الفصل الخامس

2 0 0
                                    



سلاماتي معك عزيزى..
كيف حالك؟ هل ما زلت تقرأ لي؟ هل تتتبع أخباري بعناية؟ أنت الآن الشخص الوحيد  الذي يبعث لي السعادة، أشعر بنشوة غريبة تسري في جسدي عندما أكتب لك... مجرد كتابتي لشخص يهتم بأمري فذلك يسعدني بشدة...
رغم ألمي الذي يظهر في كل قسمات وجهي إلا أنني أقول لك أنني في غاية السعادة... نعم أكاد أطير من الفرحه، لقد أدركت موهبة أخرى كانت دفينة بداخلي... موهبة الكتابة.
كل كلمة تخرج من داخلي وتكتب على الورقة التي أمامي تشعرني براحة كنت أود أن أشعر بها منذ زمن... نصيحة من صديق لصديق، اكتب... كل ما يجول بخاطرك اكتبه... افهم نفسك وترجمها بعبارات تسطرها بيدك...
هل تسمع يا صديقي صوت الرعد، الطقس بارد للغاية... ارتديت معطفي الثقيل وذهبت للمطبخ لأحضر فنجان قهوة، هذا الطقس يحتاج إلى مشروب ساخن.
دوى صوت الرعد مرة أخرى،  لا بد أنها تُمطر بالخارج... أخذتُ فنجان القهوة الذى حضرته وذهبت للشرفة، كم أحب أن أرى سقوط الأمطار!
فتحتُ باب الشرفة فقابلني نسيم الهواء يداعب وجهي، يا الله! ما أجمل رائحة الشتاء حين تختلط برائحة الطمي! يا لها من رائحة تنتعش بها القلوب! أغلقتُ عيني في إثارة، أخذت شهيقًا عميقًا حتى تمتلئ رئتاي بالهواء المنعش ثم أخرجته ببطء.... تتساقط الأمطار بغزارة، أشعلتُ سيجارتي وأخذت رشفة من القهوة التي بيدي، أنظر للناس الذين يسيرون في الطريق يحملون مظلات، وهناك من يرفع معطفه ليغطي بها رأسه ويجري تحت المطر ليصل أسرع إلى مبتغاه، وهناك من يمشي غاضبًا من سقوط المطر؛ لا بد أنه لم يتوقع سقوط الأمطار اليوم، ابتسمت لمجموعة من الأطفال يركضون تحت المطر بسعادة... اتسعت ابتسامتي أكثر حين سقط أحد الأطفال في الوحل ولكنه قهقه بشدة ورفع يده لأصدقائه حتى يساعدوه على الوقوف، وحينما تقدم أحدهم سحبه باتجاهه فسقط بجانبه فضحك الطفل وأخذوا يركضون خلف بعضهم بسعادة شديدة.
لاحت ذكرى أمام عيني.
تحدثت طفلة لم تتعدى الثمان سنوات: تعالى، واقف بعيد ليه؟
- إنتم مجانين! فيه حد يقف تحت المطر كده؟ هتأخدو برد.
= برد إيه! سيب الورق اللي في إيدك ده وتعالى إلعب معانا، هتتبسط أوي.
- سيبيني أكمل الرسمة، وبعدين هتتبلو، ولما سناء تيجي تضربك يا أميرة مش هدافع عنك.
قالت بمزاح طفولي: والله وكبرت يا نادر وبقيت تقول سناء من غير طنط.
اجتمع الأطفال حولهم فتحدثت سلوى: تعالى يا نادر، المطر حلو أوي.
= يا سلوى إحنا أكبرهم، كده العقاب هيبقى مضاعف.
سلوى وهي تأخذ ما بيده وتضعه جانبًا ثم تأخذه من يده لتحثه على النهوض: مش مهم... المهم إننا نسعد نفسنا بنفسنا، مش هنفضل خايفين كده.
ظلوا يركضون تحت المطر والبسمة لا تفارق وجوههم غير آبهين بنوع العقاب الذي سينالونه فيما بعد.

ألم في أصابعي أفاقني من شرودي، نظرتُ ليدي؛ السيجارة قد انتهت وأصابتني بحرق طفيف فى إصبعي.
ابتسمتُ لتلك الذكرى التى حُفِظت بذاكرتي.
وضعت الفنجان على الطاولة الموجودة بالشرفة وذهبت.
لا، لم أذهب لغرفتي، بل ذهبت للخارج وعلى وجهي ابتسامة اشتقتُ لها منذ زمن.
هبطت على السلالم مسرعًا متذكرًا حينما كنت أنزل الدرج مسرعًا وفي يدي أميرة، وسلوى تركض خلفنا بسعادة....
وقفتُ تحت المطر رافعًا رأسي للسماء، مغمضًا عيني، فاتحًا ذراعيّ للحياة، استنشق الهواء بعمق، كم أحب رائحة المطر! وكم أشعر بلذة عندما أقف تحت المطر! أشعر بأنه يطهرني من الداخل، كل نقطة مطر تسقط على جسدي أشعر وكأنها تصيب قلبي، تبعث إليّ شعور بالراحة والاطمئنان.
حركت رأسي يمنة ويسرة تحت المطر باستمتاع.... فتحت عيني فوجدتُ عينين تراقباني، ابتسمتُ بحرج لذاك الطفل الذي ينظر إليّ بدهشة... في الواقع لا ألومه، فكيف لشخص في سني أن يلعب تحت المطر مثل الأطفال؟!
ضممت يديَّ بجانب بعضهما ليتجمع فيهما ماء المطر ومن ثَمّ قذفته بالماء فى محاولة مني لمداعبته.... ابتسم الطفل واقترب مني وألقى عليّ بما يسمى ثلج أفراح مما جعل الجو أكثر متعة... قهقهت وركضت خلف الطفل وهو يركض بفرحة طفل وجد أنيسه تحت المطر.
ظللنا نلعب تحت المطر ما يقارب الساعة، أصبحت ملابسنا مبللة ومتسخة تمامًا.
اقتربت منه وجلست على ركبتي حتى أصل لمستواه:
- صحيح متعرفناش. ثم مددتُ يدي بسعادة: أنا نادر، وأنت؟
مد يده هو الأخر وقال ببراءة: خالد.
وضعت يدي على شعره بلطف: تشرفت بيك يا خَلُّود.
احتضن الطفل نفسه في محاولة لتدفئة نفسه فأردفت: الجو ساقعة أوي.... لحسن حظك إني عندي هدوم على قدك.
قبل أن يعترض كنتُ أخذاه من يده ودلفنا للمنزل، تركته بالصالة ودخلت إحدى الغرف، فتحت الدولاب أختار له بعض الملابس....
بعد وقت كنت قد أحضرت له تيشيرتًا وبنطالًا.
ذهبت له بسعادة؛ فكرة أن هناك شخص بجواري يؤنس وحدتي ولو لبعض الوقت تريحني بشدة.
- امسك غير هدومك.
تردد الطفل فأكملت: هدومك مبلولة وهتبرد، خدهم عشان متتعبش.
أخذهم الطفل بابتسامة وأشرت له على الحمام حتى يغتسل ويرتديهم... ذهب الطفل وتوجهتُ للمطبخ بسعادة عازمًا على أن أحضر له ألذ كعكة ممكن أن يتذوقها.
بعد مدة لا أعلم كم من الوقت مر؟ كان يأكل الطفل الكعكة وأنا أنظر له بلهفة منتظرًا أن يعطيني رأيه بها، في هذه اللحظة لا أعلم من هو الطفل؟ أنا أم هو؟ كنت أنتظر أن يعطيني رأيه كطفل حصل على وردة وركض بها على عجلة كي يقدمها لأمه.
رعشة أصابت جسدي، اللعنة! ليس هذا وقتها، لم أستمتع بما يكفي...
- حبيبي أشغلك التلفزيون؟
أومأ برأسه وهو يأكل الكعكة بنهم، يبدو أنه لم يأكل منذ فترة.
تحاملتُ على نفسي فالألم قد ازداد، أشعلت التلفاز والألم في رأسي يتزايد، جبيني أصبح يتصبب عرقًا.
انتبه الطفل لي: هو حضرتك تعبان؟
وضعت يدي على رأسي أفركها بشدة: صداع جامد.
اقترب مني بقلق: أجيب لحضرتك علاج.
ابتسمت له ولاهتمامه، كم افتقدتُ لشخص يهتم بي: اتفرج إنت على التلفزيون وأنا هروح أرتاح شوية.
أومأ رأسه لي بالإيجاب....
ابتلعتُ ألمي بداخلي وحاولت أن أسير بشكل طبيعي أمامه حتى لا يشعر بالقلق، لكنني لم أستطع، هرولت إلى غرفتي قبل أن تصدر قدمي حركة غير متوقعة.... دخلت غرفتي وأغلقتُ الباب بإحكام، ثم تحركت بالغرفة أبحث عن الدواء لكن انتفاضة من جسدي وحركة غير محسوبة من قدمي جعلاني أسقط أرضًا، زاد ألم رأسي أكثر وأكثر لدرجة لا تحتمل وزادت انتفاضة جسدي.
زحفت على الأرض باتجاه المكتب، بصعوبة مددت يدي المرتعشة التقطتُ الدواء، لحسن الحظ أن كوب الماء موضوع بجوار الدواء.... أخذتُ المسكن، هدأت الارتعاشة شيئًا فشيئًا، نمتُ على الأرض من كثرةِ التعب.

تدقيق لغوي:هبةالله عيسى

خفايا مشهور حيث تعيش القصص. اكتشف الآن