Part 11 - مسرحية

200 7 0
                                    

الخطوة تدفع خطوة.. الماضي يفهم يطوى أطفال تبني الدنيا أحلى... فيهم ينبوع الآتي.. ضحكتهم نور حياتي ... هم أهل الثقة الأغلى..
او لنقتبس من اغنية معروفة تحمل عنوان مماثل لحكايتنا : خلصت الدور عيشت الشخصية وعجبت الجمهور، وخلاص نزلي اسامينا بقى في التترات، انا عايز اعيش وكفاية استنى في سعادة مبتجيش، ساعات في نهاية حزينة عكس البدايات..
عودةً الى النص..
مسرحية، عنوان حكايتنا الذي بُني على خشبة مسرح، حيث يرتدي كل ذي فنٍ قناعه، الذي سيروي منه حكاية لاخرين، لا يعرفون مدى دقة روايته، او ان كانت مقتبسة من قصة حقيقة او من نسج خيال احدهم، لكنهم في كلا الحالتين سيدفعون من مال جيبهم ليشاهدوا كذب وتلفيق شخص اخر، فكم من ممثلٍ روى قصته؟ وعندما روى قصة شخصٍ اخر، ما مدى صدقة في روايتها؟ وهل صدق الراوي فيما روى، فعلى المسرح، وضعت الاقنعة، وصفق الحضور...
ركن سيارته ذات الدفع الرباعي على مدخل بوابة بيت ابيه، اقشعر بدنه للحظة، توقف في المدخل فيما تجاهل صوتاً داخله يطلب منه العودة ادراجه لكنه صنع طريقه للداخل خطوةً تتلو الاخرى، يتردد كثيراً ، بل تردد كثيراً قبل اتخاذه قراره بالعودةِ الى تلك الحفرة، الى ذلك البيت، الذي سلبه كثيراً، طفولته، شبابه، احباءه وحتى انفاسه، لدرجة انه نسي من يكون، نسي كيف يكون انساناً، يخطو للامام فيما يتصاعد صوت بداخله يريد العودة، فلا مكان له هنا بعد الان، تم التخلي عنه اساساً، فما هو الا مصلحة، وانتهت، ليس هناك ما يربطه بهذا المكان الا شيء واحد وقد اتى ليأخذه، ابنه ادريس الذي تركه وعمره بالكاد عام وعدة اشهر والان حتماً تخطى الخامسة، فقد مرت اربع سنوات طوال، استغرب عدم وجود اي احد على بوابة البيت، لربما اصبح المكان آمناً الى تلك الدرجة، اخر ما يذكره هو نزاعات وشجار اخويه الاكبر والاصغر، الاردنيت، وخليل ابراهيم، الذي اصبح هناك ثأر يخصه معه، سمع انه اخذ الحفرة، بعد ان وضع جومالي تحت خيار صعب، وتبعات هذا الخيار ادت للحال الذي وصل له صالح اليوم، "على ما يبدو انكم توصلتم لاتفاق او ما شابه" تمتم في ذاته عندما لاحظ وجود رجال بالقرب من بيته القديم، ولاحظ وجود سيارات اخوته ذاتها امام الباب، منذ اربع سنوات، وسيارته في طرف المكان وقد اكلها الغبار، لم يعتني بها احد، ان لم يعتنوا بصاحب السيارة فمن الطبيعي ان لا يعتنوا بالسيارة وما هي الا كومة من حديد، اخذ نفساً عميقاً واكمل سيره للامام فيما بلع غصته واقترب من باب البيت، ووقف خلفه، بدأ يسمع صوت الضوضاء من الداخل، "هيا الطعام سيبرد" يأتي صوت حبيبته لينتعش قلبه فيبتسم حين يسمعها تنادي ابنه "ادريس هيااا، ونادي اختك" انصت قليلاً متسائلاً "اي اخت؟" لربما تخطته هي ايضاً، استجمع قواه فيما خطى على درج ذلك المنزل، وطرق الباب، اعتدل في وقفته حتى فتحت الباب فتاة صغيرة، بيضاء البشرة بعين كحيلة وشعر اسود كثيف منسدل على كتفيها، نظرت له "تفضل امجا" نظر لها فيما احس بقشعريرة وتجمع الدمع في عينه، لربما فهم شيئاً ما، لكن سرعان ما اعتدل في وقفته حين سمع صوت جومالي "من على الباب يا وردة عمها" وما ان ابعدها وفتح الباب جيداً حتى تجمد مكانه، كان كمن يرى شبحاً امامه، يحدق باستغراب فيما اتسعت عينيه، فيما كان الاخر ينظر اليه ببرود، لا مشاعر ولا معالم ارتسمت على وجهه، يحدق كل منهما بالاخر، يتجاهل الرجفة التي مرت بجسده، صنعت شعوراً دافئاً في اطرافه، "س سااليه!" همس جومالي فيما مد يده ليتأكد من انا الاخر امامه، وضع يده على وجنة الاصغر واكمل بصوت يرتجف فيما دمعت عيناه "انت حي!" تراجع الاخر خطوة للخلف وازال يد الاكبر عن وجنته ورد بكل برود ورسمية "هلا ناديت لي سعادات"...
سابقاً، قبل ما يقارب الاربع سنوات...
عدل بدلته فيما سلم مفتاح سيارته لابن ابيه، وعانقا بعضهما "لا تمت، حسناً انت لا تموت لكن لا يحصل لك شيء في غيابي، لا تصاب ولا تضرب حجرة قدمك يا بني، حسناً!" همس صالح اذن ياماش فيما شد الاخر في عناق اخيه "وانت ايضاً، إياك ان تموت، تمام!" "تمام" افترق العناق فيما امسك ياماش ساعد صالح ونطق "انتظر عودتك من الان ولا تقطع خبرك، والا تجدنا عندك" رد الاخر ساخراً "تجدنا؟ من سيأتي للبحث عني... جومالي؟" "اجل، لربما" "لقد طردني من حفرة ابي ورفع سلاحه علي، لن يهتم لغيابي، الله الله" "والله لا تعرف، ثم انتظر ما قطة السلاح هذه؟" "لاحقاً بابناولو، او لتسأل آبيك، هيا لأذهب" "اعتني بنفسك جيداً" ابتسم الاخر فيما لبس نظارته متجهاً الى السيارة حيث ينتظره اسكندر، "لاايديز اند جنتلمينيلاررر، لا يبقى احد من المسافرين الى افغانستان يا روحي" وانطلق مبتعداً عن ياماش الى سيارةٍ سوداء اللون وذات زجاج معتم اسود، تحركت وقصدت طريقها الى العنوان المطلوب، فيما يراقب ياماش طريقه، حتى اختفى من امامه "لتساعدنا يا الله" نظر بعيداً فيما دمعت عينه وردد بنبرة مترددة "يجد، سيجد طريقه" كان ياماش يحاول ان يقنع نفسه بانه لا يقترف خطأً بارساله الى المجهول هكذا، يقنع نفسه ان فارتولو لطالما انقذ نفسه، سيفعل مجدداً، قاطعه رنين هاتفه ليجده اكين، يحذره من ان جومالي كان قد وجد ايفيون وذهب بحثاً عنها، لحظات، وكان ياماش يقف بين ايفسون وسلاح اخيه "ابتعد" "ماذا تفعل حباً بالله!" "سآخذ بثأر ابي، كانت هي احدى المشاركين في تلك الكارثة" الا ان الاخر ابى ان يتحرك، فابتلع الاكبر ريقه غاضباً فيما شد على حنكه هاتفاً "بيبيي! ابتعد من امامي" لكن لا جدوى لازال مصراً على موقفه... يتبادلان نظرات مشحونة غاضبة، "انها حامل" لم يصدق جومالي ما سمعه وتظاهر بانه لم يسمع اساساً ليعيد ياماش كلامه بنبرة حزينة "انها حامل آبي" انزل الاخر يده وسلاحه ليصرخ مخذولاً "هل تواعد قاتلة والدك! يا عفو الاله!" هز الاخر رأسه نافياً "يوك، لم تكن تعلم، آبي، ارجوك لتتركها وتذهب" عقد الاخر حاجبيه ونظر لياماش وكأنه يقيس طوله من عرضه، وخرج هامساً "ليعلنك الله ايها الوضيع" دفعه جانباً وخرج غاضباً بل هائماً بلا وجهة...
في الحفرة، مر شهر كامل، قُتل سليم ودُفن، لم يصل اي خبرٍ الى الان من صالح او عنه حتى، فلقد رآه اسكندر منذ اسبوع فقط، اي في وقت زواج اكين وياسمين، ثم افرقت طرقهم، لا يرسل ولا يجيب، لا على مكالمة ولا على رسالة، وضعه اقلق ياماش لكنه كالعادة يصمت صوته الداخلي "فارتولو يجد طريقةً دائماً"، يقنع نفسه بذات الكلام، اساساً يكفيه خسارته لسليم، لن يفكر باحتمالية فقدان اخ اخر مجدداً، يحمي نفسه من الخوض في هذا الحديث، وخوض هذا الالم والقلق مجدداً، اما بالنسبة الى ايفسون فقد دخلت بيت ادريس، واستسكنت داخله، لازالت تشعر بالغرابة بينهم، غريبة بقيت كما اتت، من عالمٍ اخر، لربما شعرت بالندم ايضاً، بقي سرها بين يدي ياماش وجومالي فقط، مع انه لا يطيق وجودها لكنه مجبر، على الاقل هذا ما يعرفه، لكن بطريقة او باخرى تسلل ذلك السر الى اذن سلطان، والتي بدورها فعلت ما رأته مناسباً فرمت عشيقة ابنها وحفيدها في الشارع، على الاقل امسكت نفسها عن قتلها، انتهى الامر باكتشاف ياماش ما حدث بين امه وعشيقته، فهي لازالت لا تصنف تحت اسم زوجته، ولحسن حظ كلاهما، بل لسوء حظهما، تقاطعت طرقهم مع كولكان، الذي رسم فخه لياماش، واصطاده على حين غفلة، بل باستدراجه من نقطة ضعفه...
انتهى به الامر في مغارة في احدى القرى المهجورة على الحدود الشرقية للدولة، حيث بدأت رحلة معاناته مع كولكان، والذي كان لازال على اتفاقه مع خليل ابراهيم، حيث اراد اخذ انتقامه لموت اخوته، وفي الطرف الاخر يسهل الطريق لخليل ليدخل الى الحي ببطئ وسهولة...
وفي طرف اخر كان صالح قد وجد طريقه عبر الدول ليصل الى افغانستان، والتي سيبحث بها عن خليل ابراهيم، اساساً لقد مر وقت طويل منذ ذهابه، ولم يستطع اي منهم التواصل معه من حينها، مر من الشهور الكثير، ومن الايام العديد، ولا اثر له، بقي جومالي لوحده على رأس تلك العائلة... مر عام ولا خبر من اي من اخوته، وحيد يحاول السيطرة على الحي وعلى تلك العائلة، يتصارع كل يوم من فكرة ان هذا الحال سيدوم للابد، هل تركهم ياماش حقاً! وهل صالح ترك عائلته خلفه؟ ام ان مكروهاً اصابه؟ كانت كل هذه التساؤلات تبقيه يقظاً حتى فجر كل يوم، لكنه كان يدور حول نفسه، فهو بالكاد يستطيع تدبر امر الحي، الذي كان وضعه يتدهور بسرعة، فقر، جرائم اعتداءات، تمييز وتفريق وعداوات، كحرب اهلية حلت على ذلك الحي الصغير وقسمته الى اشلاء، لا يُعرف اي جزء على حق وايٌ منهم المخطئ...
على الاقل هذا ما جعل منهم ضحية سهلة الصيد، فقد افترش الصياد المكان وجمع رجال الحي جميعاً في قفصٍ مفتوح، فقد اتى مع جيشٍ مخيف واسلحة تكفي لتحرير دولة كاملة، وصل الى منتصف الحي فيما يتلفت يساراً ويميناً وكأنه يحاول تذكر شيء سيء من ماضيه، حطت قدمه باب المقهى وطرق الباب، يقف بشموخ محاطاً بالعديد من الرجال، "السلام عليكم جومالي" التفت الاخر الى مصدر الصوت دون ان يرفع رأسه قائلاً "ايفندم، بنم" واكمل "ماذا تريد؟" ليبتسم الاخر ودخل بثبات الى المقهى، ووقف امام جومالي وسحب كرسياً ليجلس مقابله، رفع الاخر رأسه فيما نظر لمن امامه بحدة "لم يسمح لك احد بالجلوس" وما ان التقى نظره مع من امامه حتى اعتذر فوراً حين ايقن انه كبير بالعمر، "اعتذر لم ارى من اتى" ابتسم الاخر ورد "لا عليك، اساساً لا اتوقع ترحيباً ودياً" اعتدل واكمل "اجلب كأسين من الشاي واغلق المكان لنتكلم بهدوء" استغرب جومالي الطلب لكنه لبى احتراماً لفرق العمر، اغلق المكان وعاد ليجلس مكانه "تفضل بماذا اساعدك" ارتشف الاخر من الشاي مجيباً "لازال طعمه كما هو لم يتغير، لاكثر من اربعين عاماً وهو ذات الطعم" لازالت علامات الاستفهام ترتسم على وجه جومالي الذي رد باحترام "تفضل يا عم؟ بماذا اناديك؟" وضع الاخر كأسه مبتسماً "خليل، تستطيع مناداتي بخليل ابراهيم" استنكر جومالي ناسياً الاسم وصاحبه "اهلاً لكن من حضرتك؟" عاد الاخر ليبتسم "قبل ما يقارب العام والنصف، قمت بمساعدة رجالك بتفجير بضاعتي" بلع جومالي ريقه ونظر بخوف ليستذكر كلام ياماش حين اخبره ان صالح ذهب ليبحث عن خليل ابراهيم، ويستذكر كلام اسكندر الذي اخبرهم ان صالح التقى بخليل ابراهيم، نظر مجدداً واكمل متمتماً "خ خليل! ابرهيم!" "اجل ما بك صُدمت؟" سعل الاخر ليوضح صوته "ألم يصلك خبر من فارتولو؟ يعني من اخي؟" رفع الاخر حاجبيه "من فارتولو؟" ارتسمت علامة القلق على وجه جومالي الذي اخرج هاتفه ووضع امام خليل بعد ان بحث عن صورة واضحةٍ له "هذا، اسمه صالح ايضاً" القى الاخر نظرة على الهاتف ورد بهدوء "ها اجل صحيح تذكرته، رأيته ذات مرة" وعاد ليكمل كلامه، اتيت لاعرض عليك عرضًا جيدًا" شرد جومالي للحظة فيما تسارعت ضربات قلبه "ماذا تعني؟ ذات مرة؟ ، متى؟" "لا اذكر، لكن غالباً منذ اكثر من عام ونصف"  نهض جومالي من مكانه مقتربًا من خليل "ماذا! كيف؟ واين هو الان؟" رد الاخر ببرود غريب "لا اعلم، اذا لم يعد الى الان، فانا لا اظن انه على قيد الحياة" صمت جومالي فيما اتسعت عيناه في لحظة ادراك، ونظر في الفراغ "يوك ارتك، صالح لا يموت بهذه السهولة، لا يفعل، مستحيل، فهو كالقطة يجد طريقة للنجاة" ليسمع رداً من ضيفه "لماذا لم يعد الى الان! الا يوجد خلفه عائلة؟" صمت جومالي وعاد ليشرد مجدداً متذكراً اكتشاف سعادات حملها وولادتها، وهو شاهد عليها، يتردد صوت ادريس في ذهنه كل مرة سأله عن والده، الا ان هناك شيئاً داخله يرفض كلام من امامه "لا لا لم يحدث، تناسى الحرب التي قامت بداخله وعاد ليجلس امام خليل واكمل بصوت يرتجف "اذاً! ماذا كنت تقول سيد خليل؟" انهى الاخر كأس الشاي ووضع حقيبة نقود امام جومالي وفتحها "اريد الحفرة، بديونها وخرابها، وهذه لكم بالمقابل" نظر له جومالي وضحك "يووك انت حتماً اتيت لتهذي امامي، خذ اموالك واذهب، الحفرة ليست للبيع" "لتعطني اموالي اذاً، وها ديونك لتجار الأسلحة قد دُفعت، واضف ذلك فوق سعر البضاعة" ابتلع جومالي ريقه مجدداً ورد بكل جدية "ادفع، لكن امهلني مدة.." قاطعه بصوت عالٍ "يووك، انتهت مدتك منذ زمن اساساً، ادفع الان او خذ الاموال وعائلتك واخرج من هنا" ليرتفع صوت جومالي بعدها "تأتي الى مقهاي وتهددني! من تظن نفسك يا هذا! ماذا تهذي! تطردني من منزلي، انت من يجب ان يخرج وليس انا، لازلت احترم عمرك يا هذا، هيا انصرف واخرج من هنا"، حاول جذبه من لباسه للخارج، وما لمح باب المقهى حتى تجمد مكانه ليسمع الاخر يضحك "وصلت نهاية الطريق يا جونيور، هه، اسمي الفعلي هو جومالي كوشوفالي الكبير، ضع خطين تحت اسمي وثلاثة تحت الكبير، اما انت فحملت اسمي بكل وضاعة ورحت تقفز هنا وهناك" صمت واكمل "لا يهم، اهالي الحفرة تحت رحمة رجالي، وعائلتك ايضاً، تعال هنا لنتكلم" الا ان الاخر لم يتحرك، بل تجمد مكانه ونطق لاحقاً "لاان ماذا تهذي! اخرس، اغلق فمك هذا واخرج من هنا، وخذ فئرانك هؤلاء" واتجه الى الباب فيما جذب الاخر من ياقته الى ان توقف حين ايقن سيطرة رجال خليل على المكان، فالتفتت مجدداً الى خليل الذي كت ملابسة من يدي جومالي واكمل "اجلس لنتكلم، يوجد عرض اخر، بما انك رفضت العرض الاول" لتحتد نبرته ويكمل "عرض يخص اخوتك" تجمد مكانه فيما جلس خليل (جومالي العم) مكان ادريس واشار لجومالي بالجلوس امامه "اجلس، لن تستطيع فعل اي شيء الان، سيطرت على الحفرة، سواء اعجبكم ام لا، لهذا اجلس واختار، ستخضع، والا سأبقيك حياً فيما اجعلك تدفن جميع احبتك وأصدقائك" لكن الاخر لازال مكانه، يحاول جهده فهم ما يحدث حوله، كيف ومتى لماذا ومن لكن دون جدوى، شعر حينها بالضعف الانكسار والهوان حين خطى خطواته الى حيث خليل، "هذا مكان ابي لن تجلس هناك" "اصمت واسمعني، واسحب يدك عن سلاحك، فبمجرد كلمة مني تنتهي حياة من في الخارج، دعنا لا نختار العنف، على الاقل ليس الان" اشار له ليجلس امامه فيما اخرج علبتين وضعهما امامه واكمل "افتحهما لترى ما بداخلهما، علك تستوعب جدية الامور" واكمل بجدية "هناك ارواح تتعلق بقرارك" واشار للعلب امامه وطرق عليها مبتسماً بخبث، فعاد جومالي وجلس امامه واخذ اول علبة ليفتحها ليجد سلسة حديدية، تعرف عليها فوراً والتقطها بيده ليتفقدها، وما ان رفعها حتى وجد تحتها خصلة شعر اسود ناعم، ارتجفت يده وتجمع الدمع بعينيه وكأنه استوعب شيئاً لتوه، ترك العلبة فيما بقيت السلسلة في يده، وفتح الاخرى ليجد خاتم اخيه الاصغر، وخصلة شعر اشقر مموجة اسفل الخاتم، تماماً كالعلبة الاخرى، سقطت دمعةٌ من عينه واخذت طريقها منتصف العلبة الاولى، ونظر لمن امامه وهو يحاول امساك اعصابه، ونطق بنبرة مرتجفة "قلت انك لا تعرف مكانه" رفع رأسه فيما احتدت نبرته واستشرست نظرته "اين اخوتي يا هذا وماذا فعلت بهم!" ابتسم الاخر وردً"لا تسترجل الان واسمع للنهاية" واشار للعلبة الاولى "اولاً اخذنا صالح، بمجرد قطع الحدود، ارسلنا خلفه واستضفناه بكل ود وحب، وبعد عدة شهور تواصلنا مع كولكان واخذ هو ياماش، وعشيقته ايضاً، للعلم ايضاً لقد انجبت فتاة جميلة، وجميعهم تحت ضيافة كولكان في احدى بقاع الارض" صمت واشار للعلبتين، واكمل "اولوم، يا ابن اخي، امامك خيار اخر، ستأخذ العلبتين الان، وسأعطيك اسبوع لتفكر، احدهما سيبقى معي والاخر يعود اليك" "نيه! باحلامك، ستعيد كلاهما" رفع الاخر حاجبيه مجيباً "يووك، تعدينا هذا الاحتمال، حين رفضت اخذ الاموال والخروج من هنا، الان ما سيحدث هو التالي، معك اسبوع، وسأعود لاخذ الحفرة وما فيها، ستبقى انت وعائلتك في ذلك البيت في طرف الحفرة، يعني في بيتكم، و ستختار احدهما، سيعود اليك، وستعيشون بسلام، تحت شروطي الخاصة طبعاً" "والاخر؟ ماذا سيحدث له؟" "سيبقى عندي وانا اتدبر امره" ونهض فيما اخذ العلب من جومالي "ابقي السلسة والخاتم معك، وانا سأعود خلال اسبوع لاخذ جوابك" وخرج مع رجاله من الحي تحت انظار جومالي الذي جلس منحني الظهر يحدق بما في يديه، فقد وُضِع امامه سلسلة صالح وخاتم ياماش...ووضع امام قرارٍ صعب... اما الحفرة واما اخوته... والاصعب ان الخيار بين احدهما...
دخل كل من متين وميدات للمقهى، حيث يبقى جومالي "آبي من هذا وماذا يريد؟" لكن لا جواب من جومالي يمسك بشيء بين يديه بقوة، ويحدق به ليعيد ميدات السؤال "من هذا؟ جومالي باي؟" رفع الاخر رأسه مجيباً بسخرية "شقيق ابي، بل لاقول خليل ابراهيم" تجاهل تسائلات من حوله وخرج هاتفاً "متين لينادي ايمي وامي لمكتب ابي، سأكون هناك خلال ساعة" وخرج دون ان ينظر للخلف...
"ياماش او صالح، هذا الخيار الذي وضعني امامه، والا سيتصرف هو بهم وقد لا نرى اثر اي منهما الى الابد" يجلس مكان ابيه يحدق في خشب المكتب، يروي ما حدث لوالدته وصديق ابيه، الذي شُخص بمرض الخرف منذ وقت قصير "ماذا سيحدث للاخر؟ ان اخترت احدهم؟" رفع الاخر كتفيه فيما هز رأسه محاولاً انكار الافكار التي تدور برأسه "لا اعرف" "سيموت اليس كذلك؟" سأل ايمي بقلق، فيما رفع جومالي نظر اليهم ودمعه يتلألأ في مقلتيه "غالباً" "ماذا ستفعل اذاً؟" فرك الاخر جبهته "لا اعرف، من سأختار ومن سأترك! صالح خلفه طفلين، وياماش خلفه طفل ايضاً.." لم ينهي كلامه لتقاطعه سلطان "اياك ان تفكر حتى، اياك ان ترمي بياماش للتهلكة يا جومالي.." "لكن.." "الطريق واضحة، والخيار لك، لكن لتعلم، ان حصل شيء لياماش، فلا انت ابني، ولا انا اعرفك" نهضت وخرجت مغلقةً الباب بعنف، ليعود جومالي ويفرك وجهه بباطن يديه "هل سترمون به الى المجهول مجدداً؟" رفع جومالي رأسه ونظر لايمي "اووف ايمي، لا استطيع التفكير حتى" زفر الهواء ونهض محدثاً كبيره "كلاهما امانة ابي، ويجب ان اختار، والأسوأ ان الميزان يميل لاحدهما اكثر من الاخر" "ياماش؟" هز الاخر رأسه ايجاباً "ومن غيره" "وعديم الحظ الاخر؟" التفت وقد دمعت عينه "لربما يجد طريقة لينجو كما يفعل دائماً" "لربما! انت ترميه للموت بكل بساطة يا جومالي، كيف! الا يكفي ما حصل معه في طفولته؟ والان تتخلى عنه بكل بساطة، وتترك طفلين يتيمين خلفه... (زفر الهوا فيما اكمل) ماذا ان علم بالامر؟ انكم خذلتموه مجدداً، بالنهاية كان يركض لحل مشاكلكم في اخر فترة" تنهد واكمل "غالباً سيغضب، سيكرهنا، وسيكرهني انا خصوصاً، لاننا تركناه، وليس لانني اخترت ياماش، فكما كنت ترى، يفديه دون ان يفكر، سيقول، ليكن ادريس في امانتكم، لا يكبر كما كبرت انا، انه لا يعلم انه رزق بابنة ايضاً" تنهد بعمق واكمل "احاول اقناع نفسي لكن داخلي يشتعل، اتذكر اخر لقاء بيننا" رفع سبابته واكمل بصوت مكسور "رفعت سلاحي عليه امام الجميع، وطردته، عايرته بانفاسه وكأنني اعدها عليه، لكونه لا يستحقها! ولم احاول ان اتصل عليه لاطمئن، ها ليكن بعلمك كان يخطر على بالي كثيراً، كنت اقلق عليه، وحتى تمر ليالي بلا نوم من القلق، لكن اعود لاقنع نفسي انه بخير، فابن التاسعة قد مر بالاسوأ وقاتل وعاد، الن يفعل ابن السادسة والثلاثين ذات الشيء؟" "انت تحاول اقناع نفسك بذلك فقط، في حين انك تقتل احد اخوتك لتنقذ الاخر" شرد جومالي للحظة ونظر جانباً وكأنه يرتب الافكار في عقله "هل سيحيا احدهما على حساب الآخر!" واكمل "دفنا سليم قبل عدة اشهر، ابي كهرمان، والان هل دور صالح؟، لماذا تقوم هذه الحفرة بابتلاع الجميع هكذا؟" لكن لم يأتيه جواب بل تُبع بسؤال  "متى ستعطيه الجواب؟" "قال خلال اسبوع، يعني في اي يوم خلال الاسبوع" تنهد واكمل "هل سأتسبب بيُتم ابن اخي؟" اقترب ايمي مربتاً على كتفه "لتجده اذاً، لتجد احدهما وتعطي اسم الاخر لذلك ال*** وتنقذ كلاهما" تنهد الاخر واكمل "وكأن هناك وقت كافي لافعل ذلك! لو كنت على قدر المسؤولية كنت علمت بامرهم سابقاً" لحظات وكان قد بقي لوحده في ذلك المكتب يُطبق سواد العتمة على صدره...
بعد يومين تماماً...
كان قد ارسل خبراً الى افغانستان، اسكندر تحديداً، فهو يدين بهذه الخدمة لصالح خاصةً، وارسل خبراً اخر يستنجد بجميع معارفهم، عل احدهم يساعده في الوصول الى اخيه الاصغر، "لا علم لديك اذاً؟ متى رأيته اخر مرة؟ منذ متى! فهمت، حسناً" اغلق الهاتف فيما غرق في خوفه مجدداً، يدفن وجهه بين يديه، "هل من جديد؟" سأل ايمي فيما ربت على كتف جومالي، هز الاخر رأسه نافياً، "اخر مرة التقى اسكندر بصالح كان منذ ثمانية عشر شهراً ، عامٌ كامل ونصف اخر مضت وهو مفقود ونحن كنا نقول انه يسرح ويمرح، بينما الله وحده يعلم بماذا كان يمر، انا لم اعي ذلك، ياماش ايضاً، مضى على ذهابه عام، ولم افكر حتى ان سبب غيابه قد يكون..." لم ينهي كلامه ليطرق متين الباب "افندم متين!" "لقد اتى مجدداً آبي، هل ادعه يدخل؟" رفع جومالي رأسه ونظر لايمي ثم الى متين "وهل هناك خيار آخر؟" خرج متين فيما عاد جومالي ليدفن وجهه بين كفيه...
"السلسلة ام الخاتم؟"
يجلس كل منهما مقابل الاخر "ماذا قررت اذاً يا بني؟" لكن الاخر صامت يحرك قدمه بتوتر فيما يشد بكل يد على الاخرى، تكاد اظافره تخرم طريقها الى الطرف الاخر، تدور اصوات كلاهما في رأسه (جومالي باي آبي) (صورة ياماش وهو يفرقع باصابعه مصيباً اياه بالجنون، مجادلاته التي لا تنتهي مع صالح) تتردد كل محادثة اجراها مع صالح في اذنيه، تلك اللحظة التي تبرع له بالدماء، من الوريد للوريد، اول لقاء واخر لقاء، ذهب دون ان يودع اي منهما الاخر، جفل حين طرق الاخر على الطاولة ووضع امامه خياري السلسلة والخاتم مجدداً "صاحب السلسلة؟ ام صاحب الخاتم؟" رد الاخر بقهر "قلت ان معي اسبوع، لم يمضي سوى يومين!" "لن يفرق معك، اردت ان اخلصت من عذاب التفكير، لانني قد أرسلك لتأخذ من ستختار والاخر سيبقى معي، وانا سأبقى من هنا، سأنتقل الى البيت الذي يقع خلف بيتكم.." "بيت فارتولو؟" هتف ايمي ليجيب الاخر "اجل بيت فارتولو المهجور" "لكن...!" يبتلع جومالي غصته ويمده يده ليمسك باغراض اخوته، يعرف ان اي تصرف طائش سيكلفه ما هو اكثر من حياة احد اخويه اعتدل في جلسته وسأله بوضوح "ماذا سيحصل بالاخر؟" "ولماذا تريد ان تعرف! قلت لك احدهما لك والاخر لي، هيا لتختار" وفتح يده "اعطني خاصة خيارك، ولتبقى الاخرى ذكرى لك من الاخر" "ذكرى!" "اجل فانت تختار موته، ليكن هناك ما يذكرك به وبفعلتك" هنا تماماً فقد جومالي اعصابه وصرخ في وجه الاخر "بماذا تهذي يا **** ماذا تهذي! اخرج من هنا ولا تدعني ارى وجهك، تقول انك تريد جعلي قاتل اخي! اغرب والا.." صمت عندما رأى الابتسامة على وجه الاخر "لا تضحك والا..." قاطعه الاخر "اختر احدهما او تخسر الجميع"  صمت وتجمد مكانه "ماذا!" ليخرج الاخر هاتفه وفتح ما يبدو انه بثٌ مباشر، او مكالمة، واشار للصور "رجالي يحاصرون الحي، ويحاصرون بيتكم، لهذا اما ستختار اما  ان تأخذ عائلتك وتخرج من الحي، طبعاً خسرت احتمالية اختيارك هذا الخيار، فالان في حال لم تختار بين اخوتك، سآخذ الجميع، لهذا ستختار اما ستبقون هنا في الحي، سنديره سوياً، كعائلة، وسيعود من ستختاره خلال ايام، سيكون بين يديك، او ابدا بحفر قبورٍ للجميع، هيا اعطني جوابك الان" ومد يده امام جومالي "أعطني خيارك، لاجلبه لك" شد الاخر على ما بين يديه واغمض عينيه فيما مد خاتم ياماش الى عمه "سيعود هو وايفسون وطفلهما، جميعاً، سويةً" ابتسم الاخر مجيباً "بالطبع، فتاة بالمناسبة، شقراء كوالديها" صمت فيما نهض واكمل "ستنظر في عيناي فيما تكلمني، وستناديني بالعم، ليس عمي، ولا جومالي ولا حتى خليل، فقط العم، لتخبر الجميع بما سيحدث، لا اريد اعتراضاً من اي منكم او من اهالي الحي، من لا يعجبه الامر ليرحل، وان حصل وغير رأيه لا يكلف نفسه فلا مكان له هنا بعد ذلك، لتخبرهم بذلك فقط، وحين اعود سنخبركم ما التغييرات التي ستحدث" التفت وخرج وكأن شيئاً لم يحدث..
"هل انتهى؟ هل هذه النهاية؟ مستحيل"
لازال يقف مكانه يحكم الامساك بقلادة ابن ابيه، تعتصر صدره غصة وألم، تُرجمت بارتجاف شفتيه وتجمع الدمع في عينيه، التفت الى طرف ايمي ونطق "هل هذه النهاية؟ مستحيل، لا يمكن، ارجوك قل ان هذا مجرد كابوس لا اكثر" الا ان جواب الاخر سحب قشته واغرقه في همه "لتفكر الان في كيفية طرحك الموضوع على سعادات، وياماش حين يعود سليماً ان شاء الله" "لا استطيع، لا اقدر على ذلك ايمي، انت اشرح، انا لا استطيع كسر قلبها بهذه الطريقة" اشار له ليعودوا الى البيت، الا ان الاخر تجمد لحظة خطى بها باب المقهى "هل هذه نهاية صالح؟ اوووف، هل سيموت اخ اخر لي؟ كنا خمسة في احد الايام، اننا نتلاشى شيئاً فشيئاً" ادار ظهره واكمل "يبدو ان احدهم قد دعى على نسل ادريس بالجفاف" انطلق ليوقفه ايمي "جومالي" "ايفندم ايمي" "لترسل عداً من رجالنا يتقفون اثر صالح، لنفعل ما نسطيع تجاهه على الاقل" اومئ الاخر "لنفعل، بالتأكيد" مشى حتى وصل البيت، "سيارة صالح هنا، ركنها ياماش وغطاها حتى يعود صاحبها، ان عاد يوماً ما" يحدث نفسه فيما وقف امام باب البيت وتجمد مجدداً مكانه، ليتقدمه ايمي مربتاً على كتفه "هيا لننهي الامر" طُرق الباب وفتحته داملا، التي لم تلاحظ حتى شحوب لون زوجها، واخذت سترته فيما كانت تحدثه بكل فرح عن ابنة اخيه ميلا، فرفع جومالي نظره الى ايمي بالكاد يمنع نفسه من البكاء، لينطق ايمي "داملا، كزم، هلا ناديتي اهل البيت لنتكلم قليلاً" لحظات ورمى بتلك الاخبار بين الناس وخرج، دون ان يسمع ايٍ من استفساراتهم...
- بعد اسبوع -
طُرق الباب صباح اليوم السابع، فيما كانت المائدة تمتلئ بأهل البيت ليتناولوا وجبة الافطار، نهض جومالي سريعاً بعد ان نظر لهاتفه ليتفقد الساعة، وانطلق الى باب البيت، فتحه بسرعة البرق ليجد رجل العم، نديم، الاعرج الذي تسلل للحفرة كونه عامل مقهى، "احضرت امانتك" واشار لباب السيارة التي رُكنت امام البيت، فتحه رجل اخر من رجال العم، ليتضح بعد ذلك وجود ياماش في المقعد الخلفي، للحظةٍ احس وكأن الدنيا بكبرها لا تتسع له من سعادته، هرول سريعاً الى اخيه وجلس القرفصاء امامه يمسك وجهه بين يديه ويقلبه بلطف "هل انت بخير بيبي؟" رفع الاخر نظره له فيما هز الاخر رأسه نافياً، "هيا لندخل" اومئ الاخر ودخل خلف اخيه، فيما غادر رجال العم.
عناق، بكاء، دموع وفرح، أُستقبل ياماش في بيته وبين افراد عائلته بالاحضان، جذبته والدته وأجلسته بجوارها، وضعت امامه ما اشتهته له، وجلست بجواره تتأمل معالمه "ماذا حصل لك يا بني؟" سألت فيما مسحت على الهالات التي ترتسم اسفل عينيه، "وجهك شاحب ايضاً!" الا ان الاخر كان ينظر الى ميلا التي في حضن امها "من؟" نظر لها جيداً ليلاحظ كحل عينها الاحمر وفهم فوراً، لترتسم ابتسامة على وجهه "ابنة صالح؟ اين هو؟ هل عاد؟" اومئت سعادات فيما دمعت عيناها وانسحبت من على الطاولة، فالتفت سريعاً الى اخيه الاكبر"آبي! اين صالح؟ لماذا لم يأتي الى الان؟" اتجهه عقله للخيار الاسهل، الى الخيار الذي يقول ان ابن ابيه حي وعاد الى البيت في غيابه، الا ان جومالي تلعثم قليلاً واراد تغيير الموضوع "سيحضر ايفسون بعد اسبوع، الست متحمساً لترى ابنتك؟" "اعرف، رأيتهم سابقاً، يعني بقينا الاسبوع الماضي سوياً، وبقي امور ورقية لهذا ستتأخران لاسبوع اخر..." قاطعته والدته التي اشارت له "هيا لتنهي طعامك، وترتاح قليلاً" نقل نظره بين كلاهما وانتبه لذهاب الجميع، فهتف بعدها "ماذا حدث؟" والتفت لجومالي "آبي، صالح نارديه؟" "صالح ... (ابتلع ريقه واكمل) لم يعد من افغانستان الى يومنا هذا" نهض الاخر فيما ارتجف جسده مستذكراً كل ما مر به، كل جلدة، كل ضربة، عاد ليتكرر كله في رأسه، "لكن لكن... لكن قلتم ان تلك الفتاة ابنته" كان قد تراجع والتصق بالجدار خلفه، رفع سبابته، يده ترتجف وكأنه يقف في سقيع القطب الشمالي، واشار لعينه اليمنى "تحمل ذات العينين وذات الكحل، لكن كيف؟" اقترب جومالي وحاول المسح على كتفه، ليفزع الاخر وصرخ "لا تلمسني لا تلمس.." فتوتر الاخر وتراجع "تمام، لن يلمسك احد، اهدأ لم يحصل شيء" انزلق ياماش وجلس القرفصاء امام جوملي واكمل بنبرة مكسورة "لكن! كيف؟" جلس جومالي بجواره ومسح على قدمه واكمل "ميلا، اكملت العام قبل عدة اشهر، تبين ان سعادات حامل بعد ذهابك، وكانت في نهاية شهرها السابع تقريباً، كيف لم تشعر وكيف لم يظهر لا اعرف، قال الاطباء شيئاً ان الحمل مال للداخل، فلم يكن ظاهراً، لكنه اصبح واضحاً في اخر شهرين، اخذتها انا الى المشفى، ولدت مبكرة، في منتصف الثامن، وأَجْبَرت سعادات لتنتقل وستبقى معنا في البيت حتى عودة صالح..." صمت واكمل "ياماش، لم نسمعه منه اي شيء منذ ذلك الحين، الرسائل لا تصله، ولا المكالمات، إسكندر لم يره منذ تركه بصحبة خليل ابراهيم، لا يوجد خبر عنه منذ ذلك الحين" نهض فيما بقي ياماش مكانه، متجمداً، "كم مضى؟ على ذهابه من هنا؟" " اكثر من عام ونصف، وانت ما يزيد عن العام" نهض واشار لياماش، "هيا انهض ورتب امورك، انا سأكون في المقهى، سنكمل حديثنا هناك" نهض الاخر مترنحاً الى حيث يذكر مكان غرفته في ذلك المنزل الكبير، والى غرفته تحديداً، مر في طريقه الى غرفة كاراجا، وانتبه لتلك الطفلة التي لفتت نظره منذ الصباح، فطرق الباب ودخل...
