أغلق إدريس الخطّ تعلو ملامح وجهه الحادّة بسمة احتيال ماكرة، يبدو أنّ الحظّ واقف إلى جانبه هذه الآونة وهو لن يوفّر جهدًا كي يبقيه دومًا في صفّه. أتته فرصة العمر لترفعه إلى مرتبة أولئك البشر ذوي النفوذ المتسلّط، بعد اليوم لن يقبّل أياديهم الملطّخة بالدماء لتسيير صفقاته المشبوهة، أصبح بدوره ذات مكانة مرموقة في خليّات الفساد والممنوعات. وعدُ الأمبراطور سيصبح قيد التنفيذ من دون أدنى شكّ، وكيف يشكّ بوعود أكساك يحيا القاطعة كالسيف؟ يكفي أنّه اختاره دونًا عن جميع تجّار المخدّرات لأنّه يثق بوسائله الانتهازيّة وطرقه الملتوية. نهض عن مقعد المكتب الوثير يسير صوب واجهة الزجاج العريضة يشيح بنظره إلى الخارج. إستطاع منذ أكثر من عشر سنوات أن يستر قذارة أعماله الدنيئة تحت قناع مزيّف، مكتب استثمار للعقارات من بيع وشراء في أضنة أبعد عنه الشبهات وسلّحه بمقام التاجر المتمكّن الذي تتسابق إلى مكتبه أهمّ الشركات.
وقف متشامخًا يتذكّر يوم أرسل الأمبراطور بطلبه ليوكّله ابتزاز زياد من أجل عمليّة غاية في السرّيّة، يسترجع كلامه بأدقّ التفاصيل: " دورك يقتصر على تهديد ذلك المغفّل، مقايضة صريحة، ينفّذ ما نريده مقابل دينه، نحن لم نختره صدفة لهذه المهمّة، هو من قادنا إليه، لدينا معلومات كافية لزجّه في السجن لكن نريده كالخاتم في إصبعنا... أمّا أنت يا عزيزي، فحصّتك حصّة الأسد، نحن نقدّر جيّدًا من يتعاون معنا ويسدي لنا الخدمات، كن مطمئنًّا، من الآن فصاعدًا ستتمتّع بامتيازات معتبرة... بحسب ما أذكر كنت مهتمًّا جدًّا بالأسواق الخارجيّة... أما زال عندك الاهتمام نفسه؟"
هو حلمه يتحقّق بعد هذه المخابرة الهاتفيّة، أخيرًا سيتمكّن من مجاراة أكبر الرؤؤس المهيمنة على هذه التجارة، إمبرطورها بشخصه ينعم عليه الآن بهذا الحقّ، شرطه أن يبقى اسمه خارج نطاق التداول وإدريس حتمًا لن يخلّ بالشرط إذ يعرف مسبقًا عواقب الإخلال، لن يكون غبيًّا ويستغني بيده عن حياته، يُدرك تمامًا أنّ اللعب مع الكبار يستدعي كامل الحرص والدهاء.
تشابكت المصالح الضيّقة سعيًا إلى اصطياد المآرب، صورة واضحة للهرم، رأس مدبّر مخطّط يستغلّ التابعين له ويتحكّم بمصيرهم لينفّذوا أوامره من دون اعتراض. هي فئة من البشر جُبلت بالشرّ تتلذّذ العيش في حفر الظلام و تشيد حصونها على أنقاض الغير.
--------------------------------------------------------------------------------------------
إستراحت القبل بعد الانهمار تعيد السكون إلى الأجواء لتترك الساحة إلى الأيادي تحتفل متراقصة بانتهاء الفراق، وما إن لامست أصابعه يمناها حتّى تنبّه سيادته إلى غياب الخاتم فرفع نظره صوب الملكة مستجديًا رجوع الأمانة، إستجاب الزمرّد إلى النظرة في الحال ليسلّم الصوت انطلاق الكلام تواكبه إشارة خفيفة من الرأس تميل ناحية الصندوق:
-خبّأته... هناك
أخرجه من الصندوق متلهّفًا يُسكنه دياره يثبّت هويّة انتمائه، وحين اكتملت مراسم التثبيت تنهّد متوسّلًا: