توقّفت سيّارة الأجرة أمام أسوار القصر قرابة العاشرة صباحًا فترجّلت عدالت عائدةً من عزاء ابن عمّها على عجلة تلتحق بالوظيفة، ألقت التحيّة على رجال الأمن الواقفين قرب البوّابة ليبادرها سعيد أحد الحرّاس:
-عليك الإسراع في الدخول، السيّدة الكبيرة تنتظرك على نار للذهاب إلى المستشفى
-أعرف، كلّمتني مساء الأمس واستعجلت حضوري، هل من جديد في وضع الآنسة سحر؟
-كلّ ما أعرفه أنّها مازالت في الغيبوبة
-أللهمّ ألطف بشبابها، يا لهذه الكارثة التي حلّت على سيادته!
---------------------------------------------------------------------------------------------------
خرج من الغرفة المخصّصة لراحته بعدما غيّر ملابسه وتناول كوبًا من الشاي وفطيرة صغيرة من الجبن نزولًا عند إصرار والدته التي كلّمته عبر الهاتف، تستحلفه بروح شقيقه ألّا يهمل صحّته، أراحت باله بمواساة الكلام فأزاحت عن قلبه غشاوة السواد:
- سحر ستعود إلينا، أنا متأكّدة، قلبي بارد، يكفي أن تسلّم أمرها إلى الله، فهو قادر على كلّ شيء، عدني أن تهتمّ بنفسك، يجب أن تراك قويًّا عندما تصحو
سلك الممرّ المؤدّي إلى العناية يرافقه جينغار يحمل الشاي إلى جميلة في غرفة الانتظار وقد أوصلها سائق القصر باكرًا رغم صداعٍ يأبى أن يتركها. كانت جالسة في إحدى الزوايا عندما أطلّ من الباب فوقفت بسرعة تركض نحوه تسأله متلهّفة عن حالة ابنتها، قابلها بذراعين مفتوحتين يضمّها إلى صدره ثمّ سحبها بهدوء إلى مقعد كبير، ساعدها في الجلوس وأخذ مكانًا قربها ممسكًا بيديها يقول مراعيًا خوفها:
-سيّدتي، سحر ستكون بخير، أريدك أن تطمئنّي، أعرف مدى خوفك لكن بقوّة الله ستعود إلينا، أريدك أن ترتاحي في القصر، سحر لا تسمح لك بالنهوض عندما يرتفع ضغطك، أليس كذلك؟ إعتبريني ابنًا لك واسمعي كلامي أرجوك، والدتي ستصل قريبًا، عديني أنّك ستغادرين معها حين تنتهي الزيارة، لا يمكن أن ت في هذا الوضع جالسة على الكرسيّ طيلة النهار
سكت قليلًا متنهّدًا ثمّ قال بكلّ ثقة:
-حين تصحو سحر... من المستحسن أن تراك بكامل عافيتك... أعدك أن آتي بك إلى المستشفى على جناح السرعة عندما تستعيد وعيها
سالت دموع جميلة متأثّرة فأحاط سيادته ظهرها بذراعه يربّت على كتفها مواسيًا:
-سترين أنّها ستعود إلينا
مسحت عبراتها الساخنة بيد مرتعشة ثمّ قالت بصوت يصارع اليأس:
-إن شاء الله، وحيدتي ستتغلّب على المرض
أزاحت وجهها عن صدره ثمّ أكملت:
-أنا فعلًا بتُّ أعتبرك كابنٍ لي، سيادتك الابن الذي لم أنجبه، حبّك واحترامك لوحيدتي يكفيان لجعلك بمثابة الضنى، أعاد الله صغيرتي سالمة لتفرحا سويًّا بحياتكما