"ميلا، اسمي ميلا، وهذه اتيا، وانت اماش امزا"
طرق ياماش باب غرفة كاراجا "هل استطيع الدخول؟" التفتت له كاراجا التي كانت تصفف شعر الصغيرة "ادخل" دخل مبتسماً فيما انحنى ليقبل ادريس "كم كبرت يا فتى" واقترب معانقاً اياه "رائحة والدك" جلس ارضاً بجواره فيما نطق "هل تتذكرني؟" اجاب الاخر بكل طفوليه "يوك، من تكون؟" "ياماش، عمك، اخ والدك" رفع الاخر نظره "مثل جومالي امجا؟" اومئ ياماش "اجل" "اووف، جميعكم تأتون وابي لا يأتي" عبس الطفل فيما ابتلع ياماش غصته وحاول تغيير الموضوع فاكمل مشيراً للفتيات، "هيا عرفني على الاميرات هنا" "كاراجا" مشيراً لها و اكمل فيما اشار لاخته "ميلا" ثم اكمل "اسيا" الى الفتاة الاخرى التي تلعب بالقلم والورقة وتتمتم بعض الكلمات بنطق غير صحيح، فابتسم واقترب وجلس بجوار كاراجا، يحدق بتلك الصغيرة، ويعيد نظره الى كاراجا التي نطقت "ستعود بعد اسبوع اذاً! هل ستبقى هنا؟" "من؟" نظرت له الاخرى واكملت فيما ارتسمت ملامح خذلان على وجهها واشارت لميلا بعينيها "هي تعود واما هو فلا! يال عدالة الدنيا" ربطت شعر ميلا فيما قبلت رأسها "يتيمين اخرين في هذه العائلة الجميلة، أليس كذلك؟ امجا" اقتربت واكملت بعد ان ابتسمت "اهلاً بعودتك امجا، حقاً اشتقت لك" "الازلت غاضبة؟" نظرت له بطرف عينها "الا يحق لي؟" اقتربت وفتحت زراعيها "لكن، يحق لي عناق؟" ابتسم الاخر وعانقها لتهمس باذنه "لن اسامحك على ما مررت به انا، جعلتموني اقتل زوجي وانت احضرت قاتلة جدي الى حضننا" "لم تقصد" "كذب، ايٌ يكن.." ابتعدت واكملت "لتحمل ذنب هذين الطفلين الآن ايضاً.." انصت الاخر قليلاً ونطق بنبرة حادة "ما الذي تحاولين قوله كاراجا؟" "لتسأل عمي جومالي ماذا فعل، ليشرح لك ماذا دفع ثمناً، ليعيدك انت وعشيقتك الى البيت، فكما رميتم بأبي في قبره، رمى هو بابن ابيك ايضاً" ارتسمت على وجهه معالم الخوف فيما خرجت هي من الغرفة وتركت الاطفال يلعبون هناك، "لعبتي" كان صوتها من اخرجه من شروده لينظر الى من يشد ملابسه ليرى ابنه اخيه، انحنى الى مستاواها "اخبريني من اخذ لعبتك؟" فاشارت لاخيها" رفع الآخر نظره لادريس ليرى لعبتها معه "سأحضرها ان نطقتي اسمي بطريقة صحيحة" عبست الاخرى واجابت "ميلا" ضحك الاخر "يوك، انتي اسمك ميلا" "اتيا" "يوك، هذا اسيا وليس اتيا" اقترب ومسح على رأسها "انا اسمي ياماش، ياماش امجا، وهذه اسيا، وانتي ميلا" ابتسم الاخر واعادت خلفه "ميلا، اسمي ميلا، وهذه اتيا، وانت اماش امجا" ارتسمت ابتسامة دافئة على وجهه واقترب من ادريس "لتعطيها لعبتها يا بني" واقترب منهم ساحباً اياهم الى حضنه، يستذكر اخر لقاء له مع والدهم، وما ان تركهم حتى نطق "ستأتي ماسال خلال اسبوع" "من ماسال؟" "ابنتي يا ادريس، يعني ابنة عمك" زفر الاخر الهواء من فمه "جميعهم بنات!" ضحك الاخر فيما اكمل ادريس "حقاً لا استطيع اللعب مع اي منهم" مسح ياماش على رأسه "انا العب معك" فرح الاخر ونظر الى امه التي تقف في الباب "اهلاً بعودتك ياماش" "تعالي لنتكلم قليلاً ابلا"...
"كان يريد فتاة، قبل ان يطرده جومالي، وقبل ان ترسله انت الى المجهول، اراد ان يكون لادريس اخ او اخت، ان يجد كتفاً يبكي عليه، يشكي له همه، وسبحان الله، قدر ان انجب ميلا، وهو غير حاضر، والان اواجه حقيقة انه لن يعود مجدداً وسأربي ابنائي لوحدي، تماماً كما كبرت انا، وكما كبر صالح" تنهدت واكمل فيما اختلطت نبرتها بالبكاء "مهما حدث، انا لن اصدق انه لن يعود، سأبقى انتظره الى حين اموت، كما انتظرته سابقاً، سأنتظر ولن اعلن الحداد، الا ان رأيته امامي، ان غُسل جسده امامي، حينها سأعلن الحداد" ربتت على قدمه ومسحت دموعها "المهم انك عدت.." الا ان الاخر قاطعها "آبلا، لماذا تتكلمون عنه بصيغة الغائب والميت؟ اين صالح؟" نهضت الاخرى والتفتت له "جوابك عند جومالي، هو يعرف، فهو اختار" ابتسمت وانسحبت من المكان...
بعد فترة وجيزة، يجلس كلاهما في المقهى كل منهما يحدق بالاخر، "الن تتكلم؟" نطق جومالي بملل ليرد ياماش فوراً "ماذا حصل آبي؟" "بل انت ماذا حصل لك؟ كيف انتهى بك الامر بين يدي كولكان؟" "هل يهم؟ المهم انني عدت، ليعد صالح، ثم نتكلم مطولاً" الا ان الاخر نهض واشار لياماش بعد ان نظر لساعته "تعال معي" "الى اين؟" "الطبيب، لتجري فحوصات ونطمئن انك بخير" وسحبه من يده الى الطريق...
"اذاً كل شيء بخير؟" "اجل، فقط ليعدل نظام طعامه، وكل شيء سيعتدل لحده الطبيعي" تمت الزيارة سريعةً في مكتب الطبيب، بل ومر اليوم بين زيارات للحي واهله، وحتى العشاء، الذي اقيم على شرف عودة ياماش في منتصف الحي، كان كمن يعيش حلماً لا واقعاً بعد ما مر به خلال عامٍ فقط، لحسن الحظ انه عاد، لحسن الحظ ان هناك من انقذه، ومن انقذ عائلته...
"ماذا يقول هذا! هل فرطت بصالح؟ هكذا بكل هذه السهولة تقولها؟ انظر الى نتاج اختيارك، احضر لك جزءاً من اخيك..."
في تمام التاسعة مساءً، ركن جومالي السيارة امام بيت فارتولو القديم "ماذا نفعل هنا؟" رد جومالي مبتسماً "سأعرفك على من انقذك من بين يدي كولكان" ومسح على وجنة الأصغر، "هيا لنذهب" اخذ نفساً عميقاً وتبع ياماش "ارجو ان تسامحني على ما ستسمعه" "ايفندم آبي؟" "يوك بشي، هيا لنذهب" خرج من السيارة فيما روى لاخيه "سنقابل الان جومالي العم، اي اخ ابينا الاكبر، او لنقل خليل ابراهيم" "لحظة!، هل عمنا الذي كبرنا ونحن نرى قبره في مقبرة الحي؟ هل هو ذاته من ذهب صالح لايجاده؟" "اجل" صمت لحظة ادراكه وسأل بقلق "كيف؟ وأين صالح اذاً؟" "لتطرح انت هذا السؤال عليه" اشار له ومشى خلفه...
"اذاً انت شقيق ابي؟" اومئ الاخر فيما اكمل ياماش سلسلة اسئلته "وماذا تفعل في افغانستان؟" "وجدت رزقي هناك" "هَ، وماذا تفعل الان؟" "تجارة" اعتدل ياماش في جلسته فيما شرب من الكأس الذي في يده، تبادل نظرات مع جومالي الذي يتعرق بلا سبب، لربما كانت الغرفة مضغوطة او ما شابه، فلم يعر ياماش اهتمامه، واكمل "قبل ما يقارب ستة عشر شهراً، ذهب صالح (اخونا) ألى أفغانستان ليلتقي بخليل ابراهيم، اي ليلتقي بك.." ورفع نظره لعمه "فارتولو؟ اجل، لدي اعلم بذلك، استضفته حتى" انحنى الاخر بجلسته باهتمام وسأل قلقاً فيما علت نبرته "ماذا يعني هذا؟ اين هو الان؟ اين صالح؟" "كان عندي" رد الاخر ببرود واكمل "يبدو ان اخاك الاكبر لم يروي لك القصة كاملة، لارويها انا اذاً" نهض ووقف جهة النافذة وفتحها ليدخل هواء بارد للمكان، وعاد مكانه محدثاً اصغر الكوشوفالي "المختصر، انه وصلني خبر ان بضاعتي قد تم تفجيرها، وبلا سبب، بحثت عن المتسبب وارشدوني اليكم، انتما بالذات ولم يذكر احدٌ اسم فارتولو او صالح او اي كان، قررت تأجيل امركم لفترة، فاشغالي كثيرة كما تعلم" صمت واكمل "مرت فترة واذ باسكندر يتواصل معي، (فارتولو سعد الدين يريد رؤيتك) رفضت في البداية، حتى ذكر انه من نسل اخي، رحبت به، رحبت به ترحيباً يعكس مدى حبي لاخي، لمدة عامٍ ونصف وهو تحت رحمتي، لم يرى الشمس حتى، فمن العلقم كان حظه الوفير، سقط في حفرةٍ مليئةٍ بالافاعي والعقارب، ولم يجد حبلاً ليرفعه حتى" اختلف لون كلا الاخوين فيما رد ياماش مرتجفاً "م ماذا تقول؟ ماذا فعلت؟.." اكمل الاخر راوياً "اقول ما حصل، صالح ابن اخي مثلك تماماً، اختطفته لحظة خطى بقدمه في منطقتي، أريته جهنم، لن اروي لك التفاصيل فبعضها مقزز، لكنه بقي صامداً، وعدم قدوم ايٌ منكم للبحث عنه رغم اختفاءه كلياً، وضح حقيقة علاقتكم معه، فقررت ان اغير الخطة، واتفقت مع كولكان، ليأخذك، ويلعب معك قليلاً، ثم تعود مُلكاً لي، وحدث ذلك كما تعرف، لعب معك العاباً من الجحيم" صمت للحظة واكمل فيما يكاد ياماش يأكله نيئاً بنظراته فقط "لم نصل للجزء الجيد حتى، إهدأ قليلاً، (مشيراً لقبضة يد ياماش التي تكاد تغرز اضافره في لحمه) عندما تأكدت انكما في يدي، بدأت ارسل الفخاخ الى الحفرة، فخ تلو الاخر ودين فوق الاخر حتى افلست، ثم ظهرت انا، اتيت، ها لن اخجل والبس لباس البطل، بل سأكون واقعياً واقول اتيت لاحتل الحفرة وانتزعها منكم بارادتكم، اولاً اشتريت اهل الحي، اغلبهم يعني، اشتريتهم بالمال، فاصبحوا مدينين لي، ثم اتيت له (مشيراً لجومالي) خيرته، اما العائلة او الحفرة، لكن تراجعت، تركت العائلة، فكان الخيار اما انت او صالح، احدكما يعود، والاخر لا، وواضح خياره بما انك بجواره، فيبدو ان ميزان اخاك الكبير يميل لجهتك انت... ما اقوله انني عدت لاخذ حقي، وسآخذه دون ان يقف اي منكما في طريقي، ستكونون رأس الحفرة وستديرونها كما تريدون، لكن سترجعون لي بكل صغيرة قبل كل كبيرة، وسأكون على رأس هذه العائلة المشؤومة، وان حاول اي منكم مخالفة امري، سيلحق بادريس، تماماً كما لحقه سليم، وابن ابيكم حتى..." انهى جملته فيما اتسعت عينا الاخوين، ونهض ياماش من مكانه يتأتأ مردداً "ابن ابي..! م ماذا فعلت؟ ايها ال**** ماذا فعلت!" الا ان الاخر اشار لنديم "لتحضر التذكار" وسلمه لياماش الذي فتحه ويديه ترتجف، سرى بردٌ بل سقيع في جسده، وتجمد المكان حوله، ينظر لداخل تلك العلبة التي تحوي ثلجاً، واصبع الخنصر، "يووك، امكانسيز! ما هذا!" وضعه امام العم مستنكراً الحقائق التي تدور في عقله، ليجيبه الاخر بكل برود "اصبع فارتولو، رمى رجالي بقية جيفته للضباع، واحضرت هذا لترفعوا قبراً له، ان اردت التحقق تستطيع طلب فحص حمض نووي، سيستغرق الكثير من الوقت، لكن وقتها ستتأكد من ان ما بيدك هو جزء من اخيك" مسح يديه بمنديل ونهض "هيا انتهت الزيارة، ليوصلكم رجالي للسيارة"  هز ياماش رأسه نافياً "يوك، لن يحدث، هذا لم يحدث، اين صالح يا هذا!" "قلت لك، جتيه، ذهب، لقد مات لكي تحيى انت،  وطبعاً، لن ادفع تكاليف نقله الى هناا، لهذا احضرت لك هذا"  سحبه ياماش من قميصه فيما  وضع سكيناً  وجده على الطاولة امامه على عنق العم "من تظن نفسك يا هذا" سحب الاخر نفسه من امام ياماش، فيما اشار لرجاله بانزال اسلحتهم  "انا، شخص تطول يده اكثر مما تتخيل، لهذا الزم حدك والا الحقك انت وعائلتك باخيك، ثم لا تنسى لازالت ابنتك وعشيقتك في يدي" تجمد ياماش في مكانه فيما خرج العم من الغرفة وترك الاخوين يتخبطان في صراعاتٍ اوجدها ليسيطر عليهم، اقتادهم رجال العم الى الخارج كالدمى، لا ينطق اي منهما باي حرف، وصولاً الى السيارة حيث جلس كل منهما مكانه في صمت مخيف، ينظر كل منهما في الاخر،بل يتفاديان النظر لبعضهما وكأن احدهم اطبق على افواههم وحتى عقولهم...
قادتهم الطريق الى منطقة فارغة تطل على اضواء المدينة، ركن جومالي السيارة فيما كانت يداه ترتجفان، "بيبي انا..." الا ان الاخر قاطعه بصوت مرتفع "لا تقل لي بيبي بعد ما فعلته، لقد فرط به، ضحيت به بسهولة..." اختنق فخرج من السيارة مغلقاً الباب بقوةٍ، وتعثر كاد يسقط، ذهب معطياً ظهره لجومالي، الذي لحق به بعد لحظات "دور، على مهلك بيبي، لنتكلم واشرح لك" الا ان الاخر قابله بالصمت ليعيد جومالي كلامه "هكذا توجب وهكذا فعلت، لو كان صالح هنا لكان اخذ ذات القرار، انا..." قاطعه الاخر وهو يصرخ فيما اختلط صوته بالبكاء "اللعنة لك جومالي كوشوفالي، ليلعنك الله، ايها الاخ الكبير، تحمي عائلتك اليس كذلك؟ الم يكن هو من عائلتك! من دمك؟ (اقترب واشار باصبعه على صدر الاكبر) جزءً منك، الا يكفي انه ذهب ليحل مشكلة اختلقها كلانا، وفوق هذا ماذا فعلنا نحن! بل بالادق ماذا فعلت انت؟ اوجدنا طريقاً لينخر السوس فينا، دخل واستوطن وسنعيش تحت امره لنبقى احياء، بل لنتنفس فقط، هل سمعت ماذا يقول هذا! فرطت بصالح؟ هكذا بكل السهولة قالها؟ انظر الى نتاج اختيارك، لقد، لقد احضر لك جزءاً من اخيك..." صمت ابتلع غصته فيما اكمل باكياً "كيف ستشرح هذا الامر لادريس؟ لسعادات؟ ميدات ايضاً! كيف ستقول لهم انك ضحيت به" رد الاخر بغضب يعبر عن نار تحرق داخله "اتى ذلك الصعلوق ووضع امام خياران بلا ثالث، انت او صالح، هل اخذت القرار بسهولة؟ لم افعل، لكن ميزاني مائل منذ البداية" "نحن في كفة وهو بكفة، لكن جهته لا تعمل" اومئ الاخر "اخي وابن ابي، داخلي يحترق، لا استطيع التنفس بيبي، احاول اقناع نفسي ان من ضحيت به هو فقط فارتولو قاتل كهرمان، لكن يخرج جزء اخر يأبى ويرفض، ويصيح بملئ صوته (صالح) اخوك، انقطع خبره منذ مدة طويلة ولم يتحرك طرف بك للبحث عنه، اختفى كلاكما ولم انتبه حتى ان غيابكما ليس طبيعياً، انا اخ بهذا السوء بيبي، فشلت في حمايتهم جميعاً، كهرمان، ابي، سليم، والان صالح، فشلت في دوري كأخٍ كبير لكم، لكن الاوان قد فات، بالنسبة لهم، بقيت انت، فارجوك لا تبعدني ولا تبتعد عنا، يكفينا ما خسرنا" اقترب ماسحاً على ذراع ياماش الذي سقط على ركبتيه باكياً "هل انتهى؟ صالح! هذه النهاية؟ هكذا! صالح لا يتركنا ويذهب هكذا، ليس..." قاطعه الاخر عندما سحبه لحضنه وعانقه "سيمر، صعب لكنه سيمر، هيا استجمع نفسك لنخبر العائلة" رد الاخر بنبرة شجية "ستخبرهم بنفسك، انا لم افعل شيء، انا سأتأكد من كلام الحقير ذاك، سأتأكد انه اخي قبل ان ارفع له قبراً" ابعد جومالي عنه ونظر له بحدة واكمل "لا تحملني وزره ايضاً، يكفيني همي" استدار معطياً منكبيه لاخيه وعاد لمكانه في السيارة، فيما بقي الاخر يحدق بالفراغ، يشعر بضيقٍ يكاد يسحبه الى فراغٍ مليءٍ بالكوابيس، ما واجهه مع ياماش لا يوزن بميزانٍ مقارنةً لما لقيه من سعادات وميدات، فالاولى فرغت غضبها به، ورفضت اعلان الحداد قائلةً "انا لن اعلن حدادي حتى ارى جسده امامي، وان لم يحدث فهو حي يرزق في مكان ما، سيحاول إنقاذ نفسه بنفسه كعادته، ولا يحتاج معونة اي منكم، وان عاد ذات يوم، سنرحل من هنا للابد، فلم يأتيه منكم الا الالم والاسى، وقد فاضت روحه من ذلك الالم، ليكن هذا الكلام شاهداً علي في احد الايام" فلم ترتدي الاسود وشرحت لابنها ان اباه في سفر طويل وقد لا يعود أبداً، وذات الشيء لابنتها، التي لم ترى من ابيها الا صور له قبل مجيئها على هذه الدنيا، وفي الطرف الاخر علق ميدات على فكرة الانتقام، وقتل العم، الا ان امانة اخيه منعته من ارتكاب حماقة كهذه...
بعد مرور ثلاث سنوات عجاف...
اتخذت خصلات بيضاء موضعها بين شعر اكبر الاخوة، والذي يقف على ذات البسطة منذ ثلاث سنوات، بيبع فاكهة الموسم، ويعود الى بيت العائلة ليلاً، فيما يملك الاصغر مغسلةَ سيارات، والتي بدورها تغطي على شيء اخر، شيء يعود بنهاية الاسبوع بتقرير لعمه عمّا يجري في المحيط، فقد اجبر على ذلك حتى لا يمس الحفرة وعائلته اي اذى،ولربما اشتراهم العم بالمال،  اكين يدير اعمالاً اخرى وبرفقته ميكي، متين يدير الحانات وبجواره ميدات، الذي تزوج بجنة، وسيرزق بمولودٍ قريباً، تزوج من جيلاسون وكاراجا زواجاً مدنياً وغادرا المدينة، ووضع ايمي في بيت عجزة بسبب خرفه وعدم وجود من يهتم به، او بالاحرى بسبب قرار من العم، ومات هناك في ظروف غريبة، لازال مطعم الفقراء يعمل لكن لا فقراء في ذلك الحي، يعمل ابناءه تحت امرة العم، وبموافقة ابناء اخيه، اللذان خضعا له بالنهاية، الاكبر لا يتدخل، ولا يتكلم حتى مع الاصغر، فهما على خلاف منذ قرر ياماش عدم مجابهة العم، وحماية نفسه وعائلته واطفاله، فقرر العمل بقرب العم، ليبقي عينه على الجميع، ففي النهاية، لقد خسر الكثير، ويكفيه الى هذا الحد...
بعد مدة وفي عتمة ليلة سوداء، وعلى طرف طريق في منطقة شبه معزولة عن الحياة، يجلس في سيارته، مستغلاً سواد تلك الليلة، يرتدي من اللباس اشده سواداً، ويغطي وجهه بلثام يخفي معالمه ويمده بالدفئ، فأزاله حتى يشعل سيجارته واخد نفساً منها، ما ان لاحظ تقدم رجله حتى اضاء اضواء سيارته ليعرف الاخر مكانه، "سلام عليكم آبي" "وعليكم السلام يا بني" ناوله جهاز يبدو كسماعة وضغط على زر التشغيل "جهاز التنصت يعمل الان، ثبتته كاراجا في ملابس العم" زفر الاخر الهواء بغضب "هذا ال*** يظنكما ميتين، ليبقى الامر كذلك، لا تدخل كاراجا في عملنا ايضاً، يكفي وجودك انت" "ويظنك ميتاً ايضاً، كلنا في هذا سويةً، نجونا بصعوبة من قبضة يده، لنطرحه ارضاً سوية" "جيلاسون، انا اساساً لم اوافق لانضمامك لي بالاساس" صمت للحظة واكمل فيما رفع سبابته في وجه جيلاسون "لا انسى، بل لا استطيع ان انسى تلك اللحظة التي تم اطلاق وابلٍ من الرصاص على سيارتكم، وتم تفجيرها فوراً، وفي شارع فرعي، لو لم اكن في الحي صدقةً، لكان ذلك ال*** قد قتلكم، ولم علم بكم جنس مخلوقٍ من البشر" نفث الهواء غاضباً فيما كت سيجاره خارج النافذة "هل تسمعني جيلاسون، الى هنا وينتهي عملك معي، ستعود وتأخذ كاراجا وستذهب من هنا، من تركيا كلها، اعطيتكم المال واوراقكم جاهزة، (لانت نبرته) لطفاً، فلتذهبوا من هنا.." قاطعه الاخر "لكن آبي، لا يمكن، لننهي الامر سوياً ونذهب سويةً" "يوك جيلاسون، انا لا اضمن نتيجة هذا الامر لا اعرف كيف ستكون نهايته، لهذا ستذهب انت وانا احل الامر" "مستحيل، نحن بهذا سوية، ليكن هناك من يحمي ظهرك" "اقسم بالله انني اتحدث الى جدار، اولوم لتفهمني، لن احمل ذنبك انت وكاراجا على رقبتي ايضاً، يكفيني روح واحدة، لا اكون مسؤولاً عن ثلاثة..." قاطعه الاخر متجاهلاً اياه "اسمع بدأ يأتي صوت منهم" انطلق صوت تشويش من السماعة وتبعه صوت العم "ماذا فعلت بالشحنات يا نديم؟" "تقريباً ستجهز خلال اسبوع" "يوك، خلال يومين والثالث سيتم به التسليم" "امرك سيدي، من سيدير امر التسليم؟ ياماش ام نحن؟" "نحن، نرسله في المرة الثانية" صمت للحظة واكمل "لم يكتشف احد مسألة كاراجا وحبيبها، ذاك الفتى، نسيت اسمه، اليس كذلك؟" "اتقصد جيلاسون، لا يظنون انهم خارج البلاد فقط" اخفض صالح الصوت ونظر لجيلاسون الذي اعقب على ما سمعه ساخراً  "هل اسمي بهذه الصعوبة حقاً!" رفع صالح نظره الى جيلاسون "تباً لهمك يا جيلاسون" ليقابله الاخر بابتسامة سخيفة ليكمل صالح "اذاً لن تذهبا!" "يوك، ليس بدونك، اما ان نتحرك سوياً او نذهب من هنا سوياً" اومئ الاخر فيما عقد حاجبيه "اذاً، لتفعل شيئاً جيداً وتتنصت لهم، حتى نرسم خطوتنا التالية ونضع خطة محكمة" "امرك آبي" "هيا اذهب الان، ونلتقي في البيت" "لماذا؟ الى اين ستذهب؟" "وما دخلك بي! هل انت امي ام زوجتي!" "سامحني على تطفلي، لكن، هل تذهب الى ذلك الرجل؟" نظر له الاخر بطرف عينيه ولم يجب ليكمل جيلاسون "ما قصتكم آبي؟ كيف التقيتما؟ وما دخله بهذا العم؟" الا ان الاخر اشار لباب السيارة "لتذهب الان، ولا تتدخل فيما لا يعنيك" "منذ متى اصبحت مدخناً آبي، لا اذكر وحود هذه العادة سابقاً" اخذ الاخر نفساً من سيجارته "جيلاسون، اذهب قبل ان ارتكب ذنباً بك الان" خرج الاخر معتذراً، فيما انطلق صالح في طريقه...
في الحفرة ومع ساعات المساء، يجتمع افراد تلك الاسرة على ذات الطاولة كعادتهم، ولا صوت يُسمع الا صوت احتكاك المعالق مع الاطباق، لا احد منهم ينظر في وجه الاخر، تقتصر حواراتهم على الاساسيات، يقبعون تحت رحمة هذا العم، "كيف بيعك اليوم يا بني؟" سألت سلطان محاولةً كسر الصمت الذي يحتل مائدتها "جيد" ليغير الموضوع فوراً حين وجه اهتمامه للاطفال "كيف اصبحت ميلا يا سعادات؟" "بخير" ردت سعادات باختصار "جيد" و عاد الصمت ليسيطر ع تلك المائدة، ذلك الصمت الذي اعتاد الوجود في ذلك البيت، حتى اصبح لا يعرف الاخ خبراً عن اخيه، ولا الطفل يعلم من اين يأتي ما يؤيه، "سلمت يديكم" انهى الاخ الاكبر طعامه ونهض عن الطاولة متجهاً الى غرفته ليوقفه صوت الاصغر "هلا نتكلم قليلاً" واشار لحيث مكتب والده، "لا يوجد ما نتحدث عنه" غسل ياماش يداه واتجه الى اخيه وسحبه من ذراعه "بلا يوجد، لا تتصرف وكأنني لست هنا، سئمت من تلك الحركات" "سئمت! اليست نتاج عملك؟" "آبي!" "لا تقل لي آبي يا هذا! طالما انت تعمل مع ذلك القذر لا تقل آبي.." اصمته الاخر وسحبه للخارج "ليس امام الاطفال، ارجوك، هيا لنذهب لمكتب ابي"..
كان العم يراقب طريقهم من شرفة منزله، فرفع ذراعه ولوح لهم فيما كان يرتشف القهوة من فنجانه، لكن الاخرين تجاهلاه ودخلا الى مكتب والدهما "هل ترى وقاحته!" هتف جومالي فيما اكمل بغضب "يراقب طريقنا، ويشير لنا بكل وقاحة" "آبي، اهدأ قليلاً" الا ان الاخر انفجر به "أهدأ! لا تملي علي ما افعله! من تظن نفسك يا هذا! لا تحترم كبيراً! لا تستشير احداً! تتصرف على هواك! ثم تعود لتشكو من عواقب افعالك! انظر الى اين وصلنا بسببك" "بسببي! هل انا من فجرت بضاعة خليل ابراهيم!" صمت الاخر للحظة فيما اكمل ياماش دوره في الجدال "هل انا اتيت بخليل هذا! هل انا من اخترت ان اعود! يا هذا انا اعيش في ذنب اخي! اخذ صالح منا، كاراجا وجيلاسون ذهبا دون ترك خبر بعد ان احتد النقاش بيننا، ايمي مات في ملجئ عجزة! حتى عليشو انتقل الى مكانٍ اخر، هل كل هذا ذنبي الان؟" ضحك الاخر ورد بنبرة هادئة لا تخرج منه باي حال "كم انت اعمى! اجل انت من احضر خليل ابراهيم، فانت اساساً من احضر الاردينيت، وليس دم صالح فقط الذي في يدك، دم سليم ايضاً" صمت فيما كاد يبكي واكمل بنبرة مكسورة "ولما الكذب! دمهم على يدي ايضاً، اجتمعنا وانهيناهم، وتركنا خلفهم اطفال يتامى" صمت فيما التقى نظره بنظر اخيه وصمته، صمت للحظات لا يدري ان كانت طويلة او قصيرة، وما كاد ان يتحرك خارجاً من المكان حتى سمع ياماش يناديه "آبي، لتجلس ونتكلم بهدوء قليلاً" "في ماذا سنتكلم حباً بالله؟" "لاطلعك على اخر المستجدات في الحي" واشار له ليجلس فيما شرح له "آبي انا لا اعمل مع هذا الرجل لاجل ماله كما تدور الاشاعات بين الجميع، اخاف منه، اخاف ان يرتكب اثماً في شخصٍ منا، في شخصٍ بريء، كاد ان يدخل المخدرات الى وسط الحفرة، انا بقيت بجواره لامنع هذا، احاول ان اخذ خبراً عن كاراجا أيضاً، وجيلاسون، كلاهما اختفيا كالملح في الماء، سمعت كلاماً بين رجال العم بانه كان يفكر في انهاء امرهما، لانهما لم يوافقا على طبيعة عمله، ولن يعملا معه، لكن.." "دور دور، توقف للحظة، ماذا تقول؟.." "ما سمعت، لكن لا اعرف حقيقة الامر الى الان" اعتدل في جلسته واكمل "آبي، اعرف انك تعمل ع بسطة ابي، واعرف انك لا تقبل عملي مع العم، لكن اعلم انه يراقبك ايضاً، يخاف جانبك بل لا يأمنه، خاصةً بعد ان تشاجرت معه وهددته، فاصبح يهاب اي حركة تقوم بها، لهذا لن تتصرف على هواك، ستلتزم الهدوء، ستسير بجوار الجدار لتأمن نفسك وعائلتك" "ماذا تريد؟ هل ابقى صامتاً! اخذ منا الكثير، ابن ابيك، اخونا، الحي باكمله تحت سيطرته، اختفاء جيلاسون وكاراجا، وفوق هذا لقد مات ايمي ولم نعلم كيف مات، لكني متأكد ان له يد بذلك، وتريد مني الان ان اصمت! وان اتصرف وكأنه فردٌ منا، هل اعزمه على العشاء غداً! يا هذا هناك اربعة يتامى قي هذا البيت..." "بالضبط آبي، اربعة، اثنان منهم لم يدخلا المدرسة بعد، يحتاجونك بجوارهم، في ظهرهم، لا بجوار ابائهم" عاد ليخفض نبرته "اولاً لنتحرك بحذر حتى نكشف نقطة ضعفه، لا يشتتنا هو، ثانياً، لا تعاملني كمرهزية، ولا تتعامل وكأني لست موجوداً، تتجاهلني باستمرار، يكفيني ذنبي الذي احمله على ظهري"....
في ذات الوقت وفي مكانٍ اخر، ركن سيارته ذات الدفع الرباعي في باحة منزل كبير، معزول عن المدينة، ودخل بيتاً كبيراً بحجمه، لكنه احتواه في اصعب اوقاته، وصاحب البيت، كان من اعاده الى الحياة بعد اذن الله، لولاه لانتهت حياته في تلك الصحراء الخاوية، ولتهاتفت الوحوش على جسده، مر من بين الحرس "سيدي ينتظرك في غرفة المعيشة" اومئ بعد ان شكرهم ودخل "سلام عليكم" رد الاخر بود فيما كان يقف بجوار باب زجاجي كبير "وعليكم السلام، اهلاً بك يا صديقي، ارجو انك لم تتناول عشاءك بعد" اشار له ليجلس في طرف الطاولة فيما جلس هو مقابله "كيف حالك اليوم؟" "بخير، على ذات الحال" اشار له الاخر ليجلس "لنأكل الان ونتحدث بالعمل لاحقاً" ...
-فلاش باك-
تماماً حيث رتب اسكندر لقاء صالح مع خليل ابراهيم، دخل منتصباً في قامته، يرتدي سترته التي تعكس الغرور الذي يتصنعه، ازال نظارته الشمسية، ووضعها في جيب سترته ونطق بنبرة ثابتة "السلام عليكم، انا فارتولو سعدالدين، واتيت لنعقد اتفاقاً" كانت عيناه في عيني ذاك الرجل العجوز امامه، والاخر يحدق به وكأنه يدرسه من رأسه لاخمص قدميه، ورد فيما اشار لرجاله "نتفق! ما الذي سنتفق عليه يا ترى؟" نهض متجهاً الى صالح الذي يقف بين فوهات الاسلحة الموجهة الى رأسه واشار بسبابته الى منتصف صدر الاخر "وفرت علي الكثير بقدومك الى هنا، هيا سيأخذك رجالي لتستريح قليلاً حتى اتي، وقد نتوصل لاتفاق ما، ان اردت انا ذلك طبعاً، ولا نية لي" ابتسم صالح فيما تقدم باتجاه خليل ابراهيم ورفع اصبعه في وجهه، وهتف بنبرة عالية "اسمعني، يا خليل ابراهيم، انا اتيت لنحل هذا الامر بود، لا تتصرف وكأن..." لم ينهي كلامه ليتلقى ضربةً على مؤخرة رأسه اسقطته فاقداً لوعيه، "خذه الى الزنزانة" وذهب في طريقة، الا انه التفت مجدداً، "نديم" "ايفندم" "لتنادي شهرام وتخرجا العجلة، وتقوموا بتثبيته عليها حتى نستطيع الكلام براحة، ولتجهز البضاعة والعتاد ايضاً، يبدو اننا سنقضي وقتاً ممتعاً" ابتسم فيما همس "ذات الوقاحة من الاب الى الابن" عاد ليكلم نديم قائلاً "اولاً، سنغير ملابسه هذه، وكل ما ستجدون معه ستضعونه في صندوق وتضعه على مكتبي، انا سآتي بعد عدة ساعات، سأحل الامر مع اسكندر لينسى امر ضيفنا" اومئ الاخر فيما استضافه خليل اسكندر ضيفاً عنده، وترك معه رسالة تقتضي انه سيحل المعضلة مع فارتولو بشرط ان لا يتدخل هو ولا اخوة صالح" وما كان من الاخر الا ان لبى، خاصةً بعد ان تعامل مع الوجه الطيب ذو النية الحسنة من خليل ابراهيم، لكن لطالما كان ذلك هو الوجه الزائف...
كان مقيداً يتوسط دولاباً يتحرك بسرعة بطيئة الى متوسطة، هواء مائل للبرودة يضرب جسده، بدأت قطرات ماءٍ باردةٍ تتساقط ع جسده، لكنها ليست ماءً فقط، فقد تم مزجها مع قليلٍ من الحمض، لتترك شعوراً بالحروق عندما تلامس الجسد، فتح عينيه ليجد نفسه معلقاً بل مصلوباً على ذلك الدولاب الذي يدور به، فتارةً يكون معلقاً لاسفل وتارةً للاعلى، تسبب دوران ذلك الدولاب باصابته بالدوار، فهتف باعلى صوته "لاان، ماذا تريد! اين انت ايها الجبان" لكن لا رد، لم يأتيه احد ولم يجب عليه احد، فقط أُضيئ امامه ساعة وبدأ صوت عداد الثواني، تيك تاك، تيك تاك، وازدادت سرعة الدولاب، ساعة وتلتها الاخرى، ثم يوم وتلاه الاخر ولا مجيب، لازال يدور في مكانه، جائع وعطش، متعب ومجهد، لا يستطيع النوم، يرتعد جسده من البرد، فملابسه القطنية الخفيفة والمبتلة بماء حمضي، لا تقيه البرد، ولا تحميه من هواء مروحة التهوية خلفه، يكاد يشعر بالبرد يصل عظامه... اليومين امتدت الى ثلاثة واربعة، يفقد وعيه اغلب الوقت، وصل الجفاف حده، ان بقي بهذه الحال لن يصمد لساعات، يمكن للإنسان السليم أن يعيش من دون طعام مدة تصل إلى 8 أسابيع، لكنه لن يصمد اسبوعاً بلا ماء...
