اتكأت على الجدار ، بينما شدت راحتيها على الهاتف ،
الذي يوشك السقوط في أي لحظة ، وتلعثمت في كل كلمة تقولها ، بعد لحظات سمعت صفير الهاتف الذي دل على انتهاء الإتصال ، عندها أطلقت نفسها المكبوت ، وأخيرا انتهت هذه المكالمة الشبيهة بالمحاكمة ، استدارت ناظرة إلى الأخرى الجالسة بهدوء منسدلة رجليها وعباءتها الرمادية تغطيها بخمارها الأبيض الموضوع بإهمال مرتشفة العصير رشفة بعد الأخرى ، خطر على بالها أ هناك ما يمزه عن غيره من العصائر ، إذا لم تكن من أعدته لاعتقدت باختلافه ، بينما هي تكافح هنا ، تحركت إليها لم يطرأ تغيير على قعدتها ، أهي غارقة في تفكير ما لدرجة ترتشف العصير دون وعي كحركة ربوت ميكانيكي ،
- هل يمكنك تقدير ما أكابده هنا بينما ... أتسمعينني؟
حينها حركت مقلتيها إلى جانبها مدركة لها ، وهمهمت
قليلا .
- لا تعلمين ما أقاسيه هنا وما أتحمله من التوتر للحديث إلى أباك ، لم ينحسر غضبه إلى الآن ، وأنا المسكينة التي عليها أن تعلق بينكما .
- هذا لأنك أخت جيدة ، تتحدثين وكأنه والدي فقط
أليس والدك أيضا ،فلماذا كل هذا الإنفعال في مكالمته .
- لو كان اتصالا عاديا ، عندها سأدردش معه لساعة ولم يكن شيئا..
تبطاطأت كلماتها حين بدى على وجه الأخرى عدم التصديق ، أشاحت بصرها عنها لتكمل .
- أ..أقصد لدقائق عند... عندما كنا صغارا كان الجميع يتسامح معي ، إلا والدنا الذي كان صارما علي ، مما جعلني إلى الآن أجد صعوبة في محادثته ، كي لا أرتكب خطأ ، ويوبخني .
- أتذكر دائما كنت تتشاجرين مع أهل الحارة ، صاخبة وعنيدة ، وكان والدي يصاب بالصداع ، لولا عمي الذي ، يشفع لك لضربك أغلب الوقت .
- أرجوك لاتنبشي سجلاتي السيئة المدفونة ، فأنا الآن سيدة راقية بكل ما تعنيه الكلمة ، لكن من المسلي أيضا تذكر تلك الأوقات ، لم يكن العم وحده ، فكان عدي ، وعياض كذلك .
وعبست عندما أكملت .
- غير أيهم الذي لا ينفك عن إزعاج حياتي ، لأني الوحيدة التي يقدر عليها ، ولا يترك فرصة ليزعجني بها...
أدركت عن ما تفوهت به لتدير وجهها إلى منيرة التي كانت شاردة ، لقد انزلق لسانها كيف ذكرته أمامها .
ثواني ولم تسمع منها رد ، وحاولت تغير الموضوع.
- هذا..هذ.
- يشغل بالي هذه الأيام كيف أخبرها ، هل تحزن وتسألني لماذا فعلت؟ ، لماذا تطلقت ؟ لم أستطع إعلامها بشيء إلى الآن ، لا أعرف كيف ستكون ردة فعلها .
فهمت عن من تتكلم ، وغلاوتها عند منيرة وكم ستحزن إذا لم تفهمها أيضا ، عدلت من جلوسها واستدارت إليها وبجدية ردت .
-لا تقلقي كثير ، لو أن العالم لامك فهي لم تكن لتفعل.
- كيف ، فهذه المرة يختلف الأمر ، برأيك إلى جانب من ستقف ..
- لطالما كانت تساندك بغض النظر عن من المخطئ ،
فكيف عندما عملت بظلم. هيئي نفسك قريبا وزوريها ، كوني على ثقة .
أومأت لها بفهم .تقلب في فراشه ، وشعوره بعدم الإرتياح يزيد كل لحظة ، والحرارة التي تخرجها أنفاسه ، أحس بجفاف
حلقه ، فنهض جالسا ، وحاول القيام إلا أن جسمه المثقل يخبره بمدى صعوبة الوقوف ، إلى هذه الدرجة أضعفته الحمى تساءل في نفسه ، تحمل وأصر على القيام ،فليست له القدرة علي الثبات ، وأخذ الماء لترطبيب حلقه ، ماذا عساه أن يفعل ، اجتحاحه ضيق و وحدة ، وكأن ما تتنظره الحمى هي دفعة لتجتاز دفاعها الأخير ، حاجز القلب المصر والمكاحف ، فتغلفه تماما ،ولم يعد قادرا على دعم نفسه ليعود مرتطما إلى فراشه ، ليقابل نظره نافذة غرفته التي تقابل سريره متطلعا إلى ما وراءها بعض فروع شجرة السنط التي تحركها النسيم ، والقمر الذي حجب نصفه تلك الفروع الواسعة ، ولكنها لن تقدر عل حجب ضوءه فقد غطى الفناء بأكمله ، وحدق فيما يشهد على ضعفه دائما، أمعن النظر في المنظر الوحيد أمامه كم هو جميل ، لم يظن يوما أن القمر يتمتع بمنظر خلاب ، أحيانا عندما تكون أصعف حالاتك ستدرك كم كانت هذه الأمور العادية التي أهملتها ذات قيمة ، فهكذا أحس رائد ، فكر كم سيكون رائعا لو كان لديه طاقة للإستلقاء هناك ، تذكر في صغره كانت والدته تمنعه من الجلوس في البيت و الإنشغال بالألعاب دائما ، تسحبه بينما يتذمر دائما رافضا للخروج .
- أنا لا أريد الخروج ، أحب اللعب أكثر ، وهو مجرد الجلوس في الحديقة .
كانت تبتسم في تفكيره وتمسد على شعره .
- إنه مفيد لصحتك أكلت الآن ، أليس من الأفضل التنزه قليلا والإسمتاع تحت القمر ، عندما تكبر وتنشغل بالعمل ، ستتذكر مثل هذه اللحظات ، وتدرك كم كانت ثمينة ، والسعادة التي تشعر بها عندما تستمتع بفعل الأمور العادية ، وهو مفيد للصحة .
وظل يهرب وهي تسحبه رغما عنه .في ذلك الوقت كانت تستمتع كثيرا بذلك ، يا ترى لوكانت موجودة بقربه هل ستسمعه و ستلاحظه ،
لا ، فبعد ذلك لم تعد تخرج بعد العشاء إلى هنا كما اعتادت .
وبسبها صار لديه هواية الإستمتاع بنسيم الحدائق
ومن دلته لم تعد تفعل ، وعندما يعود إلى البيت يرى أن الأمر لا طعم له فينشغل بألعابه الالكترونية ، لماذا؟انهالت عليه التساؤلات والأفكار التي رفض الغوص فيها وتجاهلها ، لم تعد بقربه ليسألها مريحا نفسه ، في جو الإرتباك والتساؤل أحس بضباب عينيه والدموع تنسال منها ، سواء أكانت من الحمى والألم ، أما من الضيق والوحدة التي تغلفه في تلك الفترة ، أراد أن يصرخ وينفس لماذا لم تعودي تذهبين هناك ؟، لماذا لم تكوني تأخذنني معك أينما ذهبت كما اعتدنا؟ ، ولماذا امتنعت تتحدثين تمرحين معي؟ ، بدأت أرتكب الأخطاء عمد لأجذب انتبهاك لتوبخيني وتشديني من أذني محذرة ، وبعدها بدأت حذرة في تعاملك معي كغريب ، ثم ..
ثم بدأنا نتباعد فلم أعد أستطيع الإقتراب منك ، واستمريت في دفعك بعيدا بعيدا ، ها أنا الآن وحدي في مرضي لا أحد سوى ظلال الأشجار التي تشهد على بؤسي ، يبدو أن ظلالها قد خفت ولم تعد تمتد إلى الشباك ، يا لوحدته حتى هي غائبة ، أظنها مقطوعة ، سيخبرهم بعدم قطع من الآن.
وبدأت جفونه تثقل فلم تكن لديه أية طاقة ،
فقد استنفدها في التنقيب عن أحزانه ، حاول فتحهما لحظة ليحس بصعوبته ، عندها عاود إغلاق عينيه واستسلم للنوم ولم يعد واضحا بما يحصل معه .
أنت تقرأ
سَامِحِيْنِي يَا أُمِّي
Romance- يقرر والدا رائد الطلاق لكن يخيرانه في العيش مع أحدهما ، يختار والده اعتقادا منه بأن والدته لا تحبه ، مصادفة يظهر له أنها كانت تحرس غرفته طول الليل في أيام مرضه وما ظنه عن أبيه كان العكس ، يحاول البحث عن الحقيقة ، وكل دليل يكتشفه يصدمه فيضيع تائه...