الجزء الثالث: سيّدي

789 48 16
                                    

إستيقظت مريم على مكالمة صباحيّة من بهار تحمل أطيب التمنيّات للعام الجديد، طال الحديث بين الأمّ وابنتها البكر المقيمة في باريس منذ افتتاح الفرع الثاني لشركة كريملي للإنشاءات. سلّم يمان ابن أخته مسؤوليّة الفرع بعد تخرّجه من كلّيّة إدارة الأعمال ووضع تحت إمرته فريقًا محترفًا من المهندسين. شاتاي ألتشين شابّ طموح ناجح أثبت لخاله أنّه جدير بالمنصب الذي تولّاه. بعد موت زوجها، لحقت بهار بوحيدها إلى فرنسا كي تبقى إلى جانبه فقلّت زياراتها إلى اسطنبول، تأتيها أحيانًا خلال عطل الصيف.

تعمّد يمان النزول باكرًا إلى الفطور، يتوق إلى معرفة ردّة فعلها عند رؤيته بعد معايدة الأمس، سار صوب الطاولة فوجدها في صدد التجهيز، أطلّت من المطبخ تحمل الفطائر الطازجة وهي تدندن فرحة وما إن لمحته أمامها حتّى توقّفت عن الحركة وعلت وجهها ملامح القلق تتوقّع سيلًا من السخط وبلهجة لا تخلو من الخوف نطقت على الفور:

-حالًا سيجهز الفطور سيّدي

رفّت جفونه مبتسمة ترافقها هزّة رأس خفيفة ثمّ تقدّم منها يتناول الطبق من يدها ويضعه بهدوء على الطاولة وهو يقول:

-كلّ عام وأنت بخير

-وحضرتك سيّدي...

دخلت المطبخ بسرعة تنهي خفق البيض وهي تقول في سرّها:" منذ متى ينزل قبل موعد الفطور؟ يبدو هادئًا هذا الصباح على غير عادته، أجل... هادئًا، لقد عايدني..."،فجأة، شعرت بطيفه يتبعها، أدارت رأسها لتجده واقفًا وراءها كالجبل يسأل :

-أتحتاجين إلى المساعدة؟

-العفو من حضرتك سيّدي، دقائق ويكون البيض جاهزًا و...

توقّفت عن الكلام عندما عبقت رائحة عطره في أنفاسها، هي عينها التي شمّتها ليلًا: " أيمكن أن يكون هو صاحب المعايدة؟ حتمًا لاااااا، ما هذا التخريف سحر؟ لكنّ العطر هو نفسه، لاااااا، لا بدّ أنّني أهزي، كيف أسمح لعقلي الصغير أن يعطي هذا الاحتمال البعيد عن الواقع والمنطق؟" أعادها من جمودها استفساره الملحّ:

-و؟ أسمعك، ماذا كنت تقولين؟

-يعني... كنت أقول... وتبدأ حضرتك بالطعام، هذا كل شيء سيّدي

-متأكّدة؟ يعني، متأكّدة أنّ هذا كلّ شيء؟

-وماذا يمكن أن يكون غير ذلك سيّدي؟

-ما أتوقّعه

-لم أفهم... سيّدي

تحرّكت من مكانها وكأنّها تهرب من فضح أفكارها، جرت إلى المقلاة الحامية تصبّ فيها الزيت من الزجاجة وبحركة لا إراديّة ارتطمت الزجاجة بالمقلاة وكادت توقعها على الأرض لو لم تهبّ سحر لالتقاطها فأصيبت أناملها بحروق طفيفة. سحبها بسرعة إلى الصنبور يفتح المياه فوق المواضع المحمرّة:

خادمة القصرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن