الجزء الثامن

675 51 6
                                    

بقلم ندوش 🐝

تحولت حياة سحر لكتلة من المشاعر المتشعبة ،أصبحت تقضي الليل مستيقظة تعاني الأفكار التي تتزاحم داخل عقلها كل مساء، العمل الجديد ليمان صحبة السيد رامز جعله يقضي كامل اليوم خارج المزرعة، لم تكن المشكلة تكمن في هذه الناحية لكن وجود ميرفي إلى جانبه يزيد من تأجج نار غضبها التي تندلع عند أصغر شرارة، انعكست نفسيتها المكتئبة على يوسف أيضا فأصبح يشتكي كثيرا من الملل الأمر الذي جعل عمه ابتدأ يفكر في إحضار مربية خاصة له لكن سحر رفضت أن يفعل ذلك
_هل وجود مربية سيحل مشكلة الولد حسب رأيك....
_ماذا أفعل إذا هل اتركه يموت من القلق، ألا تشاهدين كيف أصبح خلقه سيئا، لقد أصبح يشبهك في هذه النقطة...
_هل ستحملني سوء مزاج الولد، أنت عمه و عليك أن تتحمل مسؤوليته اكثر بدل قضا كامل يومك في العمل، لقد أصبح يشتاق لرؤيتك كثيرا.....
_هل تظنين أنني لا الاحظ ما يحدث داخل بيتي، أصبحت مثل شرارة النار كل من يقترب منك تلسعينه، لست بمزاج الان لمناقشتك لكن أحذرك أن تؤذي يوسف و لو بكلمة.....
_ما الذي تقوله أنت، هل أنا من تقول لها لا تؤذي ولد بعمر الرابعة من عمره، أنت لا تعطي اعتبار حتى لتواجدي في هذا المكان.....
_أنا لم اقصد ما فهمته بل حذرتك أنني لا اتسامح مع أي شخص، ثم ما به تواجدك في هذا المكان هل تستطيعين أن تشرحي لي فما أراه عكس ذلك، الجميع يحترمك و يسعى جاهدا لخدمتك.......
_أنا أشعر بالملل مثل يوسف، لماذا لا تدخله للحضانة حتى يتسنى له اللعب مع بقية الأطفال....
_بهذه الفترة لا يمكن ذلك ربما عندما تتحسن الأمور نفعل ذلك، و ماذا عنك كيف نقتل مللك هل ندخلك الحضانة أنت أيضا، أنت أصبحت لا تذهبين حتى لحلقات النساء التي تقيمها كهرمانة.......
_أنا أحب كهرمانة لكنني لا اتمتع باجتماعاتها، طيف مختلف عني أجد نفسي غريبة عنهم...
_كيف غريبة عنهم هل حدث منهم ما يزعجك.
_لا لم يحدث لكن أجد نفسي أمل بسرعة، ثم أنا لا أتفق الا مع خديجة لكن هذه الفترة لا تخرج كثيرا بسبب ظروف حملها.....
_و الحل إذا، هل آخذك معي لعملي....
_أجل اذهب معك، استطيع أن اساعدك أيضا، فكما تعلم لدي خبرة في المحاسبة....
_حقا فكرة جيدة و ماذا أقول لهم، هذه زوجتي تحتاج لعمل...
_أنت لست مضطر للتبرير لهم فهذا شأننا نحن....
_أنت لست في حاجة للعمل و لن أجعل من نفسي محل سخرية، كنت سأطلب منك الاعتناء بيوسف لكن لست مضطرة لذلك أيضا....
_و ما العيب في العمل حتى لو كنت زوجتك، لماذا ميرفي تعمل رغم أنها ثرية أيضا.....
_أنت لست مثل ميرفي و وضعك يختلف كثيرا عنها.
_طبعا فلا يوجد وجه للمقارنة بيننا، كيف اضع نفسي معها بذات الكفة...
_أحسنت لقد وصلت للفكرة، أنت و هي لستما بنفس الكفة، دعيني اذهب إذا بقيت اتجادل معك فلن احضر اجتماع اليوم.......
