٤- هل ستكون بخير؟

13 1 0
                                    

استلقى على الأريكة ، ويده على رأسه تدلكه ، فهو
يعاني من الصداع  ، وبدا الإنزعاج على وجهه .

فكيف لا يحصل ذلك ، وقد ظهرت اليوم ببيته من تُعَكر مزاجه ، ومن غير خلود ، هو لا يطيقها أبدا ، منذ صغرهم ، كانت متمردة و وقحة ، ولا أحد يزحزحها إذا أعندت على شيء ، مهما فعل ، لم يمد يده يوما على امرأة غير خلود ، ولم يكن يجدي معها  أي تغيير ، بالنهاية هو من يخسر ، وانتهت مصاعبه بزواجها من سليم ، فرجل صبور مثله فقط القادر على البقاء معها .

تذكر رؤيتها اليوم وكلامها المستفز معه كما كانت  تفعل .

- اتخذت أختي أحسن قرار بترك عديم الإحساس ذلك .
وقالت كلامها ، بعد ما لاحظت وصوله ، و سمعه،
إلا أنه لم يلقي بالا لها .
لم تكتفي ، و واصلت :

- أنا أدعمها ، عليك وضع القمامة في المهملات
فلا فائدة منها ، لا تفكري كثيرا ، هناك رجال صالحين في العالم ، و ستلتقي بأحدهم .

بالرغم من أنها تخاطب منيرة لكنها توجه كلامها إليه ،  تجاوزت كل الحدود ، ماذا تقصد بقولها ، سلة المهملات و رجال صالحين ، هل تعني أنه رجل سيء ؟  هو حقا لن يمرر ذلك لها .
كان سيتجه إلى الطابق العلوي إلا أنه غير رأيه، استدار ، واتجه إليها ، وقف أمامها وبدى الغضب عليه .

- هل تقولين لي ، أني شخص سيء ، وسلة مهملات ؟ لم أركِ لوقت طويلا ، إلا أن وقاحتك ازدادت  .

تطلعت في عينيه ، وردت :
- لم أقل ذلك ، لكن بما أنك فهمتها بهذه الطريقة ،
يعني أنك تظن ذلك أيضا ، وأنك هكذا .

صاح فيها .
- خلود . لا تنطقي بحرف ، و تختبري صبري ، و لا تظني أنك كبرت ، ولا أستطيع فعل شيء معك .

- أ تفكر  أنّ الجميع ملزم بتنفيذ كلام جلالتك . سخرت وأردفت .
أنا لست منيرة لتملي عليها ما تشاء يا أيهم ،
ولأن لا أحد قالها في وجهك ، يعني أني لا أستطيع ،
أنت مغرور و سيء جدا   ، و ظلمت أختي منيرة كثيرا ، أنت لا تستحقها ،  من قبل أو الآن .

نجحت حقا في إيصاله إلى حدود صبره ، و أوشك
على رفع يده عليها هذه المرة ، ليقف سليم بينهما ،
بعد أن لاحظ الجو المتوتر بينهما .

- نحن لسنا صغارا  ، يمكن حل كل شيء بالنقاش بعقلانية ، وليس بالتشاجر مثل الأطفال .

- قل ذلك لزوجتك وتَحَكّم بها ، جاءت إلى بيتي من الأساس للنزاع . رمقها بسخرية .

شعر سليم  بإحراج ، هو فهم ما يعنيه أيهم ، فعادة خلود أن تلبس باللون الأحمر إذا أرادت قتالا نشأت بهذه العادة ، وحتى الآن لم تغيرها ، حاول مرارا ولكنه عجز   . أما هي ولو على بالها .
أقسم لو كان مكانه لخنقها منذ وقت طويل.

وقع أقدام ، ينبهه بوصول أحد ، فإذا بابنه رائد يقترب.
- ما بك يا أبي ؟ أ تعاني من الصداع ؟
نهض وجلس باعتدال .
- مجرد إرهاق سأكون بخير بعد النوم ،أخبرني عنك
أ أنت بخير ؟
- وما أصابني ، أنا بخير 
رأى الجدية تظهر على وجهه .
- تعرف عما أتحدث عنه ، فلا تتغابى  .
كست ملامحه التفاجئ ، فما يعرفه عن والده لا يتحدث حسب المشاعر ، فهي للنساء ، كنا يقول ، وتجعلك مترددا ، على الرجل أن يفكر بعقله ، و يكون حاسما ، طأطأ برأسه ،
لم يرد أن يخذل توقعاته منه ، لهذا لا يظهر رغبة في احتياجه إلى محبتهما ،  رفع بصره إليه ،
و مهما أراد البوح به يختفي عندما يقابل نظرة أبيه المترقبة :أن لا يكون ضعيف الشخصية ، أن يصير مثله .
هو الأقرب إليه ، لماذا لا يستطيع أن يفهم أنه مجرد مراهق ، وليس رجلا راشدا ، لا يحتاج إلى قرب واهتمام  والداه ،  أشاح نظره عنه .
- لا فرق بينما كان من قبل والآن ، فلم أعتاد عليها
لأفتقدها  كثيرا  ، على كل حال  .
ابتسم  قليلا ،  وحك مؤخرة رأسه ، وأردف :

-  منزعج قليلا ، لكن سيتلاشى بعد أيام ،
مثلما ، أفعل عندما تمنعني من غرض أريده .
أومأ والده له برضا ،  نهض رائد و استأذنه للمغادرة .

