الفصل الثاني

3 3 0
                                    

فتحت عيناي بهدوء وأنا اشعر بحرقة خفيفة في جفني، نهضت من السرير وكانت أمي تنظر لي وهي ترتب في بعض الأغراض المبعثرة فقلت بهدوء وأنا أتلافى النظر في عينيها:
-صباح الخير.
أجابت:
-صباح النور، هيا أنزلي للأسفل لتناول الفطور.
نظرت لها ثم قلت:
-لن تقولي شيئاً عن البارحة؟
تركت ما بيدها وهي تأخذ شهيقاً ثم تنطق:
-لا، لقد كبرتِ يا سدرة وأنتِ تعلمين أن الغش سيء ولن يفيدكِ أبداً وستندمين مستقبلاً على ما تفعليه لكن لن أقول لكِ شيئاً غير ليهديكِ الله.
أخفضت رأسي وخرجت من الغرفة لأغسل وجهي وأتناول الطعام مع أخوتي.
مرّت أيام وتليها الشهور والأن أنا انتقلت للمرحلة الثانية بصعوبة وبدرجاتٍ سيئة وبالرغم من محاولات أمي البائسة بجعلي مهتمة بدراستي وأن أحسن من مستواي إلا أنني كنتُ على نفس الوضع وباليوم الذي أستلمتُ الشهادة تشاجرت معي أمي وكان غاضبة جداً حتى أن اخوتي ارتعبوا منها وعاقبتني بأخذ هاتفي  وهددتني بأنها ستجعلني اترك المدرسة وبعد هذا الشجار الذي حصل بيننا لم تكلمني كثيراً وأستمر الوضع حتى أنتهاء العطلة الصيفية على الرغم من محاولاتي العديدة في التكلم معها لم يفلح حتى اليوم الذي بدأت بدراستي للمرحلة الثانية حيث أخبرتني:
-أتمنى أن تهتمي بدراستك هذا العام وتتحسن درجاتكِ.
أبتسمتُ بهدوء وقلت:
- لا أعرف ما أقوله لكن أنا سأبقى كما أنا لا تطلبِ التغيير.
فقالت لي وقد تغيرت ملامحها للأنزعاج:
- لا تختبري صبري، تغييري فهذا الحل الوحيد حتى لا تتركِ الدراسة.
نظرتُ لها بتفاجُئ حيث شعّرت بجديتها في هذا الموضوع، تركتها وخرجت من المنزل دون قول شيئ وبصراحة ليس لدي ما أقوله فأنا لا أريد الدراسة او التعب اشعر بالأنزعاج لأنها لا تفهم تفكيري وتزعجني دوماً بالالحاح بموضوعه وقد وصل لتهديدي بجعلها أترك المدرسة وقد ييدو الأمر مقنعاً من ناحية آخرى حتى أرتاح من هذا الهم لكن لا أريد ذلك لأن وبالرغم من سوء مستواي إلا أن الحياة المدرسية جميلة وممتعة ولا أريد ترك ما يمتعني ويبث السرور في قلبي.
دخلت المدرسة والتقيت بنور التي تقدمت وهي تحتضنني ثم قالت:
-لقد مرت العطلة بسرعة ولم أتوقع أنني سأشتاق لكِ كثيراً!!
قهقهت معها ونحن نسير لندخل إلى الصف:
-أنا ايضاُ،  ما رأيك لو نفتح اليوم كاميرا لنضع المكياج ونتحدث عن بعض الأشياء؟
نظرت نور لي وبحماسٍ قالت:
-أوافق، صحيح لديكِ رقمي لكن بسبب والدتك لم نتواصل في العطلة.
سدرة:
-لا تقلقِ سنكون معاً هذا العام.
دخلنا إلى المدرسة وقابلت العديد من رفيقاتي وتكلمنا على ماحصل معنا في العطلة والأماكن التي زرناها، على الرغم من علاقتي الطيبة مع بعض الفتيات إلا أنني اشعر ببعض الكره يأتي من سارا ورفيقتاها ولا أعلم السبب رغم أنها فتاة مُجدة وتدرس ودرجاتها أفضل مني لكن نظراتها لا أرتاح لها أبداً.
دخلنا الصفوف بعد كلمة المديرة التي ألقتها على مسامعنا اثناء الاصطفاف وبدأ العام الدراسي الجديد والذي قد لا يختلف عن سابقه بالنسبة لي.
مرت ساعات الدراسة بشكلٍ هادئ وعدتُ للمنزل وكالعادة أخي أحمد يثرثر فوق رأس أمي حول يومه الأول في المدرسة المتوسطة وأخي محمد يتناول الطعام ويحاول التحدث هو الآخر، ألقيت التحية عليهم ثم أتجهت للأعلى بتعبٍ شديد لتغيير ثيابي ثم أتجهت للأسفل لتناول الغداء...
وهكذا مرت شهور عديدة بين الأمتحانات الشهرية والتي كُنت أنجح لكن بدرجاتٍ سيئة وأمي تحاول معي للدراسة حتى اليوم الذ أستلمت شهادتي بعد أمتحانات مُنتصف السنة وقد سقطت في مادتين، عُدتُ للمنزل وأنا أشعر بشعورٍ سيء ولم أتوقع هذه الدرجاتِ آبداً.
كانت أمي تشاهد درجات أخوتي وهي تضحك معهم وتهنئهم لدرجاتهم الممتازة وفور دخولي نهضت وتركتهم لتنطق بهدوء:
-هل أستلمتِ النتيجة؟
لم أنظر في عينيها وقلت بصوتٍ منخفض:
-نعم.
أقتربت أكثر وقالت بقلق:
-ماذا حدث هل نجحتِ؟
لم انطق بشيء وأخرجت الشهادة وسلمتها له، أخذتها من يدي بهدوء ونظرت دون النطق بشيء وبلحظة واحدة أمي سقطت أرضاً دون حراك.
ركضت لها مسرعة وأنا اطبطب على خدها متوسلةً لها لتستيقظ وأخوتي حولي يصرخون معي، رفعت رأسي وأنا أبكي طالبة من محمد أن يحضر كأس ماء فرحل مسرعاً وعاد وهو يحمل ربع كوب فأخذته من يده ومسحت به وجه امي لتفتح عينيها بهدوء فأرتحت وأنا أمسح دموعي وأضع الكوب جانباً:
-الحمدلله أنتِ بخير.
نهضت أمي وبدأت البكاء بمرارة وأنا انظر للأرض بحزن
وبعد ثوانٍ سمعتُ صوتها الخافت:
-أتركِ الدراسة يا سدرة أنتِ غير مؤهلة للنجاح أو التفوق على الأقل تساعدينني في المنزل.
كلماتها كانت متوقعة لكن أنا لا أريد تقبلها فنهضت وصرخت:
- لا أريد ذلك، ليس من حقك أن تطلبي مني أن اترك الدراسة.
نهضت أمي من الأرض وصرخت هي الأخرى:
-أنه من حقي لقد طلبتُ منكِ تحسين درجاتك وحذرتك أن لم تتحسني سأجبرك على تركها لكنك لم تهتمي لأنكِ أعتقدتي أنني أكذب ولن أفعلها.
كان كلامها صحيحاً لكن أنا وبكلِ عناد رفضت:
-لا، لن أترك أبداً وسأفعل المستحيل من أجل ذلك.
صرخت أمي بغضب وهي تهدد وتتوعد:
-أنظري ماسأفعل بكِ، ترسبين بدرسين وتأتين بكل بجاحة لا تفعلين ما أقول وأنا وجهي دائما منخفض أمام جميع اقربائي وهم يقولون أنظروا إلى أبنتها ودرجاتها السيئة مع الالم الذي أعيشه بسبب والدك تأتين أنتِ ولاتوقفين كلامهم بل تزيديه وتؤلمين قلبي ما سأفعل أنا كل يوم أموت بسبب مستواك الدراسي الهابط وأدعو ربي بكل صلاة أن يهديكِ وتتحسنين ودائما اخبرك وأنصحك لكن ماذا تقدمين لي غير الوجع والألم!!
لم اتكلم بحرفٍ واحد وهربتُ كعادتي للأعلى وأنا أبكي بشدة، لقد تكلمت أمي بوجع وألقت بالهم الذي كانت تحملها على ظهرها منذ عدة سنوات وطفح الكيل بها لم تعتد تستطيع تحمل الكلام الجارح أو اي شيئ يؤذيها بسببِ او بسبب أبي... أبي!! الحل هو أبي.
فكرتُ أن أتصل به ليأتي ويحل هذه المشكلة فأتجهت لهاتفي الذي كان على السرير وأخذته وأنا ابحث عن رقمه فوجدته في نهاية القائمة، أتصلت ووضعت الهاتف على أذني منتظرة أجابته، عندما كانت المكالمة على وشك الأنتهاء وكنتُ أريد أغلاقه سمعتُ صوته
ترددت للحظات ثم قلت ببكاء:
-مرحبا أبي، أنا سدرة أريد اخبارك بشيئ أرجوك حلهُ لي.
صوتاً بارداً أجابني:
- أخبريني.
