أشرقت الشمس وأشرق معها يوم جديد، أشرقت باسطة أشعتها الساطعة في كل الأماكن وفي كل الأرجاء. فصل الصيف على الأبواب وها هي ذي العصافير الأولى تغرد بأنشودة منتظمة كلمات النشاط والحيوية، تحث بها البشر على بدء العمل.
وفي وسط سنفونية الطبيعة هذه جلست فتاة على كرسي مكتبها مهمومة وحيدة، تنظر تارة إلى نافذتها وإلى السماء الرمادية التي لا تزال لم تضء بضوء الشمس كليا بعد، وتنظر تارة أخرى إلى ما بين يديها...
قلادة، ذهبية يسطع لونها فيضاهي سطوع الشمس، في داخلها صورة أب وابنته فارقتهما أيام عالم الأحياء وجمعت بهما في عالم الأموات.
لبثت الفتاة تقلب أصابعها عبثا، تحاول تحسس الفراغ، ذلك لأن قلادتها لم تكن بين يديها، قلادتها اختفت، استيقظت هذا الصباح ولم تجدها.
تنهدت وتنفست بعمق، هي ليست خائفة، ولا مرتبكة أو هلعة، أمر اختفاء القلادة لم يفاجئها البتة لأنها كانت تعلم أنها ستستيقظ هذا الصباح في هذه الساعة ولن تجد قلادتها بالقرب منها.ما أمرها إذا؟ جالسة مهمومة على كرسيها؟ شاردة الذهن ومشتتة التفكير؟
تنهدت مجددا، نظرت إلى النافذة مجددا، لكنها هذه المرة وقفت ومشت إليها لتنظر إلى السماء عن كثب ولا تكتفي بالنظر إليها من بعيد فقط. سماء ميتة لم تحيها الشمس بعد، سماء خالية من ألوان الحياة.
استدارت إلى غرفتها ويداها لا تزالان على حافتي النافذة، أخوها لا يزال نائما، وكم يبدو مسالما عندما يكون نائما، من يراه في هدوئه ذاك لا يصدق حجم المعاناة التي مر بها في صغره.
تبسمت الفتاة وهي تفكر في الأمر، لكن ابتسامتها سرعان ما اختفت بموجة ندم عنيفة عصفت بذهنها وذكرتها بهمها.
هي لا تريده أن يعاني أكثر، هي لا تريد أن تكون سببا في أي معاناة جديدة.
"أنا آسفة... آول مايت، قد لا يعجبك قراري، لكنني اتخذته ولن أتراجع عنه"
مشت مباشرة إلى صندوقها المخبأ أسفل الخزانة، تأكدت من أن شوتو لا يزال نائما ونظرت مجددا إلى صندوقين، فتحتهما، احتوى الأول على هاتف محمول وبطاقة عليها رقم أحدهم، والثاني على هاتف آخر مع ورقة مكتوب عليها "في انتظار جوابك!". كلا الصندوقين لم يكونا لها، لقد أعطاها إياهما شخصان مختلفان لا يريدان إلا مصلحتها، لم يدريا أنها ستمزق الورقة وتحطم الهاتفين...
أو ربما فعل؟ لا أعرف، لا أحد يعرف. كل ما يمكن قوله هو أنه بدا مرتبكا، أحد الشخصين اللذين أعطياها أحد الصندوقين... بل في غاية الارتباك وهو يمرر الصندوق لليامي، وقد لاحظت هي ذلك أيضا رغم محاولته لضبط نفسه في ظل جدية الموقف.
ولعل ارتباك ذاك الشخص، وبراءة ذاك الآخر النائم بقربها، هما السببان الرئيسيان لما هي مقدمة على فعله، لما هي مصممة على فعله.
اختفت القلادة، وبدأ العد التنازلي.قبل:
تابعت ليامي مشاهدة الفيديو وهي لا تصدق ما تراه عيناها، إنها ترى نفسها في شريط كاميرا المراقبة الخاصة بالشرطة وهي في تتصرف بغرابة في الشارع والناس ينظرون إليها وكأنها مجنونة تقاتل الهواء.
- ليامي: لكن... لكن... كان هناك شرير!!! أقصد... شوتو!! (تنهض) أجل شوتو!! اسألوه لقد كان معي!!
تبادل أيزاوا، إنديفار ونيزو أنظارا غامضة بينهم قبل أن يجيب أحدهم ليامي.
- أيزاوا: شوتو كان في الأكاديمية يدرس مع الفصل، لقد درست الفصل بنفسي وكان حاضرا.
- ليامي: أ... أرجوك قل لي إن هذه مزحة.
وقعت عيناها على الشريط مجددا، كانت هي وإيري جالستين على مقعد الحديقة قبل أن تقوم بالقفز من عليه فجأة والركض بلا سابق إنذار نحو مبنى مهجور غادره ساكنوه منذ زمن. أظهر الفيديو الموالي لكاميرا أخرى ليامي وهي تقوم بحركات "بهلوانية" تبدو فيها وكأنها تقاتل شخصا خفيا، لكن الناس بالطبع لم يفكروا في ذلك... كل ما كانوا يرونه هو فتاة مجنونة حولها حرس يحاولون التهدئة من روعها فيما تواصل هي تجاهلهم.
اصفرت ليامي من صداع الرأس والدوار المفاجئ فاحمرت خجلا ثم ازرقت من الذعر وهي تستوعب فكرة أن كل ما حدث كان هلوسة من خيالها.
- ليامي: لا أصدق أن هذه أنا... كيف سأستطيع التجول خارجا بعد هذا...
- إنديفار: لن تخرجي، (بالنيران حوله) من الآن لا خروج في المدينة لشراء الألعاب والحلوى!!!!! (يضع يده على رأسه) يا إلهي...
- ليامي: لكن إيري... إيري!!! كانت معي!!!! ألن تسألوها عما حدث؟؟
- أيزاوا: لم نسألها لأنه لم يحدث شيء، ليامي... أظنني ضغطت عليك كثيرا بالتدريب مؤخرا، خذي قسطا من الراحة.
- ليامي: لكن أيزاوا سنسي!!!
- أيزاوا: هذا أمر.
لم يترك لها مجالا للكلام ولا المجادلة، لاسيما أن انظارهم المضطربة كانت لا تزال موجهة إليها... خفضت ليامي رأسها وجرت قدميها لتنقلاها خارج المكتب حين...
- نيزو (يبتسم): ليامي.
ناداها المدير الذي لم تنبس شفتاه بكلمة طوال الحديث، لكن لسبب ما بدا لليامي أنه كان أقل قلقا وارتباكا من بينهم جميعا.
- ليامي: أنا... آسفة... حقا، لا أعرف ما الذي دهاني.
- نيزو: لا بأس، جميعنا نخطئ. ليامي، أرجو منك البقاء قليلا.
عادت للجلوس وعيناها لا تفارقان عيني المدير، ظلت تحدق به بنظرات مستغربة عسى أن يوضح معنى كلامه، لكن هذا الأخير نهض فجأة هو وإنديفار وأيزاوا ليغادروا القاعة.
وقبل أن يغادر إنديفار همس في أذنها "سأنتظرك في السيارة في الخارج، لا تطيلي الحديث معه"
ودت لو تجيبه: "مع من؟!" لكنه قد غادر بسرعة ودون انتظار رد مما جعل ليامي تتضايق لكن في نفس الوقت تقلق حيال ما سيأتي... خاصة بعد ما رأته في عيني أيزاوا، لقد رمقها بنظرات لا يمكن وصفها، وكأنه ينظر لمخلوق فضائي أو كائن غريب.
لحظات بعدها ووجدت ليامي نفسها وحيدة في المكان، وفي وسط ذاك الصمت القاتل صفعت نفسها بيديها الاثنتين.
في تلك اللحظة انتبهت لصوت أنفاس قريبة منها، لتجد آل مايت واقفا أمام الباب بابتسامته الباهتة وتحيته المعهودة.
- ليامي (بإشراق): آل مايت!!! لم أرك منذ مدة.
- آل مايت: أما أنا فرأيتك قبل نصف ساعة، على شريط فيديو.
أدارت رأسها إلى النافذة في إحراج.
- آل مايت (يبتسم): اهدئي... لا حرج عليك، ليس الأمر بذاك السوء.
في الواقع، كان لا يزال يحاول إقناع نفسه أنه ليس بالفعل كذلك.
اتجه آل مايت بخطى متثاقلة إلى الكنبة وجلس في الجهة المقابلة لليامي، لا تفصلهما سوى طاولة زجاجية مستطيلة الشكل عليها قنينة ماء ترجع للمدير على الأرجح، ودت ليامي لو كانت قنينة الماء تلك كوب شوكولا ساخنة ولو كان بجانبها عصيدة فيومي الساخنة...
- ليامي (في نفسها): شوكولا مع عصيدة، ماذا أقول أنا... يا إلهي، أظنني بالفعل بدأت أفقد عقلي.
وضع آل مايت مرفقيه على ركبتيه وشبك أصابع يديه فجعل رأسه يستند عليهما، تنهد في البداية و عاصفة أفكار رأسه تخنقه من الداخل، نظر إلى ليامي التي كانت جالسة كالصنم تتأمل قنينة الماء.
- آل مايت: ما الذي حدث لك؟
- ليامي: لا شيء... قضيت وقتا كثيرا في التدريب مع أيزاوا ولم أتناول شيئا طول اليوم، أظن هذا جعلني أغفو في الحديقة وأحلم بقتال شرير في الشارع، وأمشي في نومي أيضا...
"لا أصدق أني أقول هذا..."
"إن أخبرته عن كوابيسي الغريبة وكل أولئك الناس الذين أسمع أصواتهم فسيرسلني إلى مصحة الأمراض العقلية بلا نقاش"
- آل مايت: أهذا ما تصدقينه حقا؟
سؤاله هذا وكأنه شوكة في الحلق، خفضت ليامي رأسها غير قادرة على النظر إلى الجدية في عينيه.
- آل مايت: ليامي، أهذا ما تصدقينه حقا؟
- ليامي: أنا... في الحقيقة أنا...
وضع على الطاولة بعض الأوراق المرتبطة بمشبك معدني، وعلى اورقة الأولى كانت هناك صورة رجل... ما إن رأته ليامي حتى قفزت من مكانها بلا شعور منها
- ليامي: إنه الرجل الذي قاتلته!!
- آل مايت (مقاطعا): أوه، الشرير الذي قاتلته في حلمك؟
- ليامي: كلا... ك-كلا... لم يكن حلما، أنا واثقة كل الثقة أني لم أكن أحلم.
ابتسم آل مايت وهو يحرز تقدما في المحادثة، كل ما كان عليه الآن هو المواصلة.
- آل مايت: هذا الرجل مجرم خطير، إنه يخطف الأطفال بهدف إجبارهم على القيام بعمليات انتحارية أو بمهمات سرية تخدم مصالحه. لقد تمكنت الشرطة من الإمساك به بمساعدة والدك قبل سنتين، وهو مذاك الحين يقبع في زنزانته ويقضي عقوبة السجن التي وضعت في حقه: خمس سنوات من السجن مع الأعمال الشاقة.
- ليامي: لكنني قاتلته وجها لوجه، لقد اختطف إيري في الحديقة فدخلت مبنى مهجور ووجدت كليهما، قاتلت الشرير بمساعدة شوتو وتغلبنا عليه ثم أتت الشرطة. (بضيق) ثم وجدت نسفي أمام شريط فيديو يظهرني أقاتل الفراغ كالحمقاء...
أبدا آل مايت اهتمامه الكامل بكلامها ولم يقاطعها، أمهلها ثواني أخرى لتضيف شيئا ما لكنها اكتفت بالصمت.
- آل مايت: ليامي... أنا أصدقك، كليا. فحتى لو افترضت أنك كنت تحلمين بالأمر فقط فلا يمكنني تفسير حقيقة أن الشرير الذي تدعين أنك قاتلته هو موجود بالفعل، ولو أنه يقبع حاليا في السجن. قد يبدو سؤالي غريبا لكن... هل حلمت بشيء ما؟ قبل أن تختفي إيري عن ناظريك في الحديقة؟
- ليامي: كلا، لم أر شيئا، ثم ما الذي تعنيه بحلم؟
- آل مايت: أرجوك، كوني صريحة.
- ليامي: أنا صريحة بالفعل، لم أحلم بشيء.
- آل مايت: أنا الوحيد الذي يستطيع مساعدتك، أرجوك ثقي بي.
كلماته الأخيرة هذه حطمت ثقة ليامي بنفسها كليا.
- ليامي: أنا لا أحتاج مساعدة، كل ما علي هو أخذ قسط من الراحة كي أتوقف الكوابيس عن مراودتي.
أبت أن تطلعه على أي شيء، فبينما كانت عيناها ترمشان وتريان الظلام لحظة قبل أن تريا آل مايت... كانت تراه وهو مغطى بدمه تماما كالحلم الذي راودها الليلة السابقة، الحلم حيث يقوم شيغاراكي بقتل كل من هو حولها.
- آل مايت: حسنا إذا...
وقف هذا الأخير وانتصب، جعل الأمر ليامي تقلق وهي تفكر في الطريقة الجديدة التي سيحاول إقناعها بها بإطلاعه على ما يريد. لكن لم يحدث شيء... كل ما فعله هو التوجه نحو باب القاعة وهو يهم بالمغادرة.
غادر.
- ليامي (تتنهد): فيوه!! كان هذا وشيكا.
- آل مايت (يخلع الباب): آآآآل مايت هناااااا!!!!!
- ليامي: وااااا ألا زال بإمكانك التحول؟!!!!!!!

أنت تقرأ
《ليامي تودوروكي》 - الجزء الثالث
مغامرةالجزء الثالث من قصة ليامي تودوروكي، أخت شوتو الصغيرة والبطلة الصاعدة بعد أن عادت ليامي القدرة على الكلام والابتسام بفضل البطل العظيم إيلاستيك مان، التحقت باليو آي في الفصل الذي يدرس به أخوها شوتو. ومن هناك بدأت تشق طريقها نحو القمة! إلى جانب أصدقائه...