في مصر وفي إحدى محافظاتها توجد قطعة أرض تبلغ مساحتها ٢٠٠٠ متر ، تسمى حديقة الروعة .
محاطة بسياج ولها مدخلان ، عند دخلوك من الغرب تقابلك أشجار كبيرة ذات فروع واسعة ، أما الجانب الآخر ، تجذبك بأزهارها التي شملت جميع الألوان ،
وتخطو على ممر حجري يقودك إلى حيث توجد مقاعد خشبية ذات ألواح منحنية ومسندا للذراعين .استلقى على إحداها فتى في السادسة عشر من العمر
يستمتمع بسكونها وهوائها المنعش حتى غفا في النوم ولم يشعر فهذا الجو هو ما يصاحب هذه الحديقة أغلب الوقت، لكن اليوم على العكس ،تحركت جفونه اثر الضجيج «مالذي يحدث هناك؟»
أجابه صوت القاعد على يمينه « يقومون بقطع الأشجار القديمة لإعادة تصميم ...»فتح المراهق عينيه وأدار وجهه إليه مستمعا باهتمام .
اندهش، وبقى فاه مفتوحا ، فقد مضى على معرفته به سنتين ، لكن بكل مرة يطالعه بلمحة من عينه سيتأثر إذا لم يكن مستعدا ، إنهما مثل أعين الغزال ،
مستديرتان ، وسوداوان ، وبريئتان ...
«طلال لا تنظر مثل الأحمق ، وأيضا لِمَ كل هذا التحمس كأني سأعطيك مكافأة مالية ، احذر من وقوع ذبابة في فمك»
كان مخطئا ليس بريئا أبدا ، بمجرد أنأن يحرك لسانه تتصدع صورته تلك بكلماته التي مثل السكاكين ، فهو تعود عليها على كل حال .
عندما لاحظ لم يكن سوى المقعد الفارغ يخبره عن ذهاب صديقه «مهلا ، انتظرني ....»
ركض وراءه ليلحق به ، عندما وصل كان يلهث ،وربت على كتفه «خِلْت أن لديك أمر طارئا ، لكنني أراك واقفا في هذا الجانب ، ولَمْ تنتظرني ...»
«يالك من ثرثار مزعج ألا يمكنك أن تبقى صامتا »
أشار بيده أنه سيقفل فمه ، خطا إلى جلاد الأشجار كما يقول دائما ،بينما يستعد للقطع .
«هل هو أمر مالك الحديقة بأن تقطوا الأشجار القديمة ؟ »
السيد سامي حدد هذه المنطقة لبناء تصميم جديد
وستعيق ماخطط بناءها لذلك يجب قطعها »
حدق لفترة ، وسحب نظره .
« هل يمكنك الإنتظار قليلا ، أريد مهاتفة السيد سامي وأسأله»في المدينة نفسها وفي جانب آخر ، اهتز هاتف على المكتب ، امتدت يد وأخذته ، وعندما رأى اسم المتصل ، أغلق الكتاب الذي في يده، ووضعه جانبا ،ثم رد .
-السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
-وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
- كيف حالك العم سامي ؟
- سأكون بخير ، بعد أن حظيت باتصال منك ، ماذا ذكرك بي اليوم ، أرجو أن يكون خيرا .
- خيرا إن شاء الله ، لن أطول عليك ، أردت أن أسألك ، هل أنت من أمر العمال بقطع كل أشجار السنط ،سيترك ذلك فراغا كبيرا ، إذا أردت إعادة تصمم المكان لم لا تضعها جزءا من التصميم ،
- رويدك يارائد لا تنهال علي بالأسئلة دفعة واحد لوكنت قريبا منك لا أعرف ما ستفعل ، قالها مغيظا إياه .
.....
- حمم ، وأردف لم أكن أعلم بذلك وكلت شخصا ليتعامل مع الأمر ويفعل ماهو مناسبا ولا داع للرجوع إلي في كل شيء ، لكن سأتصل به وأقول له أن يفعل كما قلت الآن ، أنتم الشباب من الجيد أخذ آرائكم أيضا ، هل أنت سعيد؟ ،مقنعا إياه
- مع السلام أغلق الهاتف ولم يستمع إلى رده .
تنهد ، العم سامي من الأشخاص الذين لا يريد التحدث معهم، سيبدأ أحاديثه التي تجعلك تقتنع بما يقول حتى إذا كنت رافضا ، فهو يهرب دائما قبل أن يتطرف في أي موضوع .
«كيف كان حديثك معه؟ » قالها مستمتعا فهناك من يجعل رائد صاحب اللسان اللاذع عاجزا عن الكلام .
رمقه بنظره، ثم تجاهله ومشي نحو العمال .«تحدثت إلى السيد سامي وطلب منكم التوقف وسيتصل برئيسكم فيما ستفعلونه لا حقا »
انزعجوا بتضيع وقتهم على الفاضي ، ولملموا أدواتهم
ورحلوا ، لم يمكث رائد وطلال طويلا رحلا بعدهما ، وتوجه كل إلى منزله.
الحي الذي يعيش فيه ليس مكتظا بالسكان ، أزقته واسعة ونظيفة ، فكل من يعيش هناك فهو ميسور الحال ، وقصد بيته .
رحب به صوت « مرحبا بعودتك ،وكيف كانت نزهتك ؟» سأله بوجه بشوش.
«لا بأس بها ...لا أرى باسل هنا اليوم ، هل ذهب إلى عمل ما ؟ فقد اعتاد أن يشغل وظائف متعددة في اليوم »
- على الرغم من أعماله الكثيرة ، إلا أنه يعد الأحد يوم راحة له دائما ، و لكنه أخذ إجازة ، فقد اشتد مرض والدته ، وأراد أخذها إلى عاصمة المحافظة ، قد يستغرق ثلاثة أسابيع أو أكثر .
- عافاها الله ..... أه من سيتولى عمله إذا ؟
- أنا... لكن لا تقلق سأقوم بسقي النبات لا أكثر .
لاحظ عدم اليقين على وجه رائد ، لكن ماذا عساه أن يفعل ، تنهد ، فهو أدرى بعجزه ، فباسل ليس موجودا ولا أحد غيره.
- أتمنى ذلك .
العم سفيان وزوجته عملا في البيت لأكثر من عشر سنوات تعود عل وجودهما من صغره، لذلك يناديهما بالعم والعمة ، وهو كفؤ جدا ،سوى شيء واحد ، فهو جلاد النبات بكل ما تعنيه الكلمة لا يفرق بين ما يمكن تقليمه من غيره كل نبات تصل إلى يده تذبل بعد أيام . تركه ، ودخل إلى البيت .
تبلغ مساحته ٦٠٠متر ، وهو مكون من طابقين ،
الدور الأرضي به غرفة معيشة متصل بقاعة الأكل والمطبخ وغرفتان جانبيتان للضيوف والطابق العلوي مكون من غرفتي نوم رئيسية وغرفة جانبية ،
ولكل واحدة حمامها الخاص .
أزال حذاءه ودلف إلي المنزل ، واتجه إلى ركن مفصول حيث تقع غرفته التي المفترض أن تكون غرفة الضيوف ، لكن في صغره وقع ذات مرة من السلالم وكسرت ساقه ، فحول والده الغرفتان إلى واحدة ، لتصبح أكثر اتساعا وراحة وانتقل هناك .
سحب المقبض وفتح الباب ، كانت عتمة جدا ، أضاء الضوء ، واتجه إلى الشباك وأبعد الستائر ، لتبث الشمس أشعتها إلى غرفته ، وظهر مخططها للعين ،
جدرانها مطلية بالون الأبيض وسرير يقابل النافذة
ومكتب وصوانا للملابس وآخر للأحذية وأريكة بجانب الباب ، وبالنسبة للزينة ، توجد لوحة وساعة مثبتتان على الجدار .
تطلع إليها وهي تشير إلى الثانية عشر والنصف .
اقترب الغداء ، لم يتسرع ليلتحق بالأكل ، فمعظم الوقت يأكل وحده .
لذلك استحم أولا ، وغير ملابسه ثم اتجه إلى قاعة الأكل ، عندما اقترب تفاجأ برؤيتها ، من أراد أن يصاحباه هناك دائما .

أنت تقرأ
سَامِحِيْنِي يَا أُمِّي
Romance- يقرر والدا رائد الطلاق لكن يخيرانه في العيش مع أحدهما ، يختار والده اعتقادا منه بأن والدته لا تحبه ، مصادفة يظهر له أنها كانت تحرس غرفته طول الليل في أيام مرضه وما ظنه عن أبيه كان العكس ، يحاول البحث عن الحقيقة ، وكل دليل يكتشفه يصدمه فيضيع تائه...