أخبرته الحادثة وأنا مازلت أبكي وأترجاه أن يأتي ويتكلم مع امي لتتراجع عن قرارها فأتاني رده:
-غداً سأتي.
شهقت ببكاء وقلتُ بتوسل:
-لا أرجوك تعال اليوم، غدا ستذهب للمدرسة من الصبحا وتسحب ملفي بالتأكيد.
عمّ الصمت لثوانٍ وأنا أنتظر رده:
-أنا قادم، لا تخبري أمكِ.
اغلق الهاتف وأنا مسحت دموعي ونهضت لأغير ثيابي منتظرة أبي
بعد دقائق طُرق الباب وأنا نزلت للأسفل مسرعة ووقفت قرب باب المطبخ حيث فتح أحمد الباب لأبي
فأبتسم بفرح وأحتضنه وأبي بادله الحضن وهو يربت على كتفيه قائلاً بهدوء:
-لقد كبرتَ، محمد.
أختفت أبتسامة أحمد لينطق بحزنٍ:
-أنا احمد ولستُ محمد.
أرتبك أبي وقال:
-أنتما تتشابهان فلم أفرق بينكما.
عادت أبتسامة طفيفة على شفتين أحمد وهو يدخل أبي إلى الداخل وبدوري أتجهت له وقد أنفجرتُ بالبكاء بين أحضانه شوقاً لهُ، لقد مرت سنواتٌ عديدة منذُ رؤيتي له حيث ترك أمي وسافر ثم عاد وهو متزوجٌ من امرأة آخرى واراد من امي أن تتقبلها لكنها رفضت فغادر المنزل وعاش مع زوجته وأمي بقيت معلقة فأجبرت على الأعتماد على نفسها دون شخصٍ يسندها لهذا هي تريد مني الدرجات وأن أحسن مستواي.
أبتعدتُ عنه وهو مسح على رأسي بيده والآخرى مسح دموعي وقال بحنان:
-أنا آسف لأنني تركتكم ولم أتي لأراكم دوماً لكن لا تقلقوا بعد الأن سأزوركم دوماً.
نظرتُ له:
-أرجوك بابا تكلم مع ماما.
اومئ لي بالموافقة ثم أبعدني عندما سمعنا صوتاً حاداً من خلفنا:
-هذا أنتَ!! لماذا جئت بعد كل هذه السنوات؟ ماذا تريد؟!
نظر لها ثم تحرك من أمامي دون قدرتي على فهم نظرته، أمسك بأمي من عضدها وسحبها معه لغرفتها وهو يقول:
-لنتحدث قليلاً.
أُغلق الباب وبقينا أنا واخوتي خارجها كان المكان هادئاً وبعد لحظات خرج أبي كالعاصفة وقد سحبني من يدي وخلفه والدتي التي أمسكتني هي الآخرى وتحاول به ليتركني، أمي بصوتٍ مُرتجف:
-لن تأخذ أبنتي معك، تتركنا لسنوات والآن تأتي وبكل وقاحة لتأخذها!!
صرخ وهو ينفضني من يد أمي ويسحبني خلفه:
-نعم تركتكِ لأنني لا أتحملك ولا أتحمل رؤية وجهك التعيس، أردتُ أن اعيش بحرية وبدون تقيد مع أمراة أحبها وتحبني ولستِ أنتِ بالتأكيد.
أنفجرت أمي صارخة ولأول مرة أراها بهذا الوضع:
-أنا ايضاً لا أريدك، من كذب واخبرك أنني اريد البقاء معك كزوجة !! أنا خجلة من نفسي لأنني مازلتُ على ذمتك كل ما يسألني الناس اين زوجك أتمنى القول أنه مات لأنك في قلبي وحياتي قد دفنتك وأصبحت تحت التراب.
ارتخى يد أبي وتركني ثم قال:
-أنتِ طالق طالق طالق.
قهقهت أمي وهلهلت بفرح وهي تحتضن أخوتي ثم سحبتني خلفها ورفعت يدها للأمام:
-الأن أخرج من منزلي ولا تعد نحن لا نريدك.
خرج أبي الذي كان قدومه كعاصفة رعدية دمرت منزلنا وخروجه نسمة هواء خفيفة أعادت السلام.
نظرت لأمي بهدوء وهي أرتخت على الأريكة ثم أبتسمت لي قائلة:
-لستُ غاضبة لأنكِ حررتني من سجنه .
تقوست شفتاي وبدأت بالبكاء وأنا أحتضن أمي وهي تهون عليّ لم أتوقع أنها ستفهم مابقلبي  وما أردت قوله
لها.
نهاية الفصل

نحو القمةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن