أكون محظوظة مثلها ..فأول من عشقني كان «المسخ» ..نعم كنا نطلق عليه هذا الاسم أيام الجامعة. كان يتقرب إل َّي منذ أن رآني أول مرة ،وكنت أشعر بحاجته الشديدة إلى أن يجلس معي ،وتقريبا كان لا ينظر في عيون الكثيرين ولكنه أحيانًا ينظر إل َّي ،حتى إن «يارا» صديقتي كانت تلاحظ وتقول: غريبة ج ًّدا ..هل تعلمين أنه لا ينظر لأحد تقري ًبا؟ طوال الوقت ينظر للأرض ..ترى ما حكايته يا «مريم»؟ لم أكن أعرف هل هذا سوء حظ أم لا؛ فقلب يحبك بوجه مسخ أفضل من وجه وسيم بقلب مسخ ..فالحب خارج القواعد ولا أستطيع أن أضع له قالبًا معي ًنا ورج ًل معي ًنا. كنت أقول لـ«يارا» :ربما يكون وجهه سريال ًّيا ..لن نحكم على الناس أب ًدا من المظهر ..قالت لي «يارا» في تعجب :سريالي؟ كان الله في عوننا من أفكارك الغريبة. كنت أقول إن الحب لوحة سريالية ..لوحة معقدة ج ًّدا ،لكن كيوبيد يحاول أن يجعلها أبسط بفرض اللون الأحمر عليها بدماء آدم وحواء ،لكن اللوحة سرعان ما تزداد تعقي ًدا وصعوبة! فالحب ليس حل ًم للوصول إلى كل شيء ..بل هو كل شيء حقيقي يصل بك إلى حلمك. لم أحكم عليه من المظهر أب ًدا ..لا بد أن أجلس معه ..جلست معه أيا ًما وشهو ًرا ،كنت صديقته الوحيدة
،كنت أحاول أن أهرب به 125 لشاطئ أمان من ملاحقات ومطاردات «محمد البحيري» الذي كان يحاول أن يتقرب إل َّي أي ًضا ..هل يشعر المسخ بالغيرة عل َّي؟ لماذا لا يتعصب أب ًدا ولا يتحرك إلا أمام «البحيري» على الرغم من أن الجميع يسخر منه؟ أنا أشك دائمًا في مشاعره نحوي ..ولا أعرف كيف سيكون موقفي منها ..لم أتخيل أن أكون في هذا الموقف وأنا من جميلات الدفعة كما يقول عني الطلبة. تع َّودت أن أقول «المسخ» ..للأسف الاسم أصبح متداو ًل بشكل مريع ومقزز ،حتى إني كرهت تعود لساني على نطقه ..لم أكن أناديه باسمه إلا أمامه ،لكن حينما أتكلم مع غيره كان دائمًا اسمه «المسخ» ..وفقط «المسخ»! قال لي ذات يوم ،وهو يقترب مني بعد خروج الدفعة وجلوسي لكتابة بعض المحاضرات« :مريم» ..ألا تريدين أن تعرفي لماذا أصبحت بهذه الهيئة ،لماذا أنا بهذا القبح؟ قلت في عطف :غير مهتمة ..صدقني يكفيني طيبة قلبك ،أنت أطيب من قابلته وأرقهم على الإطلاق ،وهذا يكفيني ..لم أ َرك يو ًما قبي ًحا كما تقول. قال في أسى :لعنة الله على الأطباء الذين باعوا ضمائرهم وأوصلوني إلى هذا الشكل ..أنا أكرههم. زاد فضولي وقلت :وماذا فعلوا؟ قال بصوت يكاد يفتك به الأنين :كانت الحالة بسيطة في وجهي 126 إلى أن ذهبت لأخذ جرعتي من حقنة من المفترض أنها ستقوم بشفائي ،ولكن كانت لها مدة معينة ولا بد من التجديد وكانت لها أعراض جانبية جنونية ، ،لدرجة أنها كادت توقف عضلة القلب، أو هذا ما شعرت به ..وضيق في التنفس أي ًضا ..قررت أ َّل أكمل الحقن وقمت بأول عملية كحل جذري للمشكلة بد ًل من الحقن وفشلت العملية ،ما استلزم الثانية والثالثة والرابعة ..إلى أن أصبح وجهي محل حيرة الأطباء وما استطاعوا تصحيح أخطائهم الشنيعة من العملية الأولى الفاشلة تما ًما ..وقررنا التوقف لأن التكاليف كانت رهيبة ولن تتحمل عائلتي كل المصاريف الضخمة للعمليات، خصو ًصا أن الحالة كانت تسوء دائمًا ،حتى إن الحقن بها سميات ذات أضرار جانبية مؤلمة .هل سمع ِت عن السيدة التي لم تست ِطع أن تغلق عينيها؟ قلت في عجب :ألهذه الدرجة؟ -هذا ما حدث في الخارج ،واستضافوا هذه المرأة في أكثر من برنامج ليعرف الناس مخاطر عمليات التجميل وكيف قد تصل ببعض الحالات إلى تشوه كامل. -فع ًل الطب له أخطاء قاتلة. -للأسف البعض باع ضميره من أجل المال ..إنهم حتى لا يفصحون عن الآثار الجانبية للعقاقير. -إن شاء الله ستتحسن في يوم ما ..هناك أمل دائمًا ..أنا أثق في هذا. 127 دخل علينا «البحيري» فجأة وقال :الله الله! ما أجمل منظركما معا! الجميلة والوحش ..ههههه ..كيف تجلسين مع هذا الزومبي؟ قم من هنا فو ًرا. صرخت في «محمد» بغضب عارم :اسكت يا «محمد» ..دعنا وشأننا.. ثم ماذا فعل لك من أجل هذه المعاملة الوقحة؟ فجأة شعرت بانسحابه من خلفي وقال هام ًسا لنفسه :فع ًل الجميلة والوحش ..هذه حقيقة الموقف. «البحيري» كان دائم التقرب مني وبدأت محاولاته في البداية كنوع من السيطرة ،إلا أنه سرعان ما وقع فع ًل في حبي ،حتى إنه قطع علاقاته بكل البنات اللاتي عرفهن ،وهو يعرف عد ًدا لا بأس به! يوم أن مات «البحيري» ،كنت أقف بفستان الفرح الذي ملأته الدموع ..ربما لم أكن أبكي حبه؛ فأنا أعترف أني لم أصل لمرحلة الحب أب ًدا مع «البحيري» ،لكني كنت أشفق عليه ،خصو ًصا عندما وصلتنا، في القاعة ،طريقة موتهَ ..من المجرم الذي يستطيع أن يفعل هذا؟ هل ماتت القلوب لهذه الدرجة؟ ولماذا اختار يوم فرحه؟ لقد بدل أسعد أيامي إلى أسوأ أيامي ..لم أكن أبكي «محمد البحيري» وحده بل سوء حظي ..فأول من أحبني مسخ وثاني من أحبني مات!! لقد تمنيت أن أحظى في حياتي بالحب الحقيقي الذي يكون أقوى من الموت؛ فقد تستطيع أن تختار الموت ولكن ليس بيدك أن تختار الحب ..إن الحب هو حيلة سحرية يفعلها ملاك لإبهار ملاك آخر، 128 ونحن الحيلة نفسها! حياتي كانت دائمًا رحلة بحث ..الحياة رحلة بحث عن الحب ولكنك ستضطر لانتظار الحب الحقيقي.. رحلة بحث عن المستقبل ولكنك ستنتظر الإرادة.. رحلة بحث عن السعادة ولكنك ستنتظر الحظ.. ورحلة بحث عن الحرية الكاملة ولكنك ستنتظر اللحظة المناسبة.. دائمًا سنبحث ولكن الانتظار سيفرض سيطرته أي ًضا. دخلت على «المسخ» في إحدى المرات وهو يكتب في ورقة وحاول أن يخفيها فقلت له :ما الذي تكتبه؟ قال في خجل :كلمات بسيطة أواسي بها نفسي. -لا يوجد علاج أفضل من الكلمات لهذه الحياة التي نعيشها. -كان نزار قباني يقول« :خلاصنا في الرسم بالكلمات». قلت في فضول :هل من الممكن أن أرى ما الذي كتبته؟ ألسنا صديقين؟ أخذت الورقة وقرأت ما كتب« :تشعر أنك عاشق حقيقي عندما تلعب مع الطبيعة لعبة (الحواس الخمس) ..أن تلمس الأزهار بيديك ..وتستنشق القمر ..وتسمع صوت المطر ..وتتحدث مع الريح ..وترى قوس قزح في كل مكان ..فحينها تستطيع أن تصل إلى الحاسة السادسة وهي (الحب)». قلت مبتسمة :جميلة ج ًّدا ..أنت كاتب موهوب. 129 ابتسم لي ابتسامته المرعبة المعتادة وانصرف في خجل فجأة ..تعودت منه على تصرفاته الغريبة ..أظنه عاش ًقا ..نعم ..أظن أني أول حب له ولكني لا أعرف موقفي بعد. وقفت أبكي حظي على الفستان الأبيض حتى ابتل بلون كحلي.. من الصعب أن تفقد كل شيء قبل أن تملك أي شيء ..إحساس فظيع انتابني في هذه الليلة ..رأيت خلف دموعي أحد الأشخاص يقف من بعيد يكاد المعطف يخفي وجهه تقري ًبا ،لكنه يقف في ثبات وكأنه ينظر إل َّي ..لم أعرف حينها من هو ،ولكني ما زلت أذكر أنه كان يقف كالتمثال وينظر بثبات ..لم أذكر إلا دموعي ومقتل «البحيري» زوجي المستقبلي وهذا الرجل. اختفى فجأة من أمام ناظري حينما خرجت من القاعة وكأنه أحس بالخطر ..هل كان له علاقة بالجريمة أم أنه فقط انتابه الفضول لمعرفة سبب دموعي؟ وقفت عمتي تواسيني كعادتها وتؤكد لي أن القادم أفضل وأ َّل أحزن أب ًدا وأ َّل أيأس ،وقالت وهي دامعة العينين :حذا ِر أن تيأسي يا «مريم» ..اجعلي الحلم دائمًا قبلتك واتجاهك ..احلمي يا «مريم» وعلى قدر الحلم تكون الحياة يا حبيبتي. حاول الجميع مواساتي وكنت دائمًا ما أجد في الكتب عزائي وسلواي.. سأل أحدهم سقراط ذات يوم وقال له :كيف تحكم على إنسان؟ فقال له سقراط :أسأله :كم كتابًا قرأ؟ 130 اتجهت إلى القراءة لفترة لمحاولة الهروب من اليأس ،وكلما يئست كنت أحاول قراءة إحدى القصص عن الأمل والحياة ،خصو ًصا قصة الكاتبة «هيلين كيلر» التي كانت بالنسبة لي شمعة أمل تضيء للجميع حياتهم به ..
..........
أنت تقرأ
للخيانة وجوه
Romanceرواية رومانسية تحمل العديد من الصراعات النفسية ..ماعلاقة مريم برائد الألفي؟ كيف يحولنا المجتمع الي مسوخ .. كيف يتحول الحب من الرومانسية الي الجريمة الكاملة؟ هل كان حب سارة مجرد حب عابر في حياة رائد ؟ ستعرف كل التفاصيل في الرواية