خرج يمان بعد أن وضع خنجره في قلبها دون أن ينتبه لذلك، تستحق ما يحصل لها فهي من استفزته و ذكرت ميرفي أمامه، هل ازداد حبه لها بعد أن اصبحا يشتغلان معا، قد تعود النار لتشتعل بينهم و يفكر جديا في الارتباط بها عندها لن يضيع وقته كثيرا معها و سيرسلها لبيت أهلها دون حرف واحد منها مثلما جلبها من هناك مسلوبة الإرادة، مر ذلك اليوم بكل آلامه ثم تلته أيام أخرى كئيبة،ذات مساء عاد يمان للبيت باكرا حيث استطاع أن يلحق بيوسف قبل نومه ثم تناول العشاء مع زوجته، بدا هادئا حتى أنه مازح سحر عديد المرات، تركته بعد العشاء يعمل في مكتبه ثم صعدت لجناحها، اغتسلت و لبست ثياب النوم ثم همت بإطفاء النور عندما لاحظت وجود علبة مجوهرات جميلة فوق رف الزينة الخاص بها، هدية بدون سبب، شعرت بالسرور يملأ قلبها، لا بد أنه يرغب في اسعادها و الا لماذا يحضر هدية لها، أمسكت العلبة برفق و فتحتها، كانت تحتوي على عقد من المرجان الأحمر بتصميم ناعم و فريد،عرف المرجان الذي جلبه يمان من قاع البحر أخذه و صممه عقد لها، أحيانا تجد نفسها لا تفهم تصرفاته فهو لا يضيع فرصة لمفاجأتها،لن تنتظر أكثر و يجب أن تشكره على ذلك، نزلت إلى مكتبه فلم تجده، أخبرها جينغار بأنه قد خرج منذ قليل لتفقد أحد الاحصنة المصاب، خاب أملها فعادت لجناحها تنتظره هناك لكن النعاس غلبها فنامت، استيقظت مجددا في حدود منتصف الليل فوجدت العقد ملتف بين اصابعها و قد أحدث أثار بكفها، عاد لها شغفها به فصارت تقلبه بين يديها و تضعه على رقبتها ثم قررت أن تشكر يمان لأجل هديته الغالية فلن تستطيع الانتظار حتى الصباح، تركت جناحها و ذهبت إلى غرفته لكنه غير موجود هناك، نزلت إلى المكتب كذلك فلم تجده، أين سيكون في هذه الساعة المتأخرة من الليل، هل يعقل أنه لم يعد للقصر منذ خروجه للإسطبلات، هل يكون هناك مكروه قد أصابه، لم تفكر كثيرا و انطلقت ناحية اسطبلات الخيول، لم يعترض الحراس طريقها و لا أحد من العمال، وصلت إلى هناك فوجدت كل الخيل ساكنة في مرابضها، اتجهت لإسطبل الغراب فلم تجد به أحد، بدأت تتطلع داخل بقية الاسطبلات، لا تعرف أي واحد من الخيول المصاب لذا عليها أن تطل عليهم كلهم، لا يوجد أثر لأحد، ثم لفت انتباهها صوت أحد الخيول وهو يرفس الأرض بحوافره و يحدث صوتا بأنفه، أسرعت إلى هناك لتستطلع الأمر لكن الحصان تمركز عند الباب و لم يسمح لها بالرؤية في المكان جيدا، حاولت أن تبعده بيدها لكنه أبى أن يتحرك، فبحثت عن عصا لتنكشه بها ،وجدت قطعة خشب بالقرب منها فأخذتها بسرعة و رفعتها لتضرب الحصان حتى يبتعد، ما إن كادت تهوى عليه حتى أمسكت يد قوية بذراعها و منعتها
_ما الذي تفعلينه أنت، هل جننت....
اربكتها المفاجأة و عطلت حواسها مع كمية التوتر الكبيرة التي كانت تعصف بها، جذبها يمان من ذراعها و اخرجها بعيدا عن الاسطبلات
_ستشرحين لي الآن لماذا كنت ستضربين الحصان....
_لم أكن أنوي ضربه كنت فقط أحاول ابعاده..
_إبعاده عن ماذا؟!!!!
_كنت أبحث عنك و عندما اكتشفت أنك لست موجود في القصر خرجت للبحث عنك هنا....
_لكن لم أفهم ما علاقة الحصان بهذا!!!!
_في أول الليل أخبرني جينغار بأنك خرجت لتفقد الحصان المصاب فخفت أن يكون قد أصابك مكروه، ثم هذا الحصان كان يرفس بغضب و لم يرضى أن يتحرك من مكانه......
_الحصان المصاب ليس هنا، ثم أنك كدت أن تلحقي الحصان الآخر به، ألم تفكري على الأقل بأنك قد تؤذين نفسك، لا أعرف لماذا لا تفكرين قبل أن تقومي بعمل ما....
_هذا شأني أنت لا دخل لك به....
_حقا لا دخل لي بك، لولا أنني شاهدتك من نافذة البرج و أنت تخرجين إلى هنا لكانت العواقب ستكون وخيمة....
_حسنا لن اقترب من احصنتك مرة ثانية أعرف مدى أهميتها عندك لكن أنا لم افكر حينها......
بقى يمان ساكت للحظات ثم هب كأنه البركان
_اللعنة على جميع الاحصنة، هل سأفرط بك من أجل كمشة خيول،انظري لحالتك بثياب النوم و أنت تتجولين في الخارج.....
لم تستطع سحر أن تغالب دموعها، كل ما تفعله نابع من خوفها عليه لكنها لا تستطيع أن تخبره بذلك، ظلت مطرقة للأسفل تكابد اهتزاز جسمها، حالتها تلك احزنته فلم يستطع  أن يمنع نفسه عنها اكثر فأخذها في حضنه و ظل يربت عليها
_أعذريني اعرف أنك لا تستطيعين منع نفسك عن مساعدة الآخرين لكن أنا أيضا لا أعرف السيطرة على غضبي عندما أخاف......
_أنا كنت سألكزه في أنفه بلطف و لا أنوي أن اؤذيه.....
_لكن هو يستطيع أن يؤذيك، قد يسحقك بين ارجله و أنا لا أستطيع تحمل حتى التفكير بذلك.....
_إذا حصل سيكون حادث، قضاء و قدر....
_هكذا بهذه البساطة عندك، تأتين للبحث عني في الليل و تصفين الأمر بالقضاء و القدر....
_أقصد لا أحد سيلومك إذا حصل لي مكروه...
_معك حق لكن روحي هي التي ستحترق إذا تأذيت....
لم تستطع سحر استيعاب كلماته لكن وقعها عليها كان عميقا فارتجفت بين ذراعيه حتى أحس هو بها
_هيا إلى الداخل فقد بردت كثيرا
نزع معطفه و البسها إياه، لم تكن غايته حمايتها من البرد فقط بل أيضا لحجبها عن أعين الحراس وهي بذلك اللباس، تركوا الاسطبلات و عادوا للقصر، تركها يمان في البهو و هم بالعودة للبرج عندما استوقفته
_هل استطيع الذهاب معك
_لن اتأخر كثيرا لكن لا بأس
سار بها للناحية الخلفية للقصر حيث يوجد مدرج مسقوف يربط القصر بالبناء القديم و تحديدا يوصل للبرج الذي يوجد بين العقارين، كان المكان دائري الشكل به نوافذ صغيرة تطل على المزرعة من مختلف الجهات، ظهرت كل اسطح المباني مما يدل على أن مستوى البرج أعلى من بقية العقارات المجاورة له
_انه برج حقيقي، هل كان يستعمل للمراقبة..
_أظن تلك هي مهمته في السابق، الآن أيضا يصلح لمراقبة المتسللين في الليل خاصة إذا كانت ملابسهم حريرية و مزركشة...
_لا تسخر مني، انا لم افكر في زيارته سابقا، ظننته يستغل لخزن الأغراض او مغلق فقط..
_كان مغلق لفترة طويلة، عندما كنا صغار كان جدي يمنعنا ان نصعد إليه، منذ فترة ليست بعيدة اعدت صيانته و استعماله...
_انه رائع، جعلت منه صالون و مكتبة، هل تأتي لسماع الموسيقى أيضا، يوجد جهاز كبير هنا.....
_هذا الجهاز ليلتشين، يحب الموسيقى الصاخبة.....
_كل الشباب يحب الموسيقى العصرية، الا تستهويك أنت أيضا....
_أجل لكن أنا لم أجد الوقت للاستمتاع بذلك، بعد وفاة جدي دفنت نفسي في العمل لأن الحمل كان ثقيل آنذاك.....
_لم تجد من يساعدك؟!!
_الأملاك لي فكيف سأطلب من غيري أن يساعدني....
_أخبرتني كهرمانة أنك تحملت مسؤولية كل شيء لوحدك....
_دعينا لا نتحدث عن ذلك....
_حسنا كما تشاء، أنا لا أقصد التطفل على حياتك...
_أعرف أنك لا تقصدين دس أنفك الصغير بحديثك هذا برغم أنك تدسيه في كل شيء آخر...
_ستجعلني أندم لأنني قلقت لأجلك
كانت تقف بقرب أحد النوافذ و تنظر للنجوم في السماء فلم تشعر بيمان الذي اقترب ووقف قريبا جدا منها حتى أحست بأنفاسه تلامس وجهها
_لكنك تندفعين للخطر دون تفكير، و أنا لا أحب ذلك....
_ماذا أفعل لا أستطيع التخمين عندما أحس بالخطر، عندما ظننت يوسف قد تاه وسط الغابة لم افكر إلا في سلامته...
_هو محظوظ بهذا الإهتمام، و ماذا عن عمه لماذا تقلقين عليه، هل هو نوع من الشفقة...
_لا توجد في الأمر شفقة، عندما قال جينغار الحصان مصاب، لا أعلم ظننت أنه قد آذاك..
_ههههه منظرك و أنت تحاولين إبعاده يثير الضحك، لو وجدتني هناك ماذا ستفعلين....
_أرجوك لا تقل ذلك، انا لا احتمل رؤية الأذى
وضع يمان رأسه فوق رأسها ثم قال بهمس
_لم أتصور في يوم من الأيام ان يظهر في هذا العالم كائن صغير يخاف و يقلق على...
_لماذا الست مثل هؤلاء البشر...
_مثلهم لكني اختلف عنهم بوجودك معي...
تحول صوته للهمس، قبل شعرها و نزل بشفاهه و قبل خدها برقة بالغة، أحست سحر بأنها تقترب من النار بخطوات سريعة و مجهولة، خافت من قوة ضعفها فانزلقت من بين ذراعيه و ابتعدت عنه، عاد يمان لرشده بعد حركتها تلك، لو بقيت للحظة واحدة لما استطاع أن يسيطر على مشاعره، تظاهر بترتيب بعض الأغراض ثم عادوا للقصر، في غرفتها لم تشأ سحر أن تفسد لحظات المشاعر الجميلة و الحالمة التي عاشتها فنامت دون أن تفكر بشيء غيرها......
اتصلت بها كهرمانة مساء السبت و أصرت عليها بأن تحضر حفلة الشاي التي ستقيمها عشية الأحد في بيتها، لم تستطع هذه المرة أن تتحجج لها خاصة و ان خديجة زوجة نديم ستحضر هي الأخرى، تحبها و تحب الحديث معها........... ارتدت سحر فستان من الدانتيل الأسود أظهر نقاء بشرتها و جمال جسمها، و وضعت العقد المرجاني الذي أهداها إياه يمان اخر مرة، كانت مفتونة به فلم تستطع الانتظار اكثر لترتديه، نزلت للأسفل فوجدت يوسف يلعب في الصالون، اتجهت إليه، قبلته بحب و اوصت جينغار أن يعتني به ثم سارت ناحية المكتب لغاية في نفسها
_اسفة لإزعاجك أردت أن أخبرك بأنني سأخرج الآن إلى بيت كهرمانة.....
_يسعدني أنك عدت للاختلاط بالآخرين، السائق بانتظارك ثم سيعود بك..
_لولا إصرار كهرمانة و خديجة ما رضيت بالذهاب...
_لا أحد يلومهم إذا كانوا يحبونك أليس كذلك..
ابتسمت سحر بخجل فكل كلامه معها أصبح مبطن و يحمل معان غريبة لكنها ذات وقع لذيذ على أذنيها
_لا أعلم، جئت لأشكرك من أجل العقد فهو جميل جدا
نهض يمان من على كرسيه و اقترب منها، مد انامله و تحسس العقد بلطف
_لم يكن بهذا الجمال عندما أراني الصائغ كيف أصبح التصميم، لكنه لاق بك كثيرا كما خمنت تماما.....
احمرت سحر خجلا للمساته التي أثارت مشاعرها لكن صوت أحدهم خارج المكتب جعلها تنتفض و تغادر هاربة.......
كعادتها دائما،تصر كهرمانة على ابداء سعادتها بقدوم سحر دون بقية الحضور،تبالغ في الترحيب بها و تذكير الجميع بحبها اللامتناهي ليمان، كانت خديجة أيضا قد سبقتها إلى هناك لكنها كانت تلازم مجلسها
_تعالي إلى جانبي، ستملين اليوم من الجلوس لأنني لن أغادر مكاني حتى لشرب الماء.....
_ألم تقولي لي بأن الطبيب أخبرك ان وضع الجنين بخير....
_أجل قلت لك ذلك لكن لم أخبرك بأن زوجي سمح لي بالمجيء إلا بعد أن أقسمت له بأنني سأبقى بنفس المكان حتى أعود....
_الا يبالغ كثيرا في الأمر...
_سترين بنفسك عندما تحبلين، بالنسبة لزوجك الذي اعرفه لن يسمح لك حتى برؤية الشمس..
_لا أظن ذلك، الا ترين بأن الحضور قليل هذه المرة
_كهرمانة لم ترغب بالازدحام استدعت المهمين فقط أمثالي أنا و أنت ههههه..
_لولا انها أكدت لي بأنك ستأتين ما رغبت بالحضور...
_كانت ستفوتك مفاجأة كبرى، كهرمانة تكاد تموت من الكمد...
_لماذا،هل يوجد شيء لا أعرفه......
_ستأتي انجي، احد الصديقات المشتركات اخبرتنا بذلك.....
ارتبكت سحر و لم تعرف كيف سيكون لقاؤها مع هذه المرأة
_لا تهتمي لها، فلا شيء يدعو للقلق...
_أنت تعرفين حكاية يوسف....
_ههههه هل صدقت الاعيبها، هي تريد أن تدسه في حضن عمه أكثر من يمان نفسه، ها قد جاءت أخيرا، اعتبري نفسك لا تعرفينها..
دخلت امرأة فائقة الجمال بقوام ممشوق و شعر أسود ناعم، حيت الجميع ثم اتجهت ناحية سحر وهي ترسم على وجهها ابتسامة جذابة
_قريبتي الجديدة، يسعدني جدا التعرف عليك..
ثم مدت لها يدها و قبلت خدها
_مرحبا
_صغيرة و ناعمة، ذوق يمان دائما مختلف و فريد من نوعه، مرحبا خديجة كيف حالك
_بخير كما ترين
_أراك متعبة من الحمل، الأطفال متعبون لكنهم زينة في هذه الحياة
ثم التفتت ناحية سحر من جديد
_كيف حال صغيري، كنت قلقة عليه حتى رأيتك، فقلت هذا الوجه البريء سيكون ابني بخير معه.....
انصرفت انجي للحديث مع الاخريات و تركت سحر و خديجة في مكانهم
_انتبهي لها جيدا عزيزتي، فهي ناعمة كالأفعى
_لكن من الطبيعي أن تسأل عن إبنها
_أنا لا اعترض عن ذلك لكن حديثها الناعم هو الدمار بذاته، يمان أيضا لم يكن يحبها إذا وطدت علاقتك بها قد لا يعجبه ذلك، أنت ابتعدي عن المشاكل بأكبر قدر ممكن....
_لماذا هذا التحامل عليها من الجميع..
_هي خبيثة بعض الشيء، لقد افسدت زواج يمان الأول فلا اطمئن لها لأنها في يوم من الأيام........
_خديجة ألم يحذرك الطبيب من خطر الثرثرة على صحة الجنين.
_لا فقط طلب مني الاحتياط من لسان كهرمانة.
_دعي كنتي تستمتع مع الآخرين فقد حجزتها إلى جانبك....
_معك حق في هذا، عزيزتي سحر اذهبي لمقابلة باقي الشلة فمن الظلم أن احتجزك هنا معي...
اخذت كهرمانة سحر من يدها و جعلتها تدخل بين باقي الحاضرات، مكانة زوجها جعلتها محل ترحاب و تملق من بقية النسوة، اقترب موعد عودتها للمزرعة عندما طلبت منها انجي أن يتحدثوا في الشرفة على انفراد
_أنا لم أجد غيرك لأتحدث معه، زوجك اقفل كل سبل الاتصال بيننا، تعرفين أمر يوسف...
و تظاهرت بكتم غصة ستخرج منها
_عزيزتي أنا لا أريد أن أثقل عليك لكن جميع من عرفك تحدث عن نبل أخلاقك....
_اعذريني، أتفهم اشتياقك ليوسف لكن تعرفين عناد عمه....
_اعرف جيدا كيف هو يمان، أنا كنت زوجة يلتشين و فهمت شخصية زوجك بقلب صفات زوجي، فهما متضادان في الطبع كالماء و النار.....
_إذا كنت قلقة على يوسف فلا تخافي عمه لا يفرط به أبدا....
_أنا لا أشك بذلك، لكنني اشتاق كثيرا لصغيري و لا يسمح لي برؤيته، حتى زوجي جان لا يستطيع مواجهته بعد الذي وقع له، الآن زوجك أصبح يدمر شغله شماتة به...
_لماذا هذا البغض بينك أنت و زوجي، مصلحة يوسف تقتضي أن تجدوا حلا لهذا الصراع.....
_يمان لم يغفر لي أبعاد يوسف عنه لكن هو من اضطرني لفعل ذلك، يعتبر أنني السبب في فسخ خطوبته بميرفي فحول حياتي إلى جحيم،عندها لم أجد حلا غير الهرب منه...
_لكن حكاية ميرفي انتهت منذ زمن.......
_كنت لن أتحدث في هذا، لكن بما اننا لوحدنا فدعيني اعطيك نصيحة من واحدة تعرف جيدا ماذا يحدث،الجميع قد يكونوا حذروك مني لكن لا يهم، عمل ميرفي مع السيد رامز ليس وليد الصدفة، لن أدخل في التفاصيل أكثر لكن سأخبرك بانها عادت من الخارج خصيصا لتسترجع يمان لكن وجدت الأوان قد فات فقد كان زواجكم حجر عثرة لها، لهذا أقسمت انه سيكون لها حتى و لو لليلة واحدة.......
عادت سحر للمزرعة و دماغها ستنفجر من كثرة الاقاويل التي سمعتها، لن تستطيع مجابهة كل هذه الفوضى في أفكارها، دخلت القصر وهي لا تستطيع تحسس الطريق أمامها، هرع يوسف إليها ما إن رآها فاحتضنته لتهديء من نفسها
_خالتي اليوم لم تقرئي لي قصة.....
_حسنا صغيري افعل ذلك في الليل، يوسف هل تشتاق لأمك
بقى الصغير يفكر قليلا ثم قال
_عمي سيشتري لي مهر صغير ليعلمني ركوب الخيل....
_اللعنة حتى الصغير لم يعد يفهم مشاعره اكثر مني.....
دمدمت بهذه الكلمات وهي تقتحم مكتب زوجها
_ما هذه العجلة، سأظن انك اشتقت لي...
_لم اغب سوى ثلاث ساعات.......
اقترب منها وهو يبتسم بمكر
_هل كانوا ثلاث ساعات فقط، ظننته مر نصف يوم، لماذا أنت ترتجفين....
_لأنه لا حدود لنفاقك
و قبضت بيدها على العقد بقوة فتناثرت حبات المرجان في كل ركن
_ما الذي يحدث لماذا كل هذا الغضب
_هل وصل بك الأمر أن تستغل طفل صغير لتنتقم من أمه، هو لا ذنب له في فساد خطبتك.
_أولا لا ترفعي صوتك، ثم انتظري لافهم هذا الهراء الذي تتفوهين به.....
_هراء، طبعا كل جدال معك يعتبر هراء، لا احد له رأي أمام يمان كيريملي...
_الا تفسرين لي سبب هذا الجنون الذي أنت به
_طبعا افسر لك، أنت لا تتوقف عن استغلال الجميع للوصول لغايتك، حتى الصبي الصغير إبن شقيقك لم يسلم منك......
_اصمتي و لا تزيدي حرفا واحدا، أحذرك للمرة الأخيرة كرامتي و يوسف لا اتسامح فيهم أبدا،ثم أنت لست أمه لتخافي عليه بهذا القدر.......
جرحتها اخر الكلمات بعمق فلم تستطع أن تتراجع دون أن تؤذيه هو أيضا، غضب داخلي يدفعها بجنون للعراك معه
_اعرف جيدا أنني لست والدته كما أنا لست زوجتك لكنني على الأقل لدي احساس تجاهه، الصبي أصبح في حالة ضياع لا يعرف حتى كيف يشتاق لأمه، هل تفهم الآن لأين وصل، و لكن من أين لك أن تفهم هذا الاحساس فأنت لا تهمك إلا خيبة أملك في تخلي خطيبتك عنك.
لم يعرف يمان المشاعر التي تضاربت في داخله و اختلطت فيما بينها، اغمدت خنجرها الحامي في روحه دون أن ترأف به، لم يعنيه حديثها عن ميرفي بقدر استهانتها بعواطفه، لا تعرف أنها بحديثها هذا وضعت اصبعها على اكثر وجع شعر به في روحه، الصبي الصغير الذي يبكي في الخفاء لأنه اشتاق لوالدته، لم يستطع ان يتحكم في نفسه اكثر فدفعها بعنف ناحية الحائط وهو يصرخ عليها بغضب
_لم أعد اطيق هراءك، لا تدفعيني للجنون أكثر....
ترك كتفيها و خرج يصفق الأبواب وراءه، تهاوت سحر للأسفل وهي ترتعش من كثرة الرعب الذي أصابها، جاءتها عدالة مسرعة لتساعدها على الوقوف
_تعالي صغيرتي، يا إلهي عندما سمعت صراخه ظننت أن مصيبة قد حدثت....
_لقد قسم ظهري على الحائط، أنا أيضا استفزيته اكثر من اللازم.....
_لا يوجد أسوأ من غضب السيد يمان، انتبهي لهذا جيدا في المستقبل،جيد أن يوسف ليس هنا
بقيت سحر في جناحها، لا ترغب بلقاء يمان بعد الزوبعة التي حدثت، احساس دفين بداخلها يلح عليها بانها قد المته هذه المرة دون غيرها، هذا الاحساس أرهق روحها اكثر و جعلها تنام بغصة داخل قلبها، نهضت في الصباح الباكر و قد عزمت ان تلطف الأجواء بينهم، نزلت للمطبخ فوجدت يوسف يتناول فطوره هناك، بقيت تلاطفه لفترة ثم سألت عدالة عن عمه
_إنه في مكتبه منذ الفجر، مزاجه لا يبشر بخير، أرى يا إبنتي أن تتجنبيه هذا الصباح..
كانت ستواصل الحديث معها حتى رن هاتفها، مكالمة من والدتها جعلتها تقلق كثيرا، لقد تعرض والدها لازمة صحية حادة جعلته طريح الفراش، لم تجد بدا من الذهاب لأزمير،
طرقت باب المكتب بلطف ثم دخلت، وجدت يمان يعد حقيبته و يستعد للخروج
_صباح الخير
.............. صباح الخير
_سأذهب لأزمير، لقد مرض أبي....
_كما تشائين
_سيوصلني السائق لمحطة الحافلات، أما يوسف.....
_ما به يوسف؟!!!
كانت ستقول له أن ينتبه له و لا يتركه لوحده لكن جمود وجهه جعلها تتراجع عن ذلك فسكتت، اخذ يمان حقيبته دون أن ينظر في وجهها و خرج، مازال غاضب منها و لكنها الآن لا تجد فرصة للتفكير في ذلك، خرجت من المكتب فوجدت جينغار ينتظرها في البهو
_سيدة سحر طلب مني السيد يمان ان اقلك لأزمير، عندما تتجهزين سننطلق...
_شكرا لك، لن اتأخر كثيرا.......
ذهبت لتعد حقيبتها و تودع يوسف، هذا الرجل المكنى زوجها سيصيبها بالجنون، لا تتوقع تصرفاته و لا تفهم طريقة تفكيره، يجذبها إليه كما تجذب النار الفراشة ثم يلسعها بلهيبه الحارق دون رأفةٌ بضعفها........🔥🦋🔥

فراشة وسط اللهب حيث تعيش القصص. اكتشف الآن