الفصل السادس عشر

88 2 0
                                    

بعد مرور فترة طويلة من البحث صاح يوسف بفرحة :يا شباب تعالو بسرعة
محمود : في اي
يوسف وهو يمسك بمحفظة شخصية لشخص :لقيت دي
ياسين: بتاعت مين دي
محمود :ادينا هنشوف هات كده يا يوسف
بعد لحظات ظهرت على ملامح محمود علامات الجمود
فارس :محمود في اي مالك سكتت ليه
محمود :مازن هو اللي خطف هداية
فارس بغضب : اي وربي مانا سايبه وكاد ان يغادر حتى امسكوه
يوسف : اهدى يا فارس انت عارف مازن اجبن من انه يعمل فيها حاجة وحتى لو فكر هداية هتعرف تدافع عن نفسها كويس
فارس بغضب ونبرة حزينة: اهدى! اهدى ازاي ومراتي مخطوفة ومش عارف هي فين اهدى ازاي ومراتي لوحدها مع واحد متخلف اهدى ازاي وهي لما بتخاف بتدخل في نوبة ممكن تأثر عليها بعد اللي حصل الفترة اللي فاتت كل كده وعايزني اهدى اهدى ازاي يا يوسف فهمني انا جوايا نار اهدى ازاي وهي في خطر
ياسين : عايز تفهمني انك وانت بالحالة دي هتعرف تفكر ولا تتصرف اهدى علشان نعرف هنعمل اي
______________________________
هداية: انت جايبني ليه يا بني ادم انت هنا وعايز اي
مازن: بصي يا حلوة باختصار انتي قدام شركة فارس لا وكمان فلوسك اللي في البنك ثم تابع بخبث: ما هو الغبي ابن عمك فاكرني هخطفك لمصلحته بس وكمان مفيش مانع نتسلى بالقمر شوية
هداية بغضب :آخرس ايدك دي قبل ما تمتد عليا هحملهالك انت فاهم ثم تابعت بمكر :وانت فاكر ان فارس هيضحي بشركته علشاني تبقى اهبل انا وفارس بنتطلق يا فالح يعني مش فارقة معاه
مازن بصدمة : اي انتي كدابة بتقولي كده علشان اسيبك
هداية بمكر : اللي يثبت كلامي اني قاعدة في بيتي مش في بيته
مازن بغضب وهو يخرج من الغرفة : أه يا عمر ال***
هداية بفرحة وهي تتذكر انها اوقعت محفظته حتى تترك اي دليل ورائها : يا رب يا رب أنا واثقة انك هتنجيني منها يا رب قل ينجيكم منها ومن كل كرب يا رب نجيني زي ما نجيت سيدنا يونس من بطن الحوت
___________________________________
يوسف :وبعدين هنفضل ساكتين كده ما تتكلم يا حضرة الظابط
محمود : عارف لو الظروف تسمح كنت قومت وريتك الظابط ممكن يعمل فيك اي
يوسف :لا يا راجل ركبي بتخبط في بعض من الخوف
ياسين بنظرة استحقار :اي ده اطفال قاعد مع أطفال مفيش احساس خالص قدروا طيب اللي فارس فيه ده مش قادر يرد عليكم
يوسف :ياعم ما هي اختي انا كمان
محمود باشمئزاز :ما هو واضح انا قايم رايح المديرية هشوف واحاول اوصل لاي حاجه لو وصلتوا لأي حاجه او رن عليكم بلغوني ياريت متعملوش حاجه من نفسكم
فارس : قوموا روحوا انتو كمان مفيش لازمة لقعادكم
ياسين :هنسيبك لوحدك يعني قوم يا عم نرجع البيت ريح جسمك شوية علشان تعرف تكمل قوم يلا
لم يقاوم فهو حقا يشعر بالتعب
في المنزل
حنين بقلق: ها عملتو اي وصلتوا لحاجة عرفتوا مين اللي خطفها
سارة : أهدي يا ماما خليهم ياخدوا نفسهم
يوسف : للاسف موصلناش لحاجة غير ان مازن هو اللي خطفها
فرح : مازن !! ويخطفها ليه
ياسين :لسه منعرفش وهو حتى متصلش
سارة : وعرفتوا ازاي ان مازن هو اللي خطفها
يوسف : لقيت محفظته واقعة في أوضة هداية تقريبا لما مقدرتش تقاوم اكتر حاولت تسيب اي دليل يوصلنا ليها
وفجأة قام فارس بغضب صائحا :كفاية انا طالع أوضتي
ياريت محدش يدخلي
سارة : خليك معانا يا فارس متقعدش لوحدك قعدتنا مع بعض هتهون علينا
فرح : جماعة انا حاسة ان عمر ابن عم هداية ليه علاقة بالموضوع شوفوا جايز يكون فعلا ليه علاقة
ياسين : هو اكيد ليه علاقة مش بعيد.يكون هو اللي ساعد مازن اصلا في خطفها
حنين :انا هقوم اصلي ركعتين قضاء حاجه لعل وعسى حد فيكم يوصل لشى وانتو كمان قوموا صلوا عقبال ما الاكل يجهز
يوسف ببلاهة :ايوة بجد انا هموت من الجوع والخناقة جوا بطني هتوصل للمحاكم
ياسين بغيظ وهو يقذفه بمخدة : اسكت بقى واعقل شوية انا مش عارف خالتي كانت بتتوحم على لوح تلج وهي حامل فيك ولا اي اي البرود ده ياض متخلنيش اقل بيك قدام اخواتك
يوسف :تقل بمين ياض انت انا بس ساكت علشان مقلش بيك قدام مراتك عيب
حنين وهي تغادر المكان : عوض عليا عوض الصابرين يا رب
قطع حديثهم رنين هاتف فارس
فرح بلهفة :فارس تليفونك بيرن شوف بسرعة
فارس : ده محمود واكيد بيتطمن
محمود :ها رن عليكم او اي حاجة
فارس بحزن :لا مفيش اي حاجة
محمود :طيب يا فارس اديني بنبه عليك تاني لو في اي حاجة بلغني الأول انا جاي في السكة اهو
فارس :تمام
يوسف :انا بفكر اخد سارة ونروح عند عمي صالح كان سارة رايحة تسلم عليه بعد ما وصلت ونشوف الأوضاع هناك
ياسين :طب انت هتعرف ازاي الأوضاع اكيد يعني لو هي هناك.مش هيقولولك هداية عندنا يا يوسف
فرح : كلام يوسف صح هو اكيد خطفها علشان يهدد فارس ب حاجة واكيد نور عارفة ومش بعيد تكون متفقة معاه
سارة: ما هو اكيد يا جماعة مازن مش هيقولهم انه خطفها
يوسف :بس اكيد نور عارفة وليها صلة بالأمر واكيد هتوصله الكلام ده
ياسين : جايز والله بس الاول عرفوا محمود ممكن يكون ليه وجهة نظر برضو تاني
يوسف بسخرية :هو هيشوف نفسه علينا يعني علشان ظابط ...تفاجأ لمحمود يدخل ويرد عليه قائلا :تحب اوريك الظابط هيعمل فيك اي
يوسف :لا متشكرين اي اللي جابك
محمود :وانت مالك يا اخي هو انا قاعد فوق راسك اي ده المهم كنتوا بتقولوا اي قبل ما ادخل..سرد له ياسين كل تحدثوا به .. فكرة مش بطالة بس انا عايزه يرن علشان احاول اوصل لحاجة ظلوا يتحدثون عدة دقائق حتى قطع حديثهم ونقاشهم في إيجاد حل فارس قائلا :لا كفاية كده وكفاية اوي
ياسين بعدم فهم :اي ده مالك يعني اي كفاية
فرح :مالك يا فارس اي اللي حصل
فارس :اللي حصل اني فوقت خلاص كده هفضل اجري وراها لحد امتى واصالح فيها مكنتش كلمة قولتها ولا ذلة لسان
سارة : في اي انا مش فاهمة حاجة
فارس : باختصار انا مش هدور على هداية لاني زهقت وهي اللي جابته لنفسها علشان لو سمعت الكلام وبطلت عنادها وجات قعدت معانا مكنتش اتخطفت لكن كانت عاملالي على كرامتها بس لحد كده وكفاية اوي
فرح :انت اكيد اتجننت
فارس بسخرية :بالعكس ده انا فوقت لنفسي اوي وعقلت وهنفذ اللي هي عايزاه لما ترجع
ياسين بدهشة :يعنى اي هتطلقها
فارس ببرود :ايوة
محمود بغضب : مالك في اي انت فعلا اتجننت
يوسف بعتاب وحزن :خسارة يا فارس هداية كان عندها حق انها مترجعلكش انا بجد مصدوم فيك مصدوم ان انت فارس اخويا وابن عمي عن اذنكم يا جماعة انا هروح اتصرف وادور على اختي وهي مش محتجالك يا فارس الحمد لله انا موجود سلام