أما عند منيرة رافقتها خلود ، إلى أن غطت نائمة ،
ثم خرجت من عندها ، فواجهت سليم الذي يقف أمام الباب .
- كيف حال منيرة ؟
أغلقت فاه بوضع إصبعها على شفتيه ، تخبره أن يصمت ، وأشارت إلى الداخل أنها نائمة .
جرت يده وقادته إلى غرفتهما .
- لنتحدث هنا ، بصعوبة نامت .

من يسمعها لن يصدق أنها يمكن أن تكون مراعية ،
يرى الناس جانبها المتقلب و العنيد ، ولكن هو سعيد بأنه وحده الذي يرى جانبها الآخر  .
لديها قلب رقيق و مراع اتجاه أحباءها ، 
اتكأت عليه و أسندت رأسها إلى  كتفه وبدى القلق على ملامحها .
- ما انفكتُ أُردد لها أن الأمور ستكون على ما يرام ،
لكن ، هل حقا ستكون كذلك ؟ تنهدت واكملت :

هي ليست بخير ، افترقت أخيرا عن ذلك الوغد ، إلا أنها خسرت ابنها، لم تسمع ما قاله :  أنا سأبقى مع أبي ، يمكنك الذهاب والعيش كما تريدين لم نعد عبئا عليك .
أفكر كيف شعرت .
استمع إليها ويمسح على شعرها .
- لا يمكن لرائد أن يبتعد عنها بالأخير هي أمه ،
كل ما في الأمر ، هو منزعج بما حصل ، عندما يهدأ سيدرك خطأه ، و سترينه  يبحث عنها  .
- لا بد أن والده من  يحرضه عليها  ، عديم الشفقة ،
أنا أكره أيهم  ، وأكره ما يفعله بمنيرة أكثر .
- من سيظن ،أن أيهم أخوك يا خلود ، إذا سمعك تتحدثين بهذا السوء عنه ، قد لا يكون الأمر كذلك .
- لا تقلها ، على الرغم أنّ والدانا يتشاركان الأب نفسه ،لكن أمي أنجبت طفلا واحدا بعدي، منيرة هي أختي وقريبتي الوحيدة  .
- لا تبدي قلقا أكثر من اللازم  ، كي لا تشعريها بالشفقة عليها وهشاشتها ، كوني على طبيعتك ، وشجعيها بأفعالك  ، واتركيها تأخذ كل الوقت الذي تحتاجه ،لتصالح مع نفسها، وتنسى، وتتقدم إلى الأمام ، تأكدي أن تكوني بجانبها .

هزت رأسها موافقة لما قاله ، واحتضنته .
- أشكر ربي دائما، لأنه وهبكَ لي زوجا يقف بجانبي.
- وأنا أيضا ، فلدي زوجة رائعة شجاعة، وقوية  .
أفلتت من حضنه و حدقت فيه ، ثم أشاحت  عينيها مبتسمة ، تعرف أنه أراد تغير مزاجها .

في الغرفة الأخرى ، فتحت جفونها وتقلبت إلى جانب آخر ، لم تكن نائمة ، إلا أنها لا تريد أن تتعب خلود معها أكثر ، فتظاهرت وإلا كانت ستصر على رفقتها .

يبدو أن النوم رفض خطفها إلى عالم الأحلام .

نهضت واقتربت من النافذة ، متطلعة إلى القمر المعلق في السماء وضوءه الذي يغطي المكان  ، اقتربت أكثر كأنها متمنية ، أن يتدفق ذلك النور إلى حياتها .

شردت في تأمله ، وتردد  صدى في عقلها من ذكريات
وضحكات فتاة وصوت امرأة ،
- منيرة ، ياروحي أين أنت ، لا تخوفيني هيا اخرجي .
بينما يتعالى صوتها مع كل صيحة .
خرجت خلف الباب ، عندما لاحظت قلقها ،
- أنا هنا .
ركضت إليها فتعثرت وكادت تقع ، ثم إذا بها تقدمت وأمسكتها ، محتضنة إياها .
- لا تركضي بعيدا عني مجددا  ، كوني بقربي ياروحي ولن أدعك تتأذي أبدا ، أدعو ربي أن يحفظك دائما و ينور حياتك ،مثل ما نورت حياتي ، و يرافقك نوره دائما .

ابتسمت بحزن وشوق لتلك الأيام .
-انظري إنّ القمر يرافقني و ضوءه ينورني ،
يا ترى كيف سيكون حالك إن عرفت بما حل بي ،
يا أقرب الناس إلي .










سَامِحِيْنِي يَا أُمِّيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن