لطالما كانت الاحلام بعيدة المنال وصعبة الوصول، لكنها قريبة لمن يتمسك بها، وجميلة لمن يحصل عليها، لكن هناك لحظات يجب ان تفرق بها بين ان ما كان ما تراه حلمك الواقعي ام اضغاث احلام لا صلة لها بالواقع، تماماً كحال روايتنا اليوم ... "جونايدن انيه" "صباح الخير يا بني، الى اين؟تعال لتتناول الافطار معنا" "يوك سأتأخر عن العمل" يرد عليه مجاهد الذي يقرأ الجريدة في الطرف المطبخ "لتتناول شيء يا فتى اصبحت نحيلاً جداً، تمضي ايامك بين العمل والكتب وتنسى نفسك" فيجيبه صالح "يا بابا، اقترب موعد تسليم المشروع وانا لم انجز نصفه بعد" لتجيبه والدته "انا لا افهم عجلتك هذه، ع الاقل انتظر لتوصل اختك معك بطريقك" "اين هي سنخرج خلال نصف ساعة؟" لترد والدته "نصف ساعة؟ لتجلس وتأكل لقمتين اذاً" ليأكد مجاهد ع كلامها "لتصغي الى والدتك ولو لمرة يا فتى! من يراك يظن ان خلفك مشاكل دولة لا تحل، وليس شاب في ٢٦ من عمره انهى دراسته ويعمل استاذاً بالجامعة، اساساً الى اين تذهب بهذا الوقت المبكر!" "يجب ان اذهب الى القنصلية الالمانية يوجد لدي موعد هناك خلال ساعة" "موعد ماذا؟" "يوجد لدي مقابلة" "مقابلة ماذا! هل سأسحب الكلام من فمك يا بني؟" "يعني يوجد عرض عمل ومنحة درجة دكتوراه في جامعة في برلين المانيا" "نيه! هل حصلت عليه فعلاً!" صرخت والدته وعانقته فرحاً "ايفيت انيه اتممت الامر وابحث عن منحة لاختي الجميلة ايضاً اين هي ع ذكرها!" كان مجاهد قد نهض من مكانه ليهنئه، "اذاً هل ستذهبان وتتركاننا هنا؟" سأل مجاهد ليجيبه الاخر "يوك ستذهبان معنا، اساساً الوظيفة ستوفر لنا بيت ومصروف هناك، سنذهب سوياً، لتكن جوازاتكما جاهزة خلال ٣ اشهر" ..."ماذا تفعلين هنا؟" "اصلي صلاة الشكر، احمد الله ع حالنا هذه، واشكر الله ع وجودك معنا، وع انك انت من كان امامي قبل ٢٦ عاماً لا جيهانكيز، لان قلبك هذا جميل جداً اعتنى بابن ادريس كانه منك" يمسح الاخر ع كتفها بينما يطمأنها بان كل شيء سيكون بخير "سيأتي ادريس بعد يومين اليس كذلك؟" "اجل، الم نتفق ع ذلك عندما اتى لحفل تخرج صالح قبل اسبوعين" "اجل لكن قلبي هذا قلق جدا" "وانا قلق كذلك، اخاف من ما قد تفعله سلطان، لكن ع الاقل ليرى ادريس صالح ان ان يسافر"...
قبل ٢٦ سنة، في ليلة انتصف بها البدر السماء، وفي ملهى في طرف المدينة كانت تجلس تلك الفتاة ذات القامة الممشوقة والبشرة السمراء ع طاولة مع عشيقها، تماماً قبل ان تداهم الشرطة ذلك المكان ويتم اعتقال الجميع، لكن ادريس مكث في مركز الشرطة لوقتٍ اطول، فكان اعلاهم جرماً، بينما خرجت عشيقته خلال ساعات، وخلال ايام علمت انها تحمل بذره غرست منه، كانت تمضي الايام مستيقظةً تسبح بل تغرق في بحر من الافكار التي تسرق النوم من عينيها، كبرت تلك البذرة لتصبح جنيناً في شهره السابع تقريباً، في تلك الفترة سمعت ان اصدقاء عشيقها قد خرجو من السجن، فما كان منها الا ان ذهبت لهما، بل ذهبت لاحدهما، جيهانغيز، لم يستقبلها بحفاوة، فبذرة من ادريس في رحم غريبة غير سلطان لا يجب ان تنبت، هكذا كان قراره بالاجماع مع سلطان، ولما الكذب انهما بذات العقل والقلب، لكن الاخرى احست بان مكيدة ستصيبها من جهتهم، فما كان منها الا ان وجدت عنوان مجاهد وطلبت اللجوء له، استقبلها الاخر هو وزوجته، وقاما بحمايتها، وطلب منا بالمقابل العناية بزوجته المريضة... اتم ذلك الجنين شهره السابع ودخل الثامن، بقي شهر له قبل ان يكمل طريقه لهذه الدنيا، تماماً في تلك الفترة وصلت يد سلطان لذلك الطفل...
في ذلك اليوم، كان مجاهد قد عاد من زيارة صديقه واخيه، اخبره عن حال الحفرة وحال اطفاله، عن ثلاثتهم، وعن حال البذرة التي لم تنبت تماماً بعد "انه بامانة الله ثم بامانتك يا مجاهد، لا يصيبهم ضرر رجاءً"... "ايمي حريق، بيتك يحترق" صدع صوت يصرخ في تلك الحفرة في ساعات المساء بينما كان ع مجاهد ان حريقاً دب في بيته، هل صدفة؟ لربما، هب سريعاً اهل الحفرة وسيطرو ع الوضع، لكنه كان اسوا مما هو متوقع، خسرت زوجة مجاهد روحها، وكادت ضيفتهم ان تخسر جنينها، ولد مبكراً بسبب تلك الحادثة، دفن زوجته وبقي ع رأس ذلك الطفل الذي لا يتجاوز حجمه كف اليد، بحث خلف الحادثة، ليجد ان ايدي سلطان وصديقه باشا قد تلوثت بالدماء، دماء زوجته التي لا ذنب لها ودماء طفل لم يرى ضوء الحياة بعد، انتظر حتى اصبح ذلك الطفل يستطيع ان يعيش خارج ذلك الصندوق الزجاجي الشفاف، واخذه مع والدته الى إحدى اطراف اسطنبول، ولم يعلم اي من سكان الحفرة عنوانه...
مرت سبع سنوات طوال، طُرق الباب في ساعات الصباح في يوم سبت ربيعي ليفتح الباب فتاة في الرابعة من عمرها "من ع الباب يا زينب؟" وصل مجاهد الى الباب لتجيبه ابنته "يوجد عم طويل يا ابي" ابتسم ادريس مقبلاً الفتاة ثم عانق صديقه "مر وقت طويل يا هذا" جلس كلاهما في حديقة البيت يشربان الشاي "اين هي جونجا؟" ليجيب مجاهد "ذهبت للسوق مع صالح يعودان خلال وقت قصير" كان مجاهد قد تزوج من والدة صالح بعد مرور فترة ع موت زوجته بمبدأ ان يكبر صالح بجو عائلة، ورزقا لاحقاً بفتاة تصغر صالح ب٣ سنوات فقط، وسماها باسم زوجته الراحلة، فتح مقهى صغير وبجانبه مطعم صغير خلف بيتهم، واصبح ذلك مطعماً لاحقاً، وضع مجاهد خططاً كبيرة للطفلين اللذين سيكبران امامه، وفي امانته...
ما ان عادت مهريبان ورأت ادريس يجلس في الحديقة يشرب الشاي ويسأل عن حالهم، حتى طلبت من صالح ان يذهب ويلقي السلام ع الرجل الموجود في الخارج، ولبى الاخر طلب والدته بلا سؤال، حقاً هذا الفتى مطيع وذو كاريزما من نعومة اظافره، اقترب منهم راداً السلام وقبل يد ادريس "اهلاً بك امجا" اختلفت معالم وجه ادريس حينها وعانقه ضاماً اياه الى صدره، كأن روحه التقت بملاكٍ ازال جزءً من همه، "امجا ستطحن اضلاعي" يتركه ادريس ماسحاً ع رأسه بينما يتجه صالح الى مجاهد "بابا هل سنذهب اليوم الى المتحف ام ماذا؟" "اجل يا بني لكن ليس الان لازال الوقت مبكراً" "ايه تمام هل سيأتي العم، عذراً ماذا كان اسمك؟" يبتسم ادريس مجيباً "ادريس، لا لن اذهب ربما نذهب في وقتٍ اخر عندما اجلب ابنائي" "كم ابن لديك؟ مثلاً نحن هنا ولد وبنت فقط" ابتسم ادريس مجيباً "٤ اولاد ، ٣ اكبر منك وواحد اصغر بعمر اختك تماماً، يعني يوجد جومالي ١٧ عاماً وكهرمان ١٥ عاماً ثم سليم ١٠ اعوام، وبالنهاية ياماش ٤ اعوام" ابتسم الاخر مضيفاً "ايه جيد وهل يدرسون جيداً؟" ضحك ادريس ع كلام من امامه حتى نادت عليه والدته "هذا فتى يتفاخر وهو بعمره هذا!" ليرد مجاهد "ع الاقل يتفاخر بما يفلح به، تم ترفيعه مباشرة مجدداً يعني انه بنفس صف سليم" فتح ادريس عيناه متفاجئاً "هل هو بهذا الذكاء؟" "جداً"... في عيد ميلاده الثامن اقامت له والدته حفلاً دعت له جميع اصدقاءه وحضر ادريس وابناءه الحفل ايضاً، جمعهم بنهاية الامر وشرح لهم ان صالح اخوهم، وانهم اخوة صالح، لم يستغرق الامر طويلاً من صالح حتى فهم الامر، وذات الامر ياماش وزينب لكن الاخوة الاكبر لم يتقبلو الامر جيداً ببادئ الامر، ثم اعتادو عليه، كان يأتي لبيت والده مرة كل عدة اشهر، لكنه يعود اما مصاباً او مريضاً فاصبح يقتصر الامر ع زيارة بالسنة و يأتي ادريس وابناءه لزيارة مجاهد...
"كيف تخرجت من الثانوية وانت لم تكمل السادسة عشر بعد؟" كان جومالي يتسائل فيما كان يمشي مع صالح في شوارع الحفرة "شي، يعني تخطيت سنتين دراستين" "هل ستذهب للجامعة الان؟" "اجل حصلت ع منحة في جامعة اسطنبول" "وماذا ستدرس؟" "لغات وترجمة" "نيه! ظننت انك ستقول طب ام قانون لماذا لغات؟ كم لغة تعرف اساساً" "ميولي هناك ثم انني سأدرس تخصصين بآن واحد واتكلم ٥ لغات بطلاقة" "حقاً! وما هي؟" "تركية وانجليزية المانية وفرنسية وعربية" "يوك ارتك يا!" "ماذا آبي!" "لو تعرف كم يتشاجر والدي لاجل ان يدرس سليم، وتقارنه امي بك، لقد تخطيت الجميع يا هذا" "هذا ليس جيداً سيكرهني سليم ع هذا المنوال" "يوك لا تقلق، الجميع يعلم ان امي تغار منك لا اكثر" يكملان طريقهما الى مكان شبه فارغ "هل تعرف كيف تستعمل السلاح صالح؟" "يوك لا اعتقد انني سأحتاجه" "جيد، لاعلمك اذاً" "تعلمني ماذا؟" "استعمال السكين، وليعلمك كهرمان استعمال السلاح" "يوك آبي لا داعي لا اخي هذه الاشياء، قد تؤذي احداً ما" "صالح، انت ابن إدريس كوشوفالي الذي يعيش بعيداً عنه مما يعني انك هدف يلمع لاعداءه، لتتعلم كيف تحمي نفسك ع الاقل" نظر الاخر باستغراب ليكمل كبيره "هادي لا تنظر الي هكذا"....
مضت اعوامٌ اخرى قبل ان يتخرج ياماش من الثانوية، اختلفت المقادير ذلك العام، كان صالح قد اتم عامه العشرين ويتوجه لعامه الاخير في الجامعة، كاد يكون عامه الاخير، اقام ادريس مأدبة في حيه جمع ابناءه الخمسة وعائلة صديقه مجاهد، الذي كانت علاقته متوترةً جداً مع صديقهم او ذراع ادريس اليسرى في الحفرة الباشا، كان الجميع مبتهجاً لا يشوب جوهم شائبة، حتى قرر عدد من شبان الحي اطلاق العاب نارية احتفالاً بانتصار في نزاع مع عدو، وقف صالح بجانب والده واخته من الجهة الاخرى "لقد وصلني ايميل بقبولك بالتخصص الذي تريدينه" همس في اذنها، قبل ان تنصت الاخرى اليه وتلتفت بصدمة "نيه! متى حدث هذا؟" "الان انظري، وسيصل بالبريد خلال ايام " (تم قبولك في برنامج الطب البشري) "آبيي يااا" وتعانقه بشدة بينما يقبل الاخر رأسها "ويفوز صالح بلقب افضل اخٍ لهذه السنة ايضاً" "لا تبالغي لم افعل شيء، حصلتي عليه بجهدك الخاص" اقترب ادريس ماسحاً ع كتف صالح بحنان "شاركاني فرحتكما ع ماذا تحتفلان هكذا؟" "شي بابا زينب تم قبولها في كلية الطب" "حقاً! كم فرحت لخبر كهذا هل ستصبح ابنة مجاهد طبيبة؟" "ايفيت بابا" عانق كليهما حتى قاطعهم صوت كهرمان الذي اعلن بدأ اطلاق الالعاب النارية...
كم هي جميلة تلك الالوان والاضاءة في تلك السماء المظلمة، صوتها صاخب جداً ويعلو صوتها صوت اهل الحي، كان كل شيء جميلاً حتى احس بان شيئاً ما عبر من جسده، مؤلمٌ جداً وسريع، عبر جسده بسرعة الضوء، اختلطت الاصوات ببعضها لدقيقة قبل ان تمسك به زينب "آبي!" "هناك خطبٌ ما" قالها بصوت متألم بينما مد يده ع جانبه حتى احس بسائل دافئ ثقيل ينهمر منه، انتبه ادريس ان شيئاً ما يحصل مع ابنه فاقترب منه ليختل توازن الاخر وامسك بوالده "بابا، حصل شيء، مؤلم جداً" "صالح! ماذا حدث يا بني؟" امسك الاخر بوسطه متألماً بينما سقط بين يدي ادريس "بابا ارجوك مؤلم" انتبه ادريس للدماء التي تملئ ملابس ابنه فوضعه ارضاً وهو يصرخ ع مجاهد ليأتي اليه بسرعة وما ان رأى الاخر بين يدي والده يتألم وينزف حتى فزع اليهم وما هي الا ثواني حتى اجتمع اخوته حوله ايضاً "صالح ماذا حدث يا بني! كيف اصبت!" كان ادريس يحمل ابنه يحاول ابقاءه يقظاً بينما رفع مجاهد ملابسه "انه مصاب! من اطلق النار! كيف اصيب الفتى!" "ايمي ليس وقت هذا الان لنأخذه للمشفى سريعاً" اجاب جومالي بينما رفع صالح من بين يدي والده ليأن الاخر متألماً "صالح تشوجوك لا تفقد وعيك يا بني" ثم اكمل بينما يصرخ بالباقين "بابا ايمي الى السيارة، كهرمان الباقين عندك" وبالفعل جلس مجاهد في المقعد الخلفي وحمل صالح في حضنه فيما قاد جومالي السيارة وبجواره والده، ولحق بهم كهرمان ومعه اخوته زينب ومهريبان، التقو امام باب العمليات تلك، لا يفهم احد ماذا حدث او كيف حدث هذا، خاصة انه حدث سريعاً، مرت عدة ساعات قبل ان يخرج احد من غرفة العمليات مطمئناً تلك العائلة الكليمة بالخارج، "الحمدالله ع سلامته، لحسن حظه ان الاصابة لم تكن خطيرة، سنخرجه لغرفته فور استيقاظه" دخلت والدته لرؤيته فقد نشفت دموعها الماً ع فلذة كبدها، بذات اللحظة التي وصلت سلطان برفقة الباشا الى المشفى، دخلت وهي تغتر بذاتها وتتفاخر بمشيتها كأنها ملكت الدنيا وما عليها، لتقف امام مجاهد مبتسمةً "زال البأس... لماذا انت حزين هكذا! لم يمت ابن الزنا" واكملت طريقها الى ادريس ماسحةً ع كتفه فيما تصنم مجاهد مكانه بعد ان سمعت ما قالته، لعب الفأر في جوفه، وربط الاحداث جميعاً، لقد استغلو الالعاب النارية واطلقو النار ع طفله، ربما ليس من صلبه لكنه قطعة من قلبه.
بقيت مهريبان فوق رأس ابنها وبقي كل من سليم وجومالي في المشفى، فيما اخذ مجاهد ابنته الى البيت غيرت ملابسها وبقي فوق رأسها حتى نامت، خرج من الغرفة طالباً من ادريس ان يلحق به ليتكلما قليلاً، "ياماش هلا بقيت بجانب زينب قليلاً حتى اعود" "تمام ايمي لا تقلق"... "ماذا حدث هناك يا ادريس! كيف اصيب الفتى وهو يقف بجانبك؟" كان مجاهد يمشي ذهاباً واياباً فيما يقف ادريس امامه "لا اعرف يا مجاهد سأجن وانا افكر بالامر! احدهم استغل الالعاب النارية واطلق النار عليه" "ولماذا صالح! يعني الم يكن جميع ابناءك هناك! لماذا صالح خصوصاً!" "ربما لانه النقطة ضعف، يعني كانه هناك من يحاول ايصال رسالة" "وما هي تلك الرسالة! ها!" "اتوقع، انهم يستطيعون الوصول الى ابنائي ان كانو قريبين او بعيدين" توقف مجاهد وضحك بسخرية "هل تحاول ان تقنع نفسك بهذا!هل انت ساذج لهذه الدرجة!" غضب ادريس من ردة فعل مجاهد ونهض اليه متسائلا بصوت عالي "الى ماذا ترمي بكلامك هذا يا مجاهد!" "لا ارمي لكن افتح عيناك جيداً، ان كان هناك من يكره صالح وينوي ايذاءه فانه من بيتك ومن محيطك يا ادريس" "ماذا تقول!" "الفتى لا ذنب له ليدفع اثمك واثم زوجتك وعشيقها" غضب ادريس ونهض ليلكم مجاهد "لان انتبه لكلامك ايها ***" "لن اصمت بعد الان، خاصةً ان ظهر وان سلطان ابنة ال**** خلف ما حدث سأخرج جميع الاوراق المخبأة، هل كهرمان ابنك ام ابن الباشا! زوجتي وكيف قتلت! ها؟، اعلم تماماً انها لم تمت بالنيران تلك الليلة، واعلم ان من قالها كان هدفه قتل مهريبان وصالح ايضاً، اساساً تلك الليلة كشفت الكثير... انظر انا سأنتظر حتى يخرج صالح من المشفى وسنذهب من هنا، لن القي بالاً لاحد، روحه وروح شقيقته اهم منكم جميعاً" ترك ادريس واتجه الى الغرفة التي تبقى بها ابنته اخذها واخذ اغراضهم واتجه لفندق بجانب المشفى، فيما جلس ادريس يفكر بما قاله مجاهد يعرف انه ع حق، يقاطع سلسلة افكاره صوت كهرمان "لقد كانت امي" التفت ادريس بصدمة نحو ابنه "ماذا!" "لقد رأيتها لكن لم الحق بها، لقد اطلقت النار ع صالح، هي من فعلها يا ابي" اخرج مسدس امه واعطاه لوالده، "اخذته منها، لا اعرف ماذا افعل، احدهما امي والاخر اخي، وقعت بينهما" كان يتكلم بينما ملئت الدموع عينيه، لم ينتبه حتى متى اختفى ادريس من امامه متجهاً الى سلطان والنيران تحرق جوفه، كانت الاخرى تسرح شعرها في غرفتها، دخل واغلق الباب بقوة، سحبها من شعرها اسقطها ارضاً ورفع سلاحها في رأسها "هل ستفقدينني عقلي انتي! هل جننتي! ماذا تظنين انك فاعلة ها! استغللت الفرصة واطلقت على صالح النار! ماذا فعل لك هذا الفتى! ماذا فعل! الا يكفي انه يكبر بعيداً عني! بعيداً عن والده واخوته، الا يكفي محاولتك قتله قبل ان يولد! وايذاءه في كل مرة يأتي الى هذا البيت!" ابتعدت الاخرى من يده "انه نتيجة خيانتك لنا، تركت زوجتك و٣ ابناء وكنت تسعى خلف نساء الملهى!" "لا تتكلمي يا هذه الا يكفي خيانتك لي مع صديقي! ولازال كلاكما في وجهي! وبكل وقاحة تتصرفان كانه لم يحصل اي شيء! لماذا فعلتي ما فعلته اليوم! ماذا فعل لك صالح ايتها المعتوهة!" "لا يحق له ان يعيش خاصة انه يأكل حقوق اخوته، انظر سيتخرج وهو ابن ٢٠ عاماً ولم يتعلم اي من اخوته" "حقه، هو درس وثابر وهم قررو اللعب في الشارع" "يعرف عدة لغات، ويتوفر له ما يحلم به ابناءك، تدفع له كل اموالك كان لا احد اخر عندك، عندما يأتي تنسى الباقيين وتلتصق به، كانه سيهرب" ضحك ادريس متفاجئاً من كلام الاخرى "سلطان لا تهذي يا هذه، هل تغارين من صبي! انا لم ادفع شيئاً عليه للان كل هذا تعب مجاهد ومهريبان وصالح بذاته، حتى دراسته كانت ع حساب الدوله، لانه ذكي جداً، فقط" كت يديه ببعضهما واكمل بنبرة غاضبة "لن افرغ غضبي بكِ لكن لن تخرجي من هذه الغرفة قبل ان اقول انا، لن تقتربي من احد" خرج من الغرفة واقفل الباب خلفه فينا طرقت هي الباب بقوة، ونظر خلفه ليرى ياماش يرتعد خوفاً وكهرمان يقف بجانبه، "بابا ماذا حدث؟" اقترب ادريس ماسحاً ع كتف ياماش "لا يوجد شيء يا بني لا تقلق، فقط لن تخرج سلطان من هذه الغرفة قبل ان اسمح انا بذلك" "لكن لماذا بابا؟" "ليبقى الامر هكذا يا بني هيا الى غرفتك لتنام قليلاً ونذهب صباحاً لنرى صالح" "الن يعود ايمي وزينب؟" "يوك سيبقيان في مكان اخر"...
مضت تلك الليلة بقساوتها، وحل صباح اليوم التالي "الم يستيقظ بعد؟" "لا، الن تدخل لتراه يا ابي؟" "سأدخل، لكن كهرمان، ما حدث امس لن يعرف به احد، كانت رصاصة طائشة فقط" "لكن بابا!" "لن نناقش الامر، هيا" ترك ابناءه الاربعة امام الباب ودخل للغرفة، ليجد ابنه ينام في ذلك السرير البارد وامه بجانبه ع الكرسي ، لا تليق به هذه الحال ابداً، اقترب منه ماسحاً ع رأسه وشعره، انحنى مقبلاً جبهته وهمس بصوت خافت (سامحني يا بني) بينما فتح الاخر عينيه "انيه!" كان اول ما نطق به بصوت واهن، لكنه يكفي ليجذب جميع حواسها، "اولوم! هل انت بخير؟ هل تتألم!" ليجيب الاخر "لا اعرف، ماذا حدث اساساً!" بينما ابتعد ادريس عن طريقها، تدور في عقله كلمات مجاهد من ليلة امس وشجاره مع زوجته، روحه تؤلمه، اقترب من ابنه ساحباً اياه لجهته معانقاً اياه خائف عليه من ذرات التراب في الجو، كيف لا وهو يعلم ان هناك من ينوي ع روحه، "اولوم روحي انت لا يصيبك ضرر مجدداً هل ممكن؟" فيما بادل صالح والده العناق "سأحاول بابا" "هل انت بخير؟" "بخير غالباً، متى اخرج من هنا؟" لتجيبه والدته التي لازالت تمسح دموعها "لتتعافى يا بني ثم تخرج" "لكن انيه، لم يبقى الا عدة ايام ع بداية الدوام" "هذا ما يهمك يا بني! تتعافى ثم تذهب للدوام كما تريد، تباً اهمك اولوم، اهذا ما تقلق به دائماً دوام ودراسة وكتب" ابتسم ادريس مجيباً مهريبان "ع الاقل يسعى خلف شيء جيد" "شي اين بابا وزينب" التفت ادريس "ألا اكفيك انا؟" ابتسم الاخر "تكفي، لكن لا مشكلة في ابوين" انهى جملته مع دخولهما حيث قفزت زينب ع سرير شقيقها "آبي، لقد اخفتني كثيراً" فيما اقترب مجاهد متفقداً اياه بينما تبادل نظرات حادة مع ادريس، اقترب من جانب صالح ممسكاً يده "بهدوء كزم، ستفجرين غرزه، انت بخير اليس كذلك اولوم" "اييم بابا لا تقلق" "بالطبع بخير، اسد انت لا ضرر يصيبك" "شي بابا، هل احضرتم طعاماً غير طعام المشفى المقرف هذا!" ابتسم مجاهد مجيباً "احضرت طبعاً، اعرف كم يكون طعام المشفى سيئاً"...
انسحب ادريس الى خارج الغرفة حيث وجد ابناءه لازالو يقفون خارج الغرفة "لماذا لم تدخلو؟" فيجيب سليم "سندخل بعد قليل، بابا، من فعل هذا!" ليكمل جومالي "اجل من حتى انهي سلالته، من يجرأ ع ايذاء اخوتي!" يقترب ادريس من ياماش ماسحاً ع رأسه "صوتك غائب منذ الامس" رفع الاخر عيناه ليواجه والده "بابا لقد اصيب لانه اتى لحفل تخرجي من المدرسة، كاد يموت بسببي" "وما دخلك انت بكل هذا!" "لو لم نقم وليمة والعاب نارية، لم يكن ليحدث هذا بابا" "ياماش، هلا هدأت من روعك قليلاً، لا دخل لك بهذا الامر" رفع ادريس نظره الى جومالي"غالباً رصاصة طائشة هي ما تسبب بذلك" ضحك الاخر بحزن "تركت الجميع واختارت صالح؟" "للاسف"....
مر عدة ايام وعاد صالح وعائلته الى بيتهم، وفي ذات صباح فيما كانو يتناولون افطارهم دُق الجرس "الله الله من سيأتي في هذا الصباح" قالتها مهريبان وهي توزع كؤوس الشاي فيما نهض صالح ليفتح الباب "ع مهلك يا فتى لم يشفى جرحك تماماً بعد" "لا تقلق يا ابي" ما ان وصل الباب وفتحه حتى وقف مكانه متسمراً فلا احد خلفه حتى اتى صوت من مكان قريب "الا يوجد تفضلو بابناولو؟" اجل انه صوت مؤلف صوت ذلك الفتى الاشقر ذو الثامنة عشر ربيعاً، وخلفه صوت ادريس "تعال ساعد اخاك وانزل الحقيبة" كان يكلم ياماش مشيراً لجومالي الموجود بالسيارة، واكمل طريقه للباب حديث يقف صالح "الن ترحب بوالدك" "استغفر الله تفضل بابا" ابتسم ادريس ممسكاً بوجه الاخر بين يديه "كيف حالك اليوم؟" "بخير، عدت جديداً" "بالطبع ستكون بخير يا قطعة الاسد" عانقا بعضهما ثم دخلا الى البيت ليتفاجئ مجاهد من قدومهم "الم تقل انكم ستأتون غداً!" "اجل لكن ظهر لنا عمل، فقلنا نأتي اليوم ونرتب امور ياماش هنا ونعود مساءً، بعد ان نتركه بامانتكم" "ممكن، حسن فعلتم، هل تناولتم الافطار بعد؟" "اجل"...
مرت ست سنوات بحلوها ومرها، تخرجت زينب كطبيبة وبدأت تدريبها باحدى المشافي، فيما تخرج ياماش قبلها بعامين واكمل دراسته لدرجة الماستر، و انهى صالح درجة اعلى من الجامعة وبدأ عمله في ذات الجامعة وعمل اخر في القنصلية الالمانية، "هيا يا اخي سنتأخر" "لقد اتيت يا انسة زينب خذي هذا من امي، وهذا لك ايضاً ياماش افندي. ماشاءالله اصبحتما بحجم الحمار ولازلت اركض خلفكم بالطعام الذي تعده امي، هيا ضعا حزام الامان لنذهب" كان يراقبهما صالح بينما ركب بالكرسي الامامي "زينب تعالي هنا، لجانبي، سيركب معنا صديق بالطريق" تبادلت النظرات معه وانتقلت وهي تتأفأف الى الامام "لا تتذمري، وانت ياماش هل كل شيء بخير؟" "اجل صالح بخير" "يوك، يوجد شيء، سنتكلم عندما اعود" توقف جانباً حتى نزل ياماش واكمل الطريق ليوصل شقيقته "ما اسمه؟" اجابت بخجل "من؟" "ذلك الذي يجعلك تبتسمين كالحمار عندما يرسل رسالة، ارجوكي لا تقولي انه ياماش" نظرت اه الاخرى بقلق "ارجوك ليس ياماش، سيكون الامر غريباً انتي اختي وهو اخي، يعني كيف سأشرح الامر" لتجيب الاخرى سريعا "يوك آبي، هايير ليس صحيحاً، ليس ياماش، اساساً وضعه معقد ايضاً" "يوجد وضع معقد اذا! اشرحي" "آبي سنتأخر" "اشرحي اشرحي، والله لن اغضب" "يا آبي" "زينب هيا تكلمي، اساساً الوقت لازال باكراً" "اوف حسناً، الا يوجد علي ابن رئيس الدائرة، يعني يوجد انجذاب بيننا" ليجيب الاخر ساخراً "انجذاب!" "يعني كيف تنجذب العناصر لبعضها شيء كهذا" ليجيب الاخر بغضب "لان عناصر وانجذاب هل ابن ثانوية امامك يا فتاة!" لتجيب الاخرى بنبرة بريئة "ابي قلت لن تغضب" "لست غاضباً، وما حال ياماش هذه؟" "ذات الحال، لكنه متخاصم مع خاصته، تدعى سنا وفي سنة الاخيرة" رفع الاخر حاجبيه متعجباً "فهمت اذا لما اصبح من جماعة الايمو اخر عدة ايام، سنتكلم معه ونحل شفرته" ركن السيارة اخيراً امام المشفى "الن تنزل؟" "لا لماذا؟" "لترى خاصتك ايضاً" "ها!" "ليلى ذات عين الغزال، الم تناديها هكذا ع الهاتف تلك الليلة" "زينب!" "يا آبي لما لا تشاركني بمواضيعك هذه، اخبرتني امي اننا سنذهب لخطبتها بعد حفل التخرج" "ها امي اخبرتك اذا!" "لا سمعتكم تتكلمون ذات ليلة" "هل تسترقين السمع علينا ايضاً!" "يعني، هيا آبي انا سأتأخر، نلتقي مساءً" ابتسم الاخر "كوني حذرة" واكمل طريقه يكلم نفسه...
وصل الى الجامعة ليجد ياماش يجلس وحيداً بالمكتب "في اي بحر غرقت سفنك يا بني!" "صالح! ماذا تفعل هنا؟" "جئت لاراك، لا تتكلم او تأكل كما يجب منذ عدة ايام، خير ؟" "لا يوجد شيء، يعني الا يوجد عندك محاضرة لتعطيها او عمل ماذا تفعل هنا؟" "ياماش لا تغيير الموضوع، ثم اجل يوجد معي ١٠ دقائق قلت لارى اخي الصغير الذي غرفت سفنه بالبحر الاسود هل يعرف كيف يسبح لوحده ام يحتاج مساعدة" نظر الاخر مستغرباً "ماذا تهذي بابناولو ؟" "تكلم، ماذا حصل بينك وبين (مشيراً لفتاة تجلس مقابلهم)" "من سنا؟" "اجل لما لم تعرفني اليها بعد؟" "اوف صالح من اين علمت؟" "العصفورة اخبرتني" "اي عصفورة" "تكلم يا هذا" "امي، امي هي المشكلة، لا تريدها ان تكون معي، هددتها ان رأتها معي مجدداً ستتسبب بفصلها من الجامعة" "الله الله ما دخلها بالامر؟ ما هو رأي ابي واخوتي؟" "اساساً امي تفتعل المشاكل بالبيت مع زوجات اخي حتى تسببت بطلاق سليم، كهرمان انتقل من البيت، لا اعرف عقلها لا يريحها" "يوك ارتك، الى ماذا تهدف بهذه الحركات!" "هذا ما لا نفهمه" مسح صالح ع كتف ياماش "اذهب واعتذر منها، لا داعي لان تعرف والدتك بعلاقتك هذه اساساً بقي اسبوع ع حفل التخرج، وادعوها للخارج مساء اليوم، ان احتجت السيارة اطلبها، او حتى نخرج في موعد ثنائي" "هل ليلى؟" "اجل، عرضت عليها الزواج قبل يومين ووافقت، وسنذهب لخطبتها بعد اسبوع" "يوك ارتك يا متى حصل كل هذا ولا خبر لدي، والله اخاصمك" "انا من سيخاصمك، تتصرف كأني لست موجوداً، كنا سنحل امرك سابقاً" "هل كنت تعرف بامري انا وسنا؟" "اجل وزينب وعلي، والله موسم مثمر" "منذ متى!" "منذ البداية، لست احمقاً، ثم اني لست طالباً مثلكما"...
انقضى اسبوعين اخرين، واجتمع ادريس بابنائه مجدداً لكن هذه المرة لامر مختلف، متأنقين خمستهم مع ادريس ومجاهد زينب ومهريبان التي كانت تعدل ملابس وشعر ابنها "انيه والله يكفي، لم تتركي خصلة في شعري الا واعدتها للخلف" مر وقت سريعاً، في طلب يد ليلى لصالح وموافقة اهلها، واتفقو ان العرس سيتم قريباً خاصة ان صالح سيسافر هو وعائلته وهي ايضاً ستذهب معهم، الكثير من الخطط التي وضعت قيد التنفيذ، ولكنها ستبقى قيد التنفيذ...
في تمام العاشرة مساءً فيما كانو جميعاً في حديقة البيت "لقد كبر صغارنا اذاً، ولكن والله احسنت، اخذت العروس والشهادة والعمل والسياحة كلها سوياً" كان كهرمان يتكلم مع صالح... دخلت مهريبان للداخل مع ابنتها مع رنين جرس الباب، ويا ليتها لم تفتح الباب، كان تقف سلطان امام الباب تحمل ما يبدو انه جهاز لعرس "الم اخطر ع بال احدكم! يا للاسف!" رمت ما بيدها جانباً مخرجةً سكيناً حادةً جداً من تحته، قصدت بها روح الاخرى، عراك وصراخ، هربت مهريبان محاولة طلب المساعدة لتطعنها الاخرى في ظهرها عدة مرات ثم رمتها ارضاً واجهزت عليها، تدخل السكين في ذلك الجسد وتخرجها من الجهة الاخرى تستمتع بكل قطرة دماء سكبت ع الارض، "جوليه جوليه عزيزتي" رفعت نظرها لتجد زينب امامها تبكي بخوف لتحاول الاخرى الهرب وهي تصرخ طالبة النجدة، هذه المرة سمعها الاخرون وكان اول من وصلها هو شقيقها، الذي وقف بينها وبين سكين الاخرى لتنغرز في بطنه، بينما دفعت سلطان زينب عن الدرج لتسقط الاخرى ارضاً فاقدةً لوعيها والدماء تنزف من رأسها، "زينب!" صرخ صالح فيما سحبت تلك السكين من جسده لتُغرز صدره هذه المرة، دخلت تلك السكين تماماً بين اضلعه واصابت رئته ليسعل الدماء فيما خارت قوى جسده وسقط ارضاً لا طاقة له لرفع يديه حتى، تماماً بذات اللحظة التي ابعدها جومالي عنه، ليجن جنون الاخرى "ليموت، انه لا يستحق، ليلحق بوالدته" "يتااار انيه يتاااار" دفعها جومالي بعيداً وعادت وهي ترفع السكين ع ابنها لتضربه في ذراعه قبل ان تستوعب ما حصل "اعتذر يا بني لم اقصد" ثم اكملت بنبرة مخيفة "لكن دعني انهي عملي!" همت محاولة الاقتراب مجدداً لتلتوي قدمها تحتها وتسقط من شرفة الطابق الثاني حيث دفعت زينب، فهوت باتجاه الطابق الاول لتستقر في منتصف طاولة زجاجية اخترقت قطعها جسد الاخرى وسقطت تلك السكين من يدها، لم يساعدها احد، ادريس كان همه ابنه الذي ينازع روحه، سليم اتصل بالشرطة والاسعاف فوراً، كهرمان بجانب زينب بينما مجاهد بجانب جسد زوجته، يبكي فراقهم، لقد اخبرته سابقاً انها تشعر بان خطباً ما سيحدث، لكنه لم يستمع...
مرت ساعات وهم امام تلك الغرفة مجدداً، سلطان وضعت صالح تحت رحمة مشرط الجراح مجدداً، يتصارع مع روحه في الداخل، فيما يتآكل الجميع من الداخل وهم ينتظرون رداً من طبيب او ما شابه، عاد كهرمان "زينب بخير، اصيبت بارتجاج بالدماغ، ولا تذكر ماذا حدث" "جيد ليبقى الامر كذلك، حتى نعرف ما حال صالح" كانت ساعات طويلة جداً، حتى خرج احد بخبر خير اخيراً، لقد نجى هذه المرة ايضاً، فاز بمعركته مع الموت ايضاً، لكنه لم يستيقظ، غالباً بسبب جروحه البالغة، مرت اسابيع وهو ع حاله، نائم فقط، كانو لا يتركون جانبه، مجاهد ادريس زينب وبكاءهم، واخوته وكلامهم معه طوال ايام نومه، حتى استيقظ اخيراً بعد مرور شهر كامل، كانت اول ايامه صعبة جداً ، خبر موت والدته، عودته لحياته بالتدريج، والاصعب كان قراره بالرحيل، تزوج بدون حفل واخذ زوجته واخته وايمي وسافر لالمانيا، يريد ان ينسى تلك الليلة لكن لا فائدة، يستيقظ ع كوابيس اغلب الايام...
خرج ياماش لحديقة المنزل ليبدل جومالي "آبي، هيا لتنام قليلاً حان دوري بالحراسة" "بيبي! كم الساعة؟" "الثانية فجراً انا اكمل حتى الصباح هيا لترتاح قليلاً" "حسناً، شي كيف حال صالح؟" "تفقدته منذ ساعة، كان نائماً، وهذه هي الرصاصة التي اخرجها الطبيب من جرحه، سنزرعها في رأس شهرام ذلك" "لارى" تناولها من يد ياماش "هل هذه فقط! ياماش اليس هذا رصاص متفجر!" رفع الاخر نظره لاخيه بخوف "ماذا تعني رصاص متفجر؟" "يعني الرصاصة تنفجر لحظة اطلاقها او لحظة دخولها الجسم الى شطرين محدثةً ضرراً بالغاً" "لا اعرف! هل ممكن؟ آبي بدأ الشيطان يلعب في جوفي، الم يقل الطبيب انه بخير؟" "قال انه فعل ما يستطيع تبعاً للظروف التي نحن فيها يا بني!" مسح ع كتف الاخر مطمئناً اياه "لاتفقده واعطيك خبر، ان شاء الله لم يحدث ما نفكر به" دخل الاخر الى غرفة اخيه بهدوء منتبهاً للاخر الذي ينام بهدوء ما ان انعكس الضوء ع السرير حتى ارتسمت معالم الخوف ع الاكبر، انار الضوء مفزعاً من بالغرفة واقترب من الاخر "صالح صاالح افتح عينيك لارى!" مسح ع رأسه ليجده متعرقاً شاحباً، وجسده بارد دماءه ملئت الضمادات وملابسه والشراشف والسرير، رفع جسده بيدين ترتجفان "ابن ابي افتح عينيك لارى، صاالح! ماذا يحدث معك يا بني! لاان اين ذلك الطبيب ال*** الم يقل انه عالج جرحك!" ثم صرخ باعلى صوته ع ياماش ليجهز السيارة فزع جميع اهل البيت الى الغرفة "لان ميدات هل تنام وابيك ينزف امامك!" يحاول مجدداً ايقاظ الاخر لكن لا فائدة "ماذا حدث لماذا صوتكم يملئ المكان!" دخلت سلطان للغرفة فيما وصل ياماش الى غرفة خلفها "اوووه ماذا حدث؟" "حدث ما كنت خائفاً منه، هل السيارة جاهزة!" "هيا ابي" حمله جومالي سريعاً الى السيارة "اكين ميدات ومتين المكان هنا في امانتكم، بالكاد سنلحق به للمشفى، وسنبقي ع امانه، اكين اتصل بالطبيب واخبره ما حدث فوراً" "تمام امجا، ابقونا انتم ايضاً ع اطلاع" كانت سعادات تبكي تحاول اقناعهم بالذهاب معهم لكنها لم تلقى الا الرفض...
مرت ست ساعات طويلة وهم ينتظرون خارجاً "كان يجب ان نأخذه للمشفى منذ البداية!" "لا افهم كيف حدث هذا يا بيبي" "عندما تفقدته اخر مرة تركته بحال جيده! متى نزف كل تلك الدماء!" "حملته كأن لا روح فيه! حتى جسده بارد، وفوق هذا كان ميدات ينام عنده بالغرفة، ولم يتفقده، لم يشعر!" "اوف آبي انا متأكد ان صالح بذاته لم يشعر بنزيفه" "طبعاً لن يشعر لانه فقد وعيه، نحن من وجب عليه مراقبة وضعه" يمشي ذهاباً واياباً ماسحاً ع رأسه وشعره "سوف يفقدني هذا الفتى صوابي، لقد مرت ٦ ساعات ولازال لا احد يخرج من هناك!" انهى جملته مع خروج الطبيب "لقد استطعنا انقاذه لو تأخرتم قليلاً كنتم فقدتموه، خسر الكثير من الدماء، لهذا سيبقى بالعناية المكثفة" "هل نستطيع رؤيته، تعرف وضعنا خاص قليلاً لا نستطيع ترك جانبه فهناك من قد يحاول ايذاءه؟" "ممكن نرتب لذلك" ليجيب جومالي الغاضب "الم تقل انه بخير؟ لماذا اذهب لاجده غارقاً بدماءه! ها لماذا لم تقم بعملك كما يجب؟" ليرد الطبيب بنبرة جدية "انا قلت لكم انه بحاجة مشفى، كيف سأعرف اين كان الجزء الاخر من الرصاصة! هل كان يوجد تصوير او غرفة عمليات! فعلت ما استطعت فعله لكنه لم يكن يكفي، الحمدالله ع سلامته الان" وهم ذاهباً فيما يبلع جومالي غضبه... "هادي ابي لتبقى بجانب صالح الان وانا سأتصل بالعائلة"...
حل المساء وهو لازال صالح نائماً بينما يجلس ياماش ع جانب السرير ممسكاً يده وبيده الاخرى يرتب شعر النائم "هادي صالح استيقظ يكفيك نوماً" "هل يوجد حمى او ما شابه؟" سأل جومالي الذي دخل ومعه القليل من الطعام "يوك لكن يبدو ان مفعول مخدر العمليات لم يزل بعد" نهض متجهاً لكبيره قبل ان يتوقف بعد ان امسك صالح بيده معلناً استيقاظه اخيراً "ب بابناولو!" اقترب جومالي فوراً من الجهة الاخرى "اوف بيه! واخيراً! هل اعجبك الامر حرقت اعصابنا ل٢٤ ساعة يا هذا!" نظر بهم باستغراب "من انتم! ماذا حدث؟" تبادل كلاهما النظرات بقلق "لانادي الطبيب" هم جومالي بالخروج ليعود من الباب بعد ان سمع ضحك الاخر "شكا شكا، اتذكر من انتم، لكن حقاً كيف وصلت الى هنا!" كان يتصنع القوة مع ان لا طاقة له ليتكلم حتى، "لان والله اضربك الان الا يكفي انهم فتحوك من المنتصف! لقد وجدتك غارقاً بدماءك في سريرك فحملناك الى هناك" ليكمل ياماش "والله ٦ ساعات بالعمليات و١٨ اخرى ونحن ننتظر سماع صوتك" تبادل نظراته مع كلاهما "هل قلقتما علي؟" ليضربه ياماش في كتفه "اجل ايها المجنون" ليتألم الاخر "ع مهلك بيبي، بالدور ليشفى جرحه قبل ان يصاب اصابة اخرى، (ضحك قليلاً) اساساً لا اذى يصيبه مثل القطة" "بتسع ارواح" "تؤتؤتؤ وما ادراك اني لم اجرب حظي بهذه الارواح التسعة؟" يطرق ياماش ع الطاولة بجانبه "امان لا يصيبك شيء مجدداً" يعود للنوم مستسلماً الادوية التي يتم اعطاءها له قبل ان يستيقظ ظهر اليوم التالي "بابناولو" "ها صالح؟" "لو تعرف ما رأيته وانا نائم او فاقد الوعي، عالم اخر، تخيل كان عندي اخت من امي وايمي، كبرت مع امي كم كانت حياة جميلة، درست بالجامعة وحتى خطبت وتزوجت، لكن حدث شيء بشع قامت والدتك بقتل امي، كم يقشعر بدني عندما اتذكر الامر، وحاولت قتلي ايضاً! لكنني نجوت، كم كرهت والدتكم!" كان جومالي ينظر باستغراب وياماش يضحك ع منام الاخر "ماذا تهذي يا بني! هل اصبت بالحمى او ما شابه!" اقترب متفقداً جبهة الاخر "ها بيبي" "ايفندم آبي!" "نادي الطبيب حرارة هذا مرتفعة" "نيه!" حقاً كل ما عاشه كان مجرد كابوس او هذيان بسبب حمى كانت تأكل جسده من الداخل، فترجمها عقله بمعنى اخر، تحسن وضعه وخرج خلال ايام "لن تذهب لاي مكان، جرحك لازال حديثاً" "لكن آبي!" "لا يوجد لكن وما شابه، اجلس هنا واشرب حساءك وتعافى" "اجل بابناولو نحن نكمل ونصور لك انتقامنا من العم، او حتى نفتح مكالمة فيديو" "ها ها يوك سأذهب معكم" "لان لا تفقدني صوابي، سنرسل سلامك وهذا يكفي، وانت ارحمنا قليلاً وحافظ ع صحتك قليلاً" انسحبو اخيراً من البيت "انيه انهم بامانتك، صالح لن يتحرك من مكانه خرج الامس من المشفى" "تمام اولوم كونو حذرين رجاءً، يكفينا مصاب واحد" ابتسم الاخر مجيباً "تمام انيه" خرجو في معركة عادو منتصرين منها تماماً كحكاية غريبة سردتها عليكم مجدداً وصلنا نهايتها، ارجو ان اكون عند حسن ظنكم...
نلتقي بجزء جديد من سلسلة حكاية.
تسريب للجزء القادم "سنحتاج الكلينكس والايس كريم"