فرح :استنى يا يوسف انا معاك مهما يحصل لان زي ما هي اختك هي اختي انا كمان انما انت يا فارس فخسارة بجد الكلام معاك
فارس بتجاهل :انا طالع أوضتي وياريت مش عايز ازعاج
سارة وهي تذهب خلفه :فارس استنى فارس ..ممكن افهم في اي واي كلامك اللي قولته تحت ده امك لو سمعته كان حصلها حاجه لاننا عارفين غلاوة هداية عندها
فارس بجمود :سارة لو سمحتي سيبيني لوحدي وياريت الصفحة دي تتقفل خالص ومحدش يجيب سيرتها قدامي على الأقل..في الاسفل
ياسين :في حاجة غلط الحوار مش طبيعي
يوسف بغضب :غلط ولا صح مش فارقة
محمود :ممكن تهدأ يا يوسف لو سمحت وبعدين احنا مش هنسيبك زي ما هي اختك هي اختنا وباذن الله هنلاقيها بس دلوقتي لازم انت وسارة تروحوا بيت عمك واللي حصل هنا يتقال ويعرفوا ان فارس هيطلق هداية
حنين بصدمة: يعني اي فارس هيطلق هداية
يوسف :يعني زي ما سمعتي يا ماما فارس خلاص هيطلق هداية بس بعد ما احنا نرجعها لانه خلاص مش هيدور عليها
حنين :انتوا بتقولوا اي مستحيل
فرح: لا يا ماما ده اللي حصل واللي واضح ان ابنك حصله حاجه في دماغه
حنين :فهموني في اي في اي يا ياسين
ياسين : زي ما حضرتك سمعتي منهم فارس خلاص مش هيدور عليها ولا هيحاول يرجعها رمى طوبتها بمعنى اصح
حنين بجمود : هو فين دلوقتي
سارة: طلع اوضته
حنين : اطلعي نادميه وانتي يا فرح اطلعي جهزي شنطة هدومي
فرح بتعجب : ليه هتروحي فين
حنين: ياريت تنفذي وانتي ساكتة وانت يا يوسف كلم عم هداية استأذنه اني هقعد في بيتهم لحد ما هداية ترجع البيت
ياسين : مش هينفع يوسف يكلمه لان هيسال على فارس
حنين : قوله ان فارس ميعرفش اتصرف لكن انا مش هقدر اقعد هنا واللي عايز يجي معايا براحته قطع فارس حديثها قائلا : نعم يا امي سارة قالت ان حضرتك عايزاني
حنين : انا عايزة اسال سؤال واحد بس هي دي الأمانة اللي وعدتني تحافظ عليها من اول ما دخلت حياتك وهي مش بتشوف منك غير الاذى انت ابني اه بس اول مرة اكون مش عرفاك واكون مصدومة فيك كده اتمنى انك تطلق هداية بجد وتسيبها تعيش حياتها من غير اذى انا سايبة البيت وخليك قاعد لوحدك وريني اخرتها معاك ..عن اذنك يا ..يابني
سارة : هتفضلوا ساكتين حد يعمل حاجة
ياسين : هنعمل اي يعني حتى محدش اتصل
فرح :ياسين بعد اذنك انا هروح مع ماما
ياسين : من غير إذن انا كنت هوصلك بنفسي اصلا
سارة بتريقة : يع .. اي القرف ده .. ولاه انت وهي مش وقتكم خالص احنا في مصيبة المفروض نشوفلها حل
ياسين بغيظ: واحد ومراته ايش حشرك بينهم
فرح : هو اللي كنت بعمله في فارس وهداية هيطلع عليا ولا اي
سارة : اطلعي ياختي لمي هدومك عايزين نمشي امك هتولع فينا
ياسين: تعرفي انا بدعيلك كل يوم تتخطبي بسرعة وده مش حبا فيكي لا ده علشان اطلع فيكي كل اللي بتعمليه فيا
سارة وهي تذهب مغادرة الغرفة : يا عم روح اتلهي مش عايزة اتجوز اصلا انا قاعدة على قلبكم
بعد وقت ليس بقليل في منزل هداية
حنين ببكاء : يا رب يا رب رجعهالي بالسلامة رجعهالي انا هي خسارة فيه
سارة :اهدي يا ماما علشان خاطري يوسف وياسين مش هيسكتوا الا أما ترجع باذن الله اهدي واستودعيها ربنا
فرح : اهدي يا ماما علشان صحتك
حنين : خائفة مازن يعمل فيها حاجه خائفة تدخل في نوبة الخوف وهي لوحدها
فرح : يا حبيبتي ماحنا عارفين مازن هو أجبن من أنه يعملها حاجة أو يأذيها خلي عندك ثقة في الله وقومي ريحي شوية عائشة كلمتني قالت إنهم جايين قومي عقبال ما يوصلوا ..بعد مرور بضع دقائق دق الباب معلنا وصولهم
جويرية : وحشتيني اوي يا فرح
فرح بحب : وانت اكتر يا عيون فرح
جويرية : جبتلك معايا حلويات كتير علشان نأكلها مع بعض وانت بتحكيلي قصة
فرح بمشاكسة : ومين اللي قالك اني هحكيلك قصة
ردت عليها بغضب طفولي : اخر مرة كلمتك وعدتيني أننا اول ما نتقابل هتحكيلي وطنط حنين اللي هي مامتك  علمتني في المسجد أن اللي يوعد حد بحاجة لازم ينفذها والا هيبقى منافق واكيد علمتك انت كمان علشان هي مامتك ..خرجت حنين على صوتهم قائلة : سامعة حد بيقول حنين مين عايزني
جويرية: انا اللي قولت بنتك قالت أنها هتحكيلي قصة ودلوقتي رجعت في كلامها وخلفت وعدها ومش راضية تحكيلي
حنين : تعالي يا حبيبتي احكيلك انا
جويرية بفرحة: بجد طب اي رايك تحكيلنا كلنا مع بعض
حنين : ماشي يا ستي نادميهم بسرعة علشان نحكي
جويرية: هااااي تعيش طنط حنين تعيش
حنين بضحك : كل دي فرحة
جوري : اه واكتر ..بدأت في سرد القصة لهم قائلة :
انه من أوس المدينة وأنصارها. تردد على رسول الله صلى الله عليه وسلم مذ هاجر اليههم، وآمن بالله رب العالمين. كان عذب الروح، شفاف النفس، وثيق الايمان، ريّان الضمير. كان كما وصفه حسّان بن ثابت: صقرا توسّط في الأنصار منصبه سمح الشجيّة محضا غير مؤتشب ولما رفعت غزوة بدر أعلامها، كان هناك جنديا باسلا، ومقاتلا مقداما. وكان من بين المشركين الذين وقعوا في طريقه ابّان المعركة فصرعهم بسيفه الحارث بن عمرو بن نوفل. وبعد انتهاء المعركة، وعودة البقايا المهزومة من قريش الى مكة عرف بنو الحارث مصرع أبيهم، وحفظوا جيدا اسم المسلم الذي صرعه في المعركة: خبيب بن عديّ..!! وعاد المسلمون من بدر الى المدينة، يثابرون على بناء مجتمعهم الجديد.. وكان خبيب عابدا، وناسكا، يحمل بين جبينه طبيعة الناسكين، وشوق العابدين.. هناك أقبل على العبادة بروح عاشق.. يقوم الليل، ويصوم النهار، ويقدّس لله رب العالمين.. وذات يوم أراد الرسول صلوات الله وسلامه عليه أن يبلو سرائر قريش، ويتبيّن ما ترامى اليه من تحرّكاتها، واستعدادها لغزو جديد.. فاختار من أصحابه عشرة رجال.. من بينهم خبيب وجعل أميرهم عاصم بن ثابت. وانطلق الركب الى غايته حتى اذا بلغوا مكانا بين عسفان ومكة، نمي خبرهم الى حيّ من هذيل يقال لهم بنو حيّان فسارعوا اليهم بمائة رجل من أمهر رماتهم، وراحوا يتعقبونهم، ويقتفون آثارهم.. وكادوا يزيغون عنهم، لولا أن أبصر أحدهم بعض نوى التمر ساقطا على الرمال.. فتناول بعض هذا النوى وتأمله بما كان للعرب من فراسة عجيبة، ثم صاح في الذين معه: " انه نوى يثرب، فلنتبعه حتى يدلنا عليهم".. وساروا مع النوى المبثوث على الأرض، حتى أبصروا على البعد ضالتهم التي ينشدون.. وأحس عاصم أمير العشرة أنهم يطاردون، فدعا أصحابه الى صعود قمة عالية على رأس جبل.. واقترب الرماة المائة، وأحاطوا بهم عند سفح الجبلو وأحكموا حولهم الحصار.. ودعوهم لتسليم أنفسهم بعد أن أعطوهم موثقا ألا ينالهم منهم سوء. والتفت العشرة الى أميرهم عاصم بن ثابت الأنصاري رضي الله عنهم أجمعين. وانتظروا بما يأمر.. فاذا هو يقول:" أما أنا، فوالله لا أنزل في ذمّة مشرك.. اللهم أخبر عنا نبيك".. وشرع الرماة المائة يرمونهم بالنبال.. فأصيب أميرهم عاصم واستشهد، وأصيب معه سبعة واستشهدوا.. ونادوا الباقين، أنّ لهم العهد والميثاق اذا هم نزلوا. فنزل الثلاثة: خباب بن عديّ وصاحباه.. واقترب الرماة من خبيب وصاحبه زيد بن الدّثنّة فأطلقوا قسيّهم، وبرطوهما بها.. ورأى زميلهم الثالث بداية الغدر، فقرر أن يموت حيث مات عاصم واخوانه.. واستشهد حيث أراد.. وهكذا قضى ثمانية من أعظم المؤمنين ايمانا، وأبرّهم عهدا، وأوفاهم لله ولرسوله ذمّة..!! وحاول خبيب وزيد أن يخلصا من وثاقهما، ولكنه كان شديد الاحكام. وقادهما الرماة البغاة الى مكة، حيث باعوهما لمشركيها.. ودوّى في الآذان اسم خبيب.. وتذكّر بنوالحارث بن عامر قتيل بدر، تذكّروا ذلك الاسم جيّدا، وحرّك في صدورهم الأحقاد. وسارعوا الى شرائه. ونافسهم على ذلك بغية الانتقام منه أكثر أهل مكة ممن فقدوا في معركة بدر آباءهم وزعماءهم. وأخيرا تواصوا عليه جميعا وأخذوا يعدّون لمصير يشفي أحقادهم، ليس منه وحده، بل ومن جميع المسلمين..!! وضع قوم أخرون أيديهم على صاحب خبيب زيد بن الدّثنّة وراحوا يصلونه هو الآخر عذابا.. أسلم خبيب قلبه، وأمره،ومصيره لله رب العالمين. وأقبل على نسكه ثابت النفس، رابط الجأش، معه من سكينة الله التي افاءها عليه ما يذيب الصخر، ويلاشي الهول. كان الله معه.. وكان هو مع الله.. كانت يد الله عليه، يكاد يجد برد أناملها في صدره..! دخلت عليه يوما احدى بنات الحارث الذي كان أسيرا في داره، فغادرت مكانه مسرعة الى الناس تناديهم لكي يبصروا عجبا.. " والله لقد رأيته يحمل قطفا كبيرا من عنب يأكل منه.. وانه لموثق في الحديد.. وما بمكة كلها ثمرة عنب واحدة.. ما أظنه الا رزقا رزقه الله خبيبا"..!! أجل آتاه الله عبده الصالح، كما آتى من قبل مريم بنت عمران، يوم كانت: ( كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا.. قال يا مريم أنّى لك هذا قالت هو من عند الله ان الله يرزق من يشاء بغير حساب).. وحمل المشركون الى خبيب نبأ مصرع زميله وأخيه زيد رضي الله عنه. ظانين أنهم بهذا يسحقون أعصابه، ويذيقونه ضعف الممات وما كانوا يعلمون أن الله الرحيم قد استضافه، وأنزل عليه سكينته ورحمته. وراحوا يساومونه على ايمانه، ويلوحون له بالنجاة اذا ما هو كفر لمحمد، ومن قبل بربه الذي آمن به.. لكنهم كانوا كمن يحاول اقتناص الشمس برمية نبل..!! أجل، كان ايمان خبيب كالشمس قوة، وبعدا، ونارا ونورا.. كان يضيء كل من التمس منه الضوء، ويدفئ كل من التمس منه الدفء، أم الذي يقترب منه ويتحدّاه فانه يحرقه ويسحقه.. واذا يئسوا مما يرجون، قادوا البطل الى مصيره، وخرجوا به الى مكان يسمى التنعيم حيث يكون هناك مصرعه.. وما ان بلغوه حتى استأذنهم خبيب في أن يصلي ركعتين، وأذنوا له ظانين أنه قد يجري مع نفسه حديثا ينتهي باستسلامه واعلان الكفران بالله وبرسوله وبدينه.. وصلى خبيب ركعتين في خشوع وسلام واخبات... وتدفقت في روحه حلاوة الايمان، فودّ لو يظل يصلي، ويصلي ويصلي.. ولكنه التفت صوب قاتليه وقال لهم: " والله لاتحسبوا أن بي جزعا من الموت، لازددت صلاة"..!! ثم شهر ذراعه نحو السماء وقال: " اللهم احصهم عددا.. واقتلهم بددا".. ثم تصفح وجوههم في عزم وراح ينشد: ولست أبالي حين أقتل مسلما على أي جنب كان في الله مصرعي وذلك في ذات الاله وان يشأ يبارك على أوصال شلو ممزّع ولعله لأول مرة في تاريخ العرب يصلبون رجلا ثم يقتلونه فوق الصليب.. ولقد أعدّوا من جذوع النخل صليبا كبيرا أثبتوافوقه خبيبا.. وشدّوا فوق أطرافه وثاقه.. واحتشد المشركون في شماتة ظاهرة.. ووقف الرماة يشحذون رماحهم. وجرت هذه الوحشية كلها في بطء مقصود امام البطل المصلوب..!! لم يغمض عينيه، ولم تزايل السكينة العجيبة المضيئة وجهه. وبدأت الرماح تنوشه، والسيوف تنهش لحمه. وهنا اقترب منه أحد زعماء قريش وقال له: " أتحب أن محمدا مكانك، وأنت سليم معافى في أهلك"..؟؟ وهنا لا غير انتفض خبيب كالاعصار وصاح، في قاتليه: " والله ما أحبّ أني في اهلي وولدي، معي عافية الدنيا ونعيمها، ويصاب رسول الله بشوكة".. نفس الكلمات العظيمة التي قالها صاحبه زيد وهم يهمّون بقتله..! نفس الكلمات الباهرة الصادعة التي قالها زيد بالأمس.. ويقولها خبيب اليوم.. مما جعل أبا سفيان، وكان لم يسلم بعد، يضرب كفا بكف ويقول مشدوها:" والله ما رأيت أحدا يحب أحدا كما يحب أصحاب محمد محمدا"..!! كانت كلمات خبيب هذه ايذانا للرماح وللسيوف بأن تبلغ من جسد البطل غايتها، فتناوشه في جنون ووحشية.. وقريبا من المشهد كانت تحوم طيور وصقور. كأنها تنتظر فراغ الجزارين وانصرافهم حتى تقترب هي فتنال من الجثمان وجبة شهيّة.. ولكنها سرعان ما تنادت وتجمّعت، وتدانت مناقيرها كأنها تتهامس وتتبادل الحديث والنجوى. وفجأة طارت تشق الفضاء، وتمضي بعيدا.. بعيدا.. لكأنها شمّت بحاستها وبغريزتها عبير رجل صالح أوّاب يفوح من الجثمان المصلوب، فخدلت أن تقترب منه أو تناله بسوء..!! مضت جماعة الطير الى رحاب الفضاء متعففة منصفة. وعادت جماعة المشركين الى أوكارها الحاقدة في مكة باغية عادية.. وبقي الجثمان الشهيد تحرسه فرقة من القرشيين حملة الرماح والسويف..!! كان خبيب عندما رفعوه الى جذوع النخل التي صنعوا منها صليبا، قد يمّم وجهه شطر السماء وابتهل الى ربه العظيم قائلا: " اللهم انا قد بلّغنا رسالة رسولك فبلّغه الغداة ما يصنع بنا".. واستجاب الله دعاءه.. فبينما الرسول في المدينة اذ غمره احساس وثيق بأن أصحابه في محنة.. وتراءى له جثمان أحدهم معلقا.. ومن فوره دعا المقداد بن عمرو، والزبير بن العوّام.. فركبا فرسيهما، ومضيا يقطعان الأرض وثبا. وجمعهما الله بالمكان المنشود، وأنزلا جثمان صاحبهما خبيب، حيث كانت بقعة طاهرة من الأرض في انتظاره لتضمّه تحت ثراها الرطيب. ولا يعرف أحد حتى اليوم أين قبر خبيب. ولعل ذلك أحرى به وأجدر، حتى يظل مكانه في ذاكرة التاريخ، وفي ضمير الحياة، بطلا.. فوق الصليب..!!!
(منقول)

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: May 14 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

فارس هدايتهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن