كابوس

1.4K 97 48
                                    

"هوووف هوووف" -صوت أنفاس متلاحقة-

صدره يأز إرهاقا، شاب صغير يجري في مكان يكسوه الظلام، يحاول الإسراع يشعر بالخوف ينظر خلفه فيلمحه، يتعثر فيسقط أرضا وقبل أن يلامس الأرض استيقظ بعرق بارد يغلفه.

استيقظ الشاب المراهق ذا الخامسة عشرة في سرير صغير مهترئة أغطيته، يجلس كعجوز بائس رأي من العالم مئات السنوات قُدما.

مسح جبينه ووضع كفاه على وجهه وأجهش في بكاء صامت بلا صوت، لا يعرف لما يتكرر عليه هذا الحلم بالذات ، لا بل إنه كابوس، منْ ذاك الذي يهرب؟  ومما يهرب؟ ولما هو يري من منظور شاب آخر؟ ولما يشعر بمشاعر لا تخصه؟

ذاك الكابوس اللعين لازمه مرارا منذ خمس سنوات، يراه ويراه ويراه حتى تحول الخوف والفزع منه عند استيقاظه إلى يأس وبؤس وقلة حيلة.

يوهان ابن المنطقة الشرقية، شاب كوري فقير الحال، تَيتّم مؤخرا، جارّا خلفه أحمالا وأثقالا من ديون والديه اللذان توفيا جراء حادث سير فظيع.

يوهان الذي كان دائما يري أحلامه تتحقق منذ نعومة أظفاره، حتى الحلوى في الأحلام تتحقق على أرض الواقع ، لا يعلم من هو صاحب تلك المأساة التي صاحبته، ولما هو بالذات يعيشها.

كان كابوسا يتطور ويتغير في كل عام، وكأنه يراقب مراحل نمو هذا الطفل أو أنه يرى مستقبله، هو بطبيعة الحال لا يعلم، أحلامه الخالية لم تكن منتظمة أيضا ولا مؤرخة بمواعيد ولا معنونة.

خلال العام الأول من تكرار ذلك الكابوس كان الطفل  الصغير يهرب من لصوص ثلاثة يحاولون اختطافه، في العام الثاني كان يهرب من نساء يحاولن احتجازه في غرفة مليئة بالألعاب.

في العامين الثالث والرابع كان الشاب يهرب من طفل صغيرا عملاقا يشبهه، كأنه هو ولكن أصغر سنا وللعجب أكبر حجما بمراحل.

وخلال العام الخامس كان الأسوأ إطلاقا،   كان شابا صغير مراهقا لم يعد طفلا  وكان يهرب من شيء مبهم كأنه سحابة دخان أسود مهولة ذات أعين بلون الدم تنير في العتمة.

استسلم يوهان لذاك الكابوس، يئس يوهان بالأحرى، فما عساه يصنع ومن ذو الذي يتحكم بما يراه في الأحلام!

هو لا يعرف أي شخص بهذه المواصفات، هل عليه أن يجول في المدن والطرقات يبحث عن ذلك الوجه   لشاب صغير يبدو بين العاشرة والثانية عشرة؟!!

قرر يوهان أن يتجاهل الكابوس لقد اعتاده، الشاب يجري، والدخان الأسود خلفه، يلتفت ليراه فيسقط، وقبل أن يسقط، يستيقظ هو، كشريط سينمائي متكرر كل يوم بنفس التكرار، نفس المشاعر ونفس النهاية.

كان الحلم عسيرا في أول يوم ظهر فيه الدخان الأسود ذاك، لكن في اَلسِّتّ سنوات التالية لهذا، كان قد اعتادها ، وتغير شعور يوهان ذا الحادية والعشرين تجاه الطفل تدريجيا، من الضيق والحنق على الذي اقتحم أحلامه إلى الشفقة والتعاطف.

إنه طفل يعاني، ومن منا لن يتعاطف مع معاناة طفل؟ أيضا تحول شعوره نحو الدخان الأسود من الرعب والهلع إلى الاشمئزاز الخالص .

تجاهل الكابوس  وأحسن تجاهله، أصبح معتادا عليه، بل اعتبر الطفل صديقه من الأحلام ، اهتم بدراسته فهو على حافة الفقر منذ الصغر وعليه واجبات لا بد من سدادها.

لذا عليه الاجتهاد ليجد لقمة عيشه، بعد بضع سنوات كان قد أنهى تعليمه الجامعي وتخرج بمرتبة شرف من كلية التربية.

اتخذ ذا الخامسة والعشرين العمل كمعلم في مدرسة ثانوية شهيرة سبيل للقمة العيش، ولكنه أيضا عمل كمؤدب لأبناء العائلات الثرية.

ذاع صيته في الأوساط المرفهة، أنه مؤدب ممتاز يحول الطين الماس، يأخذ الشباب التالف الفاسد يعيد برمجته وكأنه لم يفسد مطلقا.

كانت تتهافت عليه العائلات، كما أن له ميزة كانوا هم أشد من يرجاها وهي السرية التامة عن التفاصيل للعائلات وورثتها المخابيل الذين أُصلحوا.

في يوم عادي من دوام عمله كمدرس ، جاءه زميل له  في العمل  بالمدرسة الثانوية ، يقترح عليه تدريس حصري لابن أحد العائلات الأكثر تأثيرا وقوة في البلاد .

رون جي ROWN G حيث تعيش القصص. اكتشف الآن