استيقظ لاحقاً، على احدهم يعبث بذراعه والم غرس شوكة كما رسمها عقله الذي بدأ يهلوس، "ايقظوه" هتف العم لحظة دخوله للغرفة فيما انتبه لشهرام الذي يقف بجوار طبيب "لا يستيقظ، احضرنا له طبيباً ليعطيه بعض السوائل عله يستيقظ" يسمع ما يجري حوله لكنه لا يعطي رد فعل فهو لا يقوى ع ذلك، جسده مرهق، وما يقلقه انه لم يبدأ بعد، عذابه لم يبدأ بعد، هذا فقط التحضير، بدأت تلك السوائل تدخل جسده معطيةً اياه املاً بالحياة، حتى سمع شهرام يخاطب الطبيب "سمعت بمادة تسمى مصل الحقيقة، هلا اعطيناه اياه" "تقصد دواء (ثيوبنتال الصوديوم)؟" "اجل هو، لنعطه بعضاً منه، من اين احضره؟" "انا اعرف من اين، لكن احتاج (وفرك ابهامه بالسبابة)" "بالطبع كما تريد، واخرج من جيبة رزمة دولارات واعطاها للطبيب الذي انطلق في طريقه، "ما هو مصل الحقيقة؟" سأل العم الذي اقترب من صالح ورفع رأسه بيده لكن الاخر لا يستجيب "ظننت انك ستكون اعند من هذا، أتستسلم بسرعة! ليس من طبع ادريس" "هو لم يستسلم سريعاً، قاوم لايام طويلة" واكمل "اما بالنسبة لمصل الحقيقة فهو  دواء نفسي يستخدم لإيقاف إمكانية الكذب لدى الإنسان وما أن يتناوله الشخص حتى يعترف وينطق بالحقيقة كاملةً شاء أم أبى دون أي ضغوط ودون الحاجة لاستخدام وسائل التعذيب، وهو يجعل الشخص في حالة غريبة من الهذيان ما بين اليقظة والنوم كما يلغي القدرة على الابتكار والتأليف، مما يجعل متناوله غير قادر على الكذب، الذي يحتاج إلى الكثير من التلفيق، فلا يمكنه غير ذكر الحقيقة فحسب. ويستخدم في أعمال المخابرات والاعترافات والاستجوابات" "هكذا اذاً! تسهل مهمتك" "الم تقل انه يجب ان نأخذ معلومات منه ثم تترك امره لي كلياً، لهذا انا اسهل عملك لا عملي، ثم ان تلك المادة ممنوعة دولياً، فهي خطيرة" ضحك العم وربت على كتف شهرام "احسنت، نادني عندما يعود لوعيه، وتأخذ تلك المادة مفعولها في جسده" "تمام، بابا" كان الاخر يستمع لحديثهم لكنه يشعر وكأنه في بعدٍ اخر تماماً...
"ألن تتكلم اذاً؟" نطق العم وهو يجلس مقابل ابن اخيه، الذي لازال مصلوباً في ذات الدولاب، والذي عاد ليدور في مكانه ببطئ مجدداً، اقترب شهرام واعاد سؤال العم "انه يتكلم معك، ولهذا ستجيب، وستتكلم" لكن الاخر ينظر بفراغ ولا يجيب، بقي الصمت موقفه حتى مرت ساعة اخرى من الوقت، او الى حين انتهى صبر من يظن نفسه جلاده، فاوقف الدولاب فك وثاقه واعاد ربطه على كرسي حديدي، ذو أغلالٍ حديدة، يمر من خلاله شحنه كهربائية خفيفة، مزعجة ومؤلمةٍ الى حدٍ ما،  وعاد ليجلس مقابله يعيد ذات الاسئلة، لكن الاخر لا يحرك ساكناً، "بابا، اريد اذنك لأفعل به ما اريد" "لك ذلك" ابتسم الاخر فيما انسحب وعاد بعد عدة دقائق يحمل العديد من الاشياء بين يديه، "هيا لنبدأ" اخرج مسدس مسامير ولبس قفازاً مطاطياً في يده وهتف فيما وجه المسدس ليده اليمنى "السؤال الاول، لماذا اتيت الى هنا" نظر له الاخر بطرف عينيه و لم يجب، مما اثار اعصاب شهرام، والذي بدوره فرغ غضبه عندما غرز خمسة من تلك المسامير في اظافر اصابع يده اليمنى،  وصنعت طريقها الى الطرف الاخر بكل سهولة وسط انين الاخر، "هل ستتكلم؟" "اذهب الى الجحيم" رد فيما كان كل تركيزه في ألم يده، رفع شهرام تردد الكهرباء واقترب وسكب سائلاً من قارورة بيده، "انتظر قليلاً لا يعجبني منظر يدك هكذا، سأزيلها" عاد ليرتدي قفازاته المطاطية حتى لا يتأثر بالكهرباء التي تسري في جسد اسيرهم، وبدأ بسحب مسمارٍ تلو الاخر، وهو ينظر في عيني صالح، يبتسم وكأنه يحقق انجازاً كبيراً، يكاد يطرب ع صوت صراخ الم ضحيته، لم يكتفي بذاك بل سكب مادةً حمضية على جروحه، وتركه يتخلل تلك الثقوب التي صنعها خلال اصابعه، وفوق ذلك، اطلق رصاصة من سلاحه اخترقت كتف صالح الايسر، تركه لينزف قليلاً، قبل ان يعود برفقة ذات الطبيب ليخيط ذلك الجرح دون تعقيم او تخدير، "هل ستتكلم الان؟ ام انك ستصرخ فقط" وما كان ان يجيب الا ان الاخر امسكه بعنفٍ من فكه السفلي "ستتكلم والا سأبدأ بقطع اصابعك جزئاً تلو الاخر واصبعاً تلو الاخر" ابتعد قليلاً واكمل "وفي ذات الوقت نقتل اخوتك واحداً تلو الاخر وانت تنظر لهم من هنا، عالق لا قوة لك" جلس مقابله ينظر كل منهما للاخر، فاعاد شهرام تشغيل جهاز الكهرباء، وهو يحدق في عيني صالح...
"لماذا تفعل ذلك بنفسك؟ هل انت غبي؟" سأل فارتولو الذي يقف خلف العم "اخبرهم، هم اساساً يعرفون كل شيء، وجميع أسئلتهم، كيف اقولها، اسئلة توكيد، اي لتأكيد الجواب فقط، هيا انطق لعلهم يرحمونك قليلاً" بسط يديه واكمل "انا جاد، ان لم تتكلم ستموت، سيقتلنا، كلانا، يعني، بالنهاية هذه خطته، لكن لنجعل الامر اقل الماً، انظر انه يجلب المزيد من المسامير ليزرعها في يدك" لم ينهي كلامه حتى عاد الاخر ليكمل عمله وزرع المزيد من المسامير في ذراعه، والتي كانت بدورها تنقل الشحنات الكهربائية في يده مما يزيد من المه، اما بالنسبة له فهو بالكاد يعي ما يحدث حوله، لكنه يعرف ان شهرام ينتظره ليتكلم، فرفع رأسه ونظر له "اطفئ الكهرباء وسأتكلم"  توقف الاخر مكانه للحظة ونظر للعم "هل سمعت؟ انه يفرض شروطه ايضاً" التف الى امام صالح انخفض لمستواه ونظر في عينيه "سأكون افضل منك، وسأستجيب لك"...
"اذاً؟" سأل العم عندما جلس امام صالح وفتح زجاجة ماءٍ صغيرة، واعطى القليل منها لابن اخيه "ماذا تفعل هنا؟" "ما قصتك وماذا تفعل انت هنا؟ ا م ج ا!" ضحك العم ورد بكل برود "لتروي انت قصتك اولاً ثم اخبرك بخاصتي، لقد قمت ببحثي وفهمت ماضيك، لكن ما الذي احضرك الى هنا؟" شرح الاخر بكل بساطة صراعهم مع الاردينيت، وصولاً الى وصوله عتبة باب عمه، "يعني انا هنا لاعتذر ولنجد تسوية بدون ان نؤذي اي احد، لكن يبدوا انك تريد عكس ذلك" ضحك العم واقترب من صالح وبدأ بفك قيوده "هكذا اذاً، هل تظن الامر سينتهي بهذه السهولة؟" ضحك واكمل "ع الاقل انت تملك الجرأة لتعتذر، ولست كوالدك" جلب كرسيه وجلس مقابله "اذاً لاروى لك قصتي انا" صمت للحظة واكمل "لن اطيل عليك، كبرنا انا ووالدك يتيمين بلا اب او ام، صنعنا انفسنا من اللاشيء، اوجدنا من الموت حياة، اخذتنا طريقنا الى ذلك الحي، الحفرة كما يطلق عليه الان، كان خرابة في احد الازمنة، حولناه لمكان يعج بالحياة، كان كل شيء جميل، وكما تعرف مصدر رزقنا كان تجارة السلاح، فاردت ان نزيد في رزقنا من خلال تجارة المخدرات، لكن والدك العزيز رفض ذلك رفضاً قاطعاً، وقرر الاستثمار بالملاهي الليلية، يعني كل الطرق رديئة ودنيئة، فانتهى الأمر به يطلق النار علي في وسط ذلك المقهى الصدأ، لفق موتي، ورماني بعيداً من الحفرة (لن تخطو قدمك المكان، لا انت اخي ولا انا اخوك) سرق حبيبتي ايضاً، كم كان يحب النساء، زوجته، امك، مليحة وحبيبتي السابقة، لنتركها بلا اسم لانها لم تعش طويلاً، فقد اقدمت ع الانتحار عندما علمت بموتي على يدي اخي، او لاقل قُتلت وظنوا انها انتحرت" "قتلتها!" "وهل سأتركها له! زير النساء ذاك!، لاكمل، عملت في المخدرات، حتى ازدهر سيطي، وعندما اندلعت الحرب في افغانستان انتقلت الى هناك، فقد أصبحت بيئة مناسبة لذلك، وبالفعل أصبحت احد الاسماء المعروفة، لكن ليس بسهولة، فعندما وصلت، وقعت اسيراً مثل حالك هذه تماماً، ارسلت له ولم يجب، علمت لاحقاً انه تجاهلني، فصنعت طريقي للحرية باظافري، ثم عدت لتصنيع وبيع المخدرات، وبدأت اضع خطتي لاستعيد الحفرة منه، لكنه مات، سخرية القدر، اما انا فلن اتراجع، وانتم سهلتم طريقي، فوجودك هنا، وعداوة الاردينيت مع اخوتك، ها هل تعلم؟ انا حرضتهم عليكم، فنحن شركاء في العمل، وذلك الذهب الذي فجره اخوك الاشقر لا يساوي شيئاً بجوار ثروتنا، لكن هكذا افضل، ينهون امر بعضهم ويختصرون علي  خطوة بداية" نهض واكمل ازالة قيود ابن اخيه "اما الان، ستكون انت في ضيافتي، الى حين اقرر فيه نهايتك او عودتك الى الحي" واشار لاحد رجاله "لنضعه في الزنزانة الاولى، ولتعطيه بعض المعدات الطبية ليزيل هذه المسامير بنفسه ويعقم مكانها" واكمل ساخراً "كم واحد وضع في يدك؟ خمسة عشر!" رفع الاخر نظره لعمه "هل تعرف؟،  اخطأ ابي في شيءٍ واحد، انه لم ينهي امرك" التفت الاخر لصالح جاذباً اياه ليسقط على الارض، وركله في بطنه قبل ان يدعس فوق يده المصابة ويمضي في طريقه فيما التوى الاخر آلماً في مكانه، قبل ان يجره احدهم الى مكان ما...
استغرب دفئ تلك الزنزانة، وجود سرير وحمام ولحاف، وحتى ماء وطعام، ووجود المعدات التي طلبها العم قبل قليل، وضع بعض الشاش في فمه عندما سكب الكحول واليود على يده وذراعه، شعر بكل قطرة تحرق جروحه، لكن ذلك الالم لا يقارن مع الم ازالة المسامير، واحد تلو الاخر، يكتم صراخه لكن دموع عينيه تخونه، خمسة عشر جرح منها من اخترق  الى الجهة الاخرى، جروحٌ عميقة تحتاج الخياطة، مؤلمة الى حد اختفى الالم مع المسمار الخامس عشر، الذي تسبب بضرر جدي ودائم للعصب المغذي ليده، فكان حاله  اما فقدان الاحساس او ألم حاد يفقده القدرة ع التنفس، فلا دفئ السرير او الطعام او الماء اوقف المه، لا مسكن ولا شيء يخفف ذلك الالم الذي ينتقل في يده، نُقل بعد عدة ايام، ثلاث ايام بالتحديد، الى زنزانة اخرى، مساحتها بالكاد متر مربع، لا طعام لايام قطرات من المياه تكفي لابقاءه حياً، لا ضوء شمس ولا هواءٌ نقي، بدأ يعتاد ألم يده، فقد مر ثلاث اسابيع ع دخوله هذا المكان، يشرد بين الحين والاخر يتذكر ما تركه خلفه، لربما يشعر بالندم لقدومه الى افغانستان من بداية الامر، فهل يستحقون تضحيته هذه!، وفي حين اخر يحاول ان يصفي ذهنه من تلك الافكار، الى حين دخل احدٌ ما الى تلك الزنزانة وهتف بصوت ثابت "سيدي يريد رؤيتك" واخرج اصفاداً من جيبه، ووضعها ع رسغي من امامه، وسحبه الى غرفةٍ في طرف المكان، حيث رُبط ع كرسيٍ بلا ظهر، رُبطت يديه في كاحليه، بشكلٍ عكسي، فهو لازال يجلس ع ذلك الكرسي القصير، جاثياً بطريقة ما ع ركبتيه، ويديه رُبطتتا للخلف، بالكاحلين بالتحديد، عُصبت عينيه، وتركوه في تلك الغرفة لوحده، ألم لا يقاوم، بلا لقد فعل، بل وحتى اجهز على احد الرجال، لكن جسده مرهق، فلا قوة او حول فيه، ومع خبرٍ يحمل نعي اخيه، تحطم شيء بداخله، أليس غاضباً! بلا، لكنه تجمد مكانه عندما سمع عمه "صحيح، تعازي لقد فقدت احد اخوتك، سليم، اعتقد ان اسمه سليم" "نيه!" "يعني انظر، انت، صالح، تقع في اسفل سلم الامور المهمة، فانت لا شيء بالنسبة لهم، لقد قاموا بالتضحية بك، ثم بسليم، لا استغرب ان يقوموا بالتضحية بابنك ايضاً" "اخرس، فانت لا تعلم بماذا تتفوه" "بل اعلم، انهم ابناء ادريس، ذات العجينة" وخرج، مر ما يزيد عن العام ع فقدانه، عل وجوده في ذلك الجحيم، لقد مر بانواع عذاب تكاد لا تنتهي،  انطفئ الامل بداخله، انكسر شيء ما بداخله، ما عاد من كان...
"لتكن هذه هديتي لاخوك، لارى من سيختار، غالباً ليس انت"
كم كانت تلك المدة طويلةً وثقيلةً عليه، ذاق فيه شتى انواع العذاب، اخذ نصيبه من الجوع والبرد، دخل عليه شهرام ذات يومٍ، ورمى امامه حقيبه "انظر اتى يومك اخيراً، هيا هذب مظهرك لتلتقي بابي، فقد اتى بخبر جديد" اقترب منه واخذ مقصاً من الحقيبة، فيما كان صالح يجلس بهدوء في مكانه، ساكن، يراقب المقص في يد شهرام، ويراقب تقدم الاخر نحوه، "ماذا تريد!" "خصلة من شعرك فقط" ابتعد الاخر للخلف فباغته شهرام الذي سحبه من شعره واخذ ما يريد، فقام الاخر بمقاومته وانتهى به الامر بغرز المقص في عين شهرام، فيما حاول الهرب من الطرف الاخر ليقطع طريقه شهرام الذي سحبه الى طرفه مجدداً "لا تحاول فلن تستطيع الهرب مهما حاولت" وما ان انهى كلامه حتى سحب المقص من عينه وغرزه في بطن الاخر، وانخفض اليه فيما كان يضغط ع عينه المصابة ونطق "اولاً عليك تعلم التصويب فانت لم تصب عيني، وثانياً، هذه، اقصد شعرك هذا، سنعطيه لاخيك الاكبر، لانه سيقرر اي منكما سيحيا، ومن سنرميه للوحوش" "من!" ضحك شهرام بخفة واكمل "صحيح، لم نخبرك، لكن اخوك الاشقر ذاك في حوزتنا منذ عام، وحاله كحالك، بل افضل قليلاً، لهذا سنقايض حياة احدكما مقابل حياة الاخر، سأخبرك بقراره خلال اسبوع" وتركه ملقى ارضاً، ينزف وبنكمش على نفسه في العذاب والألم، تركه وخرج، تركه ليخيط جرحه بنفسه، لم يأتي اي كائن كان الى تلك الزنزانة لاسبوع، فقد كانت تلك الحقيبة تحمل زاده لتبقيه حياً طوال تلك الفترة...
"يبدو انك لست الخيار الاول"
عاد لاحقاً بعد مرور اسبوعٍ تماماً، فُتح الباب، بل لنقل تم تفجيره، ودخل العم شهرام وعدد من الرجال، كانت وجهتهم واضحة، الى ذلك الشاب الذي يجلس ارضاً، يحمل ذات المقص في يده فيما ينظر لهم بطرف عينيه "وعليكم السلام، لتتعلم كيف تطرق الباب ايها ال***" لم ينهي كلامه ليتهجم عليه شهرام ويمسكه من رقبته ملصقاً اياه بالجدار، فيما نطق العم بصوت جهور "يبدو انك لست الخيار الاول لأي احد، وزيارتك انتهت هنا، فانا استعدت الحفرة، وسأنتقل لهناك، سأعيد اخيك الاصغر، وسأبقي على حياة الباقيين، ان لم يتمادوا طبعاً، سيعيش الجميع تحت شروطي، اما انت، فقد انتهى دورك" اقترب فيما راقب رجاله يثبتون ابن اخيه "اعطني يدك لارى" فقد احساسه بيده اليمنى، فما كان من العم الا ان قطع اصبع يده اليسري، فيما استمتع بمراقبة ألم الاصغر، "هذا يكفي لاثبات موتك، هيا، لترسل سلامك لابيك واخوتك، لتلتقي بهم في الجحيم، لتنهي امره يا شهرام، انا سأرتب امور انتقالنا لاسطنبول، طائرتنا ستقلع خلال نصف ساعة" "تمام" واكمل مشيراً لرجاله "لنضعه في السيارة"، كان وقع الامر عصيباً عليه، لكنه ما توقعه، فهو يعلم حقيقة ان لا احد سيقاتل لاجله، كالعادة، فلم يقاوم، تجاهل الم جسده، فيما تم سحبه الى صندوق شاحنة كبيرة، والى منتصف الصحراء، بل لنقل الى اللامكان، حيث فُك قيده، وأُجلس جاثياً على ركبتيه، يعاد في رأسه شريط حياته، صوت امه وابيه، ذكرياته، الى ان اخرجه صوت شهرام من عالمه الصغير "فارتولو، هل تسمعني؟" ما ان ركز انتباهه الى شهرام حتى لاحظ وجود سلاحٍ موجهٍ اليه، "الى اللقاء" تزامن صوته مع صوت اطلاق للرصاص، تردد صوت رصاصات شهرام في المكان، صدى صوتها تعالى مع صوت الكلاب، ثم هدأ كل شيء، سكن كل شيء، وما سُمِعَ الا صوت ارتطامه بالارض، تهاوى جسد كحيل العين وسقط ارضاً، فيغطي شعره الذي طال مع طول غيابه عيناه اللتان تنظران بفراغ الى فراغ المكان حوله، تلامس حبيبات الرمل وجهه الذي شحب لونه وتعرق قليلاً، برد جسده رغم حرارة الشمس التي تنعكس في رمال ذلك المكان، يشعر بدماءه تتدفق لتختلط بالرمال وتغيير لونها للاحمر بدل الاصفر، أُردي قتيلاً لتتولى وحوش الليل امره لاحقاً، فلن يبقى منه اي اثر حتى الصباح...
"عدو عدوك صديقك"
على سريرٍ دافئ ومريح، استيقظ كحيل العين، مشوش الذهن متعب الجسد، نظر حوله ليرى نفسه على ما يبدو في غرفةٍ في احد المشافي الراقية، او الخاصة بالطبقة المخملية من الشعب، اعتدل في سريره بصعوبة وهو يحاول تذكر كيف وصل الى هنا، لكن ذاكرته تخونه في كل مرة، لا يتذكر اي شيء، "لقد استيقظت اذاً!" اتاه الصوت من رجل ستيني او حتى في السبعين مم عمره يقف خلف الباب، فتحه ودخل  اقترب من صالح الذي يراقب بحذر، ولمس يده مربتاً عليها "كيف حالك يا بني؟" لكن الاخر لازال ينظر باستغراب ويلتزم الحذر، "هل اعرفك؟" "لا، لا تعرف، لكنك ستتعرف، وسنعمل معاً" ضحك صالح بخفة ورد "باردون! ومن قرر ذلك!، ثم من انت!" اشار الرجل لشاشة التلفاز "انظر للتاريخ وستفهم، تكاد السنة تنتهي" صمت صالح فيما شرد للحظة وعاد لذاكرته كل ما حدث له، استعاد من ذكرياته حتى سقط ع تلك الرمال، وتناثرت خصل شعره على وجهه غطت عيناه، واختفى الاحساس لحظياً قبل يبدأ بفقدان وعيه، يتذكر ملمس الرمال على وجهه، برودة هواء الصحراء، دفئ الشمس، يتذكر رؤيته خيال احدهم يتقدم نحوه، يتذكر شعور ازالة القيود من يديه وقدميه، ثم لا شيء، احتل الهدوء ذهنه والسواد بصيرته، ولربما غادرت روحه جسده، لربما تمنى ذلك، استيقظ لاحقاً ليجد نفسه في هذا المكان، غرفة فاخرة، تلفاز معلق من السماء، نظر للرجل الذي يقف بجواره، وسأل بنبرة مهتزة "ماذا حدث؟ اشطب ذلك، من انت واين نحن!" ابتسم الرجل بدفئ فيما جذب كرسي ليجلس مقابله، "أولاً، كيف حالك؟ لقد نجوت بأعجوبة" "جيد، يعني اظن ذلك، لكن عقلي مشوش" "طبيعي لقد كنت في غيبوبة، كان من المحتمل انه موت دماغي، لكنك كنت تقاوم" "ماذا؟" "لاشرح من البداية، لقد كنت اراقب خليل ابراهيم، او جومالي، فقصتنا تعود للعديد من السنوات، لقد اخذ مني ابنائي، عائلتي وتركني لاموت، تماماً كما فعل معك شهرام، لن اخوض بقصتي الان، لكن لتعلم، عدونا واحد، وسأساعدك وستساعدني للنهي امره، اما انت، فلقد راقبت شهرام عندما اطلق النار عليك وتركك لتموت في وسط الصحراء، فلنقل قمت بانقاذك، لكن إصاباتك كانت في بالغ الخطورة، وقام امهر الاطباء بعلاجك، من عمليات وادوية وعلاجات فيزيائية وعلاجية حتى عندما تنهض لن تحتاج مساعدة احد" قاطعهم دخول الممرضة مع حيت ناولت صالح دواءه واخذ منها بسهولة لتبتسم الاخرى وهي تنظر للرجل الاخر "يبدو ان عملنا سيكون سهلاً" اعاد صالح نظره للرجل "ماذا يحدث هنا!" "لاكمل لك القصة، لقد مضى ما يقارب التسع اشهر على تلك الحادثة يا صالح" اعتدل واكمل "اسمي حسن بالمناسبة، بلا عائلة او اولاد، فقد تسبب عمك بموتهم جميعاً، اخرهم ابن اخي الذي قلته قبل عام، كان يعمل معه كأحد رجاله، اكتشفه وانهى امره، فهمت منه انه عمك البيولوجي، لكن واضح انه لا ينوي خيراً لاي منكم، فما رأيك؟ هل نتصرف سوياً؟ ام اكمل لوحدي، القرار يعود لك، يعني انظر انا لا احد يراقب طريقي، وانت لقد أقاموا عزائك ورفع اخوتك قبراً لك، صحيح لقد رزقت بابنة ايضاً، تكاد تكمل العامين" شرد صالح للحظة واكمل "ألم يأتي احد للبحث عني، عن جثتي!" هز الاخر رأسه نافياً "لقد نشرت خبراً في المنطقة، ان اتى احد ليسأل عنك، ما كنت لأتردد، كنت ارشدتهم اليك، فانا اعرف الم الفقدان، لكن لم يأتي، لم  يأتي  اي خبر" "كيف علمت؟ ان لي ابنة؟" "ارسلت احد رجالي للحفرة، التقى باخوتك، واخبرهم انه افغاني، حتى عزموه للعشاء في بيتهم، والتقى بابنتك هناك" اخرج هاتفه وهو يضع صورة ابن صالح "ها هم، لكن رجلي لم يخبرهم من هو واي شيء عنك، لان عمك يدير الحي، والجميع تحت رحمته" كان الاخر يحدق في الهاتف "الم يسألوا حتى؟" "لا، لم يسأل اي فرد عندك" رفع الاخر نظره لحسن "ما الخطة؟" "اولاً تستعيد عافيتك، ثانياً نقطع كل صلاته هنا، ثم ننتقل لاسطنبول" اقترب وربت على كتفه واكمل "عدو عدوك صديقك، غريمنا واحد لتضع يدك في يدي يا بني، ولنعيد لم شملك بابناءك"، وهذا ما حدث، التزم صالح الحذر حتى تأكد من نيه حسن، استعاد عافيته، الا انه فقد الاحساس بيده اليمنى، العصب الحركي سليم، فهو يحركها لكنه فقد الاحساس بها، تركت تلك المسامير ندوب ع يده فارتدى قفازاً في يده، ووضع يده في يد حسن، ليتحركوا سوياً في انتقامهم...
- نهاية الفلاش باك-
الآن...
"اذاً، اين وصلنا؟" رد صالح فيما كان يحتسي كأس الكحول وفي يده الاخرى سيجار من البني الذي اعطاه اياه حسن "كنت تقول انك سترسل رجالك ليقوموا بمساندتي، وجزء اخر يتأكد من اتمام الصفقة" "صحيح" اقترب فيما اشار لطاولة الورق امامه "لنراجع الخطة، أولاً، قطع جميع صلاته بافغانستان وقد تم، فعندما يطلب مساندة منهم لن يجد، وان حصل له شيء لن يخركوا ساكناً، رتبنا صفقة تغريه، دسست رجالي في الطرفين، والباقي عليك" "بالضبط" "من سيكون معك؟" "جيلاسون وكاراجا، فلهم ثأر مع ذلك العم" "ممكن، جميع الرجال تحت امرتك، والاسلحة كذلك" "تمام" صمت للحظة ونظر لحسن "حسن باي" التفت الاخر ليكمل صالح "شكراً لك" "اشكرني عندما ينتهي الامر"  ضحك الاخر "لينتهي، مع ذلك شكراً لك" "اشكرني بانهاء امر جومالي ذلك، وتعال لنشرب نخب ذلك" استأذن صالح بعد بضع دقائق وقصد طريقه الى بيت في طرف المدينة، دخل وهو يحمل معه قوت يومهم، فتحت له كاراجا التي تبقى في ذلك البيت اغلب وقتهاً"اهلاً امجا" استقبلته بعناق، "لتنادي جيلاسون وتأكلا قبل ان يبرد العشاء" "الن تأكل؟" سألت بقلق ليجيبها الاخر ممازحاً "ان اكلت القليل بعد قد انفجر" "لا يقصر في واجبه صديقك ذاك، امجا" "يوك، لا يفعل" جلس مقابلهم وسأل جيلاسون "خطتنا جاهزة؟" "اجل، والاسلحة والرجال، وحتى بندقيتك اخرجتها وجهزتها" "احسنت" "شي آبي منذ متى تجيد القنص!" ضحك الاخر "اعرف الكثير من ما تجهلونه، فحياتي كالروايات، لن يصمد اي منكم ليرويها"  نهض من مكانه متجهاً الى غرفة اخرى..
"لولا لطف الله لاصبحتم في عداد المفقودين"..
وزعت كاراجا الشاي عليهم وجلست بجوار عمها الذي مد ذراعه على كتفها "اذاً، لم نفتح الموضوع بعد وقد مر العديد من الاسابيع عليه، بماذا كنتما تفكران في تلك الليلة!" لكن لا جواب من كلاهما فقط ينظران بخجل للارض، لترتفع نبرة صوت صالح لكن تبقى هادئة توحي بجديته "اجبني يا جيلاسون، فانا متأكد انك القائد في هذه المغامرة" تلعثم الاخر واكمل "لقد كان ينوي، ينوي قتل ايمي، سمعته بالصدفة، ثم تعمدت التسمع، الا يكفي انه وضعه في بيت عجزة، فوق ذلك سيطرته على الحي، وانه دب الخلاف في وسط بيت العائلة، لا احد منهم يطيق الاخر، فتتبعت رجله الذي ارسله الى ايمي وقتلته، ويبدوا انه كان هناك من يراقبني وعلم بالامر، وحاول قتلي فقتلته" "ثم قتلت خمسة اخرين! ولم تتوقف هناك، اقحمت كاراجا ايضاً!" رد الاخرى "لا لم يفعل انا اكتشفت لوحدي، سمعت العم يأمر احد رجاله بقتله وجعل الامر يبدو كحادث ذاتي اشتعلت به النيران لاحقاً" اعتدل صالح في جلسته "هكذا اذاً! يعني انه لو لم يصدف تسللي للحي ذاك اليوم لارى سعادات والاطفال، لكنتما في عداد الاموات اليس كذلك؟ فلولا لطف الله لاصبحتم في عداد المفقودين!" صمت وهتف بغضب بعدها "رأيتكما تخرجان وانتما تتصرفان بغرابة فلحقت بكم، ورأيت سيارة تلحق بكم فزاد شكي، وقررت التدخل، تسببت بحادث بينكم وبينهم، واخذتكما، ووضعت الرجال في سيارتكم واشعلتها مع سيارة الرجال بعد ان وضعت القنابل التي كانت معهم في كلا السيارتين، ولم يجدوا الا اشلاء لاشخاص مجهولي الهوية، هل تعرف ايها العبقري الى الان لا احد يعلم بما حصل لكما!! هل تعرف ام اشرح اكثر!!" "آبي اعتذر عن هذا لكن ما حصل لم يكن بيدي، لم استطع ان اخبر اي احد، فجومالي آبي لا يستمع لحديث يُذكر العم فيه، وياماش، لا اعرف، يحاول دائماً منع اي مجادلة او نقاش، قد توقع بين اي منا وبين العم ورجاله" تنهد صالح واتبع "لن تتصرف على رأسك بعد الان، هل فهمت!" "امرك آبي" "هيا لتناما ساعتين قبل ان ننطلق" اومئ كلاهما وانسحبا من الغرفة، لكن سرعان ما عادت كاراجا وعانقت عمها "لا تغضب منا" ثم اكملت فيما جلست لجواره "لن تغضب من امانة سليم اليس كذلك؟" امسك الاخر ضحكته "كارااجا! الى النوم" "حاضر، الن تنام انت؟" "كاراجا، سننطلق خلال عدة ساعات، لا اريد ان اسمع اي شكوى منكم، هيا الى النوم" "امرك، قائدي" ونهضت فيما رسمت ابتسامة على ثغرها واخرى على وجه عمها الذي تمتم بصوت خافت "لست غاضباً، لكني خائف من بطش هذا الشيطان"...
"لا اعرف، كان يرتدي خوذةً سوداء، قتل العم ورجاله وابقى علينا"
في ساعات الشفق الباكر، اتخذ مكانه ع ظهر البناية، برفقة كل من جيلاسون وكاراجا، يراقبون المشهد امامهم، فيما اصطفت شاحنات العم المحملة بالبضائع في ساحةٍ للخردة، وخرج منها ثلة من رجاله، وبعد دقائق اقتربت سيارة قديمة ورُكنت بجوار تلك الشاحنات، وخرج منها جومالي ياماش واكين، "ماذا يفعل هؤلاء هنا!" رفعت كاراجا منظارها  وسألت قلقةً على من كانت تراهم بمنظارها "ماذا سنفعل؟" "لا شيء، ستسير الخطة كما خططتنا" رفع هاتفه وتواصل مع باقي الرجال وامرهم بحماية افراد عائلته، مر عدة دقائق قبل ان يصل الطرف الاخر، اي رجال حسن، تمت الصفقة بهدوء، واخذوا بضاعة العم فيما سلموه المال، وما ان فتح شهرام حقيبة المال حتى انفجر صبغ في وجهه، تلته رصاصة صنعت طريقها في منتصف جبهته، وسقط جثة هامدةً على الارض، ثم تلته رصاصة استهدفت ركبة العم، وكادت تفصل فخده عن ساقه، وسرعان ما بدأ الرصاص يتساقط من كل مكان، وكأنها جبهة حرب، لكن سرعان ما هدأ كل شيء، اختبأ الاخوة خلف سيارتهم طوال تلك الفترة، حتى حل الصمت فوجدوا نفسهم محاصرين من جميع الجهات من رجال مسلحين، بقوا بجوار السيارة فيما كان جومالي يتذمر "الم اقل لك ان لا خير يأتي من العم ذاك ام لم اقل! لكنك اجبرتني ع القدوم!" لكن الاخر لم يجب بل نهض ليرى ما يحصل ليلاحظ دراجةً تتقدم ونزل عنها رجل قامته تقارب قامة ياماش، يرتدي الاسود وخوذة سوداء، اشار لرجاله بأخذ العم فيما اقترب من الاخوة، مد لهم حقيبة "هذه من حقكم" وانسحب، لم يكشف هويته، ولم يعطيهم اي فرصة ليتكلموا معه، ابقاهم في ظلام دامس، يتساءلون عما حدث للتو، وكيف حدث، لا يفهمون اي شيء...
عودةً للحي، وضع ياماش المال على الطاولة، ونظر اتجاه متين، "ماذا حدث؟" سأل ياماش فيما كان يحدق بمتين "لا اعرف، دخل عدد من الرجال للحي واخذوا رجال العم وكل شيء يعود له وغادروا، ثم عاد احد الرجال واعطاني هذه" اخرج مغلفاً واعطاه لياماش، الذي فتحه ليجد توكيلاً بنقل كل املاك العم لثلاثتهم "انتم الورثاء الشرعيون لجومالي كوشوفالي، وما بقي خلفه تقاسموه بالعدل بينهم، واعني بانتم اي جومالي الابن وياماش واكين، اعتنوا بنفسكم جيداً، حسن" نظر ياماش لاخيه واعترت نظره استغراب وجهه، "من حسن هذا! وماذا سيستفيد بفعلته هذه؟ ومن ذاك الرجل الذي كان يركب الدراجة؟" "عذراً للمقاطعة لكن اي دراجة؟" سأل ميدات فيما كان حاضراً على الاحداث الغريبة "لا اعرف، كان يرتدي خوذةً سوداء، اخذ العم وقتل رجاله وابقى علينا" رد عليه ياماش فيما زفر الهواء، عاد ونظر للموجودين "اكين لتذهب مع متين وترتبا امر المصانع، لنتخلص من كل ذرة مخدرات، ميدات خذ من الشباب ما شئت وامن الحي"، لحظات وكان الاخوان بمفردهما، جومالي يقف امام نافذة الباب يحدق خارجاً فيما تسللت اشعة الشمس لتلمع في عينيه "صوته لازال يتردد في اذني، يشبه صوت صالح، هل ممكن؟" التفت الى ياماش "وانا شبهته، لكن مستحيل، صالح له لكنة عندما يتكلم، ولقد مر اربع سنوات بيبي، منذ ان غادر الحي، مر اربع سنوات، لو كان حياً لوجد طريقه وعاد منذ وقت طويل، لكن لا اعرف" "اتمنى.." "لا تتمنى، فقد خسرناه في خضم هذه المعركة" صمت وعاد لينظر في عيني ياماش "هيا لنعود الى البيت، بل هيا لنحتفل، انتهينا من العم ذاك، وبسهولة. دون ان نخسر ظفراً حتى" "لكننا خسرنا اخاً واباً بسببه"، في طرف اخر من المدينة وعلى دولابٍ يدور ربطت اطراف العم فيما وقف صالح امامه، خلع خوذته وابتسم "اهلاً امجا" ابتلع الاخر ريقه ونظر امامه فيما رأى كاراجا وجيلاسون بجوار صالح "هل اتيتم لتأخذوني الى جهنم؟" "لا بل ستذهب لوحدك الى هناك" جهز سلاحه ووجهه الى عمه الذي يدور ع دولاب "لكن سننتظر ضيفنا قبل ذلك"  واكمل "كيف شعورك وانت تدور هكذا!، هل اصبت بالغثيان بعد!" "لتنهي امري" "تمام" اقترب واوقف الدولاب "لك ذلك" ثم اشار لجيلاسون "هيا لنقطعها" بدأً بركبته المصابة، ضربها جيلاسون ببلطة ليقطعها وتسقط ارضاً فيما صرخ الاخر باعلى صوته "اخرس! لن اسمع صوتك!" هتف صالح الذي اقتلع اصابعه من مكانها ثم صب مادة تنظيف كاوية على الجروح، "تعرف يقولون يجب تعقيم الجروح جيداً، وهذا ما فعلته" قاطعهم دخول حسن الذي بدوره اعطى صالح الضوء الاخضر لينهي امر العم "الى هنا نهايتك، جومالي، على يد ابن اخيك، بهذه السهولة" "تباً لكما، كان يجب ان اتاكد من موتكم بيدي، بل ان اقتلكم انا، وان ادفن.." لم ينهي كلامه فانهى صالح حياته، حين اخذ البلطة من جيلاسون ووضعها في عنق عمه، "ماذا سنفعل به؟" سأل جيلاسون ليرد حسن "لا شيء، سنتركه ليتعفن هنا" ثم التفت الى صالح "ماذا ستفعل الان؟" "سأعود للحفرة واخذ عائلتي واغادر، انت؟" "سأعود لافغانستان فلا عمل لدي هنا الان، وهذا لك، تركت لك بعض الاعمال هنا حتى لا تبدأ من الصفر، سأتي للزيارة بين الحينة والاخرى، لاتعرف على ابناءك، هيا انتبه على نفسك" وسرعان ما غادر المكان بعد ان وضع مغلفاً صغيراً في يد صالح يحتوي عنواناً ومفتاحاً يقوده الى شقة كبيرة بالقرب من الحي، وفيها هناك مغلف اكبر، اغتسل صالح وارسل الاخرين ليحضرا طعاماً وما شابه، وجلس على طاولة الطعام وفتح المغلف،  الذي بدأ برسالة "مرحباً صالح، لقد تركت لك كل املاكي في تركيا، فانت تعلم انا رجل بلا عائلة، وانت بمثابة ابن واخ وصديق، لديك عائلة جميلة، لتعتني بها، ولا تدخل تلك الحياة مجدداً، اعمالي في انقرة، وليست هنا، اقصد اسطنبول، بيت كبير وهذا عنوانه، وممتلكاتي من شركة تجارة سيارات، ومدرستان وميتم، لتهتم بها بشكل جيد، سيبقى رجالي تحت امرتك، على الاقل حتى تسيطر على كل شيء بمفردك، لا تقطعني من اخبارك، اهتم بنفسك، حسن" ابتسم فيما اغلق الرسالة وقرأ باقي الملفات، وتذمر من كمية الاعمال التي تركها له...
بعد عدةِ ايام...
ركن صالح سيارته ذات الدفع الرباعي على مدخل بوابة بيت ابيه، ارتجفت اوصاله للحظة، لكنه تحلى بالقوة، فصنع طريقة للداخل خطوةً تتلو الاخرى، يتردد كثيراً ، بل تردد كثيراً قبل اتخاذه قراره بالعودةِ الى تلك الحفرة، الى ذلك البيت، الذي سلبه كثيراً، طفولته، شبابه، احباءه وحتى انفاسه، لدرجة انه نسي من يكون، نسي كيف يكون انساناً، يخطو للامام فيما يتصاعد صوت بداخله يريد العودة، فلا مكان له هنا بعد الان، تم التخلي عنه اساساً، فما هو الا مصلحة، وانتهت، ليس هناك ما يربطه بهذا المكان الا شيء واحد وقد اتى ليأخذه، ابنه ادريس الذي تركه وعمره بالكاد عام وعدة اشهر وابنته التي لا يعرف اسمها حتى، ادريس الان حتماً تخطى الخامسة، فقد مرت اربع سنوات طوال، خطى في باحة البيت فيما استغرب عدم وجود اي احد على البوابة الخارجية، لربما اصبح المكان آمناً الى تلك الدرجة، اخر ما يذكره هذا المكانه به هو نزاعات وشجار اخويه الاكبر والاصغر، الاردنيت، وخليل ابراهيم، الذي اصبح هناك ثأر يخصه معه، بل اخذه حتى، سمع انه اخذ الحفرة، بعد ان وضع جومالي تحت خيار صعب، وتبعات هذا الخيار ادت للحال الذي وصل له صالح، "على ما يبدو انكم توصلتم لاتفاق او ما شابه" تمتم في ذاته عندما لاحظ وجود سيارات مركونة جهة بيته القديم، ولاحظ وجود سيارات اخوته ذاتها امام الباب، منذ اربع سنوات، وسيارته في طرف المكان وقد اكلها الغبار، لم يعتني بها احد، ان لم يعتنوا بصاحب السيارة فمن الطبيعي ان لا يعتنوا بالسيارة وما هي الا كومة من حديد، اخذ نفساً عميقاً واكمل سيره للامام فيما ابتلع غصته واقترب من باب البيت، بدأ يسمع صوت الضوضاء من الداخل، "هيا الطعام سيبرد" يأتي صوت حبيبته لينتعش قلبه فيبتسم حين يسمعها تنادي ابنه "ادريس هيااا، ونادي اختك" انصت قليلاً متسائلاً "اي اخت؟" لربما تخطته هي ايضاً، نسي امر ابنته للحظة، استجمع قواه فيما خطى على درج ذلك المنزل، طرق الباب، اعتدل في وقفته حتى فتحت الباب فتاة صغيرة، بيضاء البشرة بعين كحيلة وشعر اسود كثيف منسدل على كتفيها، نظرت له بفضول "تفضل امجا" نظر لها فيما احس بقشعريرة وتجمع الدمع في عينه، لربما فهم شيئاً ما، لكن سرعان ما اعتدل في وقفته حين سمع صوت جومالي "من على الباب يا وردة عمها" وما ان ابعدها ووما ان فتح الباب على وسعه حتى تجمد مكانه، كان كمن يرى شبحاً امامه، يحدق باستغراب فيما اتسعت عينيه، فيما كان الاخر ينظر اليه ببرود، لا مشاعر ولا معالم ارتسمت على وجهه، يحدق كل منهما بالاخر، "س سااليه!" همس جومالي فيما مد يده ليتأكد من انا الاخر امامه، وضع يده على وجنة الاصغر واكمل بصوت يرتجف فيما دمعت عيناه "انت حي!" تراجع الاخر خطوة للخلف وازال يد الاكبر عن وجنته ورد بكل برود ورسمية "هلا ناديت لي سعادات" الا ان الاخر بقي مكانه، ارتسمت معالم الفرح على وجهه واقترب ليعانق من امامه لكن الاخر رفض ورفع يديه مانعاً اخاه الاكبر من الاقترب وكرر كلامه "هلا ناديت سعادات؟" كانت الاخرى تقف خلف جومالي، تنهمر الدموع من عينيها، دموع الفرح حتماً "سااليه" هتفت فيما ركضت باتجاهه لتعانقه، تكاد تلتحم به من قوة عناقها، فيما مسح الاخر على ظهرها "انت حي، لقد اخبرتهم، اخبرتهم اني لن اقيم عزاءك لانك حي، انت حي، لم تمت" رد الاخر بهدوء "اجل لم امت" وهو ينظر في عيني جومالي "هيا تعالي لنتكلم قليلاً"، قاطعهم صوت جومالي "لا تبتعدوا" لكن لم يأتيه الا نظره حادة من صالح، فهم منها ان لا خير سيأتي بعد الان، اخذ زوجته الى حيث ركن سيارته، ثم الى مكان اخر، كانت الاخرى تتشبث به ولا تريد تركه، "لقد وصلنا" الى المقبرة، الى قبره الذي رفعوه له "هذا الثاني" نطق فيما جلس الى جوار قبر سليم اقتربت سعادات منه ومسحت على كتفه "انا اسفة، لم استطع المجيء للبحث عنك" "اين ستذهبين وتبحثين، والحال ان الرجال لم يفعلوا" صمت للحظة وارتسمت ابتسامة حزينة على وجهه وسأل "لماذا لم تخبريني انك حامل؟ ميلا، الفتاة التي فتحت الباب، لو علمت ما كنت قد ذهبت" ابتسمت الاخرى مجيبة "لانني لم اكن اعرف، علمت بالامر بوقت متأخر قليلاً، بعد ذهابك، حاولت الاتصال بك، بل ارسلت لك كل التفاصيل" تنهد الاخر واجاب "لقد اخذوا هاتفي مني" "فهمت" عادت لتمسك يده "هل ستعود الى الحفرة؟ البيت؟" "(تؤ) لا، لا خير يأتي من هذا المكان، انظري امامك كم شخص تعرفين منهم وقد تركنا" "قدرهم، ماذا سنفعل اذاً" "سننتقل، الى انقرة في الوقت الحالي" "سننتقل؟ هل بشكل دائم؟" "اجل، ولربما لخارج البلاد ايضاً، الرجل الذي انقذني، ترك لي من ماله ما يكفي لنعيش حياة رغيدة" "اي رجل؟" "حسن، ذهب اساساً" "لحظة، هل ذلك الرجل الذي اتى الينا؟" "اجل، احد رجاله" "لم استطع الالتقاء به ذاك اليوم، لكني اخبرت ياماش ان يسأله عنك، لكنه لم يفعل" نظر الاخر لها وصمت مبتلعاً خيبته من اخويه، رمت الاخرى رأسها على كتفه "سعادات" "ايفندم" "هل توافقين على الذهاب معي؟" "ان لم اوافق؟" "اخذ الاولاد واذهب" ابتسمت الاخرى وامسكت بيده "لقد قاطعتني، كنت اقول ان لم اوافق فتباً للعهد الذي وضعناه بيننا، سنذهب معك الى الجحيم، يكفي ان تشير، لقد مللت منهم، من انانيتهم، انت تكفينا ونحن نكفيك" ابتسم الاخر وضمها الى ناحيته لتسأله بنبرة هادئة "هل سيسمحون لنا؟ اعني اخوتك" "الله الله، وما دخلهم! الا يكفي انهم رموا بي في النار ولم يبحثوا عن جسدي ليدفنوه، بالمناسبة، لقد انقذت جيلاسون وكاراجا من موت محتم أيضاً وسيبقيان معنا" "ماذا!" واكمل الاخر شرح قصته منذ خروجه من الحي ذلك اليوم الى عودته اليه قبل قليل، واعادها الى البيت "اجلبي الاطفال وتعالي، لا نحتاج لاي شيء اخر" "الن تنزل؟" "يوك" "ماذا عن ميدات؟" "الم يتزوج؟" "فعل" "ليبقى هنا ايضاً، فانا سأبدأ حياة جديدة، ليبقى القديم في القديم" "فهمت" نزلت من السيارة متجهة الى البيت..
"عاهدتني، عاهدتني أن تكون اخي لكنك غدرتني.. عاهدتني أن تبقى بجانبي فكنت أول الراحلين عني"
"اين هو؟" سأل ياماش بتوتر فور دخول سعادات "ينتظرنا بالخارج" "ينتظر من؟" "ابناءه، وانا، سنغادر" ليرد جومالي متعجباً "الى اين حباً بالله!" "الى بلادٍ الله الواسعة، ما دخلكم، لتتركوا ياقته" تركتهم ونادت باعلى صوتها على ابناءها "ادريس، ميلا، تعالا قليلاً" فيما نظر ياماش الى جومالي "الن يرانا؟ صالح كان سيأتي حتماً، لا يستطيع بدوني" ضحك جومالي بخفة ورد "صالح الذي تعرفه لم يعد موجوداً، صدقني من رأيته صباحاً لم يكن صالح ولم يكن فارتولو، بل شخصاً اخر، شخصاً صنعناه بخذلانا له، لا اعرف كيف سنتعامل معه او ستكون ردة فعله" "ماذا تقول آبي؟" "اقول اننا خسرنا صالح عندما تركناه لوحده.." قاطعهم اكين الذي خرج من البيت "خسرتموه لوحدكم، انا سأذهب لاراه، خسرنا ما يكفي" وسرعان ما اخذته طريقه الى سيارة عمه، طرق على نافذة السيارة، فالتفت صالح ناحيته، خرج من السيارة لحظة ادراكه وجود اكين بجواره،   "امجا!" هتف فيما عانقه، لحظات من تبادل الاخبار قاطعها صوت ياماش "بابناولو!" الا ان الاخر لم يعطيه اهتماماً، ظن ياماش انه لم يسمعه فتقدم باتجاهه واعاد كلامه "أهلاً بعودتك، بابناولو" لكن الاخر التزم موقفه ولم يستدر حتى، بقي يعطيهم ظهره، يدرك ان اخوته يقفان على بوابة البيت،  لكنه يتجاهلهم تماماً، "كيف حالك، اكين؟" "بخير" "سلامة رأسك" "ليسلم الاصدقاء" قاطعهم دخول ياماش الذي يقف بجوار اكين "انا اتكلم معك"، الا ان صالح بقي يحدث اكين وتجاهله تماماً "اين كاراجا؟ لتأتي واودعها هي ايضاً" اختلفت النظرة على وجهه حين لم يعرف بما سيجيبه لكن الاخر ابتسم بهدوء "لا تقلق انها بامان، لقد انقذتها" وربت على كتفه فيما التفت ناحية سيارته ليعود اليها "نراك لاحقاً يا فتى، اعتني بنفسك، سنتواصل" الا ان احدهم جذبه من ذراعه "صاالح! انا اتكلم معك منذ ساعة" نظر صالح لياماش الذي يقف امامه ولم يفتح فمه بكلمة، لكن ياماش لاحظ انطفاء لمعة نظراته، الفراغ الذي يخفيه بداخله اقترب جومالي ومد يده لداخل السيارة وسحب المفتاح "ابن اخي، خذ سيارة للساحة، سنتكلم معه قليلاً" اومئ الاخر واخذ سيارة صالح وركنها بجوار سيارته القديمة، التقى اكين بسعادات التي تسائلت "ماذا يحدث؟" "لا شيء سيتكلمون قليلاً" "هَ فهمت، لتضع الحقائب في السيارة اذاً، حتى عودته" "هل حقاً ستذهبون؟ يعني لم تاخذين قرارك بهذه السرعة؟" تنهدت الاخرى وما كادت ان تجيب حتى اعادت سلطان ذات السؤال واكملت "حقاً لم تمر الا بضع ساعات منذ عودته" "ليذكر لي احدكم سبباً قد يدعو صالح للبقاء هنا؟ كل ما اعطته الحفرة كان الالم والعذاب، الرجل عاد من المجهول ولم يسأل احد عنه، عاد لانه يريد حياةً جديدة، مع ابناءه، فقط، لا يريد اي شبح من اشباح ماضيه، لا ميدات، لا ياماش، ولا احد منكم، خاصة انتي، يا امي، فانت اول من وضع سكينه في جسده، وسلّمت الطريق لمن بعدك، روى لي ما مر به خلال الاربع سنوات الماضية، الرجل في عقده الرابع من العذاب، يكفيه، ليعيش حياة طبيعية بعد الان، بعيداً عن هنا، بعيداً عنكم، وانا بالتأكيد لن اقبل ان يكبر ابنائي بعيداً عن والدهم" عادت للبيت تنتظر عودة صالح لينطلقوا الى بداية جديدة...
يجلس في مكتب ابيه يتابع حركة ياماش الذي يذهب ويجيء بالغرفة فيما يفحصه اخيه الاكبر بعينيه من اخمص قدمه حتى اعلى رأسه، "ماذا حصل؟" سأل فيما ارتجف صوته، ولا زال يمشي ذهاباً واياباً في مكانه، ينسكب الدمع من عينيه بلا توقف، ترتجف يداه لا يصدق حقيقة ان ابن ابيه امامه، لكن ما حصل جعل منه شخصاً اخر، شخصاً لا يرد عليه حتى، "كيف! قالوا انك م، اننا فقدناك!" لكن لا جواب فقط نظرات خاوية من ابن ابيه، فاقترب جاثياً امامه امسك يده "حباً بالله اجب، لا تتجاهلني هكذا" ثم نظر الى جومالي "لتقل شيء آبي، انه لا يتكلم" الان ان الاخر بقي صامتاً خزياً بما قدمه لاخيه، "تكلم، قل شيئاً يا صالح، لا تفعل هذا بنا، لا تكوي جرحنا بك هكذا" قلب الاخر نظره بين اخوته، وسحب يده من يد ياماش، ضحك بخفة واكمل "هل انتهيتم؟" ونهض ليذهب ليهتف ياماش "عاهدتني عاهدتني أن تكون مصدر سعادتي ان تكون اخي وظهري، عاهدتني أن تبقى بجانبي لكنك سترحل عني الان، عاهدتني أن تظل متمسكا بي أسفلت يدي الان!، عاهدتني أن تجبر بخاطري وتضمد جراحي ثم ستتركني،  عاهدتني أن نكمل الحياة سويا والان! ستفارقني، أقسمت باليمين أن تكون خير رفيق الدرب، فأين اليمين ؟ وأين ما عاهدتني!" ضحك صالح لحظة سماعه لكلام اخيه "اصبحت تضع الشعر أيضاً! يا للسخرية، ابتعد من امامي لاذهب، ابتعد، بل اذهب لفحص عينيك علك ترى شخصاً غير نفسك" "لن تذهب!" بادل صالح انهيار ياماش ببرود قاتل "ابتعد من امامي" "لن تذهب" توقف مكانه ورد بكل هدوء "حسناً لنتكلم قليلاً، تقول عاهدتك وما شابه، لأذكرك بماذا عاهدتني انت، عاهدتني أن تكون اخي لكنك غدرتني.. عاهدتني أن تبقى بجانبي فكنت أول الراحلين عني، لم يبحث عني اخ ولا صديق، ولم ينقذني من الجحيم احد سوى نفسي، رميتم بي في وادٍ سحيق، وقطعتم سبل النجاة، ثم تأتي لتطالبني بالعودة" دخل جومالي المحادثة "صالح لا تفع.." الا ان الاخر قاطعة "صالح ماذا! خيروك بيننا، اعرف، واعرف انك ستختار ياماش، لو كنت مكانك لفعلت ذلك ايضاً، لم اغضب من خيارك، حقاً لم المك على ذلك،  لكن، اين انتم بعد ذلك؟ لم يبحث عني اي احد، لم يصل اي منكم حدود تلك المنطقة، لم يرسل اي منكم اي خبر، حتى ميدات تخلى عني" "ظننا انك ميت، يعني العم احضر اص.." "تباً لكم ولعمكم، لو كنت انا لبحثت عنكم حتى وجدتكم حتى لو جثثاً متحللة، لكن لا فالمفقود هو الأوزة السوداء، يكفينا اصبع منه لنقيم عزاءه، ان أقمتموه أصلاً، الان وبعد أن كنت لا أكف عن التلويح لكم لتروني، أضع يدي في جيبي واسكب على نفسي دلواً من اللامبالاة، أمضي حياتي ولا أكترث، لقد فعلتُ ما بوسعي والآن لا يمكنني، فرصة سعيدة، هيا الى اللقاء" لا جواب يأتي من اخويه، فتح الباب ليخرج ليجد ميدات يقف امامه "آبي! انت حي، انت حي حقاً" وانطلق نحوه ليعانقه، ليبتعد صالح عن طريقه وخرج من المكتب ونادا على سعادات باعلى صوته "سعادات هيا لنذهب" وسرعان ما خرجت بل وسبقته الى السيارة، حمل اكين ابنة عمه التي غفت وهي تنتظر واوصلها للسيارة لمساعدة سعادات، كان صالح قد جهز مقاعد لابنيه في سيارته، رتب امرهما وما كاد ان ينطلق حتى وجد جومالي امامه، "حسبي الله ونعم الوكيل، ماذا تريدون!" هتف عندما خرج من السيارة غاضباً باتجاه جومالي ليقترب الاخر منه ووضع يده على كتفه "ستأتي غداً ونتكلم كالبشر، سنسمع وستستمع لنا، لنضع النقاط على الحروف" اكمل ياماش مترجيًا اخاه "ارجوك، صالح، لا تذهب هكذا، تعال غداً، ننتظرك، لنتكلم، لعلنا نعود.." "لن يعود اي شيء كما كان، ما حدث في افغانستان غير ما كان بيننا بل انهاه، انا من طريق وانتم (اشار باصبعه الى اخوته وميدات) من طريق" "صالح، ارجوك لتأتي غداً ونتكلم" صمت وبادلهم نظرات حادة، "غداً في تمام الثانية عشر ع السطح" ابتسم ياماش "ننتظرك، آبي" ضحك صالح واقترب من ياماش، زرع اصبعه في كتفه "لا تقل تلك الكلمة مجدداً، ولا تقل لي اخي، لا انت ولا هو، فانا بالنسبة لكم وسيلة ولست غاية" بادل ميدات نظرات حادةً، "لن يلحق بي احد، والا.." قاطعه جومالي "تمام، لك ما تريد" وراقبوا طريقه فيما انطلق الى خارج المكان "ماذا سيحدث الان؟" تسائل ياماش ليجيبه جومالي "لقد فقدناه، وعليك تقبل هذا الامر" ركل حجر كان بطريقه ودخل للبيت فيما بقي ياماش مكانه يحدق بالفراغ.. 
"اعطني سبباً واحداً للبقاء"...
انتصفت الشمس في  السماء فوق السطح الذي اتفق ان يلقوا عليه، اخذ اخر نفسٍ من دخانه ورمى بالقمع جانباً، اقتربت ابنة اخيه ووقفت بجواره "هل انت متأكد؟" "من ماذا بالضبط؟" "الذهاب بهذه السرعة، لننتظر يومين او ما شابه" "هَ، متأكد حتى انني حجزت تذكرة الطائرة، ذهاباً بلا اياب، لن ابقى هنا يوماً اخر، لكن ان اردتما البقاء لن اجبركما على شيء، تستطيعان البقاء، علماً انه مرحب بكما عندي في اي وقت" ابتسمت الاخرى واكملت "تمام" "هيا لتدخلا للداخل ولا تخرجا قبل ان تأتي سيرتكما" رد الاثنين سوياً "حاضر" ما ان اختفى اثرهما حتى وصل الاخوين الى سطح ذلك المكان، وما بين سلامٍ وكلام، وتبادلٍ للنظرات التي تترجم الغضب من طرف والخجل في الطرف الاخر، الطرف الذي لازال يطرح الف سبب ومسبب لا توزن بميزان اخيهم، "كما شرحت لك الان، بعد ذهابك الى افغانستان بفترة وجيزة فقدنا سليم، ثم انتهى بنا الامر بانهاء الاردينيت، الا ان الاخير كان قد نصب فخاً لي واخذني اسيراً الى مكان في طرف البلاد، وعذبني لمدة عامٍ كامل، ثم وجدت نفسي هنا، قال العم انه انقذني، لكن علمت لاحقاً ان.." اكمل جومالي خلفه بعد ان تلعثم في اول كلامه "كان امامي علبتين احدها ... شي،  حضر ذات يوم الى المقهى و خيرني بينكم، يعني، وضع علبتين امامي، الاولى تحمل خصلة من شعرك و سلسلتك، والاخرى تحمل خصلة من شعره وخاتمه" مد العلبة لصالح واكمل "احتفظت بها، او لاقل لم اعرف ماذا سأفعل بها، لربما كنت سأعطيها لابنك عندما يكبر" كان الاخر يقف منصتاً يضع كف يده اليمنى في جيبه فيما اخذ العلبة بيده اليسرى، اخذ السلسلة واعاد العلبة لاخيه "لتدفن الباقي في قبري ذاك" واكمل باستهزاء "ها ولا تزيلوا ذلك القبر، فصالح حقاً مات، لحظة اطلاق شهرام النار عليه وتركه ينزف في ذلك المكان النائي" ضحك واكمل "هذا ثاني قبر ترفعه لي يا ميدات، اعرف انك تقف هناك" تقدم الاخر دون ان يرفع رأسه ونطق بتردد "آبي" الا ان الاخر نهره سريعاً "يوك، لا يوجد آبي" ونقل نظره لاخوته "ولا يوجد اخي هنا ايضاً ولا حتى ابن ابي كلها القاب بلا هدف" رد ياماش عليه "صالح اسمتع للنهاية" "تكلم اذاً" "عندما عدت الى الحي، اخبرنا العم انه قتلك، وانه لا داعي للبحث عنك، فقد تولى امر دفنك، حتى انه احضر، شي احضر.." "خنصري!" ورفع يده التي تفتقد احد اصابعه امام اخوته "اجل، ثم مر الوقت، تشاجرنا انا وجومالي آبي لانني قررت البقاء بجوار العم لاضمن جانبه، وبقي الحال هكذا حتى طلب منا ان نرافقه الى تسليم، ثم قتله احدهم وابقانا احياء..." صمت فيما استوعب للحظة "كنت انت! من، من اخذ العم ذلك اليوم كان انت، اتذكر القفاز الاسود و.." اشار ليد صالح التي تعتلي نظرات استخفاف وجهه، استخفاف بمن امامه، يشعرهم انهم اقل منه ذكاءً، ولربما مرتبة، لكنه صامت، هدوءه مريب، بل مخيف، يحدق باخوته وكأنه قد يقتلهم ان سنحت لهم الفرصة، لكنه استجمع نفسه ونطق بكل هدوء "هل فكر احدكم بالبحث عن قبري؟ ربما لقراءة الفاتحة او ما شابه! حقاً هل فكرتم بايجاد جسدي، بالبحث عن خبرٍ عني على الاقل، كاقل واجب على الاخ لاخيه!" ينقل نظره بين اخوته ثم الى ميدات، ثم تبعه ضحكة تعكس الخيبة التي يشعر بها "متوقع، فلو بحثتم كنتم وصلتم لي بكل راحة، فالرجل الذي انقذني نشر خبراً في المنطقة في حال تذكرني احد منكم" صمت للحظة واكمل "حتى ارسل احد رجاله الى هنا، الى بيتكم ومائدتكم، وجلستم سوية، لم يتكلم بل انتظر ان تسألوا عني، ولم تفعلوا، (زفر الهواء غاضباً واكمل) قلتم لنتكلم، انصت، لقد انصت وحان دوري لاتكلم" اقترب من اخيه الاكبر ورفع اصبعه في وجهه "افهم خيارك، لكن لا افهم ما بعد ذلك، ولا ما يسبقه، سمعتم اني ذهبت، فارتحتم، لم اجب على هاتفي فلم تبحثوا عن السبب، كنت اسيراً في يدي من يقول انه عمنا، كنت اموت هناك الف مرة، كم دعيت ان استيقظ ذات يومٍ لأجد احدكم امامي، لكن لا، كما كانت احلامي ان ينقذني ابي وانا طفل، فاحلامي ان ينقذني اخوتي عندما كبرت، وكما قلت احلام، هل اصف لك شعور ان تصلب وتعلق لاياام، بلا ماء او طعام، او حتى للذهاب لدورة المياه، مصلوباً على دولاب يدور، تفقد وعيك بين الحينة والاخرى لكنك لا تنام، وجدوك فاقداً لوعيك فحن قلبهم عليك وقرروا تزويدك بالسوائل الوريدية، ووضعوا شيئاً يقولون له مصل الحقيقة، جعلوني اتكلم بلا وعيي، ام اصف لك شعور ان تثبت على كرسي حديدي، تمر من خلال كهرباء، تعذب لايام، حتى خطر على باله ان يجرب مسدس المسامير في جسدك، خمسة عشر مسماراً من اصابعي الى كتفي، ها واطلقوا على كتفي واخاطوه دون تخدير، كانت تمر الكهرباء من خلالها الى داخل جسدي، اياً يكن فتلك الكهرباء تسببت لي باختلال في نظم القلب، مما قد يقصر عمري،  ها لا تقلقوا فانا اعتني بنفسي، وسأتفادى ما قد يوترني، وانتم اول شيء سأتفاداه، رأيت الموت هناك مراراً، لا بل مت هناك مراراً، رُميت في زنزانة بالية، لا بل لأقل اول يومين في غرفة دافئة لأضمد جراحي لوحدي، وكانت الليلة الوحيدة التي نمت بها، قالوا لي انهم اخذوك رهينة (مشيراً لياماش)، ثم غابوا فترة طويلة وعادوا ليقولوا لي ان اخاك الاكبر قرر ان وجودك عبث بلا فائدة، أخذني شهرام الى مكان ناءٍ وافرغ سلاحه في جسدي، وياليتني مت هناك وانتهى، فقد صنع من جسدي لوحة، ودمر من احشائي وصحتي ما يكفي لقتلي، لكن، قُدّر لي البقاء حياً، انقذني رجل خسر الكثير بسبب عمنا ذاك، بقيت في غيبوبة والمشفى لما يقارب العام، وها انا اليوم امامكم، حي يرزق، ولا انتظر اي شيء منكم، فقط ان تنسوا اني مررت من طريقكم بشكلٍ ابدي" "صالح لا يمكن ذلك، مهما حدث نبقى اخوة، لا يجوز هذا الكلام" اقترب ياماش وجذب يد صالح "لنأخذ فرصة اخرى، نبدأ من جديد" صمت الاخر للحظة واكمل "انت حقاً لا ترى، لم تبصر ما حصل، اين كاراجا وجيلاسون؟ ذلك العم حاول قتلهم قبل عدة اسابيع، شاءت الصدفة ان اكون في الحي، في ذاك اليوم تحديداً، تدخلت في اللحظة المناسبة، ستلتقي بهم عندما ينتهي حديثنا" رد جومالي "لن ينتهي حديثنا حتى تعود انت وعائلتك الى البيت، الى حفرة ابيك" ضحك الاخر بل قهقه، "اي حفرة واي اب، ابي لم يعاملني كاب الا بضع اسابيع، ثم بووف اختفى، لهذا هذه المرة، اخترت نفسي، بل وقررت الرحيل ايضاً، كنت أعلم أنكم تنتظرون أن أتوسل إليكم لنبقى سويةً بجوار بعضنا البعض، تنتظرون ردة فعل تجعلني أبدو كطفل ضعيف يبكي بحرقة خوفًا من فقدانكم، لكن تباً لكم خسرت كل شيء وخسرت نفسي بسببكم، أظننتم أنى سأركض خلفكم لأعاتبكم! ، لأذكركم بكل ما كان بيننا لكل ما قدمته لكم، لكل التنازلات التي قدمتها لكم، وألومكم على إخلافكم العهد الذي يربطنا كعائلة ... فانصدمتم بالبرود الذي لقيتموه مني ، واللامبالاة بوجودكم الذي عاملتكم به ، أنا لا أنكر أنى أحببت وجود اخوة في حياتي، ظننت ان وجودكم سيضيف معنى لحياتي لكن لا، بالعكس تماماً اخذتكم كل شيء حتى اجنحتي اقتلعتموها من امكم لابيكم بل جميعكم، لكن الان سيختلف كل شيء، لقد وضعت كرامتي فوقكم وفوق الجميع ، اخترت الابتعاد فلا اريد اي منكم بقربي، ففي النهاية، من أنتم ؟ ومن تكونون؟ ما الذي سأستفيده من قرب شخص لا يعنيه أمري ؟ إلى القاع أنت وكل من يحمل نفس فصيلتكم ، وختاما أنهي قولي ب : هنيئا لكم بعضكم وهنيئا لي نفسي وعزتها" رفع يده بوداع لهم وانطلق في طريقه ليجذبه كلاهما مجدداً واعاداه لمكانه "لا يمكن، لن نسمح لك بالذهاب، ليس هكذا" الا ان الاخر صرخ بهم "ياماش، اعطني سبباً واحداً للبقاء" "لاننا بحاجة لك.." قاطعه صالح "حقاً!، انا اطلب سبباً واحداً، سبباً واحداً يجعلني ابقى، سبباً يخصني انا، لكنك تعطيني الف سبباً للذهاب... لقد تعبت، وصلت الى نهاية الطريق معكم، لا اريد اي صلة بكم، لانه مهما حدث، ستضحون بي، ستنقذون بعضكم وترمون بي في فوهة البركان كالعادة، بدءً من امك الى اخيك، واليك انت ايضاً، الى هنا وانتهى..." سحب يديه من ايديهم ونطق "بامكانكم ان تخرجوا" فيما توقف بجوار ميدات "لتبقى انت هنا، سمعت انك تزوجت، تهاني الحارة لكن لا تبحث عني ولا تلحقني، الى اللقاء ميدات افندي" التفت الى حيث كاراجا "انتظر ردكم خلال ساعات" "تمام امجا" راقب الاخوين طريق ثالثهما حتى اختفى، "بيبي، هذا الفتى مسحنا من حياته حقاً، يعني انا لا الومه، لكن لا يجوز هكذا، انتم امانة ابي لي وانا فرطت به، فرطنا به كثيراً، ان كان بيننا سوء تفاهم فقد تحول لفجوة عملاقة.." تنهد الاخر مجيباً "احرقنا روحه، وتركناه لوحده مجدداً، احترق هذه المرة بشدة.." اقتربت كاراجا منهم وخلفها جيلاسون وردت عليهم "لتطفئ ناره اذاً، وانت لتسد تلك الفجوة، هو لن يعود الى هنا، لن يخطو الحفرة مجدداً، لكن لا تتركوه لوحده، ليجتمع بعائلته الان، ثم ادلكم على مكان سكنه، صالح امجا طيب القلب، سيء الحظ بالتأكيد، لكنه يتألم كثيراً بسبب ما حدث، لا تتركوه لوحده" انهت كلامها مع عناق عمها لها "هل ما قاله صالح صحيح!" هزت الاخرى رأسها ايجاباً "لولا تدخل صالح امجا لكنت من الاموات الان" "لا سمح الله" "سنلحق بصالح امجا بعد يومين، ثم نرتب لمجيئكم" رد جومالي فاقداً الامل في عائلته "من سيلحق! يا بنت نقول انه يجب ان يعود لبيت العائلة وانتي تريدين الانضمام له! حزب المهاجرين" "ليس هكذا، الرجل الذي انقذ عمي صالح، ترك له اعماله يقوم بادارتها، بل لنقل ترك له ثروته ايضاً، وعمي يريد بدأ حياة جديدة بعيدة عن الاسلحة والمخدرات والكحول وكل ما هو سيء، وانا اوافقه الرأي، ولاكون صادقة الحفرة ليست مكاناً كهذا" رد جومالي متسائلاً "اذاً سيخرج من المستنقع!" فاتاه رد من ياماش "بل اتقن السباحة وفهم ان المستنقع ما هو الا وحل وطين" تفهم الاخوين حال ثالثهما، تركاه ليرتاح منهم قليلاً ليتنفس هواء لم يتلوث بسموم الحفرة، لكن لم يتركوه طويلاً...
في نهاية فصل الربيع..
"ألن أتخلص منكم!" "لن تفعل"...
بعد عدة محاولات اوصلتهم الى جدال بلا حل، وفي ذات نهار دافئ، ركن صالح سيارته في حديقة تطل على بحيرة، مكان جميل وهادئ، لا شائبة تشوب المكان "اختيار موفق كاراجا" ردت الاخرى فيما كانت ترتب الاغراض برفقة زوجة عمها "قلت لكم" ثم اقتربت من سعادات "لقد اخبرت اعمامي ان يأتوا الى هنا ايضاً، ليحلوا هذا النزاع ولا يطول اكثر" "ان تشاجروا لن اتدخل" اومئت الاخرى، فيما ابقت عينيها على الطريق "هل انهيت امور جامعتك؟ سجلتي للفصل القادم؟" "اجل، كل شيء جاهز، بقي ان نبدأ دراسة" "جيد، اين ذهب جيلاسون ولم يعد؟" الا ان الاخر ظهر من خلفها "هنا، احضرت بعض الحطب، رأيت سيارة في طريقها الى هنا.." لم ينهي كلامه لتصطف سيارتين بجوارهم وخرج كل من ياماش وجومالي منها برفقة بقية العائلة، استدار صالح متذمراً "ألن أتخلص منكم!" "لن تفعل" هتف ياماش فيما اقترب منه ووقف امامه "ولن يذهب اي منا لاي مكان حتى نعيد ترتيب امورنا" "ليس هناك ما نتكلم عنه، انتهى الكلام اساساً" "بالفعل، انتهى الكلام ولم ينتهي غضبك، لا اقول لك سامحنا وانسى، لكن لا تعزلنا هكذا! خرجت من البيت ومن الحي والمدينة، ثم اخذت عائلتك ولم نرى او نسمع اي شيء عنكم، سمعت عبر الاشاعات انكما سترزقان بطفل اخر، يا صالح، الى متى هذا العناد!" كان الاخر يقف صامتاً كعادته في اي جدال يدور بينهم "لن تتكلم كعادتك! تصمت وتنصت، وربما لا تفعل، هل تزيلنا من حياتك بهذه البساطة!" "بساطة! ها! هذا بسببكم، ما حصل لي بسببكم، يا هذا انا ما شأني ادفع ثمن اخطائكم! ما ذنبي اخطف واعذب بسبب تهورك انت وابن امك هذا! وفوق هذا تخليتم عني، تركتموني لوحدي، قلتم لطالما صارع لوحده، سيفعل ذلك مجدداً، سيجد طريقة ما مجدداً، كدت، اموت، بسببكم! الن يكفيكم ما مررت به.." "فعلنا ذلك، نعرف، ونحن نشعر بالذنب، يتآكل داخلنا ونحن نراك تبتعد عنا هكذا، لا يجوز، هذا ليس ما قد يريده ابي، فانت تعرف، العائلة كل شيء في نهاية المطاف، لهذا ستعود لتكون فرداً من تلك العائلة..." قطع كلامه لكمة من اخيه الاصغر، "اخرس ولا تتكلم عن العائلة وانت لا تعرف ما معنى عائلة!.." مسح الاخر مكان لكمة اخيه، فيما اندفع ياماش بينهما ليوقف القتال، لينال من حظه ما يحتاج، لكم الاخرين، وفرغ من غضبه القليل، لم يوقفه احد بل حاولا احتواء غضبه، احتواءه ليعود اليهم، ليضعا قطعة الاحجية في مكانها وتعود المساه لمجاريها...
"هل هدأت الان؟" مد جومالي كيساً من الثلج لكلٍ من اخوته،  لكنه لم يجد جواباً من صالح ليتبعه قائلاً "هذا جيد، يكفينا، كونك غاضباً ذلك.." اكمل ياماش من الطرف الاخر "سنمتصه، سنمتص غضبك، وسنعيدك الينا تدريجياً، يكفي انك لا تصدنا الان، اضرب اكسر لتعاتب وتصرخ، لكن لا تتجاهلنا، ولتأخذ وقتك" نقل الاخر نظره بين اخويه "لا تتفائلا كثيراً" اقترب ياماش وجلس مقابل اخيه "لن استسلم، لن نستسلم حتى تسامحنا، حتى لو احتاج الامر سنوات، لن اطالبك بالعودة الى الحي، لكن بعض الزيارات لن تضر، لن اريحك من شغبي ، ولا من اتصالاتي وكثرة رسائلي ، ولا من خوفنا عليك، وخوفنا من خسارتك، لهذا ستتقبل فكرة اننا سوياً، ثلاثتنا، الى النهاية" وما كاد صالح ان يتكلم حتى قاطعه جومالي "اولاً تركتنا وانت تقول شيء عن مشكلة بقلبك، ولا نعرف ما وضعك" "لا يهمك الامر، اخذ دواءً ليعالج الامر.." نهض ليذهب الا ان اخاه اوقفه حين بدأ كلامه "عدت من الموت يا هذا، ولم يستطع اي منا عناقك! جريح، فهمنا حالك، لكنك لا تسمح لنا بمداواتك، تجاهلتنا وقلنا تتألم، لكن الى هنا يكفي، سنكون سوياً، ستكون اخي الصغير، الطفل الجريح الذي يبعد الجميع من حوله لن يتقوقع على نفسه مجدداً، لتفرغ غضبك وخوفك بنا، نحن من تسببنا بجرحك هذا لنداويه، لتتركنا نداويه، لا تبعدنا هكذا" الا ان الاخر بقي يحدق في صمت باخوته، نطق ياماش لاحقاً "على الاقل، الصمت علامة الرضا، لتدعني اعانقك، وارجو ان تبادلني العناق انت ايضاً" انتهى كلامه متبوعاً بعناقٍ حار "اوف باي، كم اشتقت لك ايها العنيد" ثم اتبع "لا تتركني معلقاً كالاحمق وبادلني العناق" "انت تخنقني" "اصمت وبادلني العناق" ثم اشار لاكبرهم "وانت ايضاً، ما هذا الكبرياء يا صديقي!" رفع صالح يديه متردداً ليبادله العناق لكنه لم يفعل لم يستطع، فانضم اكبرهم اليهم، هنا بدأت مرحلة جديدة لاعادة اخيهم اليهم، ونهاية بارت اخر من سلسلة حكاية، نلتقي مجدداً بحكاية جديدة في وقتٍ ما..

الحفرة - حكايةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن