الفصل السادس

3 2 0
                                    



عزيزي... لن أكف عن مناداتك بذلك!
عندما استيقظتُ في صباح اليوم التالي كان الطفل قد غادر، اعتصر قلبي عندما أدركتُ أني عدتُ وحيدًا مرة أخرى.... ولكن لا عليك، لا تقلق بشأني فأنا بخير...
هيا اربط حزام الأمان لكي نعود معًا للماضي.
بعد خروج الضابط حاولت أن أنعزل عن العالم بالنوم، نعم؛ هذه طريقتي كلما أردت أن أبتعد عن كل شيء وأي شيء، ولكن أعلن عقلي عدم الانصياع إلىّ، أخذت أتقلب في الفراش يمنة ويسرة وصور أميرة لم تفارق خيالي... جلست على الفراش بانزعاج أنظر للساعة المعلقة على حائط غرفتي.. الوقت لم يمر! الساعة الثانية عشرة بعد منتصف الليل.. كم من الوقت سأنتظر حتى أذهب؟ لماذا طال الليل هكذا؟ الوقت لا يمر، الساعة أصبحت كالسلحفاة عقاربها تسير ببطء... ضاق صدري من كثرة الانتظار.. ما الذي سيجبرني على الانتظار؟ سأذهب الآن.. ماذا سيحدث أسوأ من موت أميرتي؟ وعلى ذكر اسمها اعتصر قلبي بشدة.. امتلأت عيناي بالدموع لكن لا، لن أبكى... وفي وسط صمودي المزعوم دمعة هاربة سقطت على وجنتي وكأنها القشة التي قصمت ظهر البعير سحبت معها باقي عبراتي... وكأن كل جزء بي أعلن عناده! خرجت تأوهاتي المكبوتة... في وسط دموعي وتأوهاتي أنادي باسمها... لا أعلم هل دموعي تتساقط بسبب الفراق؟ أم ندم لعدم الإفصاح عن محبتي لها؟ بعد فترة أفقت من نوبة البكاء تلكْ أجفف دموعي وأنا أردد بداخلي: لا وقت للانكسار، لا وقت، لا وقت..
سحبت مفاتيح السيارة وركضت بأقصى ما لدي من سرعة... ركبت سيارتي مسرعًا، ولا أكذب عليك عندما أقول لك أنني كدت أن أطير بها... بعد حواي ساعتين كنت قد وصلت لمبتغاي.. آاااه يا طفلتي! آخر لقاء بيننا كان هنا.. دخلت المكان المراد، فلتسميه كما يحلو لك؛ مرسمًا، مخبأً، جُحرًا، سمِّه كما تشاء، أما أنا سأسميه مثل أميرتي؛ جحري. دخلت المكان ببطء عكس السرعة التي كنتُ عليها منذ قليل... هنا كانت تقف آخر مرة، وقفتُ مكانها، أغلقتُ عيني، أستنشق الهواء، أشعر بعبيرها يملأ رئتيّ... فتحت عيوني وتحركت راكضًا نحو غرفتي؛ ينبغي أن أرى ما بها هذه الفلاشة؟ وأثناء مروري لفتت انتباهي اللوحة المغلفة على المنضدة... أخذتها بأيدي مرتجفة وقلب يخفق بشدة، فتحت التغليف ووضعته جانبًا... نظرت للوحة بحنين وشوق ودموع تتساقط.. أمرر يدي عليها وأنادي بهمس: أميرة... ابتسمت لرؤيتها حتى لو كانت مجرد رسمة... حبيبتي، هذه أول مرة ينطقها لساني ولكن نطقها قلبي مرارًا وتكرارًا، رسمتي لم تصلك ولكنها محفورة بقلبي.
أميرتي ليتكِ أمامي الآن؛ بداخلي حديث أريدك أن تسمعيه.
أميرتي، منذ أن حملتُكِ وأنا طفل لا يتعدى السبع سنوات وقد احتلت كياني مشاعر لا أعرفها.. وكيف لطفل أن يعرف ماذا أحل به عندما رآكِ؟ لو كنتُ أعلم أنني سأفقدك هكذا كنت سأخبئكِ بين أضلعي.
أميرتي؛ أنتِ طفلتي التي ربيتها منذ صغرها وإهتميتُ بها، وأختي التي كنت أخاف عليها من بطش اللائمين.. أردتُ أن أكون سندًا لكِ ولكني قد فشلت عزيزتي... كم أشعر بالعار لعدم حمايتي لكِ! وحبيبتي التي لو عاد الزمن بي كنت سأقولها لكِ كل ساعة وكل لحظة.... لا أعلم لماذا لا ندرك أهمية من نحب إلا عندما نفقدهم؟ لا أدرى ما منعني كل تلك السنوات؟ لماذا لم أخبركِ يومًا؟
أميرتي، كنتِ وما زلتِ الأقرب إلى قلبي.
غيرتُ وجهتي وذهبت للمخزن، دقائق معدودة ورجعت مرة أخرى أحمل مطرقة ومسمارًا. وقفت على الكرسي بالصالة وأخذتُ أطرق المسمار بالحائط ثم نزلت واتجهت للوحةْ أخذتها بين يدي وعلقتها...وابتسمت بانكسار وحزن... أميرتيْ لقد حملتكِ مرتين؛ الأولى منذ طفولتك وأنتِ لم تتعدي بضعة أيام، والثانية كنت أحمل نعشك. جففت دموعي المتساقطة، وذهبت لغرفتي، فتحت حاسوبي، الفلاشة ما زالت به منذ آخر مرة كنت أريد أن أعرف ماذا بها ولم أخبئها؟ عندما علمت أن أميرة بالمستشفى لم أضعها فى مكان آخر؛ فكان كل همي أميرة. اتسعت عيناي بصدمة! لا أصدق ما تراه عيناي، تحركت فى الغرفة بغير هدى، سرتُ فيها ذهابًا وإيابًاْ ما هذا؟ رباه ماذا أفعل؟ هل أبلغ الشرطة؟ نعم، نعم، أظن أن هذا الحل الأمثل... سأتصل بالضابط الذي جاءني اليوم.. ولكن أين وضعت الكارت الذي أعطاني إياه؟ أين؟ أين؟ أين؟ لا أتذكر... لاااا أتذكررررر، طرقت على المكتب بعصبية...حسنًا، لا بد أن أعود للمنزل حتى أبحث عنه.. ضربة قوية على رأسي من الخلف أسقطتني مغشيًا عليّ.

تدقيق لغوي:هبةالله عيسى

رأيكم 🥰🥰🥰

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Mar 01, 2023 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

خفايا مشهور حيث تعيش القصص. اكتشف الآن