لن يعرف، لأنّه بالفعل هنالك من يوصّل رسائلي حين لا أكونُ هنا.
منفذٍ من ستارة يطلُ على بستانٍ مُظلم جعلني أرى شاباً وسيماً يتمشى في الأرجاء. كنت أتأمّله بسكون، كيف يسلبُ من القمر شعاعاً ينيرُ نفسه به، وهذا بالتحديد .. مايجذبُ وردةً مظلمةً مثلي.أسترقت اليه نظرةً أوضح حين أزحت الستارة بأكملها عن عيناي، رأيته يتحرك ولاحظت رشاقةً لم أعهدها قط.
مارلي، ماذا تعرف عن الحُب أنت؟
قبل إنتفاض القمر، وقبل أن يحنّ قلبي أكثر، وقبل أن يصل الشعور اليَّ وينبه حواسي، سألته. أبحث عن إجابةٍ أجد فيها من أكون.أنا لا أعرف شيءً عنه.
حزينٌ أنا، ولا أجدُ أي سببٍ أبرر فيه حزني عدا أنّني أريد أن أستنشق عطره، ليخرج مني هذا الحزنُ مع أول تنهيدة. يا لها من حكايةٍ غريبة، في البداية؛ كنت أشعر بالحب يمضي أمامي، يمشي في داخلي، يقضي معي بعض الوقت، حتى وقفت هنا أحسُّ بأنّ ما أفعله لا يجذب لي إلا الألم، فأنا في طبيعة الحال .. أردت دائما أن أجد من أحُب، لا أن أبقى بعيدا عنه يغمُرني الخوف من الإعتراف.مثلما أخبرتُك مارلي، سنعود في الغدّ الى المملكة. سأخرجُ حتى أتأكد من علفْ الأحصنة وأُدخّن قليلا ثم أعود. لا تسعُر بالسوء وحدك، أتفقنا؟
على صوت حركة الأغصان خرجتُ من المنزل، أتجه ناحية الإسطبل. بقيت ساكناً لبعض الوقت اتأملُ فيه صوت الريح الذائب في صوت قطرات البئر، ومعهم رائحة الدُخان اللتي أحُبُها أنا. واتأملُ أيضا؛ الفراغ اللذي بيننا، واللذي لا أعلم ما إن كان الوقت والمعرفة ستغلقانه ام لا
حتى إندسّ في سمعي صوتٌ من الخلفمازلتَ صغيراً على التدخين.
إمتدّ صمتي مني والى آخر الحقل، وبقيت أُحرّكُ سرّج الفرس لأُثبتَه وأتجاهل ما يحصلُ خلفي لأنّي لم أكن أملكُ ذلك الإستعداد الكافي لأواجهه.هل ستغادران اليوم؟
بالنسبة لي، كنت أودّ الإجابة. لكنّي فضلتُ الصمت حتى تمُرَ دقيقة، وأستردّ بعدها كلماتي. كنّا نستعد لاأكثر، سنغادرُ في الصباح. مثلما أفعل دائما .. أهربُ عمدا مما أريدهُ أنا أن يحصل.جئت لكي أودّعك.
انتابَني شعور غريب، ودون أن أشعر سارَ بي سنوات عِدة الى الخلف دون أن أنبس بحرف، كنت أستمع فحسب، لأجدني عائدا الى اللحظة الأولى اللتي سمعت فيها صوتهُ الجميل.
هذا كان حديثنا الأول، حيث يوجه لي جملةً مقصودة وأردّهُ أنا بثانية، حتى ولو لم نتمكّن من إجراء حديثٍ طويل. لكنه وبصورةٍ غير متوَقعة بدء.أدرت وجهي إليه لتلتقي عينانا هُناك، وليرى هذا البُستان الجميل لقائنا الأول.
تودّعني؟
وسألته، لتكون إجابته بسيطة.أجل، أنت وفرسُك.
نظرت إليه بإنتباهٍ أكثر، ثم أعدت نظري الى الفرس. هذا غريب، لم أكن أعلم بأنّه يهتم اليّ والى فرسي الى الحدّ اللذي سيودعّنا عند ذهابنا.وقلت دون أن أنتبه، هل تُعجبُك فرسي؟ ليهزّ رأسه بخفة وإنتظام.
أنا تُعجبني أنت.