسامة مشرقة جعلته ينظر لها بانشداه:
"ألن تضع شجرة عيد الميلاد في الصالة؟!"
أجابها بجمود وهو يدير وجهه إلى الأمام:
"شجرة الميلاد مجرد تفاهات وتضيع للوقت!"
حدقت به بتعجب وفغرت فاهها قليلا..وقف ثم صفّر لكلبه ليأتيه بسرعة بينما قال لها وهو يسير باتجاه سيارته:
"سأذهب للبقاله لن أتأخر!"
ابتسامة شقية ظهرت على شفتيها وقد خطرت ببالها فكرة ولن تكون لارا إن لم تفعلها.
............................
أصوات جلبة تأتي من جهة الصالة هي ما أيقضته من نومه الدافئ..وقف بتكاسل وارتدى بنطال الجينز المرمي على طرف السرير تلاه قميصه الصوفي دون أن يهتم بإغلاق أزراره..وخرج بتثاقل ليتجه إلى مصدر الصوت..وقف مبهوتا والصدمة مرتسمة بعينه..كانت لارا تضع شجرة ميلاد متوسطة الحجم قرب المدفأة مع صندوق كارتوني كبير يحتوي على الكرات الملونة والنجوم المتلألئة والكثير الكثير من الزينة الخاصة بأشجار الميلاد..بينما كلبه الخائن كان يناولها الكرات بفمه وهو يبدو سعيدا فما إن يناولها كرة ملونة حتى يتقافز حولها ببلاهة..تبا لقد سحرت كلبه أيضا..كان ينوي أن يصرخ عليها ويطالبها بالتخلص من كل تلك التفاهات التي أحضرتها غير أن لسانه أُلجِمَ عن الكلام عندما استدارت ناحيته بسرعة..عيناها كانت ضاحكة وشقية,شعرها يتطاير حول وجهها المدور ووجنتيها..آآآآآآه من وجنتيها اللتين بدتا كأنهما تفاحتين حمراويتين سيطر على نفسه لكيلا يسارع ليقتطف منهما قضمة يشبع بها جوعه الذي يستيقظ ما إن يراها...أجلى حنجرته قائلا بحدة:
"ما هذا الهراء الذي تضعينه في صالة منزلي؟!"
أجابت وابتسامتها الحلوة لم تفارق شفتيها:
"شجرة ميلاد"
قطب وهو يبتلع ريقه بصعوبة يحاول ألا يركز على شفتيها المكتنزتين:
"أعلم أنها شجرة ميلاد..من طلب منك إحضارها بل من أذن لك بإدخالها؟!"
رفعت كتفيها ببراءة:
"لا أحد في الحقيقة أنا رأيت من وجهة نظري أن التغيير شيء جميل كما أن ميكو المسكين رحب بالأمر عندما أخبرته عن نيتي بوضع شجرة ميلاد"
رفع حاجبيه بتعجب هذه المخلوقة المزعجة المتطفلة..ال..ال الفاتنة ذات الانحناءات الخلابة,ستصيبه بالجنون..قال ببهوت وهو يكتف ذراعيه:
"إذن الكلب هو من سمح لك بإدخال ذلك الشيء لمنزلي!"
أومأت بعينين ضاحكتين وابتسامتها المهلكة لا تغادر شفتيها..
أشار للشجرة والزينة المنتشرة في الأرض قائلا ببرود:
"أزيلي كل تلك السخافات بسرعة"
قلبت شفتيها كالأطفال وقالت برجاء وهي تتقدم نحوه إلى أن وقفت أمامه
"أرجوك سيدي من أجل ميكو وافق"
ثم نظرت للكلب الذي وقف جوارها هازا ذيله وبعينيه نظرة بريئة
"انظر له أكاد أقسم أنه يتوسلك الموافقة"
ضيق عينه ولم يجبها بشيء, اتجه للشجرة لكي يرفعلا ويرميها خارج منزله غير أنها لحقت به في الحال واعترضت طريقه بتهور:
"ما الذي تفعله سيدي؟!"
دفعها دون أن يشعر بينما داخله تنطلق شرارات غاضبة لأنها بدأت تسيطر على أحاسيسه أكثر كما أصبحت تفرض سيطرتها حتى على منزله وكلبه..
