الجزء الخامس: معي لا تخافي من شيءٍ

661 50 10
                                    

حبست سحر نفسها في غرفتها طيلة أسبوعين تتحضّر للامتحانات بعدما شارف الفصل الأخير من السنة على الانتهاء. درس متواصل لا تُبعدها عنه إلّا تلبية دعوات أمّها إلى الطعام بعد وابل من الإصرار، عاهدت نفسها الحصول على درجة امتياز وستكون على قدر المعاهدة. أقفلت على قلبها بالمفتاح ومنعت عنه الأحلام لكن لم تقوَ على منع زمرّدتيها من رؤية بطلها عبر حسابه الخاصّ، ترنو إلى صوره خلسة، تتأمّل أناقته اللافتة وطلّاته الآسرة. مضى على لقائهما الأخير شهران، كلّ ما تعرفه من أخيها أنّ صاحب الشركة في باريس من أجل مشروع جديد، يبدو أنّه نكس بوعده، أين المتابعة التي أخذها على عاتقه؟ لكن أيحقّ لها المعاتبة؟ من هي ليخصّص يمان كريملي وقتًا لها؟ ألا يكفي أنّه أحاطها بكلّ الدعم كي تتخطّى صعوبة الإقلاع في مسيرتها الجامعيّة؟ بمَ تأمل بعد؟ حبّذا لو كلّ ما تتمنّاه تُدركه، إنّما لم يبقَ عندها سوى أمل وحيد وهو أن تكون عند حسن ظنّه كما وعدته وهي بالتأكيد ستفي بوعدها الصادق.

قرأ يمان الرسالة الخطّيّة التي وصلته في وقت متأخّر من الليل ثمّ أزاح غطاء السرير وأوى إلى النوم يحلم بلهفة اللقاء بعدما أضناه الشوق. غدًا تقلع طائرته إلى اسطنبول بعد فراق دام شهرين قضاهما في العمل والجهد من أجل إطلاق المشروع، ترك اسطنبول وما فيها لكنّه لم يترك حبيبته الصغيرة، يحملها في عقله وقلبه، لا تفارقه لحظة. يصله تقرير يوميّ عنها، عن كلّ تحرّكاتها بأدقّ التفاصيل، ليس لأنّه لا يثق بها، معاذ الله، بل لأنّه يريد أن يحميها ويرافقها رغم بعد المسافات. كان من الصعب أن يعترف لها بحبّه ويتركها للسفر وراء العمل، أجّل الاعتراف ريثما ينتهي من عبء مسؤوليّاته التي تضاعفت مع بداية المشروع. يعرف أنّ النتائج النهائيّة للامتحان ستُعلن غدًا وهو متأكّد من تفوّقها، فقد جهّز الهديّة لهذه المناسبة منذ وقت مديد، أيمكن أن ترفضها؟ لا بدّ من طريقة لإفراحها دون أن يترك احتمالًا ضئيلًا للرفض.

-------------------------------------------------------------------------------------------------

عادت سحر إلى البيت ظهرًا والفرحة تغمر قلبها، لقد أنهت سنتها الأولى بنجاح باهر استحقّ منحة دراسيّة للعام المقبل، تلقّفت الوالدة الخبر بدموع التأثّر، ترى وحيدتها تشقّ طريقها نحو مستقبل واعد بعد أن عانت من الحرمان في سيواس. مجيء صغيرتها إلى اسطنبول للعمل فتح أمامها فرصة العمر، حتّى سليم تغيّرت حياته، هي تدين لعائلة كريملي بجزيل الشكر والامتنان لقاء المعروف الذي لوّن حياة ولديها. خرجت إلى دكّان بجوار البيت للاتّصال بليلى التي كانت تنتظر على نار منذ الصباح، فوجئت بأختها تبلّغها عن رغبة السيّدة الكبيرة برؤية سحر والتي تدعوها إلى الفطور صباح الأحد المقبل.

عرّج يمان على الشركة فور مغادرته المطار، فغيابه الطويل جعل الملفّات المكدّسة تنتظر على نار، ما إن دخل مكتبه حتّى تلقّى اتّصالًا من مدير الجامعة يدعوه إلى حفلة تنظّمها كلّيّة الهندسة بمناسبة انتهاء العام ويشكره على الدعم الذي لا يوفّره من أجل الطلّاب والجامعة مثنيًا على وجوده. حتمًا لن يفوّت فرصة ملائمة لرؤية صغيرته، فهو يشتعل اشتياقًا للقياها ويحنّ إلى سماع صوتها الناعم يدغدغ عمق ثناياه.

خادمة القصرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن