الجزء الثاني

640 56 8
                                    

بقلم ندوش🐝

وصل نديم الي مزرعة الخيول بعد ساعة من اتصال يمان به، العلاقة بينهما تمتد لأكثر من عشرين سنة عندما كان نديم لا يزال طالبا في كلية الحقوق، كان من عائلة محدودة الدخل فأخذه يمان للعمل معه في إحدى شركاته حتى يتمكن من توفير مصاريف دراسته
_مرحبا يمان، اقلقني اتصالك، ماذا هناك.....
_اجلس نديم لنتحدث، فكرت مطولا في الاقتراح الذي طرحته علي يوم أمس،قررت أن أتزوج........
_خبر رائع، هل اخترت العروس، أنت لن تجد صعوبة في ذلك فالعروس من ستبحث عنك و ليس أنت ههههه...
_لم إختر شيء لغاية الآن  لكن فكرت في المواصفات، جد لي فتاة ليست من اسطنبول و لا يعرفها أحد، لا مشاكل في ماضيها و لا في حاضرها........
_ما هذه المواصفات، ظننتك ستتحدث عن عروس بعينها أو تريد عروس بمواصفات معينة لماذا اخترت عروس مجهولة لهذا الحد.
_لأن زواجي سيكون مؤقت لسنتين فقط حتى احصل على حضانة يوسف، ثم يذهب كل واحد منا لحال سبيله......
_ما هذا الجنون الذي تتحدث به،هذا الأمر لو اكتشف قد يعقد الأمور اكثر.....
_لهذا يجب أن تكون كل خطوة نخطيها مدروسة مائة في المائة، و أهم شيء السرية التامة في الموضوع، لن يعلم به غيرك حاليا..
_لا أعلم ماذا أقول، لكن بالأخير هذا قرارك..
_ليس لدينا وقت تحرك بسرعة، لا أريد أي خطأ بسيط، حاول أن تمسك بزمام الأمور جيدا، الإتفاق معها يكون جدي جدا و بدون تراجع تحت أي ظرف....
قصد نديم مدينة ازمير ،لديه مكتب صغير هناك يدير به اعماله في المدينة و المناطق المجاورة، هذه المرة ذهب في مهمة خاصة و غريبة، البحث عن عروس لمعلمه، ألغى فرضية البحث في اسطنبول، فرغم ان المدينة كبيرة الا ان شهرة يمان كيريملي ذائعة الصيت و اي عروس له ستكون محل تدقيق من الجميع،قضى اليوم بطوله لم يغادر مكتبه وهو يقلب الأوراق و يفكر حتى رن هاتفه الخلوي
_مرحبا عابدين، كنت افكر في الاتصال بك لتناول العشاء معا..
_اهلا نديم، هل انت هنا في ازمير، انا اتصلت بك لأستشيرك في مسألة قانونية تخص أحد اقاربي.....
_حسنا اذا لنلتقي هذا المساء و نتحدث.....
تناول الصديقان العشاء في احد الأماكن الجميلة ثم توجها لمقهى على البحر و جلسا هناك للتحدث، طرحت مسألة صديق عابدين و تناقشوا فيها مطولا حتى وجدا لها حل، بقيت قصة نديم التي ظلت تشغل تفكيره طوال الوقت، هل يستشير صديقه بها لكن قد يتحول الموضوع للتندر و السخرية، تردد كثيرا ثم قرر أن يجرب حظه
_اسمعني جيدا عابدين، أريد أن استشيرك انا ايضا في أمر، هي مسألة معقدة قليلا...
_طبعا هات ما عندك، سيكون من دواعي سروري أن ارد لك خدماتك لي....
_أرجوك لا تتحدث هكذا فنحن أصدقاء، المسألة مستعجلة كثيرا و لا تحتمل اضاعة الوقت، يعني من الجيد لو ننتهي منها بسرعة، هل تستطيع أن تجد لي عروس
عابدين الذي كان يصغي لحديث صديقه باهتمام وهو يهم بترشف قهوته، انزلقت يده و انسكب المشروب الساخن عليه، صرخ و لعن الحظ السيء، تجاوز فوضي القهوة المنسكبة ثم عاد لجنون صديقه
_لماذا تبحث عن عروس و انت متزوج، هل ستطلق خديجة و أنت عندك ولدين....
_أرأيت المشكلة التي أنا بها، أنت لمجرد أنني اقترحت عليك ذلك ذهبت لأسوأ الاحتمالات، العروس ليست لي بل للسيد يمان..
_يمان !!! هل هو نفسه السيد يمان الذي تتحدث عنه دائما...
_هو بعينه، يرغب في عروس بمواصفات خاصة جدا و بشروط غريبة....
_رجل مثله لماذا يتزوج بهذه الطريقة، هل يوجد في الأمر ما يثير الريبة.....
_انا في الحقيقة تحدثت معك لأنه لا يوجد أحد أبثه الأفكار التي ستجنني،مستحيل ان أتحدث بهذا مع زوجتي فالأمر شديد السرية و لا مجال للعبث فيه،المسألة لها علاقة بحياته العائلية، السيد يمان صعب المراس و لا أحد يستطيع أن يقف في طريقه لكن ليس لديه أشياء تثير الخوف او الريبة، هو أيضا في شخصه نزيه جدا.....
_طمئنتني،خفت في البداية انك قد تكون قررت أن تعتزل المحاماة و تشتغل خاطبة..
_أرأيت الإحراج الذي أنا فيه، و يشترط أيضا السرعة في إيجاد هذه العروس.......
عادت سحر إلى بيتها بعد ساعتين قضتهم في الخارج بعد أن اتصل بها رئيسها في العمل لمسالة مستعجلة، التقت به في احد المقاهى القريبة أين تحدث إليها بهذا الموضوع، ما إن استمعت لحديثه حتى انفجرت ضاحكة و لفتت أنظار الحضور اليهم، ثم استعادت هدوءها وظلوا يتناقشون مطولا، تحمس نديم لفكرة صاحبه لكنه عندما عرض الأمر على سحر شعر بالإحراج الشديد و تراجع عن الموضوع، استمرت سحر تراوغه و تسخر من اقتراحه و هما يضحكان حتى باغتته بجملتها الأخيرة ،أنا موافقة و سأذهب لأقابل صديقك المحامي غدا......
كان مكتب المحامي نديم صغير لكنه مريح، جلست تنتظره في صالة الاستقبال بعد أن أخبرت السكرتيرة بأنها من طرف عابدين، لم تنتظر كثيرا حتى وصل المحامي و طلب من السكرتيرة ان تمنع دخول اي احد عليهم أو اتصال هاتفي
_تفضلي آنسة سحر، سنتحدث في مكتبي.
طلب ان يجلبوا لهم فنجاني قهوة، ثم أغلق الباب وراءه......
_هل ملفك كامل، به كل المعطيات....
_أجل وضعت به كل الوثائق التي تخصني..
_احسنت، في الحقيقة عابدين ليست المرة الأولى التي يتطرق في حديثه معي عنك اي أنني أمتلك فكرة صغيرة عنك، لكن المسألة هذه المرة مختلفة و أصبحت بيننا نحن فقط، انا طلبت من عابدين ان لا تأتي إلى مكتبي إلا إذا كنت متأكدة من قرارك بالموافقة حتى ننهي جميع الإجراءات، الأمر مستعجل كما تعرفين....
_ماذا أي إجراءات منذ البداية، الن اعرف من هذا الرجل، كم يبلغ من العمر إلى غير ذلك...
_اجل بالطبع ستعرفين لكنك وافقت مسبقا و لم يتبقى غير الأمور الشكلية، سيكون زواج مؤقت لمدة سنتين و هذا أمر تعرفينه، كل المظاهر ستبدو حقيقية من خطوبة و زواج، يوجد هنا ملف به كل المعلومات عن السيد يمان، طبعا التي يرغب في أن تعرفيها، معها أيضا اتفاقية تحدد الوضع بينكم حتى لا يقع ظلم او سوء تفاهم، خذيه و افحصيه جيدا و غدا الاثنين نلتقي و نكمل الحديث، اخذت سحر الملف و قلبت أوراقه تبحث عن صورة للرجل الذي سيصبح زوجها لكن لم تجد
_الا توجد صورة شخصية له....
_ليست مهمة،فأنتم ستكونون مجرد ضيوف يجمعكم مكان واحد.....
قضت طوال الليل تقلب الملف الذي جلبته من المحامي، لكن كل ما فيه من معلومات لم ينهي فضولها عن هذا الرجل الذي يزداد غموض كلما قرأت حرف عنه، لا تعرف شكله و لا طباعه، قد يكون المحامي يخدعها او يخفى عنها أمرا خطيرا، ماذا لو كان صاحبه مجنون او متورط بعمل ما،استفاقت من غفوتها وقد تملكها الخوف و القلق،هل أصبحت ضعيفة لدرجة أنها لا تحسن التصرف في حياتها، بل بسبب تهورها ستلقى بنفسها للمجهول بالزواج من رجل لا تعرف عنه سوى اسمه و كنيته، لو فعلها أحد غيرها لنعتته بأبشع الأوصاف أولها الطمع و الجشع، يجب أن تنقذ نفسها قبل أن تغرق أكثر و تصبح مثار لسخرية الجميع......
_مرحبا سيد نديم،أنا اسفة لأنني تأخرت عليك قليلا.....
_لا بأس بعشر دقائق المهم انك أتيت
_اجل، انظر سيد نديم هذا ملف صاحبك، دقيق جدا و مفهوم و هذه الاتفاقية هي أيضا واضحة و منصفة جدا لكن أنا لا أستطيع المضي بهذا، انا آسفة جدا لإضاعة و قتك لكن هذا الأمر بدا لي ضرب من الجنون،لا أستطيع أن أفعله مهما كانت المغريات....
_لكن يا آنسة سحر انت أعطيتني موافقتك و أنا أبلغت السيد يمان بها، المسألة لم نعتبرها مزاح ابدا، اتفاقنا كان واضح منذ البداية بأن المسألة لا تراجع فيها....
_و انا اخبرك الآن أنني تراجعت، المسألة اخذت اقل من أربع و عشرين ساعة، هذا زواج و ليس اتفاقية عمل، اسفة لا أستطيع أن أكون مجنونة بهذا القدر...
_لكن السيد يمان لا يتراجع عن قرار اتخذ او اتفاق ابرم معه إلا برضاه، سأعرض عليه ما قلت و سنرى.....
عاد نديم آلي مكتبه وهو يفكر كيف سيخبر يمان بتراجع الفتاة بعد اطلاعها على فحوى اتفاقية الزواج، و الأكثر من هذا شعر بالشفقة عليها من ردة فعله...
_تحدث نديم، هل أنهيت المسألة....
_للأسف يمان لم انهي شيء، تراجعت الفتاة عن العرض........ يمان هل تسمعني
_أجل اسمعك، هل اخبرتك لماذا تراجعت
_بدت لي متفاجئة من نفسها و ان قرارها كان متسرع...
_لكنك اتفقت معها و اعطيتها الاتفاقية لتقرأها، لن اسمح لها بأن تتلاعب معي أو تحاول أن تستهين بي..
_لم أجد ما اقوله لها، جلبت الملف و إعادته لي، حاولت أن أقنعها من جديد لكنها رفضت رفضا قاطعا،لا تبدو لي أنها مستهترة لهذا لم الح عليها أكثر.....
_هكذا اذا،ما رأيك أن الأمر صار تحدي بالنسبة لي، في هذه الحالة سأتصرف على طريقتي، ابحث لي عن شيء يجلبها إلى هنا..
_لكن يمان المسألة لا تستحق كل هذا التحامل، سنبحث عن فتاة أخرى .
_سنفكر في ذلك فيما بعد، الآن سأجلبها إلى هنا أول، قلت لك يا نديم ان التهاون في مصير ابن أخي لا اسمح به مطلقا، لن اترك فتاة متحذلقة تضيع وقتي لأجل إظهار غرورها، ستاتي الي هنا مذعنة و صاغرة....
أخرجت سحر كتاب من حقيبة يدها  و ما إن فتحت الصفحة الأولى منه حتى سرح خيالها من جديد، مازال تفكيرها يضع الاحتمالات و يبث الأفكار المجنونة التي تكاد تفجر رأسها، فعلت بنفسها ما لم يفعله بها ألد اعداءها،قرار متهور في لحظة ضعف مؤقته سيكلفها الكثير، وضعت نفسها بكل غباء في مواجهة رجل مجهول و قاسي،ليتها تعرف وجهه فغموض صورته زاد من قسوة الأفكار التي تتقاذفها،وجه بشع، ندبة قرب عينه،اخلاق سيئة، مثل هذه الصور تبعث قشعريرة خوف في كامل جسمها الذي ابتدأ يعاني من بعض الحمى هذا المساء، اتصل بها المحامي نديم يوم أمس و طلب أن تأتي لمكتبه لأمر عاجل، حاولت أن تقنعه أن الذي حدث قد انتهى و لا فائدة من الاصرار عن الأمر، لكن الوضع الجديد الذي وجدت نفسها به كان حرج جدا، عادت للبيت بعد مقابلة المحامي وهي لا تكاد تحرك خطواتها التي كبلتها المفاجأة، دخلت إلى غرفتها بعد أن تجاوزت الصالون دون أن تسلم على أحد من عائلتها أو تقبل والدها من جبينه كعادتها دائما، لحقت بها أمها على جناح السرعة، السيدة ناريمان و السيد عزت قلوبهم ضعيفة جدا ناحية ابنتهم الكبرى ، لا يبعدون أعينهم عنها، هي فرحتم الأولى و عندما كبرت أصبحت قلب العائلة و محورها لما تتميز به عن اخوتها من حب و حنان و تحمل للمسؤولية،مازالت أثار الحادث النفسية لم تشفى في قلوبهم و مازالت ابنتهم في نظرهم هشة تحتاج للعناية دائما
_صغيرتي، ما بك مررت هكذا دون أن تسلمي علينا، هل انت بخير عزيزتي، شغلتي بالي كثيرا...
_أمي أنا اسفة جدا، اعذريني تفكيري مشوش لدرجة أنني لم انتبه لنفسي الا و أنا في غرفتي...
_لا بأس يا إبنتي خفت أن يكون بك شيء، سأتركك لترتاحي الآن قبل موعد العشاء بعد ساعة....
كانت ناريمان تهم بمغادرة الغرفة عندما استوقفتها ابنتها عند الباب
_أمي انتظري أرجوك، هل الجميع في الأسفل
_أجل صغيرتي، لماذا تسألين....
_أردت أن أتحدث معك بشيء، لكن عديني بأنك لن تخفي علي الحقيقة..
_تحدثي صغيرتي، طبعا سأجيبك عن كل أسئلتك.
_ هل صحيح أن والدي عليه شيكات..
_ماذا؟!! كيف عرفت...
_هذا يعني أنه صحيح، كم المبلغ.....
_يا إبنتي هذه أمور تخص والدك و طلب مني أن لا نخبر بها أحد ، عندما فكرنا في تجديد البيت و إضافة ملحق به، لم تكفى امواله لذلك اعتمد تلك الشيكات مع شركة المنشآت...
_لكن المبلغ كبير يا أمي لماذا لم تخبريني عنه، كنت سأسدد معه الأقساط...
_المبلغ ليس كبير و السداد سيكون على عشر سنوات، التفتوا انتم لمستقبلك و نحن نحل أمورنا بنفسنا.....
تركتها والدتها بعد أن ظنت نفسها قد طمأنتها، لكن ما لم تعرفه هذه الأم ان ابنتها وقعت بين نارين مستعرتين، تمكن الرجل الغامض من الاستحواذ على شيكات والدها و هددها بهم، حركة رخيصة و قذرة، طلب من محاميه أن تأتي هي شخصيا من أجل التفاوض على حرية والدها، هذا الرجل أصبح في نظرها عدو لها، بل أكثر من ذلك أصبح كابوس ينغص عليها حياتها، قررت الذهاب اليه فلا مهرب لها من ذلك، طلبت إجازة من عملها و ادعت أمام أهلها أنها ذاهبة لإسطنبول من أجل فترة تربص تخص عملها، حدث كل هذا في ظرف يومين فقط، وصلت إلى المدينة الكبيرة بعد الساعة الرابعة مساءا فقررت المكوث في فندق صغير و بسيط لغاية يوم الغد....
وقع الكتاب عن الأرض لكثرة شرودها فاستفاقت من بحر أفكارها لتجد الباب يدق بلطف،جاء أحد الموظفين و طلب منها أن تنزل للأسفل لمقابلة صاحبة المكان....
كانت السيدة تجلس في صالون الفندق، كبيرة في السن و في الحجم، بدت امرأة قوية و صارمة، حيتها بلطف فطلبت منها أن تجلس معها....
_هل أنت لست من هنا، ما إسمك لم اتذكره..
_اسمي سحر، انا من ازمير و درست هنا بإسطنبول....
_حسنا صغيرتي سحر، أخبرني الشاب الذي في الاستقبال انك سألته عن عنوان ما..
_اجل سيدتي سألته عن مزارع الكيريملي...
_هذا بالضبط ما أثار استغرابي، المكان بعيد عن هنا بل يستغرق ساعة من الزمن باستعمال السيارة، المكان منعزل أيضا، اذا كنت ذاهبة إلى هناك من أجل العمل فالسيد لا يشغل النساء و خاصة البنات الصغيرات مثلك..
_لماذا تقولين لي هذا، أنا ذاهبة لأمر يخصني ثم سأعود لمدينتي...
_لا تنزعجي مني، أردت فقط أن أحذرك فالسيد يمان كيريملي رجل غامض و صعب جدا، هذا بشهادة الرجال الذين يعرفونه، المكان أيضا بعيد فخفت أن تقعي بمشكل بذهابك إلى هناك، أما عن كونك صغيرة، ههههههه لطالما أردت نفسي أن أكون صغيرة هكذا مثلك، قضيت طوال حياتي امقت حجمي حتى زوجي كان يخاف مني...
_قد تكونين محظوظة بذلك...
_اجل كنت محظوظة بالسيطرة على الجميع، لكن سيئة الحظ بالتمتع بالدلال، على كل حال يا صغيرتي حاولي أن تتجنبي المشاكل بأكبر قدر ممكن......
لقاء صاحبة الفندق زاد من توترها، ستقصد العنوان هذا اليوم، أخبرها المحامي نديم أن السيد يمان لن يتواجد هناك إلا بعد الظهر، ستنطلق في رحلتها للمجهول بعد منتصف النهار أيضا...... لم تجد سيارة أجرة واحدة تقلها إلى ذلك العنوان، كل من حاولت معه تملص من أخذها و تحجج بآلاف الأعذار، لماذا يتهرب الجميع من المكان ام يبتعدون عن صاحبه؟!!! احتارت كيف ستصل إليه، لا خيار ثان أمامها فحرية والدها رهن ذهابها إلى هناك، كانت تذرع الشارع ذهابا و ايابا عندما لمحت سيارة أجرة متوقفة في آخره، ستترجى صاحبها لعله يقبل ان يقلها..
_مرحبا يا عم
_مرحبا يا إبنتي، أنا لا أعمل الآن، ابحثي عن سيارة أخرى...
_في الحقيقة أردت أن تساعدني، انهي طعامك ثم سنتحدث....
_تحدثي يا إبنتي، عمك صالح يستمع للجميع دائما...
_أنا ابحث عمن يوصلني لهذا المكان...
مدت له الورقة التي تحوي العنوان، ما إن قرأه حتى جحظت عيناه
_يا إبنتي لن أسألك لماذا ستذهبين إلى هناك، لكن لن يوصلك أحد للعنوان بالضبط، بل ستواصلين المشي لأكثر من ربع ساعة حتى تبلغيه، صاحب المكان لا يسمح باقتراب احد من حدوده، الجميع يتهرب من المشاكل خاصة البسطاء مثلنا........
تولد لديها بصيص أمل بإقناع هذا السائق، لكن مسألة ذهابها لا مجال لإلغائها و لو وضعت خنادق نيران مستعرة حول املاكه، اي شر اوقعت نفسها به و أي حظ عاثر وقعت فيه.
ظلت السيارة تسير خمس و أربعون دقيقة ثم توقفت، التفت العم صالح لسحر و قال
_انظري يا إبنتي تلك هي مزرعة الخيول ستسلكين هذا الطريق المختصر بين الأشجار إلى هناك، الغابة التي في الخلف تتواجد بها الذئاب أحيانا، أخبرك بهذا حتى تكون لديك معلومة...
_شكرا لآنك أوصلتني،هل تستطيع أن تنتظرني هنا و سأعطيك اجرتك كاملة..
_انظري يا إبنتي، أنا حاولت أن اساعدك قدر المستطاع، لكن لا أستطيع مجابهة أصحاب المكان، اكثر ما يمكنني فعله هو أن اعطيك رقم هاتفي، اتصلي بعمك صالح بأي وقت و سأجيبك..
_شكرا لك، فعلت الكثير من أجلي...
اخذت حقيبة يدها و سارت في الطريق الذي نعتها اليه سائق سيارة الأجرة، بعد ربع ساعة من السير وجدت نفسها أمام سور كبير اغلبه مشيد بالأسلاك، توجد بداخله بناءات منتشرة و اسطبلات للخيل في اطرافه من جهة اليسار أما من جهة اليمين فيوجد مسلك مبلط ينتهي في آخره قصر كبير، كل المكان فخم بدرجة تدل على ثراء صاحبه، توقفت متوترة لا تعرف إلى أين تتجه عندما اتاها صوت الحارس من الخلف
_تفضلي يا فتاة ماذا تريدين....
ارتبكت للصوت الخشن فالتفتت اليه بسرعة
_جئت لمقابلة السيد يمان كيريملي
أخذ هويتها و مررها في جهاز إلكتروني ثم دعاها للدخول، سمعت الكلمات التي تمتم بها وهو يتراجع لمكانه المخصص للحراسة، جئت في يومك السيء،حتى الحارس تعاطف معها لكن لا يعرف أن كل أيامها أصبحت سيئة منذ فترة ليست بعيدة بسبب غباء أصابها فجأة ، اقتربت من القصر أكثر، كانت تمشي بخطوات مترددة و مرتبكة، يوجد قرب المدخل حارسان أحدهما يمسك بطوق كلب شرس يحاول أن يفك نفسه وهو يزمجر و يكشر عن انيابه، كانت ستصل لدرجات المدخل عندما انفتح الباب الكبير بعنف، خرج منه رجل في مقتبل العمر ملامحه قاسية كالصخر و عيونه تبعث شرار حاد يصحبه رجل اخر أكبر منه سنا، كان الرجل الشاب يهم  بالتوجه للحارس الذي يمسك بالكلب لكن عندما شاهدها استدار ثم سار في اتجاهها...
_من أنت، من سمح لك بالدخول
_وجدت، وجدت البوابة مفتوحة، الحارس كشف عن هويتي...
_لم تجيبيني من أنت..
_أنا سحر كريم أوغلو.....
لم تعرف إذا نطقت اسمها بشكل صحيح ام خاطيء، جل ما تعرفه أنها لمحت نيران الغضب تشتعل في عيونه،زفر أنفاسه بغضب، زاد الكلب من نباحه و زمجرته حتى ظنت أنه سيقفز عليها و ينهشها في أي لحظة، تجمدت الدماء في عروقها و نشف ريقها،لم تعرف أيهم يخيف اكثر الكلب أم صاحبه، كانت تهم أن تكمل و تشرح سبب مجيئها لكن الرجل الواقف أمامها استل المسدس من خصره و اطلق النار،عوى الكلب بألم ثم سكت للأبد، التفتت سحر بطرف عينها لترى جثة الحيوان الأسود مرمية على الأرض، ثم عادت و نظرت للوجه المتجمد أمامها، حاولت أن تتكلم لكن لسانها لم يطعها، لم تتحمل صوت الرصاص، صراخ الكلب و زادت الحمى التي خيمت عليها منذ ليلة البارحة من هشاشتها، استسلم جسدها و تراجع عقلها لحالة اللاوعي فسقطت مغشيا عليها، تهاوى الجسد الصغير أمام يمان الذي تفاجأ بحضورها بهذه السرعة كما فاجأته أمور أخرى عكرت مزاجه هذا اليوم، نادى جينغار احد الحراس لأن يحملها لداخل القصر لكن نظرة من يمان جعلت الحارس يتوقف في مكانه، لا أحد في هذا المكان يتجاوزه قيد انملة، ثم انحني هو للأسفل و التقطها برفق ليدخل بها إلى القصر و وضعها في غرفة في الطابق الأرضي ثم طلب من عدالة أن تعتني بها.....
مازال الغضب يسيطر عليه منذ الصباح، لقد فعلتها انجي مرة أخرى و غيرت عنوانها قبل يوم من الوصول إليها، كان سيتمكن هذا اليوم من رؤية ابن شقيقه التوأم لكن الأم الحقودة مازالت تتبع الاعيب لتعاقبه بها، لن يغفر لها ما تفعله بالولد الصغير، تصله أخبار الصبي دائما، معاملة زوج والدته له ليست جيدة و الأم التي لا تهتم سوى بمتعتها تترك الولد في رعاية الخادمات، كلما يتذكر وضع الصغير تشتعل النار في داخله، كان في الماضي لا يتأخر عن حماية شقيقه لكنه الآن و في عز سطوته عاجز تماما عن المسح على رأس ابنه،كانت أفكاره مازالت تتقاذفه يمنة و يسرة عندما جاءت عدالة إلى مكتبه
_سيد يمان الفتاة ليست بخير، حرارتها مرتفعة جدا...
_اتصلي بالطبيب حالا ليأتي.....
ظلت سحر تعاني من الحمى التي المت بها، جاء الطبيب و فحصها ثم كتب لها عدة أدوية ثم غادر، بقيت المريضة نائمة بداية الليل و بقيت عدالة تراقبها كل حين، استفاقت منتصف الليل لتجد رجل يجلس على كرسي بجانب سريرها، مازال ذهنها مشوش و أفكارها مشتته
_أين أنا، هذا المكان لا أعرفه...
_لا تخافي أنت بخير، اغمي عليك فنقلناك إلى هنا، غدا ستكونين بخير...
_أرجو ذلك فأنا يجب أن أعود لأزمير،لكن من أنت و لماذا تجلس هنا..
_أنا صاحب هذا المكان....
_اااه لهذا أنت تجلس حيث تشاء، احد حراسك اطلق النار على الكلب و قتله، يجب عليك أن تعاقبه، لا يجوز قتل حيوان مسكين.
_قد يكون الحيوان أيضا يستحق العقاب...
_الموت عقاب سيء حتى للحيوانات، ما كان يجب أن يقتله، عليك أن لا تسمح بذلك مرة أخرى....
_إذا ماذا تقترحين كعقاب لهذا الحارس....
_لا أعرف، أنا طوال حياتي لم أمد يدي على أحد، عاقبه بالطرد و بذلك لا تؤذيه....
كان يمان مستمتع بحديث الفتاة التي كانت تتأرجح بين الوعي و اللاوعي، رغبة مجنونة دفعته لمشاكستها أكثر
_ما رأيك أن نجلده قبل طرده، و تقومي أنت بفعل ذلك.....
_أنا لا أستطيع أذية أي  مخلوق، كبيرا كان أم صغير......
_العقاب ليس أذية، حتى الأم تعاقب أطفالها..
_عقاب الأم نابع من خوفها على صغارها و حبها لهم...
_لو كنت أم هل تعاقبين أطفالك....
_لا أحتمل ضرب حتى ولد غريب فما بالك بفلذات كبدي، أنا ضعيفة أمام الأطفال و لا أحتمل أن يحزنهم أحد.......
انهت سحر جملتها الاخيرة ثم غطت في النوم من جديد، بقي يمان يفكر في حديثها بضع دقائق، نهض من على الكرسي ثم خرج من الغرفة، لم يعد متردد و اتخذ قراره الذي مازال يصر عليه، لن يدعها تفلت من يده ابدا... 🔥🦋🔥

فراشة وسط اللهب حيث تعيش القصص. اكتشف الآن