"يا صغيرة" يرفع ذراعها من كمِّ ردائها بتقزُّز وكأنَّه لا يري مَن يجب أن يتقزَّز مِن مَن، نظر يقوِّس فمه الصَّغير بيأس مزيَّف لوجهها الفاقد للحياة "يا صغيرة استيقظي" عَليَ بنبرته عن قبل لكن لازالت هادئة متصنَّعة للبراءة..
بدي أكثر نشاطًا من حين أوَّلِ مرَّة شوهد فيها؛ فقد كان هزيل الجسد فاقدًا للشَّغف الذي يجعله يشعر بداخله بالحياة والآن هو يبتسم بكلِّ حيوِّية وقد تجدَّدت بطاريَّات الشَّغف داخله لكنَّ لايزال شكله مخيفًا في كلتا أحواله.أطال النَّظر في وجه هيل النَّائمة علي فراش أغطيته ملوَّثة مليئة بالتُّراب وبالطبَّع البكتيريا والجراثيم محتلَّة المكان والتي تكاد تراها العين المجرَّدة من كثرتها، كما أنَّه يوجد بقع متفرِّقة مجهولة المصدر وألوان مختلفة، بعضها أحمر باهت يكاد يكون ورديّ باهت، والبعض أصفر،
الرَّئحة تسدُّ حاجز التنفُّس تُشعِر من يشمُّها بالإختناق والعجز عن التنفُّس.الفراش يبدو صغير الحجم لا يكفي سوي لشخصٍ واحدٍ نحيف الجسد، يرفعه عن الأرض أرجله المصنوعة من الخشب القوي صعب الكسر..
ملتصق بزاوية الغرفة من آخرها عند أبعد جزء للباب،
يحمل الفراش وسادتان تبدوان في حالة قمامة مزرية، والقطن بداخلها انتهت مدَّة صلاحيَّته، فَعلي ما يبدو تحوَّل لترابٍ.وما يحمله أيضًا بعد هيل غطاءً لونه بنِّيُّ من أصل أبيض ناصع يغطِّي نصف جسدها.
حالتها الجسديَّة تبدو أسوأ من قبل بعدَّة مراحلٍ.
جسد هامد وكأنَّه خالٍ من السُّكَّريَّات، عينيها جاحظتان بقوَّة وفي نفس الوقت منطبعتان للدَّاخل.
جاحظتان من حول قرنيَّتها وفوق جفونها ومنطبعتان من داخل القرنيَّة.. الهالات السَّوداء توزَّعت في وجهها بالتَّساوي لكن أسفل عينيها اُعتُبِر بيتًا رئيسيًّا لِنقاط السَّواد تتجمَّعن فيه، كالقمر بدرًا ثنارت عليه انفجارات النُّجوم اللامعة حوله.هيل أصبحت كشخصٍ في مصحَّة ليتعافي من تعاطي المخدَّرات لا من الإكتئاب،
لون جلدها الأبيض النَّقي كالثَّلج في آخر مراحل تجمُّده أصبح يميل للأصفر بقوَّة، ويبدو علي جسدها النَّحافة فَمن الواضح أنَّها خسرت وزنًا كثيرًا.
"استيقظي فورًا، حان وقت العلاج" بهدوء تحدَّث هذا الشَّئُ المقزِّز ولو علمَت بأنَّه يتحدَّث أيضًا ستموت في الحال لا مفرٌّ. قرَّب يده الطَّويلة من جبهتها يتمسَّح بها لتنير باللون الأسود الباهت ومن ثمَّ تستيقظ هيل فورًا.
انفضَّ جسدها حينما استيقظت وكأنَّ أحدٌ رماها من فوق مبني واستيقظت دون شعورها حتي لا تسقط.. يعرف الجميع هذا الشُّعور جيِّدًا.أوَّل ما لمحه بصرها هو ذات الكائن الذي كان آخر ما رأته عينيها منذ قليل، لم تهلع أو تجزع حتي، شعرت بعدم قدرتها علي فعل أي شئ وقد تعجَّبت لهذا.. وكأن جسدها مُتخدِّر لكنه ليس كذلك، لا تشعر حتي بوجود ضلوع في جسدها، النَّفَس الذي يُسيِّر حياتها لا تشعر بقدرتها علي استنشاقه حتي، ليس لديها القدرة في بذل مجهود للتَّنفُّس، نظرت لهذا الكائن بعينٍ ذابلة تحرِّكها ببطء استغرق ذلك وقتًا حتي ثبَّتت عينيها عليه دون فعل شيئ يبيِّن خوفها وكأنَّ جزء عقلها المسئول عن الوعي غائب.
![](https://img.wattpad.com/cover/331415837-288-k471332.jpg)
YOU ARE READING
The Hospital
غموض / إثارة- دَاخِلُ هَذِه الجُدْرَانُ مِسَاحَةٌ كَانَت يَوْمًا مَا بَيْضاَء يتردَّد صَدَاهَا مَع الطَّنين المَكْبُوت لِلآلات الغَيرُ مَرْئِّيةٌ، ومِنْ بَيْنِ هَؤُلَاءِ الحَاضِرِينَ لَا يُوجَد سِوَى عَقْلٌ وَاحِدٌ يَنحَدِر طَوَاعِيَة إِلى الجُنُونِ لِيُشْفَى،...