اخترعت أشعة الشمس لتضيء وجه المراهق النائم ،
فتحركت جفونه اثر الضوء الساطع ، مد أنامله ليحجبها ،
إلا أنّ ضوءها عَمّ المكان ، وكأنها مصرة على ايقاظه ،
لم يكن عليه سوى أن يفتح عينيه ، وينهض رغما عنه
وتطلع إلى الساعة على الجدار، وهي تشير إلى الثامنة والنصف عندها أدرك مدى تأخره، فقد اعتاد أن يقوم مبكرا .وكيف لا ، بعد أن سهر الليل مفكرا ، بما قاله والداه ، عن انفصالهما ، أو اختيار من سيعش معه ،
فلو كان أحدا غيره لاختار العيش مع والده أياما ومع أمه كذلك ، لكن هو لا يستطيع فهو لم يكن قريبا منها ، وهي كذلك ،سواء في أفراحه ، أو أحزانه ، ومرضه....
نهض واقترب من النافذة واستند إلى إلى الجدار بجنبه ، ناظرا إلى الحديقة التي تُطِل عليها نافذته .
إلا ظل فروع شجرة السنط التي تمتد إلى غرفته .ليبتسم ابتسامة ضعيفة ، ثم يهز رأسه ويطرد الأفكار التي أوشكت أن تبتلعه .
تمنى أنه لم يحصل كل هذا فمهما كانوا بعيدين عن بعض إلا أنهم قريبون في نفس الوقت، فيجمعهم سقف واحد ، أما الآن سينتهي أيضا .
هو يعرف أنه واقع، لا مفر منه وكل ما استوعبه ،وتأقلم معه بسرعة كان أفضل له .بالرغم من الضعف الذي يغطي عضلاته بسب قلة النوم .إلا أن عليه الإستعداد للروحة إلى المدرسة.
عندما حضر كانت حصة الصباح قد انتهت والطلاب
في الاستراحة .
توجه إلى مقعده ورمى حقيبته على الطاولة، وسحب كرسيه، وضع رأسه على الطاولة وأغلق عيناة ، غير آبه بأحد.
انتبه زملاء فصله لوصوله ، عندما رأوا أنه هو الحاضر ، تجاهلوه فقد تعودوا على أفعاله .
سمع طرقا على مقعد ،رفع رأسه ناظرا إلى الواقف أمامه ، أحد زملائه في الفصل .
- انتظرتك لفترة ، أردت أن أعرف ، ماذا فكرت أن تفعل اليوم ، أنا حائر قليلا ،هل يمكنك مساعدتي ببعض الإقتراحات فلديك أفكار غريبة أحيانا .
- أهناك ما يجعل هذا اليوم مختلفا ، أم مميزا ؟
أو هو آخر يوم في حياتك وتحاول أن تنجزا أمرا ما ،
عندما رآه عاجزا عن الكلام ، أردف .
- إذا لم يكن هذا أو ذاك ، فلم عليك أن تزعجني بكيفية قضاء يومك .
كان يعرف أنه سيلقى نصيبه من رائد ، إذا طلب مساعدته ، لكن أليس هذا أكثر من اللازم !
لقد جنى على نفسه . إلا أنَّ عليه التحمل لِما جاء من أجله .
- تتحدث وكأنك لا تعرف ، مهلا ..
توقف عندما لاحظ تعبيره .
- أيعقل أنك لا تعرف شيئا عن هذا اليوم ، يوم الأمهات ؟
تنهد بحسرة .
- يبدو أنه لا فائدة من التحدث معك .
خفض رأسه في أسى ،وأردف :
- أمي ستقلب البيت فوق رأسي ، وستعاتبني بأني مهمل، وعديم القلب ، على كل حال سأكتب بطاقة لها عن مشاعر ابنها العزيز ..
بقي رائد في عالم آخر مفصول عنهم.
انقضت الإسترحة ودخل المدرس الفصل، ودَرّس حصته ، ومرت ساعات ، إلا أن رائد لم يكن مركزا على شيء ، جرفته دوامة الأفكار، لتعيد به إلى الماضي ، ويتساءل ما مشاعره اتجاه والدته؟
كيف كانت علاقته بأمه في صغره؟ كأي أم يمكن أن يتمناه الإنسان ، وثم بدأ ما بينهما في التغير ،
يتذكر عندما بدأت علاقتها بوالده تزداد سوءا ،
وبدأت تنفر من أبيه ، نال أيضا نصيبا من ذلك ،
ثم ماهو خطأه لِيُأثّر ما بينهما به ، من حزن إلى خيبة أمل ولم يعد يهتم كثيرا .
دق الجرس معلنا عن انتهاء الدوام ، ليعيد ذلك انتباهه ، حمل حقيبة وسلك طريق المنزل .
دلف إلى البيت ، إلا أن البيت كان مختلفا عكس المعتاد
فهناك ضجيج صادر ، وعندما دخل ، استقبلته حقائب كبيرة ، ذكرته بما حاول تجاهله، أن والدته سترحل.عندها سمع خطوات تقترب ، رفع بصره ليقابلها نازلة
عل السلالم ترتدي فستان بنفسجي طويل يغطي جسده مع خمار بلون أبيض ، يبدو عادي ولا مميز به ، لكنه لاحظ اختلافا .نعم ، فقد نظرت في عينيه مطولة، بدون أن تظهر ترددا، أو تزح بصرها عنه، فعيناها تحملان إصرارا ،
هل تحاول إظهار مودة له وهي سترحل ، هل تريد أن تعلقه بها في يوم مغادرتها ، قبض راحته بشدة ،عندها حسم أمره ،لا يريد شيئا منها .
اقتربت منها ، وهي تتطلع إليه ، تحدثت بصوت رخيم :
- رائد أردت التحدث إليك صباحا ، إلا أنك كنت نائما .
- ولِمَ لا أغط في النوم فبعد كل شيء ، لم يكن البيت هادما فوق رأسي . قالها ساخرا .
- المشاغب الصغير هنا ، لا تعلم كم أنت محظوظ لأني قد وافقت على انتظارك .
التفت ليرى المتحدث ، فإذا به يقابل امرأة ، تلبس فستان طويل ذا لون أحمر غامق وخمار بلون أسود،
واقفة مطوية يديها إلى صدرها تطالعه بعينيها اللوزية ، شخصيتها ترهبك قبل أن تنطق حتى ،
كما يقول والده : صاحبة المزاج الناري ، خالته خلود .أمسكت والدته بكتفه ،فاستدار ليقابلها ، لتكمل :
- سأكون في منزل والدي ، سأنتظر مجيئك في نهاية الأسبوع .
- لماذا علي الذهاب إلى مكان آخر ، فهذا هو بيتي ، وليس لي شيء أفعله في بيت الغرباء .
قالها بصوت مرتفع .
رأى الصدمة بادية على وجهها ، انتظر ليرى ما ستفعل ، إلا أن صوتا آخر وصل إليه ، فإذا بخالته خلود تنظر إليه بعيون جاحظة و تشتعل غضبا .
- كيف تتجرأ وتحدث أمك بنبرة كهذه ، ألم يعلمك والدك الأدب ، فلا عجب أن تكون ابن عديم الإحساس ذلك .
- لا تشتمي والدي ، فأنت لا تعرفين شيئا ، أنت تدعمين أختك وتغضين عن أفعالها السيئة .
عندها رفعت يدها لصفعه ، وأدرك أنه لم يكن عليه أن يدفعها كثيرا ، ولا وقت للمرواغة ، فزع حقا .أوقفتها يد آخر ، والدته رغم كل ما قال سرعان ما أشاح بصره عنها . لتواصل خلود قولها .
- دعيني يا منيرة أعيده إلى صوابه ، كيف تسمحي له أن ينطق بهذه التراهات ، كيف عشت مع هذين كلاهما ليس أسوء من الآخر ، كان علي أن أقنعك فى تركهما لوقت طويل ، ولم تكوني ستعاني .عجز عن الكلام أي نوع من الأشخاص سينصح أخته بالطلاق ، غير خلود غير المنطقية ، فَهِمَ لماذا يقول لها والده ،صاحبة المزاج الناري .
أنت تقرأ
سَامِحِيْنِي يَا أُمِّي
Romance- يقرر والدا رائد الطلاق لكن يخيرانه في العيش مع أحدهما ، يختار والده اعتقادا منه بأن والدته لا تحبه ، مصادفة يظهر له أنها كانت تحرس غرفته طول الليل في أيام مرضه وما ظنه عن أبيه كان العكس ، يحاول البحث عن الحقيقة ، وكل دليل يكتشفه يصدمه فيضيع تائه...