تفاجأ بصرختها المكتومة التفت لها بسرعة ليراها تجلس على الأرض تحاول النهوض بصعوبة.. سارع ليساعدها قائلا بأسف:
"أنا..أنا أسف"
ادعت الألم وهي تقف قائلة بدموع كاذبة:
"أرجوك سيدي دع الشجرة في الصالة أرجووك"
تنهد بحدة تبا تلك الفتاة تعرف كيف تحصل على ماتريد دون أن تتكبد الكثير من العناء..قال بحدة:
"فقط ليوم واحد"
أجابت بسرعة:
"أسبوع"
قال مقطبا:
"يومان"
قالت بتوسل:
"أربعة أيام فقط"
أجابها بصرامة:
"ثلاثة أيام وهذا آخر ما عندي"
ثم أبعدها عن طريقه ليخرج من الصالة بينما ابتسامة صغيرة داعبت ثغره لا يعرف سببا لها..ضحكت بشقاوة وهي تنظر له إلى أن اختفى ثم نظرت للكلب وقالت بانتصار:
"أرأيت ألم أقل لك سأجعله يوافق!"
...............................
كانت تمسك عصا المكنسة بشرود تنظف باحة المنزل..عندما أحست بتوقف سيارة أمام البوابة.. ضيقت عينيها تراقب بفضول,ترجل من السيارة رجل بدا للوهلة الأولى ذو مركز مهم,كان وسيم الملامح,وجهه مألوف كأنها رأته مسبقا..لم يهمها ذلك لكن ما زاد فضولها هي تلك الفتاة العشرينية ذات الملامح الجذابه والشعر الأشقر المصفف بعناية..كانت ترتدي قميصا ضيقا مع تنورة قصيرة لا تلائم هذا الجو البارد مظهرة ساقيها الطويلتين اللتين غطتهما بجوارب سوداء,تضع على كتفيها سترة صوفية سوداء اللون أيضا بينما نظراتها تلتهم المنزل بشوق..
دلفا إلى الداخل بأريحية وكأنهما يملكانه..خرج روسيندرو لاستقبالهم بوجه عابس وملامح باهتة سارعت الفتاة للارتماء بين أحضانه بوقاحة دون أن تبالي لأحد..انتبهت لارا لنظراتها التي رمتها ناحيتها بلامبالاة.. \دعاهم على مضض إلى الدخول..قطبت بانزعاج وهي تتمتم بقهر:
"من تكون؟!وكيف ترتمي بين ذراعيه هكذا؟!"
رمت المكنسة من يدها بغيظ وذهبت بخطوات سريعة لتستطلع الأمر!
.................................
كانو يجلسون في الصالة بينما لوسيانا تنظر للشجرة بتعجب لأول مرة يفعلها روسيندرو حتى في الوطن لم يضع شجرة ميلاد أبدا مالذي يجري بحق الرب؟!
نظرت له بمحبة ثم قالت وهي تبتلع ريقها بصعوبة:
"كيف حالك روسيندرو؟ لقد اشتقت لك أما آن الأوان لتعود إلى الوطن؟!"
رفع حاجبه ساخرا:
"أنا بألف خير,سعيد بوحدتي وليس لدي النية مطلقا للعودة,لقد تعودت على حياتي هنا"
قطبت بانزعاج:
"إلى متى تنوي البقاء عزيزي الكل مشتاق إليك"
هز رأسه ورجع بظهره إلى الوراء قائلا بهدوء:
"لقد وجدت راحتي هنا لوسيانا كما أن المكان.."
ثم أشار بيده نحو النافذة
"كما ترين واسع وهادئ لا أحد يعكر صفو وحدتي وسعادتي"
قالت بعتاب:
"وهل كنا نعكر عليك سعادتك روسيندرو؟"
نظر لها بصمت ثم وقف ليتجه إلى البار الصغير أخرج زجاجة الشراب وبدأ بصبه في الكوؤس, حمل كأسين واتجه ليعطيهما لهما قائلا بلامبالاة:
"لم أقل هذا لوسيانا لقد وجدت سعادتي وراحتي هنا هذا كل شيء"
قال جون الذي كان يراقب حوارهما بصمت وغموض:
"دعونا من هذا الكلام قل لي من هي تلك الشابة الجميلة التي شاهدتها عند المدخل؟"
أجابه باقتضاب:
"إنها تعمل لدي"
رفع جون حاجبه وهو يتبادل النظرات مع لوسيانا التي ظهر على وجهها إمارات الغيرة
"تعمل لديك؟!لكنك قلت أنك تريد البقاء وحيدا؟!"
