الجزء الأول

16 3 2
                                    


كان ذلك في وقت متأخر من الليل ، كان الفتى الذي تأخر كثيرا في العودة إلى منزله يسير على ضفة النهر و قد ألقى نظرة على ضوء القمر المكتمل الذي انعكس على مياه النهر أمامه ، وفي منتصف النهر وقف مركب يجلس فيه شخص لم يستطع تبينه جيدا بسبب بعد المسافة وتأثير الظلام، كان الفتى ساكنا تماما في موضعه ولم يقم بأية حركة كما لو كان تمثالا ، تأمل الفتى هذا المشهد الذي بدا وكأنه لوحة مرسومة و حين هم بمواصلة طريقه إلى منزله انقلب المركب فجأة رأسا على عقب ، تسمر الفتى في مكانه مصعوقا مما حدث ولكن لم تمر لحظات حتى اعتدل المركب مجددا وحده ولكن تلك المرة كان فارغا بدون الشخص الذي كان يجلس فيه ثم بدأ المركب يسير بعيدا حتى اختفى عن أنظار الفتى الذي ما إن عاد لوعيه جرى إلى منزله خائفا مرتعبا .

في المنزل وجد مختلف الوان التقريع من والدته لتأخره حتى ذلك الوقت خاصة مع وجود مجرم طليق في المدينة لم يتمكن أحد من امساكه حتى الآن ، مع ذلك لم يبد بأن الفتى كان يستمع إلى كلمات والدته فعقله كان ما يزال هناك عند النهر يحاول أن يستوعب ما حدث .

ذهب الفتى إلى النوم محاولا اقناع نفسه بأن ذلك كله كان محض اوهام من اختراع عقله لا أكثر أو ربما من فعل الجن كما كان يسمع في الحكايات عما يفعلونه مع أولئك الذين يسيرون في الليل وحدهم ، النهر لا يبتلع البشر بتلك الطريقة ولا المراكب تسير وحدها في عرضه هكذا.

في اليوم التالي وكما يحدث في مثل هذا الوقت من كل شهر انتشرت شائعة جديدة عن اختفاء صبي آخر.

" لابد أنها مجرد صدفة لا أكثر .. ما حدث أمس كان أوهاما " كلمات ظل يرددها دون أن يتمكن من تصديقها ، كان يجب أن يخبر حدا لكن ماذا يقول له ، بضع كلمات لا معنى لها من شخص في مثل سنه لن يقيم أحد لها وزنا ، ولا حتى صديقه ، ولا حتى هو نفسه الذي ظل يعتقد أنه إما توهم أو أنه قد أصابه الجنون .

ظل يتردد بلا هدف و بخوف على ذلك المكان الذي شهد فيه الحادثة لعله يجد شيئا ما قد يرشده ولكن كان ذلك بلا فائدة في النهاية عزم على العودة مجددا عند اكتمال القمر التالي .

في الموعد المنتظر تسلل من منزله ذلك لان أمه أصبحت أكثر صرامة فيما يتعلق بذلك خاصة بعد حادثة الاختفاء الأخيرة ، ذهب الفتى إلى النهر في موعد مبكر تلك المرة وهناك ظل جالسا وهو متخفي بين العشب يراقب .

مرت فترة طويلة كان الفتى مترقبا فيها لما قد يحدث غير أن الوضع ظل هادئا و كان الوقت قد تأخر كثيرا و بدأ الاطمئنان يتسرب إلى قلب الفتى إثر ذلك فهذا يعني أن ما سبق كان أوهاما لا أكثر ، لا يوجد شيء هنا يبتلع الناس ، إن اختفائهم له سبب آخر.

قرر الفتى أن يترك ذلك الغباء بعيدا عن رأسه و يعود إلى بيته خاصة إن حدث وان اكشفت والدته غيابه فلن تمر الليلة على خير ، وستكون على حق فيما تفعله فلا ينبغي أن يكون خارجا في مثل ذلك الوقت بينما هو الموعد الذي يقوم فيه المجرم بتنفيذ جرائمه ، ما الذي كان يفكر فيه .

لم يكد يلتفت ليعود أدراجه حتى لمح بطرف عينيه شيئا ، نظر إلى النهر مجددا فرأى المركب ، لا يدري كيف جاء ولا من أين أتى هو فقط قد ظهر هكذا من العدم.

ابتلع الفتى ريقه ، هل يعني هذا أن ما حدث سابقا كان حقيقي أم أن هذا مجرد وهم آخر ؟ دعك عينيه و قرص نفسه فربما قد غلبه النعاس وهو الآن يحلم ولكن لاشيء قد تغير وها هو المركب قد بدأ الآن بالتحرك وهو فارغ ، لا أحد يقوده مع ذلك يتحرك ، يتحرك باتجاه الفتى.

اختفاء مريبحيث تعيش القصص. اكتشف الآن