فتح طه عينيه بكسل وهو ينظر حوله، شعر بثقل على صدره فنظر للأسفل لتقع عيناه على مشهد توقف للحظات ليستوعب بالأخير أن هذه الفتاة ما هي إلا زوجته، تطلع إليها في صدمة ودقات قلبه تتسارع، نهض بحذر ودون أن تشعر به وخرج بسرعة إلى الصالة، أخذ يذهب ويجيء بانفعال وكأن ما فعله ما هو إلا ذنب عظيم أقترفه، كيف له أن يقترب منها وأن يجعلها زوجته بالفعل ؟
لقد أقترب منها لأنه تخيلها هي في مخيلته ليدرك ما فعله وكأنه كان مغيبًا، جلس يضغط بيده على رأسه وكأنه بهذه الفعلة يحجم سيل الأفكار التي أقامت عقله . بقلم زكية محمدبالداخل استيقظت سبيل وهي تتمطيء بكسل استغربت عدم وجوده بجانبها، ولكن سرعان ما تلون وجهها بحمرة الخجل، فأحسن صنعًا أنه تركها وإلا كان قد أنهى عليها الحياء، نهضت تغتسل وبعد أن انتهت وقفت على باب الغرفة مترددة تخرج أم تظل مكانها، وفي وسط صراعها ذاك أقتحم هو الغرفة، لتشهق بصوت مسموع وهي تطالعه بأعينها الخضراء الجميلة، بينما وقف هو كالصنم لا يتحرك ولا يتكلم .
أخفضت بصرها للأسفل وهي تلعب بأطراف البيجامة الخاصة بها بتوتر بالغ، بينما تخطاها هو ودلف للمرحاض دون أن ينبت بكلمة واحدة وكأنه فقد النطق، تطلعت لأثره بدهشة سرعان ما تحول لضيق لتقول بخفوت وتذمر :- دة عدى من غير ما حتى يقولي صباح الخير يا سبيل .
قالت ذلك ثم خرجت والغضب الطفولي خاصتها قد تملك منها، وقد تعددت الأسئلة بداخلها .
بدأت تعد وجبة الإفطار وعندما انتهت جلست تنتظره، حتى خرج أخيرًا لتعتدل في جلستها وهي تتطلع نحوه تارة وللأسفل تارة أخرى، وجدته يجلس قبالتها ملقيا عليها تحية الصباح وجمود وكأنه واجب عليه فعله، ردت عليه التحية بحب فهي أشبه بالصحراء التي تنتظر قطرة ماء ترويها، لتقول بابتسامة وهي تنوي أن تكسر هذه الحواجز اللعينة التي تقف عائقًا بينهما :- أنا عملتلك الفطار اللي بتحبه سألت ماما شهد قالتلي، ها قولي رأيك إيه بقى ؟قالتها وهي تضم كفيها إلى صدرها بحماس تنظر له بلهفة طفل بحاجة للحصول على الثناء، لتخرج كلماته المختصرة :- كويس .
زمت شفتيها بحنق ومن ثم تابعت طعامها بهدوء، فهذا ليس الرد ولا الكلام الذي توقعته .
فعل هو المثل حيث كان يأكل طعامه بشرود وبداخله يود الفرار من أمامها ومن هذا المكان الذي يخنقه ببطء .*******************
مرت الأيام هكذا على الجميع ما بين سعادة وتعاسة، منهم من يحلق وسط النجوم من فرط سعادته، ومنهم من يعيش أيامًا عصيبة .
فسبيل لا تفهمه البتة فهو بعيد كل البعد منها حتى وإن كان يتواجد معها في نفس المكان، تشعر بغربته وضياعه معها حتى قربه منها تشعر وكأنه واجب مدرسي عليه التخلص منه عندما يدير ظهره لها، بات لوغريتمات من الصعب حلها أو فهمها، يا ليتها عليمة بقراءة الأفكار لسبحت في عقله وعلمت ما يدور فيه، تفكر في ألف سبب عن حالته تلك معها وتختلق له ألف عذر، أكثر ما يضايقها أنه شخص عملي لا يضحك البتة حتى أنها ذات مرة مزحت معه وكان رد فعله بأنها هل مازالت صغيرة على فعل هذه الأشياء ؟ ليصيبها الإحباط منه وتذكرت والدها الذي كان يتقبل جنونها بصدر رحب لتقول باشتياق :- الله يرحمك يا بابا محدش فاهمني غيرك .