الجزء الأول

1.5K 68 12
                                    

بقلم ندوش🐝

ذاك الغريب كان  ک قديس غريب الأطوار لم أراه يتكلم يوماً، حين وطأت أرضه متعمدة كان الخوف يتملكني دون أن أدرك السبب، قال لي : أهلاً بكِ في مقبرتي... "اذاً فهذا هو سبب إرتعاش قدميّ "
سألته كي أخفي بعضاً من إرتباكي وهل القديسين يسكنون المقابر أم يقطنون الصوامع...
أجابني : هم يسكنون في أي مكان
بعيداً عن البشر ولا بأس إن كانت خالية أومظلمة.....
إذاً هو لايبالي بالنور لأن الظلام بداخله
"جميلة تلك العتمة التي تجعل الإنسان خالياً من كل شيء
من السعادة ومن الحزن ومن الهموم ومن المشاعر ومن الأوزار والخطايا التي قد يحملها رغماً عنه ولا يعنيه أي خراب يحوم حوله " تلك هي كلماته كانت عميقة جداً أكثر من كونها مجرد كلمات كنت أراها أشلاء روح مبعثرة وكأنه قرأ أفكاري
قال لي: روحي تبلدت وأصبحت خاوياً  لدرجة أن الاشياء تعبر من خلالي دون إن تقف أو تعلق بي تماماً گ جسد ميت أو شبح  نسجه الوهم
فأجبته ألا تجد أن تكون متبلد الروح خير لك من أن تحمل الألم وأنت مجبر على الصمت وأن ذاك الفراغ الذي سكنك ما هو إلا سلامٌ روحيّ نحن بحاجة له في زمن بات لا يحمل إلا الوجع أنا مثلك أفضل العيش بعيدة وحيدة منفردة بقلب ميت وروح شريدة خير لي من لسعات الإقتراب وصدمات الخيبة وضجيج البشر ربّما هو الإرتقاء إلى القاع أو كما قلت لي هبوط نحو القمة..🥀🥀🥀
🦋🔥

الإثنين بداية اسبوع جديدة لكن سحر احست بانها ستكون مرهقة و كئيبة كنفسيتها المتكدرة، مازالت سهرة يوم السبت تلقى بظلالها على روحها المرهقة، كم تحملت هذه الروح و كم مازالت ستتحمل، ضربات متتالية تصيبها دون توقف، منها المادي و منها المعنوي، تجاوزت المادي منها بعزيمة و اصرار ووقوف أفراد عائلتها إلى جانبها في كل دقيقة كانت تمر عليها، اما المعنوي فلم تجد له علاج غير الاعتماد على نفسها و محاولة نسيان الماضي، كان الوقت قبل الغروب بقليل موعد عودتها للمنزل و كان الطقس في ذلك اليوم مغيم شديد العتمة، جاءت سيارة وهي تسير بسرعة جنونية فاختطفتها فجأة و القت بها على الرصيف بكل عنف، إسعاف، عمليات مستعجلة، ايام في المستشفى لتعود بعد ذلك للبيت الذي يحتضنها على كرسي متحرك و لكن بمعنويات صابرة و متجلدة، مرت الايام ثم الاشهر و الأطباء يبذلون جهودهم لإعادة حركتها لها من جديد، تمكنت من الجلوس بعد أشهر ثم ابتدأت بالسير خطوات قليلة تستند فيها على عكازات، بذلت عائلتها الغالي و النفيس من أجل استكمال علاجها، باعت الأم كل صياغتها، الاب الحنون حذا حذوها و باع البيت القديم الذي ورثه عن عمته ثم باع قطعة الأرض التي كان ينوي ان يستغلها عندما يحال على التقاعد، رهن أجره الشهري للبنوك و اكتفت العائلة بما يكفيهم قوت يومهم فقط، كل سعى من جهته، حتى اخوتها الأصغر منها نازلي و روان تخلو عن النوادي المدرسية و الدروس الخصوصية ليوفروا ثمن العلاج لقلب العائلة كما يسمونها هم، أمام اصرار عائلتها فعلت سحر المستحيل لنقف على رجليها من جديد، تحملت كل مراحل العلاج و الحصص الكثيرة لإعادة الحركة، تمسكت بإرادتها و نجحت في استعادة خطواتها من جديد، لم تنتظر كثيرا بعد شفاءها الذي اكتمل بعد ثلاث سنوات من العذاب و المعاناة، فقررت العودة لعملها بقسم المحاسبة في احد مصانع الأدوية بالجهة،السيد عابدين رئيسها في العمل كان أكثر الفرحين بعدوتها، لقد قد تعرف عليها في احد فترات تربصها أثناء دراستها الجامعية فوجد فيها كل مميزات المساعد النشيط، ذكية و مؤدبة إلى جانب تميزها الدراسي، ما إن انهت تعليمها حتى سارع لانتدابها و الحاقها بفريقه، اثبتت جدارتها في العمل و احتلت مكانتها بين بقية الموظفين،توطدت علاقتها برئيسها حتى أصبح بمثابة الأخ الاكبر لها تستشيره و تحدثه بكل أمور حياتها...
_صباح الخير يا زميلة، ما هذا النشاط الغير معتاد
_صباح الخير زهرة، مزاجي بحالة سيئة منذ يومين، احتاج فنجان قهوة ثقيل لأعرف كيف أبدا يومي..
_يعني هذا انك لم تشربي قهوتك في البيت....
_لا تسألي عن قهوة البيت، أنت تعرفين هوس أمي بصحتي، أحيانا افكر بالرحيل و لا أريها وجهي مرة ثانية لكثرة تدخلها في حياتي و عاداتي اليومية، لا تشربي هذا، لا تجلسي هناك، ابتعدي عن تلك…..
_اتمنى من كل قلبي أن تصبحي ذات يوم أم و عندها ستتفهمين تصرفات والدتك، عندما تخاف الأم تصبح تصرفاتها لا تفهم، انا مثلها مع أولادي...
_أتفهمها و لكن افقد السيطرة على نفسي أحيانا.
_افهمك عزيزتي فالذي مررت به ليس سهلا لكن اثبتت أنك ذات عزيمة من حديد، سأحضر لك القهوة بنفسي قبل مجيء السيد عابدين..
_ألم يأتي إلى الآن، و أنا أتساءل لماذا لم يطلب الملف لغاية هذه اللحظة...
_صباح الخير، ها قد أتيت، سحر جهزي الملف و تعالي إلى مكتبي بعد عشر دقائق..
_حسنا..... ابتدأ النشاط مبكرا، لأشرب قهوتي في هذه المدة...
_هل أحضر لك معها شيء تأكلينه...
_ارجوك زهرة القهوة فقط، لا ارغب في شيء الآن...
بعد عشر دقائق دخلت سحر لمكتب عابدين ووضعت الملف أمامه
_احسنت،قمنا بكل المراجعة نهاية الأسبوع الفارط لم يتبقى غير جمع بقية الوصولات.
_سيحضرها عامر عند الساعة العاشرة، اتصلت به وهو في الطريق...
_في هذه الحالة كل عملنا جاهز و الفضل يعود لك دائما، لكن مزاجك متعكر لماذا؟!! نحن مازلنا لم نبدأ الاسبوع بعد.....
_لا تهتم لمزاجي، سأحسنه بالعمل...
_ما تفعلينه ليس حل، كلما اعترضك مشكل في حياتك تدفنين نفسك في العمل لتنسيه..
_أرجوك لا تبدأ أنت أيضا بالمواعظ منذ الصباح، اخذت ما يكفيني لكامل النهار...
_حسنا دعينا الآن في الشغل ثم ستاتين معي لتناول الغداء و نتحدث.....
عند الظهر، اختار نديم مطعم للوجبات السريعة يوجد بجانبه مقهى قصدوه لشرب الشاي قبل العودة لعملهم
_هل مازالت سارة عند والدتها
_اجل، مازالت الأم مريضة و لم تتحسن حالتها، اشتقت للأولاد لكن ما باليد حيلة...
_لم تذهب لزيارتهم يوم أمس
_كنت سأذهب لكن جاء نديم صديقي من أسطنبول فانشغلت معه،نعود لموضوعك، ماذا حدث معك، كنت متحمسة لحفلة الخطوبة..
_لقد نسيت أن اتصل بسارة لأشكرها على اختيار الفستان، جميل أنك ذكرتني..
_افهم من هذا انك كنت ساحرة و اطرت عقول الشباب هناك
_لم انتبه للعقول المأخوذة بجمالي، فقد فسد مزاجي من اول نصف ساعة....
_أصبحت نارية جدا، بهذا الشكل لن نجد عريس يرضى بك، هذا الوضع لا يعجبني..
ضحك عابدين عندما كشرت وجهها بسخرية،
_لو كنت مكاني لذهبت في حينك و اشتريت مسدس لتفرغه في صدر الخبيثة...
_هي ثانية، وقحة، ماذا تريد أيضا، غدرت بك و تزوجت من خطيبك، ماذا تريد أيضا...
_لا هم لها في هذه الحياة سوى تنغيص حياتي، ابتدأت بمضايقة نازلي بغية إثارة انتباهي بعد أن تأكدت في مرات سابقة بأنني لن ادخل في جدال معها، ثم اندفعت أمامي وهي تتظاهر بأن روحها حلوة و ترغب في نسيان الذي حدث، طبعا هي تفعل ذلك لتثير تعاطف بقية الصديقات بعد أن نبذنها....
_ و أنت لا تعرفين للنفاق طريق فانفجرت فيها....
_لا ليس لهذه الدرجة فلن اجعل من نفسي مثار للشفقة أمام الحضور، أقسمت منذ زمن أنني لن انزل لمستواها و لن ادخل في جدال معها مهما فعلت،غادرت الطاولة التي كنت اجلس عليها مع بقية الشلة و تركتها تغلي هناك، أخبروني بعدها أنها بقيت تتذمر من تصرفاتي و بأنني نسيت اننا كنا أصدقاء في يوم ما، تصور نفسها بأنها الضحية دائما....
اختنقت بعبراتها، فأخذت كأس الماء الذي أمامها و شربت منه جرعتين لتمنع نزول دموعها، مازالت تحترق و لا تجد من تتحدث معه غير رئيسها في العمل، عائلتها، خالتها جميلة،صديقاتها جلهم ينظرون لها بعين الاجلال و يتخذون منها نموذجا في القوة و قدرتها الكبيرة على تجاوز محنها، لكن لا احد فيهم فكر أن يزيل الغلاف الخارجي للقلب المكسور حتى يعرف حجم الدمار الذي به،تتظاهر أمامهم بالقوة و رباطة الجأش فيصدقون هم ما يشاهدون.......
تعرفت على سليم في الجامعة، كان أكبر منها بأربع سنوات، نشأت بينهم صداقة تحولت سريعا لقصة حب جميلة توجت بخطوبة دامت سنتين، حتى حصول الحادث لها، اهتم لها في باديء الأمر ثم أصبحت زياراته تقل و كان يتحجج بالعمل و المسؤوليات، تضع له الأعذار و تتفهم ظروفه حتى جاء اليوم الذي عادت فيه والدتها من السوق غاضبة و حزينة، التقت بإحدى جارات عائلة سليم التي ابلغتها انهم يفكرون في فسخ الخطوبة فالفتاة من وجهة نظرهم مازالت أمامها رحلة علاج طويلة، لم تخبرها امها بكل هذا لكن شقيقتها نازلي سمعتها تتحدث مع خالتها في الهاتف، فتاة في بداية العشرينات من عمرها مازالت لا تحسن تقدير العواقب، أسرعت لأختها و اخبرتها بكل ما سمعته، استقبلت سحر طعنة الخنجر بدم بارد و كأنها كانت تنتظر هذا اليوم منذ فترة، احست بهذا ما إن صار خطيبها يتغيب عن زيارتها بالشهر و لا يتصل بها بعد أن تنهي إحدى حصص العلاج، أرادت أن تكون لها الخطوة الأقسى، فكرت كثيرا ثم قررت أن تنهي بنفسها كل شيء و تتحمل النتائج لوحدها، لم تعارضها عائلتها، تظاهر سليم بانكسار خاطره و اتهمها بأنها لم تراعي ظروفه و بأنها اتخذت قرارها بناء على افتراءات الآخرين، لم تستمع إليه و اكتشفت بعد ستة أشهر أن ما فعلته خير قرار لمصلحتها، هايدي صديقتها المقربة من ايام الثانوية، كانت بمثابة التوأم لها، نموذج حي للصديقتان الحميمتان، هذه الصديقة لم تعجب السيدة ناريمان يوما، كم من مرة دخلت في صدام مع سحر لأجلها، كانت تصفها بالانتهازية و صائدة الفرص،رؤية والدتها للأسف كانت صحيحة، فالصديقة المقربة دخلت بسرعة في حياة سليم و استحوذت عليه ثم تزوجته، ظهرت جليا قوة حب خطيبها الذي لم يحاول حتى مرة واحدة ان يعيد المياه لمجاريها و ظهر المعدن الصدأ للصديقة التي كانت تعرفها منذ خمسة عشرة سنة، طعنتان بنفس الخنجر و بنفس القوة قسمتا قلبها لنصفين،روح مكسورة و جرح بشع في جسمها، آثار لذكريات قاسية ترهق روحها كلما وضعت رأسها على الوسادة للنوم.....
_تلك الانسانة و زوجها لم يعد لهم مكان في حياتي، لا مجال حتى للشفقة عليهم، ما يثير حنقي هو انهم جعلوني افقد الثقة في أنبل شعور يمكن أن يحسه بشر، الصداقة و الحب، مازلت أجد صعوبة في تقبل الآخرين اما الجنس الاخر فحدث و لا حرج، أصبحت أرى الرجال و النساء سواء....
_مازال جرحك لم يندمل كما ينبغي، مازالت أمامك فرص كثيرة و جميلة للحياة.....
_بعد خمس سنوات و تقول لي لم يندمل،لا أعرف اذا كنت سأجد له علاج ذات يوم....
انتهى يوم الاثنين ممل كما ابتدأ، جاءت الثلاثاء مثله، يوم الأربعاء ابتدأ ممل و هادئ لكن انتهى متعكرا، تأخرت سحر في العودة من العمل هذا اليوم ثم زاد المرور لشراء بعض الأغراض من تأخرها، كانت تخرج من المحل التجاري الذي بجانب حيهم عندما استوقفها صوت نسائي، توقفت لتتأكد من صاحبة الصوت بعد أن شكت في معرفته لتجدها هايدي، كانت تنتظرها على ناصية الشارع لتتحدث معها
_ماذا تريدين أيضا، لقد تأخرت كثيرا عن البيت....
_اريد ان تبتعدي عنا...
_عمن سابتعد،لقد سئمت من الاعيبك التي لا تنتهي...
_انت تدعين انك لا تفهمين ما أقول، ابتعدي عن زوجي....
_انت من جننت، ما شأني انا بزوجك، أنا لا انظر له حتى لو مر أمامي....
_زوجي مازال متعلق بك و إذا لم يجد تشجيع منك فلن يفكر في إمرأة غيري، اعرف انك ترغبين في الانتقام مني، لم تحتملي انه تركك و تزوج بي....
_ابحثي جيدا عن المرأة التي اخذت عقل زوجك، أنا لا شأن لي بكم...
_لماذا لم تتزوجي لحد الآن إذا، تقدم عديد الشبان لخطبتك لكنك رفضتي، هذا يعني أنك مازلت تفكرين في سليم، احرق الدنيا و لا اتركه لك......
_احتفظي به لنفسك، اما مسألة زواجي فلا تخصك
همت ان تتركها و تذهب لكن هايدي امسكتها من سترتها و إدارتها اليها
_اذا لم تبتعدي عن حياتي سألفق ابشع التهم عنك و اشوه سمعتك، هل نسيت انك كنت تذهبين في رحلات مع خطيبك السابق...
_أيتها الحقيرة تعلمين جيدا أنني طاهرة و كل الرحلات التي ذهبنا فيها كانت رحلات جماعية.
_سيصدق الجميع ما أقول، سترين تأثير ذلك على والدك الرجل الفاضل...
لم تعد سحر لديها طاقة لاحتمال أذية محدثتها، فحملت أغراضها و هربت إلى البيت، كيف لم تفهم هذه الحية من قبل، لا تترك فرصة دون أن تبث سمومها و احقادها عليها،قضت الليل بطوله تفكر في المصيبة التي نزلت عليها، مازال والدها يقيم وزنا للأخلاق و المباديء حتى تطبعت هي بآرائه و بقيت نقية رغم اندفاع مشاعرها أحيانا....
يوم عمل جديد، لا يختلف عن الأيام السابقة فقط زاد فيه صداع رأسها و تعكر مزاجها، تأخرها في النوم و كثرة التفكير جعلاها فريسة لصداع رهيب ألم بها.......
_زهرة لماذا تدخلين مسرعة هكذا...
_سحر اسرعي السيد عابدين ينتظرك في مكتبه...
أسرعت لمكتب رئيسها فوجدته في غاية الإرتباك
_هل طلبتني، ماذا هناك...
_هل انت من أنجز هذا الملف
_اجل طوال صباح اليوم و انا اعمل عليه...
_يا الاهي لا أدري مابك، كدت ان أخذه للمدير دون مراجعة لأنه جاء من طرفك، لا يوجد به جدول واحد صحيح، كل الجداول قلبت رأس على عقب.....
اختطفت الملف من أمامه و تفحصته، وجدته كما وصفه لها، لا توجد به خانة صحيحة.
_انا اعتذر منك جدا، حالا سآخذه و اصلحه..
_طبعا اصلحيه فلا احد من زملاءك سيتحمل عنك هذه الأخطاء.......
بقيت تنجز عملها الناقص حتى خلى المبنى من الموظفين و لم يبقى غيرها و السيد عابدين و الحارس، انهت الملفات و اخذتهم لرئيسها
_أحسنت هذا هو عملك، أصابني الرعب عندما علمت ان تلك الأخطاء الكارثية انت من قام بها، هل نزل جن فوق رأسك...
_بل نزلت جنية عليها اللعنة...
اوصلها عابدين إلى بيتها حتى لا تتأخر أكثر، كانت تهم بالنزول عندما استوقفها للحظات
_ماذا بك سحر اليوم، هل لديك مشكلة، قد أساعدك بتجاوزها..
_لن تستطيع مساعدتي، لا تزعج نفسك بي...
_هاتي مشكلتك و سترين كيف ساحلها لك...
_حسنا طالما أنك مصر لك ذلك، جد لي عريس بأسرع وقت.