صدرت منه همهمة منزعجة وهويقول بتوتر واضح:
"أشفقت عليها كانت يائسة جدا..وعلى أية حال هي بفترة اختبار لمدة شهر إن لم تنجح سأقوم بطردها"
قال جون بخبث:
"تبدو لطيفة جدا أخبرني روسيندرو هل هي مرتبطة؟!"
لا يعلم لِمَ شعر بالانزعاج! أجابه بحدة:
"ابتعد عنها جون هي ليست من نوعك"
أجابه جون متهكما:
"وما هو نوعي المفضل روسيندرو؟!ثم أتعلم أنا أفكر بالاستقرار وهذه الفتاة راقت لي كثيرا"
قال روسيندرو بسخرية:
"راقت لك من مجرد نظرة خاطفة؟!"
هز كتفيه بلامبالاة:
"أعجبتني وشعرت بالراحة تجاهها أو ربما حب من النظرة الأولى!"
تأففت لوسيانا بضجر ولا تعلم لم شعرت بالانزعاج من كلام جون كما أنها تكره أن يسرق منها الأضواء تريد دائما أن تكون محور الكل
"أريد أن أرتاح من عناء الرحلة فلقد استغرق الوقت للوصول من المطار إلى هنا عدة ساعات"
أومأ روسيندرو قائلا:
"حسنا سأطلب من لارا أن تجهز غرفة الضيوف لكما"
همهم جون بمكر:
"اسمها لارا جميل جدا!"
رمقه روسيندرو بنظرة حادة قبل أن يخرج من الصالة ينفث أنفاسه اللاهبة بغضب.
..............................
حاولت أن تسترق السمع غير أنها لم تستطع فالباب كان مغلقا وأصواتهم كانت خافتة..تململت بوقفتها ثم اتجهت إلى المطبخ بانزعاج,فتحت أبواب الدواليب وأغلقتها بقوة وغيظ..أصدر الكلب صوتا منخفضا نظرت له وهي ترفع حاجبها قائلة:
"ماذا؟؟أنا لا أشعر بالغضب ولا بالغيرة ولست مهتمة ولا الفضول يكاد يقتلني لأعرف من هي تلك الفتاة المتعجرفة!"
اتكأت على حافة الطاولة وتهدلت أكتافها وهي تتنهد باستسلام معترفة:
"حسنا ميكو لقد فزت أجل أنا..أنا..أشعر بالغضب والفضول لكن بالغيرة لا وألف لا لِمَ أغار وما شأني أنا؟!"
سمعت صوت أقدامه تقترب وبسرعة اعتدلت بوقفتها ثم التقطت قطعه القماش لتنظف الطاولة بحركات خرقاء قال لها بهدوء:
"من فضلك لارا أعدي غرفة الضيوف ثم بعدها يمكنك المغادرة مبكرا"
تساءلت بفضول:
"ألن تحتاجني لإعداد العشاء لضيوفك؟!"
هز رأسه نفيا وهو يتفحص وجهها:
"لا شكرا لك أستطيع تدبر الأمر"
رفعت رأسها لتجيبه بلا مبالاة:
"حاضر سيدي"
قبل أن يستدير قالت بسرعة:
"من هم؟أقصد هل سيبقيان كثيرا؟!"
قطب ليجيبها بنبرة متعجبة وكأنه يقول وماشأنك أنتِ:
"سيسافران بعد عدة أيام"
أومأت إيجابا ثم أطرقت رأسها تنتظر خروجه..راقبها قليلا ثم استدار يخرج بتمهل تنهدت براحة وهي تنظر للكلب:
"أرأيت؟لقد كاد قلبي أن يتوقف يا إلهي يالي من غبية لِمَ قلت ذلك؟!"
ثم ضربت جبينها قائلة بسخرية:
"لقد نسيت سأذهب لأجهز غرفة الضيوف للأميرة المتعجرفة".
........................................
كانت تتأكد من وضع الشراشف على السرير عندما دلف جون إلى الغرفة استقامت بسرعه تبادله النظرات بخجل قال بابتسامة مرحة:
"شكرا لك آنستي"
ثم ادعى أنه ينظر لأرجاء الغرفة بإعجاب:
"ترتيبك غاية في الروعة"
أجابت وهي تكبح ابتسامتها:
"لا شكر على واجب سيدي ثم أنا لم أفعل شيئا الغرفة كانت منظمة مسبقا أنا فقط أحضرت الشراشف"
ضحك بخجل وهو يحك رأسه من الخلف
"اوووه حقا؟!لم أنتبه لذلك"
تمتمت بكلمات الاستذان ثم اتجهت إلى الخارج لكنه أوقفها قائلا:
"مهلا مهلا يا آنسة لم نتعرف بعد"
قال بفخر وغرور مثير للضحك:
"أنا جون صديق روسيندرو وضابط سابق في الجيش البريطاني"
إذن هذا هو جون الذي تحدث معه في الهاتف كما أنه نفس الشخص الذي رأته في الصورة يقف مع روسيندرو وتلك الفتاة التي قدمت معه يبدو أن صداقة متينة تربطهم..ابتسمت قائلة وهي تمد يدها بخجل:
"لارا"
قبض على يدها يضغط عليها برفق وهو يلتهم ملامحها قائلا:
"تشرفت بمعرفتك لارا"
ثم أكمل بلطف:
"أرجو أن تسمحي لي بأن أناديكِ لارا وأنتِ أيضا نادني جون"
أومأت بالإيجاب وهمت بالرد غير أن صوتا باردا كالجليد قاطعها قائلا بسخرية
"أرجو أن لا أكون قد قاطعت حديثا مهما"
أجابه جون وهو يبتسم بتوعد فهمه روسيندرو:
"كلا بالطبع.. فقط كنت أتعرف على لارا"
قال روسيندرو موجها كلامه للارا التي بدت شاحبه للغاية:
"شكرا لك لارا تستطيعين الذهاب الآن"
تمتمت بكلام غير مفهوم وأسرعت بالخروج التفت ينظر لجون قائلا بجدية:
"ابتعد عنها جون إنها فتاة بريئة لا تلوثها بألاعيبك:
أجابه جون ببراءة:
"صدقني أنا جاد بما قلته..الفتاة تبدو طيبة وأنا أفكر جديا بالاستقرار:
قال روسيندور بحدة:
"هل نسيت مركزك المرموق؟!ثم هل تعتقد أن عائلتك سترحب بها بينكم؟"
هز كتفه بلا مبالاة قائلا ببرود:
"لقد زالت الفروقات الطبقية وأنا حر باختيار زوجتي روسيندرو لا تشغل بالك كثيرا واهتم بأمورك الخاصة"
استدار يغادر بغيظ وهو لا يعرف لِمَ يشعر بكل هذا الغضب والانزعاج عندما رآها تضحك معه بتلك الطريقة التي جعلتها تبدو رائعة الجمال مليئة بالطاقه والحيوية والنشاط ..أراد الذهاب إليها وهزها بعنف ليخفي تلك الابتسامة الحلوة عن وجهها الرائع..أراد أن يصرخ بها قائلا كفى كفى لا تضحكي ولا تكلمي أحدا سواي أنا!!
اللعنة كيف خطر ببال جون أن يرتبط بها وهو لم يرها إلا لسويعات فقط ماذا وجد بها لتجذبه هكذا؟!!
ضحك داخله بسخرية ممزوجة بالألم وهويهمس:
"بل قل ما الذي بها لم يعجبه؟! إنها تعجب حتى الأعمى..تبا لها من امرأة رائعة ومشرقة كأنها ثمرة من ثمار الجنة تتوق أنت لتذوقها "
............................................
تمدد جون على فراشه بعد أن أخذ حماما ساخنا وهو يتنهد براحة خطته تسير على مايرام..لقد صدّق روسيندرو موضوع ارتباطه بلارا وقد تأكد مما كان يشك به فصديقه غارق بحبها لكنه لا يعرف بنفسه يحتاج إلى من يوقظه من سباته ويمزق له تلك الشرنقة التي يغلف بها نفسه وسيكون ملعونا إن لم ينقذ صديقه من براثن الوحدة وينتشله من ماضيه المؤلم..
روسيندرو ليس صديقه فحسب بل هو كأخيه ربطتهما الصداقة معا منذ عدة سنوات مضت وقد كان روسيندرو نِعْمَ الصديق والأخ إلا أن أوضاعه تغيرت بعد الإصابات التي أصيب بها بذلك الانفجار المشؤم..
يا إلهي للآن يتذكر شكله وهو غارق بالدماء..لقد اعتقد وقتها أنه فقده للأبد لكن الرحمة الإلهية أعادت النبض لقلبه..سيفعل كل ما بوسعه لأجل صديقه وحتما سينجح بذلك.
.........................................
عندما حضرت لارا صباحا كان الجميع نائما..اتجهت للمطبخ لتعد وجبه الإفطار بعصبية بينما داخلها نار حارقه لا تعرف سببها كل ماتعرفه هي أنها لم ترتح لتلك المدعوة لوسيانا..
زفرت بضيق وهي تضع إبريق القهوة فوق الموقد, دارت بأنحاء المطبخ لا تعلم ما تفعله! لِمَ جاءت بهذا الوقت المبكر أهي مجنونه؟! فجأة سمعت صوت نحنحة عند الباب التفتت بسرعة ظنّا منها أنه روسيندرو
"صباح الخير حلوتي"
قالها جون بمزاح احتقنت وجنتاها وهي تجاريه مزاحه:
"صباح الخير جون"
تقدم ببطء والتقط قطعة من البسكوت كانت لارا قد وضعته على الطاولة أكل منه قضمة وهو يقول بتلذذ:
"اممممم طعمه لذيذ جدا..أأنت من صنعته؟!"
أومأت بخجل وهي تقول:
"أجل"
قال بإعجاب ومكر:
"روسيندرو محظوظ بوجود فتاة متفانية وماهرة مثلك"
همست بخفوت:
"شكرا لك سيدي..أقصد جون"
جلس على الكرسي براحة وهو يتعمد أن يتحدث ويمزح معها بصوت عالي ليسمعه روسيندرو وقد تحقق ما أراد إذ دلف روسيندرو بغضب وهو يوجه له الكلام بينما عيناه مثبته على وجهها المحمر:
"لِمَ أنت مستيقظ مبكرا هكذا؟!"
أجابه جون بمكر:
"وهل هناك قانون يمنع الاستيقاظ مبكرا سيد روسيندرو؟!"
قطب وهو ينتزع عينه عنها بصعوبة لينظر له قائلا ببرود:
"لا..لا يوجد ما يمنع أيها الظريف"
تقدم ليجلس على الكرسي وهويقول للارا بحدة:
"وأنتِ لِمَ أتيت بهذا الوقت المبكر؟!"
أجابت بتعلثم وخجل بينما تصاعدت الحرارة إلى وجهها:
"لقد..لقد..ظننت أنه بما أن لديك ضيوف فسوف..تحتاجون..إلى المساعدة"
لوى فمه بعدم رضى وهو يقول بخشونة:
"حسنا أعدي الفطور بسرعة لأن السيد جون بالتأكيد يتضور جوعا الآن"
أومأت واستدارت تكمل عملها بيدين مرتجفتين لم يمضِ الكثير من الوقت لتدلف لوسيانا يسبقها رائحة عطرها النفاذة وهي بكامل أناقتها ألقت التحية وهي تجلس جانب روسيندرو قائلة بامتعاض:
"لا أعرف لِمَ لا تضع طاولة للطعام في الصالة لا أحبذ الأكل في المطبخ"
أجابها روسيندرو بسخرية:
"أنا يعجبني الأكل هنا ثم إن كان منزلي لا يعجبك لست مجبرة على المجيئ"
ران الصمت بينهم بينما اتسعت عينا لارا بصدمة وهي واقفة قرب الموقد تنقل بصرها بينهم بحذر..تجمدت عينا لوسيانا كأنها بحيرة من الجليد ارتفعت شفتها بابتسامة حلوة وهي تقول برقة عكس ما تعانيه من ثورتها الداخلية:
"لم أقصد هذا روسيندرو منزلك يعجبني جدا أنا أردت فقط أن أقترح عليك ما يريحك"
أجابها بصلابة:
"وأنا شاكر لك هذا الاقتراح لكنني سعيد بحياتي هكذا"
قال جون بمحاولة منه لتلطيف الأجواء المتوترة:
"هيا لارا أعدي الفطور بسرعة فأمامنا جولة نريد أن نقوم بها في القرية"
هزت رأسها بشرود واستدارت تكمل عملها ولا تزال الجلسة مشحونة بالتوتر من جميع الأطراف.نهاية الفصل الخامس
![](https://img.wattpad.com/cover/323242717-288-k631433.jpg)