الفصل الأول

187 46 32
                                    

28 نوفمبر 2004
في المقاعد الأخيرة من القطار المشؤوم ذاك . كنت انظر من النافذة في ليلة ما أطولها وأقساها مظلمة سوداء خالية من النجوم والقمر ، تخلو من الرفق والرحمة تهيج الالام والمواجع فعندما يمتزج أسودادها مع سواد الذكريات والحيرة واليأس والرغبة في الهروب من الحياة إلى المجهول اللامعلوم الذي لربما لايقل قسوة عن الحاضر والماضي المقرف ، صدر صوت بكاء طفلٕ رضيع ليقطع الصمت الرتيب والممل حد الغضب !
قلت بصوت عالي وبأستغراب لمن هذا الطفل ؟
نظرت في الوجوه المحملقة في وجهي بأنتظار الأجابة ولكن لاأحد يستجيب يألهي .....
كررت سؤالي مرة أخرى لمن هذا الطفل ؟
كانت امرأة عجوز تجلس بالمقعد الذي خلفي قالت أنه لتلك المرأة التي بجانبي ولكنها نامت يبدو أن نومها ثقيل المسكينة لابد أنها تعبت من السفر .
أخذت الصغير إلى حضني وكف عن البكاء
ياليتنا مثل الأطفال الصغار ننزعج من شيء ثم نبكي وننسى وكأن شيء لم يكن .

اه منذ ركوبي الباص إلى الان لم ينشف لي دمع ولم يهدء لي روع طوال فترة السفر حتى ظننت أن عيوني لم تستطع أن تذرف الدموع مرة أخرى اصابها الجفاف من كثرة البكاء !
وضعت رأسي على الحقيبة وأحداث الأسبوع الماضي لاتتوقف عن مهاجمة ذاكرتي لايمكنني إيقاف عقلي عن التذكر يااارب !!!
فجأة همست بأذني امرأة متوسطة العمر ترتدي ثوب زهري مع لون أسود من الأسفل ،شعرها متدلي على وجهها بخصل صغيرة .
قالت لي وهي تنحني للأمام قليلا واضعة كفيها على جبينها مع تنهيدة توحي بالتعب من كثرة الأنتظار اه لقد اتعبني السفر كثيرا ... ألتفتت لي وقالت هل مللتي ؟
أجبتها :لا لا لكني تعبت قليلا .
قالت : أسمي سهاد لدي أبنة بعمرك كنت في بغداد عندها لقد تزوجت حديثا بصراحة لم أعتاد على فراقها ، ووجهك ذكرني بأبنتي ! .
- ليحفظها الله ويسعدها ابتسمت في وجهها وادرت وجهي ناحية النافذة
فجأة شعرت أن يدا تلامس خصلات شعري بلطف لتضعها خلف أذني التفت نحو اليسار
سهاد :لاحظتك منذ البداية طول الطريق ولم تنشف وجنتيك من الدمع مالأمر ياجميلتي ؟
انحنيت قليلا وقلت في قرارة نفسي اه هل مااعاني منه يمكن الحديث عنه ؟ يألهي هل يمكن أن أخبر احدا لايعرفني بقصتي ترى هل يصدقني أم سيقول عني .. اوه لا
لكن لو سكت سيظن الجميع أنني بخير وهناك من يعتني بي ولي اب غني يخاف علية من ظلي يدللني ويهتم لأمري او ربما سيحسدونني ظنا منهم أنني احيا حياة الأميرات تبا ياللتفاهة !
رفعت رأسي وأبتسمت ابتسامة زائفة وقلت اوه لا شيء أنا بخير ولكنني ..... ولكن .. سكت قليلا لأأخذ نفس وامتطيت شفتي
اقتربت مني ثم أخذت يدي إلى حجرها وقالت بلطف
- لاتخافي ياعزيزتي يمكنك الوثوق بي ثم ابتسمت بوجهي ابتسامة حنونة مثل ابتسامة الأم القلقة على طفلتها حتى تطمنني وتزرع الامان بقلبي
قلت في نفسي ربما هذه المرأة الطيبة تساعدني ولكن علية أختلاق قصة مزيفة
رفعت رأسي وقلت لها أنا طالبة جامعية أدرس في كلية الحقوق كنت أسكن في بيت خالتي المطلقة طيلة فترة الدراسة وأثناء العطلة الصيفية أعود لبغداد إلي بيت ابي ولكن خالتي عادت لبيت زوجها السابق حيث تزوجا مرة أخرى بعد أن عاد إليها متوسلا بها أن تعود إليه معبرا لها عن حبه الشديد ومدى صعوبة حياته من دونها ، سكتت قليلا ثم أردفت قائلة والان هي تسكن في بيت زوجها ولايمكنني الذهاب معها لأن زوجها رفض ذلك ،
نظرت إلي بغرابة وكأنها تسأل وماذا بعد ؟
طأطأت رأسي واسترسلت حديثي أن ابي لاعلم له بهذا لأنه حتما سيمنعني من الذهاب إلي الجامعة لو عرف بأنه لايوجد لدي مكانا للأقامة
يعني ستنتهي أحلامي وطموحاتي ومستقبلي بأكمله بلمح البصر لذا قررت أن لا أخبره وأتدبر امري بشقة صغيرة .
-اه ياعزيزتي هل تدركين مدى خطورة فعلتك ؟
- هززت رأسي بالإيجاب وقلت نعم ! ولكن لايوجد لدي حل أخر .
- هل وجدتي بيت مناسب ؟أم ستبحثين عن مكان أقامة عندما تصلين ؟
- سأتدبر امري لابد ان اجد مكانا يناسبني قبل حلول المساء .
- ياعزيزتي هذا صعب جدا على فتاة بعمرك ماذا ستفعلين أن لم تجدي بيتا هل ستنامين في الشوارع ؟انظري إلي في منطقتنا في الشارع الخلفي يوجد بيت أظنه مناسب لك دعيني أكلم صاحبه لأجلك .
فرحت في داخلي كثيرا ،هززت رأسي بأبتسامة خفيفة وقلت نعم سأكون ممتنة منك .

ملاك هاربحيث تعيش القصص. اكتشف الآن