💚💚💚
انطلق الغراب يسابق الرياح بين السهول الخضراء، فرس أصيل اسود اللون، جامح و صعب الطباع لم يستطع أحد ترويضه غير سيده الذي ما إن يمتطي صهوته حتى يتحول الفرس و الفارس لكيان واحد، كان الثنائي يشكلان لوحة طبيعية جمعت القسوة و الكبرياء؛العنفوان و القوة،اقتناه يمان في إحدى المزادات منذ ثلاث سنوات، رأي فيه كائن يشبهه متمرد و كثير الحركة، اشتراه بثمن باهض و جلبه الي مزرعة الخيول التي ورثها عن جده، ورث عنه أيضا عديد الأراضي و المصانع و سفن الشحن، كان جده رجل من الطراز القديم، ثري لكنه قاسي القلب حد التحجر، لم يظهر عطفه لحفيديه التوأم و الوحيدين، يمان و يلتشين،ابناء ولده الذي مات في ريعان الشباب، استحوذ الجد على الصغيرين بعد أن قام بطرد امهما و تكفل هو بهما، عادت الأم لأهلها ثم تزوجت بعد سنتين من موت زوجها،ظن يمان أنها تخلت عنهم لما علم بزواجها و كان يبلغ من العمر  عشر سنوات حينها، نشأ الصغار مع جدهم الذي لا يعرف غير القسوة، سلطت اغلبها على يمان الذي يتلقى دائما نصيب أخاه من العقاب، هكذا كان يفكر فقد كان يلتشين أضعف بنية منه و أكثر حساسية و قدرة على تحمل صعاب الحياة، تربى الولدان و هما لا يعرفان عن الحنان شيئا الا ما يتبادلانه بينهم، و ما إن بلغا الرابعة و العشرين من العمر حتى توفي جدهما و ترك لهما إمبراطورية مالية كبرى، تسلم يمان هذه المرة أيضا دفة السفينة و انصرف أخاه ليستمتع بالحياة التي كانت محرمة عليه، عشر سنوات مرت و الاخوان أحدهما يعمل ليلا نهارا و يزيد من حجم إمبراطورية الكيريملي، جمع الأرباح و الأصدقاء و الاعداء اما الاخر فكان يكتفى باللهو و أنفاق المال، ظهرت انجي في حياته او اعترضتها قصدا، تعلق بها ثم تزوجا،تحولت العروس البريئة بعد فترة قصيرة إلى إمرأة طموحة و صارت تسعى وراء مغريات الحياة دون الالتفات لحاجيات زوجها المتيم بها، أصبحت تنفق الأموال ببذخ حتى قضت على أسهمه ثم أصبحت تحرضه على المطالبة بنصيبه في الإرث، كان يمان يراقب من بعيد تصرفات و جشع زوجة شقيقه لكنه لا يحرك ساكنا حفاظا على علاقتهم الأخوية، لكن الأمر تطور بسرعة بينهم عندما طفت قصة الميراث للسطح ليكتشف يلتشين أنه أضاع كل ثروته و لا يمتلك إلا بضع اراضي و أسهم قليلة، جن جنون زوجته و اتهمته بأنه سمح لاخاه بأن يخدعه، لم تتصدع علاقة الأخوين كثيرا فيلتشين مازال يعتبر يمان عائلته الوحيدة، هجرته انجي ثم عادت بعد ستة أشهر عندما اقترب موعد ولادتها، استغلت المولود لابتزاز زوجها مرة أخرى، تفاقم حزنه و عادت له انتكاسات الماضي المرضية، التهاب رئوي حاد، لم يستطع الأطباء إيجاد علاج له  وضع نهاية لحياته، سارع يمان لأحتضان ابن شقيقه و الاهتمام بوالدته الا ان هذه الأخيرة بان لها رأي آخر و أصبحت تبحث عن طريقة للاستحواذ عن المال و الشباب، ما إن احس يمان بنواياها حتى اخرجها من حياته و ابعدها عنه، لم تحتمل تصرفه هذا فقررت أن تبعد ابنها عنه و الزواج من احد الأثرياء....
سنتان و نصف لم يشاهد فيهما يوسف رغم محاولاته المتكررة للوصول لاتفاق مع والدته، فشلت كل مبادراته التي قام بها من أجل احتضانه و إعادته لبيته،أنفق أموال طائلة لكن لم يتبقى أمامه غير حل واحد وجد نفسه مضطر لان يقوم به،عليه ان يتصل بمحاميه نديم بأسرع وقت، لكز حصانه بطرف الركاب و عاد مسرعا إلى القصر....🔥🦋🔥

فراشة وسط اللهب حيث تعيش القصص. اكتشف الآن