الفصل الخامس: حياةٌ فانية

153 19 60
                                    


إرهاق، سأم، وضغطٌ على القلبِ شديد، أيامٌ مضَت، وأويس على كرهِ هذا المكانِ قد صمم، سواءً الأساتذة أو الطلابُ، جميعهم جلبوا له الوصب.

مرارةٌ في داخلِه ويأسٌ غمره، الكلُّ متشابه، ذاتُ التصرفات تُعاودُ الظهورَ أمامه ولا يكادُ يجد نقطةَ اختلافٍ عما مضى، فرقٌ بسيطٌ لأشخاصٍ يتم عدّهم على الأصابع، هم من تميّزوا بتصرفاتٍ مختلفةٍ عن البقية، ولكن لأسفِه الشديد لا يقدرُ على البقاءِ معهم لأمدٍ طويل.

« إلهي، تركتُ مدرسةً سيئة لأذهبَ لواحدة أسوأ! أيُّ حظٍ هو هذا! » شعرهُ لم يُرحم من شدّه، أسفلَ شجرةٍ جرداء قد اتكأ، خلفَ صرح السكنِ وفي الهدوءِ والصمت وقع، عينان المتعبتان ناحيةَ الأعلى توجهت، لترى غيمةً في قلبِ السماء سبحت، الهدوء أراح بالَه المنهك، وزفرةٌ من صدرِه خرجت.

ودّ لو يبقى هنا طيلةَ الوقت، لكنَّ حراس الأمن حولَ المكان يتجولون مانعي أيَّ طالبٍ من البقاءِ في قعرِ الهدوء، من إجبارِهم له على تركِ مستقرِّه تبرّم وامتعض. « لا يوجدُ منطق! ما المشكلةُ في جعلنا نأتي ونذهبُ كيفما نشاء؟ »

لوهلة تذكر كيف يُسمح لأثال بالتجول حاملًا خنجرًا، يدخل السكن متى أراد ويغادر إلى أين شاء، حتى فصولُه والوجبات في المقصف لا يحضرها، مع ذلك لا أحدَ وجّه له حرفًا من قبل، لماذا كان ذلك؟ بسبب نفوذ والده؟ لَم يكُن سيعرف الإجابة قريبًا على ما يبدو.

« منذُ متى كان لديكَ حريةٌ أصلًا في الذهابِ أينما تشاء في هذا البلد؟ أنتَ مغربيّ يا عزيزي، لا تنسَ ذلك! » صوتٌ تدخلّ مقاطعًا تذمره، جاعلًا تبرّمه يزداد حد الزبى. « وماذا تريدُ أنت؟ لماذا تلاحقني؟ »

« من قال أنَّني ألاحقُك؟ هل المكانُ باسم والدكَ يا سيد؟ » الأكبرُ لم يتجاهل وقاحته، ولم يمانع بدء جدالٍ طويلٍ لن ينتهيَ قريبًا لولا أنَّ أويس أشاح بنظرِه راغبًا بالبعدِ عن الجدالات.

تنهد وتركه، صوبَ مقعدٍ قريبٍ تحرك ثم جلسَ حاملًا بيده كتبًا تنوعَت موضوعاتها بين الطيورِ والطبيعة، رفعَ أويس حاجبًا متعجبًا؛ إذ  أنَّه لا يبدو من المهتمين بمثلِ هذه الأمور.

« ريان. »

« ماذا؟ » بجفافٍ تحدَّث دون رفعِ رأسه، وأويس لم يهتم وأكملَ ما أراد قولَه بعد نهوضِه وسيره نحو الممر المعبد المتجه للبوابة الخلفية. « أنتَ حقًا مزعج! »

« هاه؟ » من كلماتِه سخط، وكادَ أن يلاحقَه لولا أنَّ ما حصل تاليًا دمَّرَ مخططه، وفي هاويةٍ سحيقةٍ من الفزعِ والهلع هوى قلباهما فما وجدا ملاذًا غير النداءِ والاستنجاد المُرتعِب.

قُبيل ساعةٍ سابقة، وبعيدًا عن قلبِ الفوضى، بخطواتٍ قصيرةٍ وسط جموعٍ من الطلابِ سار، في بهوِ السكنِ تواجد، وغرفُ الدراسة كانت وجهته، الحذرُ في خطواته بيّن، وعيناه بين الطلابِ تأرجحَت بتمعنٍ محتاط.

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Feb 18, 2023 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

دمٌ ولهبحيث تعيش القصص. اكتشف الآن